" الهجر الوقائي المانع
قال ابن عبد البر – رحمه الله - : " ولا هجرة إلا لمن ترجو تأديبه أو تخاف من شره في بدعة أو غيرها "
وقال : " وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث , إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه , أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه , فإن كان كذلك , فقد رخص له في مجانبته وبعده "
ومدار هذا النوع على قوله صلى الله عليه وسلم " من سمع بالدجال , فلينأ عنه , فوالله إن الرجل ليأتيه – وهو يحسب أنه مؤمن – فيتبعه , مما يبعث به من الشبهات , أو لما يبعث به من الشبهات "
وعلته : أن القلوب ضعيفة , والشبه خطافة , ولذلك وظف السلف هذا النوع في حياتهم العملية ضد البدعة ودعاتها , لكيلا يظفر مبتدع بنيل مناه في إلقائه شبهاته , وإظهار دعوته , وحفاظا على عدة المستقبل وأمل الغد من ناشئة المسلمين , حتى لا يصرعوا في محاضن الأدعياء دعاة البدع وأئمة الضلالة الذين يتكلمون بكلام : ظاهره كنقد الذهب وباطنه أحرق للقلوب من اللهب !!
ومفردات هذا النوع :
1- لعن أهل البدع .
2- ترك الصلاة خلفهم , وعدم مناكحتهم , وعدم شهود جنائزهم .
3- عدم مجالستهم .
4- عدم الدخول عليهم ومخالطتهم .
5- عدم مشاورتهم .
6- عدم الاستماع والإصغاء إليهم .
7- عدم مجادلتهم ومناظرتهم .
8- عدم أخذ العلم عنهم .
9- ترك السلام عليهم .
10- عدم قراءة كتبهم .
11- إهانتهم والتنكيل بهم .
12- عدم بسط الوجه لهم وتوقيرهم .
13- التصريح لهم بالبغض .
14- قطع معونتهم .
15- عدم قبول إحسانهم .
وأقوال السلف في بيان ذلك طافحة بها كتب السنة (*) , فهجر أهل البدع من أعظم أصول الشريعة ,لأنها تحفظ الدين , وتنقيه مما ليس منه , وتقيه فتنة أُريدت به .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ( هو الذي أنزل عليك الكتابمنه آياتٌ محكماتٌ هنَّ أم الكتابِ وأُخَرُ متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغفيتبعون ما تشابه منهُ ابتغاء الفتنةِ وابتغاء تأويلِهِ وما يعلمُ تأويلَهُ إلاالله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عندِ ربنا وما يذَّكَّر إلا أُولواالألباب) قالت: قال رسول الله صلى الله (فإذا رأيتَ الذين يتَّبعون ما تشابه منهفأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم).
ولذلك جعله الإمام أحمد – رحمه الله – أصلاً من أصول السنة , فقال : " وترك الخصومات والجلوس مع أهل الأهواء " .
وقال ابن بطة رحمه الله معلقا على حديث عمران بن حصين المتقدم : " هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم فالله يا معشر المسلمين لا يحملن أحدا منكم حسن ظنه بنفسه وما عهد من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول : أدخله لأناظره , أو لاستخراج منه مذهبه , فإنهم أشد فتنة من الدجال , وكلامهم ألصق من الجرب , وأحرق للقلوب من اللهب .
ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم , ويسبونهم في مجالسهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة , وخفي المكر , ودقيق الكفر حتى (**)صبوا إليهم " .
قلت : وهذا النوع ينبغي إعماله في كل وقت وعدم إهماله , لئلا يصبو إليه من لم تتمكن السنة من سويداء قلبه لصغره , أو لجهله , أو لعجمته , والوقاية مقدمة على العلاج , كما لا يخفى على أولي الأحلام والنهى . "
-----------------
(*) ... وأفضل كتاب شرح هذه المسائل بتفصيل وتأصيل كتاب الأخ الشيخ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي - جزاه الله خيرا - : " موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع " ...
(**) وقد رأيت ذلك بعيني رأسي , ووعاه قلبي , فقد صبا إلى السروريين : القطبيين التكفيريين , ( الخوارج الجدد ) صاحبنا المدعو : محمد بن إبراهيم شقره , فاصبحوا بطانته وأهل مشورته ...
مطلع الفجر في فقه الزجر بالهجر
للشيخ سليم الهلالي
للشيخ سليم الهلالي
تعليق