*****
مطـوية / الفرق بين الجهـاد والارهـاب
فضيلة الشيخ علي بن يحيى الحدادي حفظه الله
-------------------------
نسخة للطبع المنزلي بالابيض والاسود
سهلة للطبع العادي او النسخ -فوتوكوبي-
*****
*****
العنوان : الفرق بين الجهاد والإرهاب .
محاضرة لصغار السن في النادي الصيفي بالجوف.
التاريخ : أغسطس 9, 2016
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فأنا سعيد جداً أن أكون بينكم هذه الليلة في النادي الصيفي لنتعرف على الفرق بين الجهاد والإرهاب وهذا الموضوع مهم أهمية بالغة لأن الأشياء أحيانا تكون متشابهة جداً مثل هاتين العبوتين التي أمامي من العصير فالشركة واحدة وتصميم العبوتين واحد في المقاس والطول وكل شيء لكن بينهما فرق فهذا عصير أخضر وهذا عصير أصفر.
وهكذا الإرهاب قد يتشابه مع الجهاد حتى لا يستطيع كثير من الشباب أن يفرق بينهما.
فمثلاً المجاهد يقتل والإرهابي يقتل ، المجاهد يكبر الله عندما يطلق الرصاصة والإرهابي نجده أيضاً يكبر حين يقتل ويذبح.. المجاهد نراه في الصور يصلي ويقرأ القرآن والإرهابي أيضاً نراه في الصور يصلي ويقرأ القرآن..
المجاهد يقول أريد أنصر الإسلام والإرهابي يقول أريد أنصر الإسلام ..
المجاهد يقول أريد الجنة والشهادة والإرهابي يقول نفس الشيء
فهذا التشابه بينهما هو الذي يجعل كثيراً من أبنائنا يعجز أو يحتار عن التفريق بينهما مع أن بينهما فوارق كبيرة جداً.
وقبل أن أبدأ بالفوارق أحب أن أعطيكم لمحة موجزة عن الحكمة من الجهاد في الإسلام،
لماذا شرع الجهاد في الإسلام؟
تعالوا نرجع للوراء للزمن القديم جداً . أين كان آدم وحواء؟ كانا في الجنة حيث النعيم والراحة وكل ما يتمناه الإنسان فيها. ثم أكلا من الشجرة التي نهيا عن أكلها فأهبطهم الله إلى الأرض حيث التعب والمرض والهموم والتكاليف الحلال والحرام .. الخ وكان آدم نبياً فربى أولاده وذريته على التوحيد واستمر الناس موحدين لمدة ألف سنة ثم حدث الشرك في الأرض بسبب عبادة الأصنام فأرسل الله نوحاً عليه السلام حتى يرد الناس للتوحيد لأن من مات على التوحيد رجع الى الجنة ومن مات على الشرك حرم الله عليه الجنة وخلده في النار والعياذ بالله.
واستمر الرسل على هذا حتى كان آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم فدعا الناس للتوحيد وحذرهم من الشرك يعني عبادة غير الله كدعاء الأصنام والاستغاثة بالأموات فآذاه أهل مكة وقتلوا بعض أصحابه ثم اضطروهم لمغادرة مكة فهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأمر الله إلى المدينة واستمر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى التوحيد الذي يدخلهم الجنة ويحذرهم من الشرك الذي يدخلهم النار .. فقامت قريش وبعض المشركين وقالوا لا نسمح لكم بالدعوة إلى التوحيد ولا التحذير من الشرك فصاروا عقبة تمنع الناس أن تصلهم دعوة التوحيد فشرع الله الجهاد العسكري حتى تزال هذه العوائق المعاندة الرافضة أن ينتشر الخير. وحتى أقرب لكم الصورة لو أن عائلة كاملة رجال ونساء وأطفال وكبار وصغار احتجزهم حريق كبير في بيت وجاء الدفاع المدني لإطفاء الحريق وإنقاذ العائلة من النار فاعترضهم شخص بالقوة وقال لا أسمح لكم بإطفاء الحريق؟ فما رأيكم في هذا الشخص؟ أليس يستحق العقوبة البالغة؟ لا شك الجواب نعم بل قد تقولون يستحق أن يقتل لأنه يتسبب الآن في قتل عشرات الأنفس حرقاً.
