تحقيق قول شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب في مسألة إقامة الحجة
مسألة التكفير من المسائل التي اشتهر شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب بالتحقيق فيها . و لذالك تعددت الرسائل و النصوص و الفتاوى المنقولة عن الشيخ في المسألة بحيث تبلغ مجلدات لو جمعت و لما كان كلام الشيخ في مسألة التكفير يتنزل في كل موطن من كتبه و رسائله على أحوال مختلفة بحسب أحوال المخاطبين بتلك الكتب و الرسائل من حيث وفرة العلم و قلته و بحسب الأحوال الأخرى المؤثرة في الحكم في المسألة . أدى ذالك إلى اختلاف الدارسين لكتبه من بعده في تقرير رأي الشيخ في مسألة فهم الحجة ، و هي من أهم و أخطر مسائل التكفير التي يبنى عليها غيرها .
فذهب بعض أهل العلم ممن تتلمذوا على كتب الشيخ و حملوا لواء الدعوة من بعده إلى أن الشيخ لا يشترط لقيام الحجة فهمها بل متى بلغت الشخص الحجة قامت عليه و لو لم يفهمها . و استدلوا على ذالك ببعض النقول من كلام الشيخ رحمه الله .
و من هؤلاء العلماء الذين ذهبوا لهذا الرأي الشيخ العلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ " رحمهم الله جميعا " . قرر ذالك عن الشيخ في رسالة أفردها بهذه المسألة سماها ( حكم تكفير المعين و الفرق بين قيام الحجة و فهم الحجة )
قال بعد أن نقل بعض النصوص عن الشيخ في المسألة : ( هذه ثلاث مواضع يذكر فيها أن الحجة قامت بالقرآن على من بلغه و سمعه و لو لم يفهمه ) .
و أن من أقوى ما يحتج به من يرى أن الشيخ لا يرى فهم الحجة من كلام الشيخ نفسه ما جاء في بعض رسائله << إلى الإخوان سلام عليكم و رحمة الله و بركاته . ما ذكرتموه من من قول الشيخ ، كل من جحد كذا و كذا و قامت عليه الحجة . و إنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت و أتباعهم . هل قامت عليهم الحجة . فهذا من العجب كيف تشكون في هذا . و قد أو ضحه لكم مرارا . فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام و الذي نشأ ببادية أو يكون ذالك في مسألة خفية مثل الصرف و العطف فلا يكفر حتى يعرف و ما أصول الدين التي أوضحها الله و أحكامها في كتابه ، فإن حجة الله هي القرآن ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ، و بين فهمها فإن أكثر الكفار و المنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم . قالى تعالى : (( أم تحسب أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ))
و قيام الحجة و بلوغها نوع و قد قامت عليهم و فهمهم إياها نوع آخر ببلوغها إياهم و إن لم يفهموها .
و في الحقيقة إن هذا النص عن الشيخ محمد قد يفهم منه أن لا يرى اشتراط فهم الحجة في قيامها على الشخص بل هذا ظاهر كلامه . غير أنه قد جاءت عنه نصوص أخرى تدل على أنه يرى اشتراط فهم الحجة قبل التكفير .
يقول في رسالته للشريف : ( و إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر ، و الصنم الذي على قبر أحمد البدوي و أمثالهما ، لأجل جهلهم و عدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهجر إلينا و لم يكفر و يقاتل سبحانك هذا بهتان عظيم ) فقول الشيخ هنا ( لأجل جهلهم و عدم من ينبههم ) و في بعض النسخ (عدم من يفهمهم ) نص صريح منه رحمه الله أنه يرى اشتراط الفهم في قيام الحجة و إلا فمن المعلوم أن هؤلاء الذين ذكرهم يعيشون في بلد إسلامي ، و القرآن و كتب السنة منتشرة بينهم ، إلا أنهم مفتقرون لمن بين لهم الحجة من علماء أهل السنة .
