دحر افتراء عبد الحميد الجهني علي بما أنا بريء منه
بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان مقالة الظالم (ص74):
"دعوى الشيخ ربيع أن سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز لم يقل عمن لا يكفر تارك العمل: بأنه مرجئ"
أقول:
أولاً: أنا لم أَدَّعِ على الإمام ابن باز دعوى باطلة، وأعوذ بالله من ذلك.
بل نقلتُ نص كلامه الذي نفى فيه الإرجاء عمن لا يكفر تارك العمل وحكم له بأنه من أهل السنة.
وهذا عمل سليم وصحيح، وستأتي أدلة صحته التي يُسلِّم بها المسلمون من السابقين واللاحقين.
فهذا العنوان الذي وضعه الجهني واضح في الظلم والبطلان، وسيأتي نص إجابة هذا الإمام الداعي لمنهج السلف، والقائم على الإنصاف.
ثانيًا: قال الجهني عني (ص74):
"حيث قال في مقاله (أحاديث الشفاعة..) بعد أن نسب إلى أئمة الدعوة ما نسب: وأضيف إلى كلام هؤلاء الأئمة النبلاء كلام الإمام ابن باز –رحمه الله-.
فقد سئل عمن لا يُكفر تارك العمل هل هو مرجئ؟
فقال –رحمه الله-: "لا، هو من أهل السنة".
نشرتْ هذه الإجابة المنصفة "مجلة الفرقان" العدد (94)، السنة العاشرة، شوال، عام (1418هـ).
أي قبيل وفاته –رحمه الله – بسنتين.
وقد علم الحداديون بهذه الفتوى، لكنهم كعادتهم لا يرفعون رؤوسهم بكلام أئمة الإسلام السابقين واللاحقين، القائمة على الحجج والبراهين، كما هي عادة أهل الأهواء المبتدعين".انتهى.
أقول:
قوله: "بعد أن نسب إلى أئمة الدعوة ما نسب".
يوهم القراء أنني نسبتُ إلى أئمة الدعوة ما لم يقولوه، وهذا من الافتراء والبهت، بل ما نقلتُ عنهم إلا نصوصاً واضحة وضوح الشمس، أنقلها عنهم بالحرف، وستأتي إن شاء الله.
ثالثًا: قال الحدادي (ص74-75):
"والجواب: أن الشيخ ربيع([1]) -مع الأسف بتر هذه الفتوى بترًا مُخلاً مخالفًا لما تقتضيه الأمانة العلمية، وليس يحمله على ذلك والله أعلم إلا الرغبة في نصرة رأيه والدفاع عن نفسه.
ودونك جواب الشيخ كاملًا لتعلم أن ليس في كلامه رحمه الله حجة لأقوال المرجئة.
سئل رحمه الله: فضيلة الشيخ: هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين، ووجود أصل الإيمان القلبي؛ هل هم من المرجئة؟
فأجاب: هذا من أهل السنة والجماعة.
من قال بعدم كفر تارك الصيام، أو الزكاة، أو الحج؛ هذا ليس بكافر؛ لكن أتى كبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء؛ لكن الصواب: لا يكفر كفرًا أكبر، أما تارك الصلاة؛ فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما إذا ترك الزكاة والصيام والحج؛ فهذا كفر دون كفر، ومعصية كبيرة من الكبائر.
والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن منع الزكاة: يؤتى به يوم القيامة ويعذب بماله؛ كما دل عليه القرآن: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة :35]؛ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعذب بماله؛ بإبله وبقره وغنمه وذهبه وفضته؛ ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار؛ دل على توعده؛ قد يدخل النار، وقد يُكتفى بعذاب البرزخ، ولا يدخل النار، وقد يكون إلى الجنة بعد العذاب الذي في البرزخ". انتهى.
فواضح من تفصيل الشيخ أنه يتكلم عن آحاد العمل، عن حكم من ترك الصيام أو الحج أو الصلاة، وذكر الأدلة على عدم كفر من ترك الزكاة، ورجح كفر من ترك الصلاة، فبحث الشيخ رحمه الله في آحاد العمل، وليس في حكم من ترك العمل مطلقًا، وعليه فلا حجة فيه للشيخ ربيع". انتهى كلام الجهني.
