الحمد لله القائل: { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }، والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: ((تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك))، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فدعاة الفتنة في كل عصر ومصر لا يهنئ لهم بال ولا يطمئن لهم حال ولا يقر لهم قرار حتى تسفك الدماء وتنتهك الأعراض وتنتهب الأموال، بالخروج على السلطان البر منهم والفاجر.
وفي يوم الأربعاء 26 ذي الحجة 1437 هـ الموافق 28 / 9 / 2016 م خرج علينا بتغريدة ضال من الضلال وداعية من دعاة البدع الأهواء طارق السويدان على صفحته على تويتر بقوله: أيهما تفضل الأمن مع الذل أو الحرية مع الثورة؟
هذه دعوة للخروج على الحكام، فيها ما فيها من تهيج الناس والضرب لهم على الوتر الحساس.
هكذا ضرب بعرض الحائط لكل النصوص التي تأمر بالسمع والطاعة في المعرف لولاة الأمر.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك)) أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) وابن حبان في ((صحيحه)) وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
وأخرج مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟
قال: نعم.
قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟
قال نعم.
قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟
قال نعم.
قلت كيف؟
قال: ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)).
قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟
قال: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((والى ذلك الإشارة بقوله الزم جماعة المسلمين وإمامهم يعني ولو جار ويوضح ذلك رواية أبي الأسود ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك وكان مثل ذلك كثيرا في إمارة الحجاج ونحوه قوله تلزم جماعة المسلمين وإمامهم بكسر الهمزة أي أميرهم زاد في رواية أبي الأسود تسمع وتطيع وان ضرب ظهرك وأخذ مالك وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني فإن رأيت خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك فان لم يكن خليفة فالهرب)) اهـ.
يا دعاة الفتنة أليس في الضرب ذل؟
فهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)) دعوة للذلة؟!
عجب لكم يا دعاة الخروج، هل أنتم أغير على المسلمين من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
كذبتم والذي لا إله غيره، فخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((قد قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك واعلم أنك سوف تقتص منه يوم القيامة من حسناته فإن بقى من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئات من ظلمهم ثم طرح عليه ثم طرح في النار والعياذ بالله الأمر مضبوط ومحكم لا يضيع على الله شيء)) اهـ.
ثم يا دعاة الضلال أليس في أخذ المال بغير حق من ولاة الأمر نوع من الذل؟
فهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)) يأمرنا بالذل؟!
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((وإذا قدر أن ولي الأمر أخذ أكثر مما يجب فإن ذلك ظلم لا يحل لولي الأمر أما صاحب المال فعليه السمع والطاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)) اهـ.
وبهذه الوصية أوصى سلفنا الصالح، ولم يروا في هذا ذل وهوان كما يقول دعاة الفتن والافتتان، أخرج البخاري عن الزبير بن عدي، قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: ((اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم ))، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم).
وأخرج ابن أبي شيبة في ((المصنف)) عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر: (يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا، فاسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، إن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل: سمع وطاعة، ودمي دون ديني، فلا تفارق الجماعة).
قال الإمام الآجري رحمه الله في ((الشريعة)): ((فإن قال قائل: الذي يحمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله ؟ قيل له: يحتمل والله أعلم أن نقول: مَن أمّرَ عليكَ من عربي أو غيره، أسود أو أبيض أو عجمي، فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقا لك، أو ضربك ظلما لك، أو انتهك عرضك أو أخذ مالك فلا يحملن ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تُحَرّض غيرك على الخروجِ عليه، ولكن اصبر عليه)) اهـ.
وهنا أذكر ما لقي الإمام مالك والإمام أحمد من الضرب من ولاة أمرهما ولم يأت أنهما نزعا يدا من طاعة
قال القاضي عياض رحمه الله في ((ترتيب المدارك وتقريب المسالك)): ((قال الطبري اختلف فيمن ضرب مالكاً وفي السبب في ضربه وفي خلافة من ضرب.
فقيل إن أبا جعفر نهاه عن الحديث ليس على مستكره طلاق ثم دس إليه من يسأله عنه فحدثه به على رؤوس الناس فضربه بالسوط.
وقاله مصعب إلا أنه قال إن الذي نهاه جعفر بن سليمان.
وقال الواقدي لما سود مالك وسمع منه وقبل قوله حسده الناس وبغوا عليه، فلما ولى جعفر بن سليمان على المدينة سعوا به إليه وأكثروا عليه عنده وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه شيئاً.
ويأخذ بحديث ثابت الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز.
