قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 358 تحت حديث "ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة...":نقلا عن المقبلي اليمني رحمه الله تعالى:
" إن الناس عامة و خاصة ، فالعامة آخرهم كأولهم ، كالنساء و العبيد و الفلاحين
و السوقة و نحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء ، فلا شك في براءة آخرهم من
الابتداع كأولهم .
و أما الخاصة ، فمنهم مبتدع اخترع البدعة و جعلها نصب عينيه ، و بلغ في تقويتها
كل مبلغ ، و جعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب و السنة ، ثم تبعه أقوام من
نمطه في الفقه و التعصب ، و ربما جددوا بدعته و فرعوا عليها و حملوه ما لم
يتحمله ، و لكنه إمامهم المقدم و هؤلاء هم المبتدعة حقا ، و هو شيء كبير ( تكاد
السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا ) ، كنفي حكمة الله تعالى ،
و نفي إقداره المكلف ، و ككونه يكلف ما لا يطاق ، و يفعل سائر القبائح و لا
تقبح منه ، و أخواتهن ! و منها ما هو دون ذلك ، و حقائقها جميعها عند الله
تعالى ، و لا ندري بأيها يصير صاحبها من إحدى الثلاث و سبعين فرقة .
و من الناس من تبع هؤلاء و ناصرهم و قوى سوادهم بالتدريس و التصنيف ، و لكنه
عند نفسه راجع إلى الحق ، و قد دس في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه
خفي ، و لعله تخيل مصلحة دنيئة ، أو عظم عليه انحطاط نفسه و إيذاؤهم له في عرضه
و ربما بلغت الأذية إلى نفسه . و على الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل ، و
تخبط في تصرفاته ، و حسابه على الله سبحانه ، إما أن يحشره مع من أحب بظاهر
حاله ، أو يقبل عذره ، و ما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك ،
لكن شرهم و الله كثير ، فلربما لم يقع خبرهم بمكان ، و ذلك لأنه لا يفطن لتلك
اللمحة الخفية التي دسوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث ، و قد أغناهم الله
بعلمهم عن تلك اللمحة ، و ليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق
و يخفيه . و الله المستعان .
و من الناس من ليس من أهل التحقيق ، و لا هيء للهجوم على الحقائق ، و قد تدرب
في كلام الناس ، و عرف أوائل الأبحاث ، و حفظ كثيرا من غثاء ما حصلوه و لكن
أرواح الأبحاث بينه و بينها حائل . و قد يكون ذلك لقصور الهمة و الاكتفاء
و الرضا عن السلف لوقعهم في النفوس . و هؤلاء هم الأكثرون عددا ، و الأرذلون
قدرا ، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة ، و لا أدركوا سلامة العامة . فالقسم
الأول من الخاصة مبتدعة قطعا . و الثاني ظاهره الابتداع ، و الثالث له حكم
الابتداع .
و من الخاصة قسم رابع ثلة من الأولين ، و قليل من الآخرين ، أقبلوا على الكتاب
و السنة و ساروا بسيرها ، و سكتوا عما سكتا عنه ، و أقدموا و أحجموا بهما
و تركوا تكلف مالا يعنيهم ، و كان تهمهم السلامة ، و حياة السنة آثر عندهم من
حياة نفوسهم ، و قرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى ، و فهم معانيه على
السليقة العربية و التفسيرات المروية ، و معرفة ثبوت حديث نبوي لفظا و حكما .
فهؤلاء هم السنية حقا ، و هم الفرقة الناجية ، و إليهم العامة بأسرهم ، و من
شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين ، بحسب علمه بقدر بدعتهم و نياتهم .
إذا حققت جميع ما ذكرنا لك ، لم يلزمك السؤال المحذور و هو الهلاك على معظم
الأمة ، لأن الأكثر عددا هم العامة قديما و حديثا ، و كذلك الخاصة في الأعصار
المتقدمة ، و لعل القسمين الأوسطين ، و كذا من خفت بدعته من الأول ، تنقذهم
رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية ، و رحمة ربك أوسع
لكل مسلم ، لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث و مصداقة ، و أن أفراد الفرق المبتدعة
و إن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين
: فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة " .
قلت : و هذا آخر كلام الشيخ المقبلي رحمه الله ، و هو كلام متين يدل على علم
الرجل و فضله و دقة نظره ، و منه تعلم سلامة الحديث من الإشكال الذي أظن أنه
عمدة ابن الوزير رحمه الله في إعلاله إياه . و الحمد لله على أن وفقنا للإبانة
عن صحة هذا الحديث من حيث إسناده ، و إزالة الشبهة عنه من حيث متنه .
و هو الموفق لا إله إلا هو .
ثم وقفت على كلام لأحد الكتاب في العصر الحاضر ينكر في كتابه " أدب الجاحظ "
( ص 90 ) صحة هذا الحديث للدفاع عن شيخه الجاحظ ! فهو يقول : " و لو صح هذا
الحديث لكان نكبة كبرى على جمهور الأمة الإسلامية . إذ يسجل على أغلبيتها
الخلود في الجحيم و لو صح هذا الحديث لما قام أبو بكر في وجه مانعي الزكاة
معتبرا إياهم في حالة ردة ... " إلى آخر كلامه الذي يغني حكايته عن تكلف الرد
عليه ، لوضوح بطلانه لاسيما بعد قراءة كلام الشيخ المقبلي المتقدم .
على أن قوله " الخلود في الجحيم " ليس له أصل في الحديث ، و إنما أورده الكاتب
المشار إليه من عند نفسه ليتخذ ذلك ذريعة للطعن في الحديث . و هو سالم من ذلك
كله كما بينا و الحمد لله على توفيقه .