أقول:
الجواب على هذا الطعن الفاجر المتضمن رميي بأني بترت فتوى الشيخ ابن باز بترًا مخلا مخالفًا لما تقتضيه الأمانة العلمية:
أولا: أن الخلاف بين السلفيين وبين الحدادية في تارك العمل هل يكفر أم لا؟ وهل من لم يكفره يعد من المرجئة؟
فنقلتُ عن الإمام ابن باز -رحمه الله- ما يبين مخالفة الحدادية لأهل العلم ومنهم ابن باز، لقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن لا يكفر تارك العمل: هل هو مرجئ؟
فأجاب -رحمه الله- بقوله: "لا، هو من أهل السنة والجماعة".
فنفى عمن هذا حاله الوصف بالإرجاء، وبرأه منه، وأضاف إلى هذه التبرئة بأنه من أهل السنة والجماعة.
وفي هذه الإجابة الحاسمة صفعة للحدادية المحاربين لأهل السنة وتبرئة واضحة لمن يقول من أهل السنة بعدم تكفير تارك العمل.([2])
فنقلت ما يقتضيه المقام ألا وهو السؤال، وجواب الإمام ابن باز عليه، وتركت ما عداه؛ لأنه لا علاقة له بتارك العمل الذي دار حوله السؤال والجواب، وهو المقصود، وهذا أمر معروف لدى العقلاء والعلماء الذين يأخذون من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فيما يقولون ويكتبون ما هو المقصود والشاهد وما يقتضيه المقام ويدعون ما عداه.
بل إن عملي هذا لي فيه أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يستشهد في خطبة الحاجة بعدد من الآيات القرآنية وهي:
1- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] اختارها من جملة آيات قبلها وبعدها من سورة آل عمران.
لأن المقصود حث الناس على تقوى الله.
2- وقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، هي أول آية من سورة النساء.
3- وقوله تعالى في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) [الأحزاب: 71-72].
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار هذه الآيات؛ لأنها ذوات موضوع واحد ألا وهو الأمر بتقوى الله، ولا يُلزِم نفسه بما بعدها وما قبلها، وتأسى برسول الله –صلى الله عليه وسلم- في خطبه كثير من العلماء في السابق واللاحق، وألّف العلامة الألباني –رحمه الله- رسالة في هذه الخطبة.
وهذا الإمام البخاري –رحمه الله- سلك هذا المسلك، وسأضرب عدداً من الأمثلة من تصرف هذا الإمام في باب واحد.
قال –رحمه الله- في "صحيحه" (1/41):
" باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى:
1- {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] فبدأ بالعلم.
2- «وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة».
3- وقال جل ذكره: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28].
4- وقال: {وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43].
5- {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10].
6- وقال: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9].
7- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» [ص:25] وإنما العلم بالتعلم".
وهاك النصوص التي أخذ منها الإمام البخاري مواضع الشواهد، أسوقها لك:
1- النص الأول:
قال البخاري رحمه الله: "باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وبقية النص: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ). [محمد: 19]. فبدأ بالعلم.
2- النص الثاني هاك هو بكامله:
عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَتَيْتُكَ مِنَ الْمَدِينَةِ، مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
3- النص الثالث هاك هو بكامله:
وقال جل ذكره: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].
4- النص الرابع هاك هو بكامله:
وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43].
5- النص الخامس وهاك هو بكامله:
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10].
6- النص السادس هاك هو بكامله:
وقال: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
7- النص السابع بكامله:
عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله». رواه البخاري برقم (71، 3116، 7312)، ورواه مسلم برقم (1037) عن معاوية رضي الله عنه.
وأعلم القراء جواز هذا الاختصار؛ اقتصارًا على الشواهد، فليعلموا أن هذا الجهني الحدادي الجهول قد رماني بأني بترت قول الإمام ابن باز بترًا مخلاًّ لما تقتضيه الأمانة العلمية، وأني قد خالفت الأمانة العلمية، وأن ليس الحامل لي على ذلك -والله أعلم- إلا الرغبة في نصرة رأيي والدفاع عن نفسي.
وكلامه هذا من البهتان والإثم المبين يصدق عليه قول الله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].
وإني لأبرأ إلى الله مما رماني به هذا الحدادي من البتر المخالف لما تقتضيه الأمانة العلمية وبالإرجاء.