وهكذا الجهاد شرع من أجل مصالح كبيرة وهذه أبرز مصالحه فالإسلام لم يشرع الجهاد لأجل القتل وسفك الدم وإزهاق الأرواح والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي القائد حين يرسله للجهاد يقول له ادع المشركين للإسلام إن أسلموا فكف عنهم يعني الحمد لله إذا أسلموا صاروا إخواننا وهذا غاية المنى . وإن أبوا فاطلب منهم الجزية. يعني يكون البلد تحت حكم المسلمين وهم يبقون على دينهم ويدفعون للدولة مبلغ سنوي، ونحن المسلمين نقوم بحمايتهم من العدوان الداخلي من أبناء البلد أو من العدو الخارجي لو هجم عليهم. وإن أبوا الإسلام وأبو الرضوخ لحكم الإسلام ووقفوا في طريقه فما بقي هنا الا القتال لأنهم بذلك يمنعون الناس الذين خلفهم وتحت أمرهم أن تصلهم رسالة الإسلام بوضوح وصفاء.. وكذلك يوصيه يقول له (لا تقتلوا امرأة، ولا وليداً) يعني طفلا لم يبلغ (ولا تقتلوا شيخاً فانياً) يعني كبير السن الذي لا يستطيع المشاركة. وينهاهم أيضاً عن قتل الرهبان الذي اعتزلوا الناس في الصوامع للعبادة _ مع أن عبادتهم باطلة_ وأقصد من هذا أن هذه الوصايا كلها تؤكد أن الغاية ليست هي التعطش لسفك الدم ولا القتل لأجل القتل ذاته والا لقال اقتلوا كل من لقيتم من المشركين والكفار واليهود والنصارى ولا تتركوا أحداً.
كذلك ليس القصد أن يجبر الناس جبراً على الدخول في الإسلام والا لما تركوا وطلبت منهم الجزية وهذا معنى قوله تعالى (لا إكراه في الدين) والحالة الوحيدة التي يجبر فيها الإنسان على الدخول في الإسلام وإلا قتل هي المسلم إذا ارتد والعياذ بالله لقوله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه).
فالجهاد إذن شرع رحمة للعباد وليس بلاء وعذاباً لهم.
والآن بعدما فهمنا هذه النبذة عن الجهاد نبدأ الحديث عن الفرق بينه وبين الإرهاب ولكن لدي سؤال: هل معرفة الفرق بينهما أمر ضروري وله أهمية؟
والجواب نعم ضروري لأن الشبه بينهما كبير والفرق في نتيجة كل واحد منهما كبير أيضاً فالجهاد يوصل إلى عز الإسلام والمسلمين والإرهاب يؤدي إلى ضعف المسلمين وتسليط العدو عليهم. والجهاد يوصل إلى رضا الله والجنة والإرهاب يوصل إلى سخط الله والنار.
ثم مثلا لو أن عندك في البيت جدة كبيرة في السن وعندها أدوية كثيرة وبعضها لازم تأخذ منها حبة وبعضها لازم تأخذ منها حبتين وفيه أدوية في الثلاجة ليست لها بل لغيرها وهي لا تعرف القراءة. فلو قلت لها سأضع لك علامة على كل نوع بالألوان مثلاً حتى ما تخطئين فيها وتضرين نفسك لكان هذا اقتراحاً ممتازاً بل ضرورياً لإنقاذ حياتها.
وأنتم في هذا السن مستهدفون من قبل التنظيمات الإرهابية لسحبكم لها وإقناعكم بالاشتراك فيها. فهم لا يحرصون على كبار السن بل يحرصون على الشباب مثلكم في المتوسط والثانوي. فضروري جدا أن تفرقوا بين النوعين حتى لا تقعوا في الإرهاب.
والآن إلى الفـــوارق :
الفرق الأول:
المجاهد يجاهد بإذن ولي الأمر، لأن الجهاد من صلاحيات ولي الأمر هو يعلن الحرب وهو يعلن الصلح. والدليل أن الصحابة كانوا لا يجاهدون الا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده لا يجاهدون الا بأمر الخلفاء. لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الإمام جنة يقاتل من ورائه) يعني لا يقاتل إلا بعد إذنه وأمره. فلا نتقدمه في إعلان القتال على أحد. وأما الإرهابي فهو يقاتل بدون إذن ولي الأمر لأنه لا يريد الجهاد الحقيقي الشرعي بل يريد الفوضى والفتن وسفك الدماء فقط. بل إن الإرهابي في الحقيقة تجده يكفر ولي أمر المسلمين ويقاتله فبدلا من أن يقاتل تحت رايته يقاتله ويسفك دماء جنوده ورعيته والعياذ بالله.
الفرق الثاني:
المجاهد يستأذن والديه في غير جهاد فرض العين. لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عدداً من الصحابة أن يرجعوا إلى آبائهم وأمهاتهم بعدما جاؤوه من مسافات بعيد للجهاد بغير إذن والديهم أو من أجل حاجة آبائهم وأمهاتهم لهم.. أما الإرهابي فلا يستأذن والديه لأنه يعرف أن إرهابه الذي سيقوم به لا يقبله أحد عنده دين أو عقل سليم أو فطرة سوية. فلا يحب أن يكتشف أمره فيخفيه حتى عن أقرب الناس إليه. ولا يكتفي بعض الإرهابيين بعدم الاستئذان بل ربما كذبوا على آبائهم وأمهاتهم فيقولون نحن ذاهبون للعمرة أو للتمشية ونحو ذلك ثم يختفون حتى يتبين لاحقاً أنهم نفذوا عملية انتحارية في داخل البلاد أو أنهم غادروا إلى مواطن الفتن. وأدهى من ذلك أن يقوم الإرهابي بقتل والديه أو أحدهما والعياذ بالله لأنهما لا يوافقانه على منهجه فيقتلهما لأنهما في نظره الخبيث كافران مرتدان محاربان لله ولرسوله ويكرهان الجهاد ويكرهان المجاهدين. مع أن الله تعالى أمر ببر الوالدين ونهى أن نقول لهما أف ولو كانا كافرين بل حتى ولو كانا يبذلان كل جهدهما وطاقتهما في أن يرتد ولدهما عن الإسلام.