" إن الناس عامة و خاصة ، فالعامة آخرهم كأولهم ، كالنساء و العبيد و الفلاحين
و السوقة و نحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء ، فلا شك في براءة آخرهم من
الابتداع كأولهم .
و أما الخاصة ، فمنهم مبتدع اخترع البدعة و جعلها نصب عينيه ، و بلغ في تقويتها
كل مبلغ ، و جعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب و السنة ، ثم تبعه أقوام من
نمطه في الفقه و التعصب ، و ربما جددوا بدعته و فرعوا عليها و حملوه ما لم
يتحمله ، و لكنه إمامهم المقدم و هؤلاء هم المبتدعة حقا ، و هو شيء كبير ( تكاد
السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا ) ، كنفي حكمة الله تعالى ،
و نفي إقداره المكلف ، و ككونه يكلف ما لا يطاق ، و يفعل سائر القبائح و لا
تقبح منه ، و أخواتهن ! و منها ما هو دون ذلك ، و حقائقها جميعها عند الله
تعالى ، و لا ندري بأيها يصير صاحبها من إحدى الثلاث و سبعين فرقة .
و من الناس من تبع هؤلاء و ناصرهم و قوى سوادهم بالتدريس و التصنيف ، و لكنه
عند نفسه راجع إلى الحق ، و قد دس في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه
خفي ، و لعله تخيل مصلحة دنيئة ، أو عظم عليه انحطاط نفسه و إيذاؤهم له في عرضه
و ربما بلغت الأذية إلى نفسه . و على الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل ، و
تخبط في تصرفاته ، و حسابه على الله سبحانه ، إما أن يحشره مع من أحب بظاهر
حاله ، أو يقبل عذره ، و ما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك ،
لكن شرهم و الله كثير ، فلربما لم يقع خبرهم بمكان ، و ذلك لأنه لا يفطن لتلك
اللمحة الخفية التي دسوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث ، و قد أغناهم الله
بعلمهم عن تلك اللمحة ، و ليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق
و يخفيه . و الله المستعان .
و من الناس من ليس من أهل التحقيق ، و لا هيء للهجوم على الحقائق ، و قد تدرب
في كلام الناس ، و عرف أوائل الأبحاث ، و حفظ كثيرا من غثاء ما حصلوه و لكن
أرواح الأبحاث بينه و بينها حائل . و قد يكون ذلك لقصور الهمة و الاكتفاء
و الرضا عن السلف لوقعهم في النفوس . و هؤلاء هم الأكثرون عددا ، و الأرذلون
قدرا ، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة ، و لا أدركوا سلامة العامة . فالقسم
الأول من الخاصة مبتدعة قطعا . و الثاني ظاهره الابتداع ، و الثالث له حكم
الابتداع .
و من الخاصة قسم رابع ثلة من الأولين ، و قليل من الآخرين ، أقبلوا على الكتاب
و السنة و ساروا بسيرها ، و سكتوا عما سكتا عنه ، و أقدموا و أحجموا بهما
و تركوا تكلف مالا يعنيهم ، و كان تهمهم السلامة ، و حياة السنة آثر عندهم من
حياة نفوسهم ، و قرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى ، و فهم معانيه على
السليقة العربية و التفسيرات المروية ، و معرفة ثبوت حديث نبوي لفظا و حكما .
فهؤلاء هم السنية حقا ، و هم الفرقة الناجية ، و إليهم العامة بأسرهم ، و من
شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين ، بحسب علمه بقدر بدعتهم و نياتهم .
إذا حققت جميع ما ذكرنا لك ، لم يلزمك السؤال المحذور و هو الهلاك على معظم
الأمة ، لأن الأكثر عددا هم العامة قديما و حديثا ، و كذلك الخاصة في الأعصار
المتقدمة ، و لعل القسمين الأوسطين ، و كذا من خفت بدعته من الأول ، تنقذهم
رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية ، و رحمة ربك أوسع
لكل مسلم ، لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث و مصداقة ، و أن أفراد الفرق المبتدعة
و إن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين
: فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة " .
قلت : و هذا آخر كلام الشيخ المقبلي رحمه الله ، و هو كلام متين يدل على علم
الرجل و فضله و دقة نظره ، و منه تعلم سلامة الحديث من الإشكال الذي أظن أنه
عمدة ابن الوزير رحمه الله في إعلاله إياه . و الحمد لله على أن وفقنا للإبانة
عن صحة هذا الحديث من حيث إسناده ، و إزالة الشبهة عنه من حيث متنه .
و هو الموفق لا إله إلا هو .
ثم وقفت على كلام لأحد الكتاب في العصر الحاضر ينكر في كتابه " أدب الجاحظ "
( ص 90 ) صحة هذا الحديث للدفاع عن شيخه الجاحظ ! فهو يقول : " و لو صح هذا
الحديث لكان نكبة كبرى على جمهور الأمة الإسلامية . إذ يسجل على أغلبيتها
الخلود في الجحيم و لو صح هذا الحديث لما قام أبو بكر في وجه مانعي الزكاة
معتبرا إياهم في حالة ردة ... " إلى آخر كلامه الذي يغني حكايته عن تكلف الرد
عليه ، لوضوح بطلانه لاسيما بعد قراءة كلام الشيخ المقبلي المتقدم .
على أن قوله " الخلود في الجحيم " ليس له أصل في الحديث ، و إنما أورده الكاتب
المشار إليه من عند نفسه ليتخذ ذلك ذريعة للطعن في الحديث . و هو سالم من ذلك
كله كما بينا و الحمد لله على توفيقه .