وربي لقد سرت على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطريقة أهل العلم والنُّبل في أخذ المقصود، والشاهد من جواب الإمام ابن باز على السؤال الذي وجه إليه، وتركت ما زاد على ذلك مما قاله الشيخ ابن باز توسعًا في الكلام يرى أنه يستفيد منه الجاهل.
والعاقل المنصف يدرك أن الإمام ابن باز لو اقتصر في جوابه على سؤال السائل على قوله: "لا هو من أهل السنة" لما رأى في إجابته تقصيرًا أو خللاً، بل لو اقتصر على كلمة (لا) وحدها لكانت جوابًا وافيًا، قال تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 44].
فأجاب أصحاب النار على سؤال أهل الجنة بكلمة (نعم) فقط، ولم يزيدوا عليها فكانت جوابًا يشفي غليل أصحاب الجنة.
وهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقتصر في إجابته على أسئلة وجهت إليه، بـِلا، ثم بـِنعم.
وقال الترمذي رحمه الله في سننه حديث (272:
حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ».
وأخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (3/19، وابن ماجه في سننه حديث (3702)، وعبد بن حميد حديث (1217)، والبيهقي (7/100) وغيرهم.
وأورده الألباني في الصحيحة برقم (160)، وقال:
"وقال الترمذي: حسن".
ثم قال: "وهو كما قال وأعلى".
وأورد له متابعات يتقوى بها.
فما رأي هذا الحدادي؟
وقال الجهني الحدادي معلقًا على كلام الإمام ابن باز رحمه الله:
" فواضح من تفصيل الشيخ أنه يتكلم عن آحاد العمل، عن حكم من ترك الصيام أو الحج أو الصلاة، وذكر الأدلة على عدم كفر من ترك الزكاة، ورجح كفر من ترك الصلاة، فبحث الشيخ رحمه الله في آحاد العمل، وليس في حكم من ترك العمل مطلقًا، وعليه فلا حجة فيه للشيخ ربيع".
أقول:
عجبًا لهذا المسكين المتطفل على كلام الإمام ابن باز –رحمه الله-؛ فيقول:
"فواضح من كلام الشيخ أنه يتكلم على آحاد العمل عن حكم من ترك الصيام، أو الحج، أو الصلاة، وذكر الأدلة على عدم كفر من ترك الزكاة".
أقول:
فلماذا أغفلت حكمه على تارك الزكاة، والصيام، والحج بعدم الكفر وأن تاركها يكفر كفرًا دون كفر وتركه معصية كبيرة من الكبائر.
ومن العجائب قول هذا الرجل: "فبحث الشيخ في آحاد العمل وليس في حكم ترك العمل من ترك العمل مطلقًا؛ وعليه فلا حجة فيه للشيخ ربيع".
فهل السؤال الذي وجه إلى الإمام ابن باز كان عن آحاد العمل؟!
وهل ربيع احتج بكلام الشيخ في آحاد العمل؟
وهل عارض الشيخ في كفر تارك الصلاة، أو تارك آحاد العمل؟!!
ثم أين وضعت حكم الشيخ بنفيه الإرجاء عن العلماء الذين لا يكفرون تارك العمل؟
وأين وضعت شهادته لهم بأنهم من أهل السنة والجماعة؟ الأمر الذي احتج به ربيع على الحدادية الذين يرمون العلماء الذين لا يكفرون تارك الصلاة بالإرجاء، ويرمون من لا يكفر تارك العمل بالإرجاء.
وأسألك أنت وأمثالك من الحدادية فأقول:
هل أنتم ترفعون رؤوسكم بكلام ابن باز وغيره من العلماء السابقين واللاحقين إذا خالفوا جهالاتكم وغلوكم المدمر؟
كلا؛ فقد عرفكم أهل السنة وعرفوا منهجكم وأصولكم التي تحاربون بها أهل السنة حربًا شعواء لا تنقطع على امتداد سنوات.
أما الروافض والعلمانيون وسائر أهل البدع من الصوفية والإخوان المفلسون وفروعهم فهم منكم في مأمن وسلام إلا ما تبدونه في نادر من الأحيان من باب ذر الرماد في العيون.
رابعًا: هاك نصوص الأئمة التي وعدتُ القراء بها، نقلتها عنهم بالحرف كما في مقالي [أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد الصحيحة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية]:
"هذا ومن أئمة السنة من لا يُكفِّر إلا بترك الشهادتين أو يقع في نواقضها، ومنهم:
1- الإمام محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة السلفية بعد الإمامين ابن تيمية وابن القيم.
