نصيحة عامة لطلبة العلم من أهل السنة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:فإن الله جل وعلا يقول: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}ويقول جل وعلا: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}ويقول تعالى: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً".
ومن المعلوم أن السلفيين في العالم غرباء، وأن الفتن تزيدهم غربة، وتحريش الشيطان بينهم يشمت الأعداء والحاسدين.
فانطلاقاً من النصوص الشرعية، وكذلك اتباعاً لتوجيهات العلماء بالإصلاح بين السلفيين، ومحاولة قطع الطريق على الشيطان، وعلى من يريد إثارة الفتن والشقاق، وعلى من يتربص بالدعوة السلفية فإني أدعو إخواني السلفيين كافة، على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأوطانهم ولغاتهم أن يتمسكوا بحبل الله المتين، وأن يجتمعوا على الحق على كلمة سواء، وأن يتوقفوا عن الردود بين بعضهم بعضاً والتي تسبب النفرة والشقاق والخلاف، وأن يكون منهجهم في الرد بينهم منهج نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، وأن ينتقوا من الألفاظ أحسنها، ومن العبارات أقومها، وأن نكون متذكرين غير غافلين ولا ناسين أن مراد من يرد منا على أخيه هو نصرة الحق لا الانتصار للهوى، ولا قصد الغلبة والظهور على حساب الحق وأهل الحق.
ونتذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِىَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِىَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ" حسنه العلامة ابن مفلح، وصححه لغيره شيخنا الألباني رحمه الله.وقال عاصم الأحول عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لأَرْبَعٍ دَخَلَ النَّارَ - أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ - لِيُبَاهِىَ بِهِ الْعُلَمَاءَ ، أَوْ لِيُمَارِىَ بِهِ السُّفَهَاءَ ، أَوْ لِيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَوْ لِيَأْخُذَ بِهِ مِنَ الأُمَرَاءِ".وعن مكحول رحمه الله قَالَ : "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِىَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِىَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ" وإسناده حسن، وهو أصح ما في الباب.
وأختم هذا البيان برسالة بعثها شيخ الإسلام عبدالرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله حيث قال:
[ بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ فايز بن علي وإخوانه من طلبة العلم -سلمهم الله تعالى-.سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
وصل خطك -وصلك الله بما يرضيه-، والذي أوصيكم به جميعا ونفسي بتقوى الله تعالى، والإخلاص لوجهه الكريم في طلب العلم وغيره لتفوز بالأجر العظيم.
وليحذر كل عاقل أن يطلب العلم للمباراة والمباهاة، فإن في ذلك خطرا عظيما، ومثل ذلك طلب العلم لغرض الدنيا أو لجاهها، والترؤس بين أهلها، وطلب المحمدة، وذلك هو الخسران المبين.ولو لم يكن في الزجر عن ذلك إلا قول الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وفي حديث أنس مرفوعا:"من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، فهو في النار".
وهذا القول كاف في النصيحة.
وفقنا الله وإياكم لحسن القبول.وقد بلغني أنكم اختلفتم في مسائل أدى إلى النّزاع والجدال، وليس هذا شأن طلاب الآخرة، فاتقوا الله، وتأدبوا بآداب العلم، واطلبوا الثواب من الله في تعلمه وتعليمه، وأتبعوا العلم العمل، فإنه ثمرته في حصوله، كما في الأثر:"من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم"، وكونوا متعاونين على البر والتقوى.
ومن علامة إخلاص طالب العلم أن يكون صموتا عما لا يعنيه، متذللا لربه، متواضعا لعباده، متورعا متأدبا، لا يبالي ظهر الحق على لسانه أو لسان غيره، ولا ينتصر لنفسه ولا يفتخر، ولا يحقد ولا يحسد، ولا يميل به الهوى، ولا يركن إلى زينة الدنيا].
فالرجاء من الإخوة الالتزام بالإصلاح، والبعد عن المقالات المثيرة للفتن، وأن يبقى المنبر لنشر العلم والهدى، والرد على أهل الأهواء والبدع، وإن يكن رد على السلفيين فبالحجة والبيان والدليل والبرهان، بالتي هي أحسن للتي هي أقوم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه: أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي المدينة النبوية، ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك 1429هـ .