نصيحة ودعوة للبابوات إلى الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
فقد أذيع وأشيع في وسائل الإعلام من إذاعات وصحف ومواقع فضائية بأن بابا الفاتيكان – بنديكت السادس عشر- قد طعن في الإسلام ورسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ووصفه ورسالته بالشر ومجافاة العقل ! وهذا أمر عجيب ومذهل ومصادم للمنطق والعقل ولحقيقة الإسلام الناصعة ذلكم الإسلام الذي أخرج الله به البشرية من الظلمات إلى النور ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام الذي شهد به عقلاء الأعداء ولا أطيل في مدح الإسلام ورسول الإسلام فإنه قد امتلأت به الدنيا وزخرت به المكتبات واختصر فأقول :
إن محمدًا رسول الله حقًا وصدقا أرسله الله رحمة للعالمين .
أرسله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً .
جاء باحترام الأنبياء وكتبهم, بل جاء بحبهم والإيمان بهم وبكتبهم .
قال تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } . (البقرة 285)
وقال تعالى آمراً محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }. (البقرة 136)
وقال تعالى {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . (آل عمران 84 ).
جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالعدل والإحسان ناهياً عن الفحشاء والمنكر والبغي {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . (النحل 90 )
جاء بالجهاد لإعلاء كلمة الله وللقضاء على الكفر والشرك والفساد .
وقد سبقه إلى ذلك موسى عليه الصلاة والسلام وأنبياء بني إسرائيل من بعده .
وجاء بشرعية القصاص والحدود لحفظ الدين والأنفس والأعراض والأموال .
وقد سبقه إلى ذلك موسى وأنبياء بني إسرائيل من بعده, وذلك خير وإحسان وحفظ للأعراض والأموال .. الخ . ولإشاعة الأمن والأمان وجلب المصالح ودرء المفاسد .
ولا يصف محمداً ورسالته بالشر إلا كاذب كَفََّّار طاعن في موسى ورسالته وطاعن في الأنبياء بعده الذين كانوا يحكمون بالتوراة .
قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . (المائدة 44-45) .
وقال تعالى {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . (المائدة 47)
وقد كفر اليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل فلم يعملوا بما فيهما من عقائد وأحكام .
وكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي جاء مصدقاً للأنبياء وكتبهم ومنها التوراة والإنجيل .
كفروا بمحمد وما تضمنته رسالته من تصديق للأنبياء جميعاً وتصديق لما في التوراة والإنجيل وما فيهما من عقائد وأحكام إلا ما نسخه الإسلام .
وحاربوه أشد الحرب ولا سيما أحبارهم ورهبانهم وبابواتهم كبراً وبطراً وحسداً وبغياً بعد أن حرفوا كتبهم وتلاعبوا بنصوصها وحولوا ما فيها من عقائد وتوحيد وإيمان إلى شرك وكفران وعطلوا ما فيها من أحكام !!
فإذا كان هذا موقفهم من كتبهم التي يدَّعون الإيمان بها فكيف يصعب عليهم الكفر بمحمد وبما جاء به من قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟!
يا أهل الكتاب توبوا إلى الله توبة نصوحا واتبعوا محمداً الذي بشرت به كتبكم وبشر به عيسى عليه الصلاة والسلام حيث قال {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } . (الصف 6).
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } . (آل عمران 64)
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (آل عمران 71 ) .
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . (آل عمران 99)
يا من يُسمَّى ببابا الفاتيكان أَسْلِم تَسْلِم يؤتك الله الأجر مرتين فإن أبيت فإنما عليك إثم أتباعك من النصارى الأوربيين وغير الأوربيين .
أسلم وليسلم أهل ملتك, يدخلكم الله جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين, أتباع الرسل الصادقين . آمِنْ بهذا القرآن العظيم الذي هيمن على كل الرسالات وجاء بالعقائد الصحيحة والأحكام العادلة التي تؤيدها العقول الراجحة والفطر السليمة .
آمن أنت وأتباعك بهذا القرآن الذي تضمن ما ذكرت لكم وبلغ مرتبة من الإعجاز لا يلحقه إعجاز مادي ولا معنوي .
تحدّى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثله فعجزوا أن يأتوا بمثله, بل عجزوا أن يأتوا بعشر سور من مثله بل عجزوا أن يأتوا بسورة من مثله .
عجزوا وعجزوا وعجزوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .
وفي هذا وحده ما يدعوا البابوات وأتباعهم إلى الإيمان لو كان عندهم حظ من العقل والتعقل والإدراك والإنصاف .
أسلموا أيها البابوات تسلموا وتغنموا جنة عرضها السماوات والأرض, وإلا فأيقنوا بالعذاب الشديد الخالد من نار أعدها الله للكافرين, حرها شديد, وقعرها بعيد, قال تعالى في القرآن العظيم وكتابه الحكيم { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً } . (الإنسان 4) .
وقال تعالى في كتابه العظيم {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم يوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً . إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا} . (المزمل 11-14) .