قال في "الدرر السنية" (1/102): "وسئل الشيخ / محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى- عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟ فأجاب: أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة؛ فالأربعة: إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها ؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان. وأيضا نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر".
فعلماء الأمة اختلفوا في تكفير تارك الأركان كسلاً، وأجمعوا على تكفير تاركها جحوداً.
وأجمعوا على كفر تارك الشهادتين.
والإمام محمد لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه وهو الشهادتان .
وقوله هذا نص واضح في عدم تكفير تارك العمل؛ إذ ليس وراء الأركان الخمسة من الأعمال ما يكفر به، بل نص على أنه لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه، وهو الشهادتان .
2- ومنهم الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
قال –رحمه الله- في "الدرر السنية" (11/317):
"وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفّر به؟ فقال في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر... ".
3- ومنهم الإمام عبد اللطيف آل الشيخ.
قال –رحمه الله- في "الدرر السنية" (1/467) مؤكداً ما قاله آباؤه:
" وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والإلهية وهذا: مجمع عليه أهل العلم والإيمان".
4- ومنهم الإمام ابن سحمان.
قال –رحمه الله- في "الضياء الشارق" (ص35)، مطابع الرياض: "فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة، ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب، ودان بحكم الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف، ووافق أهل السنة والجماعة. ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله، إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في "الإعلام" لابن حجر الشافعي".
فهؤلاء كبار أئمة الدعوة السلفية في نجد لا يُكفرون في أقوالهم هذه إلا بما أجمعت الأمة على أنه كفر.
وعبارة الإمام محمد -رحمه الله-: "ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان".
والظاهر أن هذه المواقف من هؤلاء الأئمة إنما هي مبنية على الأخذ بأحاديث فضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وعلى أحاديث الشفاعة في المذنبين التي هي مبنية على فضل ومكانة كلمة التوحيد، وما لقائلها المعتقد لمعناها المخلص فيها من الجزاء عند الله على تفاوت أهلها في العمل بمقتضاها والتقصير فيه ، وعلى تفاوتهم في هذا التقصير المؤدي إلى دخول النار، كما في أحاديث الشفاعة التي تبين هذا التفاوت، وقد سلف ذكرها قريباً.
هذا ولهؤلاء الأئمة أو لبعضهم أقوال أخرى يُكفرون فيها تارك الصلاة.
لكن المتأمل والناظر في الأدلة والإجماع الذي ذكروه يدرك أن المعتمَد عندهم هو هذا القول القائم على الأدلة المذكورة والإجماع.
فما رأي الحدادية في أقوال أهل التوحيد والسنة والحديث السابقين منهم واللاحقين؟
وما رأي أهل السنة المعاصرين وعلمائهم في طائفة الحدادية الذين يرمون أهل الحديث وأئمتهم بالإرجاء، بل يرمون كثيراً منهم بالتجهم؟
وأضيف إلى كلام هؤلاء الأئمة النبلاء كلام الإمام ابن باز –رحمه الله-.
فقد سئل عمن لا يُكفر تارك العمل هل هو مرجئ؟
فقال –رحمه الله-: "لا، هو من أهل السنة".
نشَرتْ هذه الإجابة المنصفة "مجلة الفرقان" العدد (94)، السنة العاشرة، شوال، عام (1418هـ).
أي: قبيل وفاته –رحمه الله – بسنتين.
وقد علم الحداديون بهذه الفتوى، لكنهم كعادتهم لا يرفعون رؤوسهم بكلام أئمة الإسلام السابقين واللاحقين، القائمة على الحجج والبراهين، كما هي عادة أهل الأهواء المبتدعين.
وأضيف الآن من كلام الإمام محمد وغيره من الأئمة ما يأتي:
ففي خطاب طويل للإمام محمد إلى عموم المسلمين كما في الدرر السنية (1/64-72)، نأخذ منه الكلام الآتي من (ص72):
5- قال رحمه الله:
"وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفر. وأكثر الأمة - ولله الحمد - ليسوا كذلك; وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم، إلا دون النفس والحرمة; وهم الذين أتونا في ديارنا; ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم، على سبيل المقابلة، وجزاء سيئة سيئة مثلها; وكذلك من جاهر بسب دين الرسول، بعد ما عرف، فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق، الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس، وتعليمه النساء، والرجال".اهـ الدرر السنية (1/73).