فغضب جعفر ودعا به فاحتج عليه فما رفع إليه.
ثم جره ومده فضربه بالسياط ومدت يده حتى انخلعت كتفه وفي رواية عنه ومدت يداه حتى انخلع كتفاه وكذلك اختلف على مصعب الزبيري.
وقال الحنيني بقي مالك بعد الضرب مطابق اليدين لا يستطيع أن يدفعهما وارتكب منه أمر عظيم فو الله لمالك بعد ذلك الضرب في رفعة في الناس وعلو وإعظام حتى كأنما كانت تلك الأسواط حلياً حلي بها.
وقيل إن هذا كان في أيام الرشيد.
قال أبو الوليد الباجي ولما حج المنصور قاد مالكاً من جعفر بن سليمان وأرسله إليه ليقتص منه فقال أعوذ بالله.
والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وأنا أجعله في حل من ذلك الوقت لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال غيره: لما دخلت على أبي جعفر وقد عهد إلي أن آتيه بالموسم فقال لي والله الذي لا إله إلا هو ما أمرت بالذي كان ولا علمته وإنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم وإني أخالك أماناً لهم من عذاب الله.
وقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة فإنهم أشرع الناس للفتن، وقد أمرت بعد والله أن يؤتى به من المدينة إلى العراق على قتب وأمرت بضيق حبسه، والاستبلاغ في امتهانة ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه.
فقلت عافى الله أمير المؤمنين وأكرم مثواه.
قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته منك.
فقال لي: عفا الله عنك ووصلك.
قال القروي والعمري وأحدهما يزيد على الآخر: لما ضرب مالك رحمه الله تعالى ونيل منه حمل مغشياً عليه فدخل الناس عليه فأفاق فقال: أشهدكم إني جعلت ضاربي في حل.
فعدناه في اليوم الثاني فإذا به قد تماثل.
قلنا له ما سمعنا منه، وقلنا له قد نال منك.
فقال تخوفت أن أموت أمس فألقى النبي صلى الله عليه وسلم فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي فما كان إلا مدة حتى غضب المنصور على ضاربه وضرب ونيل منه أمر شديد.
فبشر مالك بذلك فقال سبحان الله أترون حظنا مما نزل بنا الشماتة به.
إنا لنرجو من عقوبة الله أكثر من هذا، ونرجو من عفو الله أكثر من هذا، وقد ضربت فيه محمد بن المنكدر وربيعة وابن المسيب ولا خير فيمن لا يؤذى في هذا الأمر، وقيل إن الذي تولى ذلك عامل جعفر بن سليمان وإن جعفر هو الذي صنع بعامله النكال لما تقدم، والأول أشهر.
قال مطرف: جلد جعفر بن سليمان مالكاً ثمانين سوطاً وقاله ابن القاسم.
قال مطرف ومصعب، بسبب محمد بن عبد العزيز الزهري حمله عليه في عمله الأول أنه يفتي الناس أن ليس على من أكره على بيعة شيء.
قال مطرف:فرأيت آثار السياط في طهره قد شرحته تشريحاً.
وكان حين مدوه في الحبل بين يديه خلعوا كتفيه حتى كان ما يستطيع أن يسوي رداءه.
فلما ولي جعفر عمله الآخر ودخل عليه مالك سأله جعفر أن يجعله في حل، وقال إني جهلت واستزللت والله ما جلدك إلا القرشيون.
فقال له مالك إنك ترى أن قد ظلمتني.
قال نعم.
قال فأنت في حل، فوسع الله عليك ...)) إلخ.
وجاء في شدة ما وقع على الإمام أحمد من الضرب ما قاله بعض الجلادين: ضربته ضرباً لو كان بجمل لسقط مغشياً عليه.
ومع هذا لم يهيج الناس على الحكام، قال حنبل كما في ((طبقات الحنابلة)): ((اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله في ولاية الواثق وشاوروه في ترك الرضا بإمرته وسلطانه.
فقال: لهم عليكم بالنكرة في قلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ((إن ضربك فاصبر)) أمر بالصبر)) اهـ.
هذا هو حال طارق السويدان المبتدع الضال، وهذا حال سلفنا الصالح يضرب أحدهم فيصبر ولا ينزع يدا من طاعة، وهذه نماذج، ولو تُتبع هذا الباب لجُمع فيه مجلدا، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
وأختام بقول عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري التميمي قاضي البصرة: (لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل) أخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)).