الفرق الثالث:
المجاهد يقاتل الكفار والمشركين لقول الله تعالى (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) ولقوله تعالى (قاتلوا المشركين كافة) وأما الإرهابي فإنه يقاتل المسلمين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) ولهذا نجدهم يغتالون رجال الأمن ويفجرون في المساجد ويقتلون الموحد والمصلين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (نهيت عن قتل المصلين) نعم قد يوجد لهم جرائم في بلاد الكفار لكنها قليلة جدا بالنسبة لجرائمهم الموجهة ضد المسلمين.
الفرق الرابع:
المجاهد يحافظ على بلده المسلم وعلى أمنه واستقراره ولهذا يرابط على الحدود ويحافظ على أمن الناس في الأسواق والحدائق والمجمعات وطرق السفر وغيرها ويرجى أن يكونوا من أصحاب العيون التي لا تمسها النار لأنها تبيت تحرس المسلمين وتسهر على أمنهم وراحتهم. أما الإرهابي فإنه يفسد الأمن في البلد المسلم ويثير فيه الخوف والرعب حتى مكان الأمن والطمأنينة وهي المساجد لم تسلم من جرائمهم ولهذا الآن صرنا نرى سيارات الأمن عند أبواب المساجد يوم الجمعة والسبب هو حرص هؤلاء الخوارج على إفساد الأمن وترويع المسلمين الآمنين.
الفرق الخامس:
أن المجاهد يأخذ فتواه وأحكام جهاده من المصادر الموثوقة المعروفة بالعلم الراسخ في الكتاب والسنة والعقيدة والفقه والحديث يأخد فتواه من مثل سماحة المفتي و سماحة الشيخ صالح الفوزان ومن اللجنة الدائمة للإفتاء ومن هيئة كبار العلماء. قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ولما كان الجهاد فيه سفك دماء لم يكن بالأمر السهل فلا بد أن يحتاط فيه المسلم. فالخوارج لقتلهم المسلمين بغير حق يدخلون النار ويمسخهم الله فيها على صورة كلاب والعياذ بالله.
أما الإرهابي فلأنه لا يهمه الشرع ولا الحلال والحرام في الحقيقة فهو لا يبالي عمن أخذ فتاواه المهم أن الفتوى توافق مزاجه ولهذا نراهم يستفتون شباباً صغاراً مثلهم ويستفتون جهالاً مثلهم أو أردى منهم ويأخذون بفتاوى أشخاص مجهولين لا يعرفون. والغريب أن هذا الذي لا يستفتي العلماء في الدين ويستفتي الجهال أمثاله لو أن ضرسه آلمه جداً فلن يذهب لعلاجه إلى سباك أو ميكانيكي بل سيذهب إلى طبيب الأسنان لأنه هو المختص. فانظروا كيف يكون ضرسه أو صحة بدنه أهم عنده من دينه والعياذ الله.
فهذه أيها الأبناء الكرام خمسة من أهم الفوارق بين الجهاد والإرهاب. فانتبهوا من دعاة الخوارج والفتن الذين يرغبونكم في الجهاد وهم يقصدون به الانضمام إلى الخوارج والتنظيمات الإرهابية. لا تغتروا بهم ولا تستمعوا لهم.
وكونوا ملازمين لآبائكم وإخوانكم وسائر أهلكم ولا تنعزلوا عنهم لأن العزلة والانطوائية من أهم الأسباب التي تسهل على الإرهابيين تجنيد الشباب للإرهاب.
وكونوا مقدرين لولاة أموركم فالله جل وعلا بسط هذا الأمن والرخاء من الجنوب للشمال ومن الخليج الى البحر على أيديهم فلهم منا الدعاء والشكر والسمع والطاعة في المعروف في المنشط والمكره واليسر والعسر.
وختاما أشكركم على إصغائكم وتفاعلكم وحسن إجاباتكم الدالة على جودة الفهم ودقة المتابعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. علي بن يحيى الحدادي
الأستاذ المساعد بقسم السنة كلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
النادي الصيفي بالمعهد العلمي في منطقة الجوف بمحافظة سكاكا .
يوم الأحد أغسطس 9, 2016