ويمكن جمع بين قول الشيخ هنا و قوله السابق : أن الشيخ رحمه الله يفرق بين الفهم المجمل للنص و الخطاب ، الذي يدرك به المقصود من مراد الشارع منه على و جه الإجمال ، و بين الفهم المفصل للنصوص ، كافهم أهل العلم و الإيمان لها ، فالفهم الأول هو المشروط في قيام الحجة إذ لا يمكن أن تقوم إلا به و عليه يحمل كلامه هنا ، و هو اشتراط الفهم في قيام الحجة و التكفير .
و الفهم الثاني هو المنفي في قيام الحجة و عليه يحمل كلامه في عدم اشتراط الفهم في قيام الحجة .
و يشهد لهذا بعض أقوال الشيخ : يقول في ضمن حديثه عن هذه المسألة : (( فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله و رسوله مثل فهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله و رسوله و خلا من شيئ يعذر به فهو كافر ))
فنص على أن الفهم المنفي في اشتراط قيام الحجة هو الفهم الدقيق للمسألة ، مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه ، و هذا التقيد الذي ذكره الشيخ هنا هو الذي ينبغي أن يقيد به ظاهر كلامه في عدم اشتراط الفهم في قيام الحجة و أن الفهم المنفي هو الفهم المفصل الدقيق ، لا الفهم المجمل الذي لا يعرف القصد من الخطاب إلا به .
فاتفق بهذا قول الشيخ محمد رحمه الله مع مدلول النصوص و ما عليه أهل العلم و التحقيق من أهل السنة من أنه لا بد في قيام الحجة على الشخص من فهمه لها و بذا يعلم خطأ نسبة القول بعدم الفهم في قيام الحجة للشيخ و الله يتجاوز عن الجميع بفضله ومنه .
كتاب موقف أهل السنة و الجماعة من أهل البدع ص 16-17- 18 19- 20 ط مكتبة العلوم الحكم
و الحمد لله رب العالمين
مسألة التكفير من المسائل التي اشتهر شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب بالتحقيق فيها . و لذالك تعددت الرسائل و النصوص و الفتاوى المنقولة عن الشيخ في المسألة بحيث تبلغ مجلدات لو جمعت و لما كان كلام الشيخ في مسألة التكفير يتنزل في كل موطن من كتبه و رسائله على أحوال مختلفة بحسب أحوال المخاطبين بتلك الكتب و الرسائل من حيث وفرة العلم و قلته و بحسب الأحوال الأخرى المؤثرة في الحكم في المسألة . أدى ذالك إلى اختلاف الدارسين لكتبه من بعده في تقرير رأي الشيخ في مسألة فهم الحجة ، و هي من أهم و أخطر مسائل التكفير التي يبنى عليها غيرها .
فذهب بعض أهل العلم ممن تتلمذوا على كتب الشيخ و حملوا لواء الدعوة من بعده إلى أن الشيخ لا يشترط لقيام الحجة فهمها بل متى بلغت الشخص الحجة قامت عليه و لو لم يفهمها . و استدلوا على ذالك ببعض النقول من كلام الشيخ رحمه الله .
و من هؤلاء العلماء الذين ذهبوا لهذا الرأي الشيخ العلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ " رحمهم الله جميعا " . قرر ذالك عن الشيخ في رسالة أفردها بهذه المسألة سماها ( حكم تكفير المعين و الفرق بين قيام الحجة و فهم الحجة )
قال بعد أن نقل بعض النصوص عن الشيخ في المسألة : ( هذه ثلاث مواضع يذكر فيها أن الحجة قامت بالقرآن على من بلغه و سمعه و لو لم يفهمه ) .