6- وقال رحمه الله في الدرر السنية (1/104):
وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.
وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور آية: 16]".اهـ
7- وكتب رحمه الله كتابًا إلى محمد بن عيد بيَّن فيه دعوته، وجاء من ضمن هذا الكتاب قوله:
"ولكن قبل الكلام، اعلم: أني عَرَّفْتُ بأربع مسائل:
الأولى: بيان التوحيد مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس.
الثانية: بيان الشرك، ولو كان في كلام من ينتسب إلى العلم أو العبادة، من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة، ولو زعم أنهم يريدون أنهم شفعاء عند الله، مع أن أكثر الناس يظن أن هذا من أفضل القربات، كما ذكرتم عن العلماء، أنهم يذكرون أنه قد وقع في زمانهم.
الثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه، ومن عرف الشرك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإنكاره، وأقر بذلك ليلا ونهارا، ثم مدحه وحسنه للناس، وزعم أن أهله لا يخطئون، لأنهم السواد الأعظم.
وأما ما ذكر الأعداء عني، أني أُكَفِّر بالظن وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله.
الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع، صدقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان، في التوحيد، وفي نفي الشرك، وردوا علي التكفير والقتال". الدرر السنية (10/112).
8- وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، يحدِّث عن نعمة الله عز وجل عليهم حين دخلوا مكة بغير قتال في أيام الإمام سعود بن عبدالعزيز، قال خلال حديثه:
" بعد أن طلب أشراف مكة، وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو "سعود" الأمان، وقد كانوا تواطؤوا مع أمراء الحجيج، وأمير مكة على قتاله، أو الإقامة في الحرم، ليصدوه عن البيت. فلما زحفت أجناد الموحدين، ألقى الله الرعب في قلوبهم، فتفرقوا شذر مذر، كل واحد يعد الإياب غنيمة. وبذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف، ودخلنا وشعارنا التلبية، آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين، غير خائفين من أحد من المخلوقين، بل من مالك يوم الدين. ومن حين دخل الجند الحرم، وهم على كثرتهم مضبوطون، متأدبون، لم يعضدوا به شجرا، ولم ينفروا صيدا، ولم يريقوا دما إلا دم الهدي، أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع". الدرر السنية (1/222).
إلى أن قال رحمه الله:
فإن قال قائل منفر عن قبول الحق والإذعان له: يلزم من تقريركم وقطعكم، في أن من قال: يا رسول الله، أسألك الشفاعة، أنه مشرك مهدر الدم، أن يقال بكفر غالب الأمة، ولا سيما المتأخرين، لتصريح علمائهم المعتبرين أن ذلك مندوب، وشنوا الغارة على من خالف في ذلك! قلت: لا يلزم، لأن لازم المذهب ليس بمذهب، كما هو مقرر، ومثل ذلك لا يلزم أن نكون مجسمة، وإن قلنا بجهة العلو، كما ورد الحديث بذلك.
ونحن نقول فيمن مات: تلك أمة قد خلت، ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبرا معاندا، كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون على ذلك الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبات، ويتظاهرون بأفعال الكبائر والمحرمات ; وغير الغالب إنما نقاتله لمناصرته من هذه حاله، ورضاه به، ولتكثير سواد من ذكر، والتأليب معه، فله حينئذ حكمه في قتاله، ونعتذر عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون، لعدم عصمتهم من الخطأ، والإجماع في ذلك ممنوع قطعا، ومن شن الغارة فقط غلط". الدرر السنية (1/234).
9- رسالة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في بيان عقيدة الشيخ ابن عبد الوهاب وأخباره وأحواله في الدرر السنية (1/522)، قال رحمه الله:
" فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم، ممن يعبد الأولياء والصالحين، نحكم بأنهم مشركون; ونرى كفرهم، إذا قامت عليهم الحجة الرسالية; وما عدا هذا من الذنوب، التي هي دونه في المرتبة والمفسدة، لا نكفر بها.