وعلى هذا ذل الحكام ولا حرية ثوار أو ثيران، هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الجمعة 28 ذي الحجة سنة 1437 هـ
أما بعدُ:
فدعاة الفتنة في كل عصر ومصر لا يهنئ لهم بال ولا يطمئن لهم حال ولا يقر لهم قرار حتى تسفك الدماء وتنتهك الأعراض وتنتهب الأموال، بالخروج على السلطان البر منهم والفاجر.
وفي يوم الأربعاء 26 ذي الحجة 1437 هـ الموافق 28 / 9 / 2016 م خرج علينا بتغريدة ضال من الضلال وداعية من دعاة البدع الأهواء طارق السويدان على صفحته على تويتر بقوله: أيهما تفضل الأمن مع الذل أو الحرية مع الثورة؟
هذه دعوة للخروج على الحكام، فيها ما فيها من تهيج الناس والضرب لهم على الوتر الحساس.
هكذا ضرب بعرض الحائط لكل النصوص التي تأمر بالسمع والطاعة في المعرف لولاة الأمر.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك)) أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) وابن حبان في ((صحيحه)) وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
وأخرج مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟
قال: نعم.
قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟
قال نعم.
قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟
قال نعم.
قلت كيف؟
قال: ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)).
قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟
قال: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((والى ذلك الإشارة بقوله الزم جماعة المسلمين وإمامهم يعني ولو جار ويوضح ذلك رواية أبي الأسود ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك وكان مثل ذلك كثيرا في إمارة الحجاج ونحوه قوله تلزم جماعة المسلمين وإمامهم بكسر الهمزة أي أميرهم زاد في رواية أبي الأسود تسمع وتطيع وان ضرب ظهرك وأخذ مالك وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني فإن رأيت خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك فان لم يكن خليفة فالهرب)) اهـ.
يا دعاة الفتنة أليس في الضرب ذل؟
فهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)) دعوة للذلة؟!
عجب لكم يا دعاة الخروج، هل أنتم أغير على المسلمين من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
كذبتم والذي لا إله غيره، فخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((قد قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك واعلم أنك سوف تقتص منه يوم القيامة من حسناته فإن بقى من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئات من ظلمهم ثم طرح عليه ثم طرح في النار والعياذ بالله الأمر مضبوط ومحكم لا يضيع على الله شيء)) اهـ.
ثم يا دعاة الضلال أليس في أخذ المال بغير حق من ولاة الأمر نوع من الذل؟
فهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)) يأمرنا بالذل؟!
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((وإذا قدر أن ولي الأمر أخذ أكثر مما يجب فإن ذلك ظلم لا يحل لولي الأمر أما صاحب المال فعليه السمع والطاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)) اهـ.
وبهذه الوصية أوصى سلفنا الصالح، ولم يروا في هذا ذل وهوان كما يقول دعاة الفتن والافتتان، أخرج البخاري عن الزبير بن عدي، قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: ((اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم ))، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم).
وأخرج ابن أبي شيبة في ((المصنف)) عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر: (يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا، فاسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، إن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل: سمع وطاعة، ودمي دون ديني، فلا تفارق الجماعة).
قال الإمام الآجري رحمه الله في ((الشريعة)): ((فإن قال قائل: الذي يحمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله ؟ قيل له: يحتمل والله أعلم أن نقول: مَن أمّرَ عليكَ من عربي أو غيره، أسود أو أبيض أو عجمي، فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقا لك، أو ضربك ظلما لك، أو انتهك عرضك أو أخذ مالك فلا يحملن ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تُحَرّض غيرك على الخروجِ عليه، ولكن اصبر عليه)) اهـ.
وهنا أذكر ما لقي الإمام مالك والإمام أحمد من الضرب من ولاة أمرهما ولم يأت أنهما نزعا يدا من طاعة
قال القاضي عياض رحمه الله في ((ترتيب المدارك وتقريب المسالك)): ((قال الطبري اختلف فيمن ضرب مالكاً وفي السبب في ضربه وفي خلافة من ضرب.
فقيل إن أبا جعفر نهاه عن الحديث ليس على مستكره طلاق ثم دس إليه من يسأله عنه فحدثه به على رؤوس الناس فضربه بالسوط.
وقاله مصعب إلا أنه قال إن الذي نهاه جعفر بن سليمان.
وقال الواقدي لما سود مالك وسمع منه وقبل قوله حسده الناس وبغوا عليه، فلما ولى جعفر بن سليمان على المدينة سعوا به إليه وأكثروا عليه عنده وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه شيئاً.
ويأخذ بحديث ثابت الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز.