أيها البابوات لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور, واعلموا أن أسلافكم قد حرفوا كتبكم وأفسدوا ملتكم وجعلوا من البشر آلهةً من دون الله وادعوا أن عيسى ابن الله أو ثالث ثلاثة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
قال الله في كتابه الخالد المعجز المحفوظ من التحريف والتبديل ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .
وقال تعالى في هذا الكتاب العظيم المعجز ( لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً ) . ( مريم 89-95)
يا أهل الكتاب ويا أيها البابوات لقد جاء كل الرسل بالتوحيد وحاربوا الشرك ومنهم عيسى عليه الصلاة السلام , قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } . (المائدة 72) .
فأمر عليه السلام بعبادة الله وحده وصرح بأن الله ربه ورب من خاطبهم وأُرْسِل إليهم, وأن من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار .
وقال تعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . (المائدة 73) .
فانتهوا أيها النصارى والبابوات عما حذركم الله من تأليه عيسى وغيره من المخلوقات وإلا فأنتم على الكفر والشرك, وجزاء ذلك أن يحرم الله عليكم الجنة وأن يجعل مأواكم النار .
ولا تغتروا بما وجدتم عليه أسلافكم وبابواتكم ورهبانكم فإنهم والله على الباطل والكفر ولقد حرفوا التوراة والإنجيل كما أسلفت لكم .
ولا تظنوا أن عيسى سيشفع لكم أو يدخلكم الجنة وينجيكم من النار؛ لأن هذا ليس بيده, ولأنكم قد خالفتموه وخالفتم عقيدته عقيدة التوحيد واتخذتموه إلها وهو يُكفّر من بفعل ذلك وسيتبرأ منكم ومن ضلالكم ومن اتخاذكم إياه وأمه إلهين من دون الله .
قال تعالى {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . ِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( المائدة 116-118 ) .
فهذا عيسى يتبرأ من عقيدة النصارى واعتقادهم الباطل فيه وفي أمه أنهما إلهان من دون الله , ويصرح أمام الله أنه ما أمر الناس إلا بما أمره به ربه ( أن اعبدوا الله ربي وربكم ), فالله ربه ورب الناس وأنه من المستحيل أن يدّعي لنفسه ولأمه الإلهية وأن يأمر الناس بالشرك بالله .
فإن كذبتم بما تضمنه هذا الخطاب من حقائق وحاججتم وجادلتم في ذلك فإنني أدعوكم إلى المباهلة كما أمر الله رسوله الصادق الأمين فقال له {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } (آل عمران 61)
ولي ولكل مسلم في ذلك أسوة حسنة بمحمد صلى الله عليه وسلم .
والسلام على من اتبع الهدى .
كتبها
الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي
24/شعبان/1427هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
فقد أذيع وأشيع في وسائل الإعلام من إذاعات وصحف ومواقع فضائية بأن بابا الفاتيكان – بنديكت السادس عشر- قد طعن في الإسلام ورسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ووصفه ورسالته بالشر ومجافاة العقل ! وهذا أمر عجيب ومذهل ومصادم للمنطق والعقل ولحقيقة الإسلام الناصعة ذلكم الإسلام الذي أخرج الله به البشرية من الظلمات إلى النور ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام الذي شهد به عقلاء الأعداء ولا أطيل في مدح الإسلام ورسول الإسلام فإنه قد امتلأت به الدنيا وزخرت به المكتبات واختصر فأقول :
إن محمدًا رسول الله حقًا وصدقا أرسله الله رحمة للعالمين .
أرسله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً .
جاء باحترام الأنبياء وكتبهم, بل جاء بحبهم والإيمان بهم وبكتبهم .
قال تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } . (البقرة 285)
وقال تعالى آمراً محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }. (البقرة 136)
وقال تعالى {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . (آل عمران 84 ).
جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالعدل والإحسان ناهياً عن الفحشاء والمنكر والبغي {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . (النحل 90 )
جاء بالجهاد لإعلاء كلمة الله وللقضاء على الكفر والشرك والفساد .
وقد سبقه إلى ذلك موسى عليه الصلاة والسلام وأنبياء بني إسرائيل من بعده .
وجاء بشرعية القصاص والحدود لحفظ الدين والأنفس والأعراض والأموال .
وقد سبقه إلى ذلك موسى وأنبياء بني إسرائيل من بعده, وذلك خير وإحسان وحفظ للأعراض والأموال .. الخ . ولإشاعة الأمن والأمان وجلب المصالح ودرء المفاسد .
ولا يصف محمداً ورسالته بالشر إلا كاذب كَفََّّار طاعن في موسى ورسالته وطاعن في الأنبياء بعده الذين كانوا يحكمون بالتوراة .
قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . (المائدة 44-45) .
وقال تعالى {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . (المائدة 47)
وقد كفر اليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل فلم يعملوا بما فيهما من عقائد وأحكام .
وكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي جاء مصدقاً للأنبياء وكتبهم ومنها التوراة والإنجيل .
كفروا بمحمد وما تضمنته رسالته من تصديق للأنبياء جميعاً وتصديق لما في التوراة والإنجيل وما فيهما من عقائد وأحكام إلا ما نسخه الإسلام .