و أن من أقوى ما يحتج به من يرى أن الشيخ لا يرى فهم الحجة من كلام الشيخ نفسه ما جاء في بعض رسائله << إلى الإخوان سلام عليكم و رحمة الله و بركاته . ما ذكرتموه من من قول الشيخ ، كل من جحد كذا و كذا و قامت عليه الحجة . و إنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت و أتباعهم . هل قامت عليهم الحجة . فهذا من العجب كيف تشكون في هذا . و قد أو ضحه لكم مرارا . فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام و الذي نشأ ببادية أو يكون ذالك في مسألة خفية مثل الصرف و العطف فلا يكفر حتى يعرف و ما أصول الدين التي أوضحها الله و أحكامها في كتابه ، فإن حجة الله هي القرآن ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ، و بين فهمها فإن أكثر الكفار و المنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم . قالى تعالى : (( أم تحسب أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ))
و قيام الحجة و بلوغها نوع و قد قامت عليهم و فهمهم إياها نوع آخر ببلوغها إياهم و إن لم يفهموها .
و في الحقيقة إن هذا النص عن الشيخ محمد قد يفهم منه أن لا يرى اشتراط فهم الحجة في قيامها على الشخص بل هذا ظاهر كلامه . غير أنه قد جاءت عنه نصوص أخرى تدل على أنه يرى اشتراط فهم الحجة قبل التكفير .
يقول في رسالته للشريف : ( و إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر ، و الصنم الذي على قبر أحمد البدوي و أمثالهما ، لأجل جهلهم و عدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهجر إلينا و لم يكفر و يقاتل سبحانك هذا بهتان عظيم ) فقول الشيخ هنا ( لأجل جهلهم و عدم من ينبههم ) و في بعض النسخ (عدم من يفهمهم ) نص صريح منه رحمه الله أنه يرى اشتراط الفهم في قيام الحجة و إلا فمن المعلوم أن هؤلاء الذين ذكرهم يعيشون في بلد إسلامي ، و القرآن و كتب السنة منتشرة بينهم ، إلا أنهم مفتقرون لمن بين لهم الحجة من علماء أهل السنة .
ويمكن جمع بين قول الشيخ هنا و قوله السابق : أن الشيخ رحمه الله يفرق بين الفهم المجمل للنص و الخطاب ، الذي يدرك به المقصود من مراد الشارع منه على و جه الإجمال ، و بين الفهم المفصل للنصوص ، كافهم أهل العلم و الإيمان لها ، فالفهم الأول هو المشروط في قيام الحجة إذ لا يمكن أن تقوم إلا به و عليه يحمل كلامه هنا ، و هو اشتراط الفهم في قيام الحجة و التكفير .
و الفهم الثاني هو المنفي في قيام الحجة و عليه يحمل كلامه في عدم اشتراط الفهم في قيام الحجة .
و يشهد لهذا بعض أقوال الشيخ : يقول في ضمن حديثه عن هذه المسألة : (( فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله و رسوله مثل فهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله و رسوله و خلا من شيئ يعذر به فهو كافر ))
فنص على أن الفهم المنفي في اشتراط قيام الحجة هو الفهم الدقيق للمسألة ، مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه ، و هذا التقيد الذي ذكره الشيخ هنا هو الذي ينبغي أن يقيد به ظاهر كلامه في عدم اشتراط الفهم في قيام الحجة و أن الفهم المنفي هو الفهم المفصل الدقيق ، لا الفهم المجمل الذي لا يعرف القصد من الخطاب إلا به .
فاتفق بهذا قول الشيخ محمد رحمه الله مع مدلول النصوص و ما عليه أهل العلم و التحقيق من أهل السنة من أنه لا بد في قيام الحجة على الشخص من فهمه لها و بذا يعلم خطأ نسبة القول بعدم الفهم في قيام الحجة للشيخ و الله يتجاوز عن الجميع بفضله ومنه .
كتاب موقف أهل السنة و الجماعة من أهل البدع ص 16-17- 18 19- 20 ط مكتبة العلوم الحكم
و الحمد لله رب العالمين