فغضب جعفر ودعا به فاحتج عليه فما رفع إليه.
ثم جره ومده فضربه بالسياط ومدت يده حتى انخلعت كتفه وفي رواية عنه ومدت يداه حتى انخلع كتفاه وكذلك اختلف على مصعب الزبيري.
وقال الحنيني بقي مالك بعد الضرب مطابق اليدين لا يستطيع أن يدفعهما وارتكب منه أمر عظيم فو الله لمالك بعد ذلك الضرب في رفعة في الناس وعلو وإعظام حتى كأنما كانت تلك الأسواط حلياً حلي بها.
وقيل إن هذا كان في أيام الرشيد.
قال أبو الوليد الباجي ولما حج المنصور قاد مالكاً من جعفر بن سليمان وأرسله إليه ليقتص منه فقال أعوذ بالله.
والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وأنا أجعله في حل من ذلك الوقت لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال غيره: لما دخلت على أبي جعفر وقد عهد إلي أن آتيه بالموسم فقال لي والله الذي لا إله إلا هو ما أمرت بالذي كان ولا علمته وإنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم وإني أخالك أماناً لهم من عذاب الله.
وقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة فإنهم أشرع الناس للفتن، وقد أمرت بعد والله أن يؤتى به من المدينة إلى العراق على قتب وأمرت بضيق حبسه، والاستبلاغ في امتهانة ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه.
فقلت عافى الله أمير المؤمنين وأكرم مثواه.
قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته منك.
فقال لي: عفا الله عنك ووصلك.
قال القروي والعمري وأحدهما يزيد على الآخر: لما ضرب مالك رحمه الله تعالى ونيل منه حمل مغشياً عليه فدخل الناس عليه فأفاق فقال: أشهدكم إني جعلت ضاربي في حل.
فعدناه في اليوم الثاني فإذا به قد تماثل.
قلنا له ما سمعنا منه، وقلنا له قد نال منك.
فقال تخوفت أن أموت أمس فألقى النبي صلى الله عليه وسلم فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي فما كان إلا مدة حتى غضب المنصور على ضاربه وضرب ونيل منه أمر شديد.
فبشر مالك بذلك فقال سبحان الله أترون حظنا مما نزل بنا الشماتة به.
إنا لنرجو من عقوبة الله أكثر من هذا، ونرجو من عفو الله أكثر من هذا، وقد ضربت فيه محمد بن المنكدر وربيعة وابن المسيب ولا خير فيمن لا يؤذى في هذا الأمر، وقيل إن الذي تولى ذلك عامل جعفر بن سليمان وإن جعفر هو الذي صنع بعامله النكال لما تقدم، والأول أشهر.
قال مطرف: جلد جعفر بن سليمان مالكاً ثمانين سوطاً وقاله ابن القاسم.
قال مطرف ومصعب، بسبب محمد بن عبد العزيز الزهري حمله عليه في عمله الأول أنه يفتي الناس أن ليس على من أكره على بيعة شيء.
قال مطرف:فرأيت آثار السياط في طهره قد شرحته تشريحاً.
وكان حين مدوه في الحبل بين يديه خلعوا كتفيه حتى كان ما يستطيع أن يسوي رداءه.
فلما ولي جعفر عمله الآخر ودخل عليه مالك سأله جعفر أن يجعله في حل، وقال إني جهلت واستزللت والله ما جلدك إلا القرشيون.
فقال له مالك إنك ترى أن قد ظلمتني.
قال نعم.
قال فأنت في حل، فوسع الله عليك ...)) إلخ.
وجاء في شدة ما وقع على الإمام أحمد من الضرب ما قاله بعض الجلادين: ضربته ضرباً لو كان بجمل لسقط مغشياً عليه.
ومع هذا لم يهيج الناس على الحكام، قال حنبل كما في ((طبقات الحنابلة)): ((اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله في ولاية الواثق وشاوروه في ترك الرضا بإمرته وسلطانه.
فقال: لهم عليكم بالنكرة في قلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ((إن ضربك فاصبر)) أمر بالصبر)) اهـ.
هذا هو حال طارق السويدان المبتدع الضال، وهذا حال سلفنا الصالح يضرب أحدهم فيصبر ولا ينزع يدا من طاعة، وهذه نماذج، ولو تُتبع هذا الباب لجُمع فيه مجلدا، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
وأختام بقول عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري التميمي قاضي البصرة: (لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل) أخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)).
وعلى هذا ذل الحكام ولا حرية ثوار أو ثيران، هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الجمعة 28 ذي الحجة سنة 1437 هـ