وحاربوه أشد الحرب ولا سيما أحبارهم ورهبانهم وبابواتهم كبراً وبطراً وحسداً وبغياً بعد أن حرفوا كتبهم وتلاعبوا بنصوصها وحولوا ما فيها من عقائد وتوحيد وإيمان إلى شرك وكفران وعطلوا ما فيها من أحكام !!
فإذا كان هذا موقفهم من كتبهم التي يدَّعون الإيمان بها فكيف يصعب عليهم الكفر بمحمد وبما جاء به من قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟!
يا أهل الكتاب توبوا إلى الله توبة نصوحا واتبعوا محمداً الذي بشرت به كتبكم وبشر به عيسى عليه الصلاة والسلام حيث قال {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } . (الصف 6).
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } . (آل عمران 64)
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (آل عمران 71 ) .
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . (آل عمران 99)
يا من يُسمَّى ببابا الفاتيكان أَسْلِم تَسْلِم يؤتك الله الأجر مرتين فإن أبيت فإنما عليك إثم أتباعك من النصارى الأوربيين وغير الأوربيين .
أسلم وليسلم أهل ملتك, يدخلكم الله جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين, أتباع الرسل الصادقين . آمِنْ بهذا القرآن العظيم الذي هيمن على كل الرسالات وجاء بالعقائد الصحيحة والأحكام العادلة التي تؤيدها العقول الراجحة والفطر السليمة .
آمن أنت وأتباعك بهذا القرآن الذي تضمن ما ذكرت لكم وبلغ مرتبة من الإعجاز لا يلحقه إعجاز مادي ولا معنوي .
تحدّى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثله فعجزوا أن يأتوا بمثله, بل عجزوا أن يأتوا بعشر سور من مثله بل عجزوا أن يأتوا بسورة من مثله .
عجزوا وعجزوا وعجزوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .
وفي هذا وحده ما يدعوا البابوات وأتباعهم إلى الإيمان لو كان عندهم حظ من العقل والتعقل والإدراك والإنصاف .
أسلموا أيها البابوات تسلموا وتغنموا جنة عرضها السماوات والأرض, وإلا فأيقنوا بالعذاب الشديد الخالد من نار أعدها الله للكافرين, حرها شديد, وقعرها بعيد, قال تعالى في القرآن العظيم وكتابه الحكيم { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً } . (الإنسان 4) .
وقال تعالى في كتابه العظيم {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم يوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً . إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا} . (المزمل 11-14) .
أيها البابوات لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور, واعلموا أن أسلافكم قد حرفوا كتبكم وأفسدوا ملتكم وجعلوا من البشر آلهةً من دون الله وادعوا أن عيسى ابن الله أو ثالث ثلاثة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
قال الله في كتابه الخالد المعجز المحفوظ من التحريف والتبديل ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .
وقال تعالى في هذا الكتاب العظيم المعجز ( لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً ) . ( مريم 89-95)
يا أهل الكتاب ويا أيها البابوات لقد جاء كل الرسل بالتوحيد وحاربوا الشرك ومنهم عيسى عليه الصلاة السلام , قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } . (المائدة 72) .
فأمر عليه السلام بعبادة الله وحده وصرح بأن الله ربه ورب من خاطبهم وأُرْسِل إليهم, وأن من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار .
وقال تعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . (المائدة 73) .
فانتهوا أيها النصارى والبابوات عما حذركم الله من تأليه عيسى وغيره من المخلوقات وإلا فأنتم على الكفر والشرك, وجزاء ذلك أن يحرم الله عليكم الجنة وأن يجعل مأواكم النار .
ولا تغتروا بما وجدتم عليه أسلافكم وبابواتكم ورهبانكم فإنهم والله على الباطل والكفر ولقد حرفوا التوراة والإنجيل كما أسلفت لكم .
ولا تظنوا أن عيسى سيشفع لكم أو يدخلكم الجنة وينجيكم من النار؛ لأن هذا ليس بيده, ولأنكم قد خالفتموه وخالفتم عقيدته عقيدة التوحيد واتخذتموه إلها وهو يُكفّر من بفعل ذلك وسيتبرأ منكم ومن ضلالكم ومن اتخاذكم إياه وأمه إلهين من دون الله .
قال تعالى {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . ِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( المائدة 116-118 ) .
فهذا عيسى يتبرأ من عقيدة النصارى واعتقادهم الباطل فيه وفي أمه أنهما إلهان من دون الله , ويصرح أمام الله أنه ما أمر الناس إلا بما أمره به ربه ( أن اعبدوا الله ربي وربكم ), فالله ربه ورب الناس وأنه من المستحيل أن يدّعي لنفسه ولأمه الإلهية وأن يأمر الناس بالشرك بالله .
فإن كذبتم بما تضمنه هذا الخطاب من حقائق وحاججتم وجادلتم في ذلك فإنني أدعوكم إلى المباهلة كما أمر الله رسوله الصادق الأمين فقال له {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } (آل عمران 61)
ولي ولكل مسلم في ذلك أسوة حسنة بمحمد صلى الله عليه وسلم .
والسلام على من اتبع الهدى .
كتبها
الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي
24/شعبان/1427هـ
تعليق