صفة المُلك أقرب إلى الشرع والعقل والواقع
بسم الله الرحمن الرحيم
آتَى الله تعالى الملكَ من شاء من عباده في الدنيا، واختص الله نفسه بالملك يوم القيامة؛ قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [القرة: 247]، وقال الله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]. وآتى الله آل إبراهيم: {مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، وجعل صالحي بني إسرائيل: {مُلُوكًا} [المائدة: 20]، وبعث طالوت: {مَلِكاً} [البقرة: 247]، وآتى داود: {الْمُلْكَ} [البقرة: 251]، {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]، وقصَّ الله عن: {مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102]، وآتى يوسفَ: {مِنَ الْمُلْكِ} [يوسف: 101].
وكلُّ ولاة الأمر في تاريخ البشرية صالحين من خير عباد الله (مثل من ذكرتُ من الأنبياء والرسل)، أو طالحين (مثل الجبابرة والفراعنة والقياصرة والأكاسرة والأباطرة) كانوا ملوكاً بالوراثة في أغلب الأحوال أو بالقوة والغلبة، ومنهم الصالحون دون الأنبياء، والطالحون فوق الكفرة. وقد ولَّى الله على المسلمين ـ بعد نبيِّه صلى الله عليه وسلم ـ خير أمته: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًّا، ثم معاوية ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ من الصحابة، ثم تتابع الولاة من بني أمية وبني العباس من التابعين ومن بعدهم ـ رحمهم الله تعالى ـ.
وخُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين العبودية والملك فاختار الأولى.
واصطلح الناس على تسمية (الأربعة الأول: خلفاء) تأوُّلاً للحديث: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، وتسميتهم من بعدهم: (أمراء المؤمنين)، تأوُّلاً للحديث: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً".
ولا شكَّ أن ولاية الأربعة الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالتأسي بهم (كما أمر الله الأمة بالتأسي به) خير من ولاية من بعدهم من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فمن دونهم، وألا علاقة للخيرية بمجرد مصطلح الخلافة أو الإمامة والإمارة والملك؛ فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الولاة (من الصحابة وولاة بني أمية) بالخلفاء في قوله: "لا يزال الدين عزيزًا (وفي رواية: قائمًا، وفي رواية: ظاهرًا) إلى اثني عشرة خليفة". رواه مسلم وغيره.
وقال الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وقال الله تعالى: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: 62]، أي: يخلف بعضكم بعضًا، وقال الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: 26]، وقال الله تعالى ممتنًّا على قوم هود: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69]، وعلى قوم صالح: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: 74]، وقال عن آل إبراهيم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]، وعن آل فرعون: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41]، وسميت سلطنة آل عثمان التركية خلافة، والأولى أن تسمى خرافة، لإفسادها في الدين والدنيا، أبعدها الله عزَّ وجلَّ!
ولا تزال أكثر دول أوروبا ملكية أو أميرية وراثية، وعلى رأسها انكلترا باسم الإمبراطورية، وكندا تستظل بظلها، ولا تزال اليابان ملكية وراثية باسم الإمبراطورية، وكثير من دول وإمارات آسيا وأفريقيا وراثية، ولم تجعلها صفة الوراثية أدنى أو أعظم من جاراتها.
وظنَّ العرب أن تغيير الاسم يُغيِّر المسمى؛ فبدأت بتجربة التغيير بمصر، وتبعتها العراق واليمن وليبيا، ولم تُرض النتيجة شعوبها فسعت إلى التغيير بالطريقة نفسها: الثورة والخروج على الولاة بعد نحو نصف قرن، وكالعادة لم يحمد الثوار أو شعوبهم العاقبةَ.
واختار الله لبلاد مجلس التعاون الخليجي وأهلها الرضا بقسمته، والمحافظة على شرعه في معاملة الولاة (غير شرذمة ضالة لا خلاق لها في الدين ولا في الدنيا)؛ فصارت دول المجلس مثالاً لحسن العاقبة في العلم والعمل والدين والدنيا والأمن والغنى.
وسنَّتْ دولة البحرين سنة حسنة بعودتها إلى الفطرة وتحولُّها إلى الملكية الوراثية بعد أن ظنَّ العرب أن الملكيات أحرى بالنقص منها بالزيادة، فأخلف الله بفضله ظنَّهم.
ولعلَّ دولة قطر (وغيرها) تتلُو البحرين فتخلف ظنَّ السَّوء.
أمَّا دولة التوحيد والسنة (المملكة العربية السعودية) فهي خير مَثلٍ على حفظ فطرتها وحفظ شريعة الله لها ولكل عباده الصالحين، وكان ولاتها في القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري يلقَّبون بالأئمة، وكانوا بفضل الله ومنته أئمة يدعون إلى تجديد الدين بالعودة به إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ـ رضي الله عنهم ـ وإزالة ما علق بالدين من البدع، خاصةً ما تلبَّس به تديُّن أكثر المسلمين من الشرك الأكبر بدعاء أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة (أوثان وأنصاب الجاهلية الأولى والأخيرة)، ولقِّب ولاتها في القرنين الأخرين بالملوك والأمراء، وقامت دولتهم المباركة بما قام به أجدادهم من الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن صرف شيء من الدعاء وغيره من العبادة لغير الله أو إشراكه معه، والأمر باتباع السنة، والنهي عن الابتداع في الدين، وما دون ذلك من شريعة الله تعالى. حفظها الله وحفظهم قدوة صالحة للمسلمين وذخرًا للإسلام.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الإثم والعدوان.
1433/2/11هـ