بسم الله الرحمن الرحيم
قصة إبراهيم عليه السلام مع رسل الله لإهلاك قوم لوط رد على فكرة انغماس الخوارج (بتعليق الشيخ الفاضل زاهد الساحلي حفظه الله)
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن أخطر ما بليت به الأمة الإسلامية من الزمن الأول وفي خير القرون وإلى يومنا هذا فرقة الخوارج، أتباع ذي الخويصرة الذي طعن في قسمة النبي عليه الصلاة والسلام واتهمه بعدم العدل.
وفرقة الخوارج في عصرنا هذا تنوعت وانقسمت منهم: الإخوان المسلمين والقصبيين والسروريين والتكفير والهجرة والقاعدة والنصرة وداعش، وإن اختلفت افكارهم اجتمعوا على السيف وقتال أهل الإسلام.
وقد صح جملة من الأحاديث في ذم الخوارج والتحذير منهم بعينهم، بخلاف غيرهم من الفرق التي جاء ذمها في نصوص عامة، ومن التحذير لفرقة الخوارج.
قال علي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا، لمن قتلهم عند الله يوم القيامة)).
أخرجه مسلم.
والخوارج كغيرهم من الفرق الضالة لهم قواعد يقعدونها وأفكار يأصلونها ويوردون شُبها يستدلون عليه من كتاب الله وسنة رسوله لذر الرماد في العيون.
ومن هذه الشُبه التي جاءوا بها لتبرير عملية الانغماس التفجيرية ولو اختلط الكفار بالمسلمين، وتم القتل من كلا الطرفين، فيذكرون أن المسلمين يحشرون على نياتهم، ويستدلون لتبرير هذه الجريمة النكراء بحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم)).
قالت: قلت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟
قال: ((يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم)).
أخرجه البخاري.
وفعل هذا الجرم الكبير الذي لا يقره عقل ولا دين ممن لا يقدر للمسلم قدره ويعرف له حرمة دمه.
وفي قصة نبي الله أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وتحاوره مع الملائكة الذين أرسلوا لإهلاك قرية لوط بمن فيها، فنبههم أن فيها لوط عليه الصلاة والسلام، وهو مؤمن بل نبيا من الأنبياء وهذا فيه إشارة إلى حرمة دمه.
قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [الأعراف: 156].
فقد كانت الملائكة حريصة على نجاة نبي الله لوط ومن أمن من أهله.
فهل هؤلاء الخوارج ومن تبعهم عنهم حرص على دماء المسلمين ويعرف لهم قدرهم؟
بل نجاة آل لوط إلا امرأته كان بأمر الله عز وجل.
قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 33 - 34].
فهل عظم هؤلاء الخوارج أمر الله الذي جاء بالحفاظ على المسلم من القتل؟
وهل كان عندهم حرص على نجاة المسلمين كما أراد الله سبحانه وتعالى نجاة آل لوط؟
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 22 صفر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 21 أكتوبر سنة 2019 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 22 صفر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 21 أكتوبر سنة 2019 ف
التعليق:
قال الشيخ الفاضل زاهد الساحلي حفظه الله: ((نقضكم لجهالات خوارج هذا الزمان نقض موفق ونقد مسدد واحتجاجكم عليهم وبحق كان في محله فقد احتجوا على غيهم هذا بأدلة تبرهن مدى تلاعبهم بأحكام الله الشرعية فما ساقوه من أدلة لا تمت لمسألة الانغماس في شيء لا من قريب ولا من بعيد لأن كل ما ذكروه من أدلة هي حوادث كونية وأمور مردها إلى تدبير الله لخلقه وحده لا شريك له لا تدخل في منظومة التكليف البشري والله لا يسأل عما يفعل والعباد يسألون فحديث خسف جيش الكعبة ونحوه لا ينتزع منه دليلا لقتل البشر والتهاون في اهدار الدماء المعصومة لكونه من فعله سبحانه ولم يأمر به عباده ومما علم من قواطع الأدلة الشرعية أن الشارع حريص على حفظ دماء النفوس البريئة فضلا عن المؤمنة وقد وفق الناقد احتجاجه بآية إبراهيم عليه السلام فاستنبط منها محبة الله لحفظ أرواح المؤمنين المخالطين للكفار ، ومن البرهان الواضح إن ما ذهب إليه طغمة الخوارج هو عكس مراد الله تماما من مراعاة الفئة المؤمنة المختلطة بالكفار والفناء في تحقيق طمأنينتهم وتقديم سلامتهم على قتال أعداء الله الكفرة قال تعالى: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا ألينا}، فجعل المولى سبحانه وتعالى - وجود الفئة المؤمنة مانعا من قتال الكفار خشية أن يتأذى المؤمنون بالقتال ، ولو تميز المؤمنون عن الكافرين لعذب الكفار بأيدي المؤمنين وسبحان الله هذا المنع صار في مكة وهي دار كفر وحرب بينهم وبين المسلمين فكيف بدار ليست دار حرب ولا دار كفر فكيف بديار هي دار اسلام وإيمان فإن المنع بها أولى)) اهـ.