ولا نحكم على أحد من أهل القبلة، الذين باينوا لعباد الأوثان والأصنام والقبور، بمجرد ذنب ارتكبوه، وعظيم جرم اجترحوه; وغلاة الجهمية والقدرية والرافضة، ونحوهم ممن كفرهم السلف، لا نخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى، من سلف هذه الأمة، ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج، وقالته في أهل الذنوب من المسلمين".اهـ
10- وورد على أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ حمد بن ناصر رحمه الله تعالى سؤال، هذا نصه: بلغنا: أنكم تكفرون أناسا من العلماء المتقدمين، مثل ابن الفارض، وغيره، وهو مشهور بالعلم، من أهل السنة.
فأجابوا: ما ذكرت أنا نكفر ناسا من المتقدمين، وغيرهم، فهذا من البهتان الذي أشاعه عنا أعداؤنا، ليجتالوا به الناس عن الصراط المستقيم، كما نسبوا إلينا غير ذلك من البهتان أشياء كثيرة، وجوابنا عليها أن نقول: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور آية: 16] ؛ ونحن لا نكفر إلا رجلا عرف الحق وأنكره، بعدما قامت عليه الحجة، ودعي إليه فلم يقبل، وتمرد وعاند، وما ذكر عنا من أنا نكفر غير من هذا حاله، فهو كذب علينا".اهـ
11- (رسالة الأمير عبد العزيز بن سعود إلى بلدان العجم والروم)، قال رحمه الله تعالى في الدرر السنية (1/264):
"ونحن لا نكفر إلا من عرف التوحيد وسبه، وسماه دين الخوارج، وعرف الشرك وأحبه، وأهله، ودعا إليه، وحض الناس عليه بعدما قامت عليه الحجة، وإن لم يفعل الشرك، أو فعل الشرك، وسماه التوسل بالصالحين، بعدما عرف أن الله حرمه، أو كره بعض ما أنزل الله، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سورة محمد آية: 9] ، أو استهزأ بالدين، أو القرآن، كما قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [سورة التوبة آية: 65-66] ، قال العلماء في هذه الآية: الاستهزاء بالله كفر مستقل بالإجماع، والاستهزاء بالرسول كفر مستقل بالإجماع.
وهذه الأنواع التي ذكرنا أننا نكفر من فعلها قد أجمع العلماء كلهم من جميع أهل المذاهب على كفر من فعلها، وهذه كتب أهل العلم، من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم، موجودة ولله الحمد والمنة، وصلى الله على نبينا محمد، وصحبه وسلم".اهـ
12- وقال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في دفع هذه الشُّبه عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في شرحه لكتاب كشف الشبهات:
"فإن الشيخ رحمه الله لما تصدى للدعوة إلى الله وبين ما عليه الكثير من الشرك الأكبر تصدى بعض الجهال بالتشبيه على جهال أمثالهم، وزعموا أن المصنف رحمه الله يكفر المسلمين وحاشاه من ذلك، بل لا يكفر إلا من عمل مكفرًا وقامت عليه الحجة فإنه يكفره فقصد كشف تلك الشبه المشبهة على الجهال وردها وإن كانت أوهى من خيوط العنكبوت لكن تشوش عليهم".
انظر [شرح كشف الشبهات] للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص50).
أقول:
هذه اثنا عشر قولاً نقلتها عن الإمام محمد والأئمة من أتباعه، منهم من ينقل تصريح الشيخ بأنه لا يُكفِّر الجاهل إلا بعد أن تقام عليه الحجة.
ومنهم من يسير على نهجه في عدم التسرع في التكفير، فلا يُكفِّر من يقع في الشرك إلا بعد أن تقام عليه الحجة.
أما من يعرف التوحيد ويقع في الشرك فهذا يكفرونه بدون تردد؛ لأن الحجة قائمة عليه من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وما عليه سلف الأمة.
وبقيت هناك نصوص أخرى لأئمة الدعوة إلى التوحيد تركتها اختصاراً، وهي موجودة في "الدرر السنية"، وقد جمعها الأخ عصام بن عثمان القباطي في مقال له عنوانه: [الحدادية يجهدون أنفسهم في تأكيد ما يرمي به القبوريون والروافض الإمام محمد ودعوته من أنه على منهج وعقيدة الخوارج في التكفير].
هذا ولأئمة الدعوة نصوص في تكفير من يقع في الشرك لا ننكرها.
فنقول: إما أن يكون مرادهم بهذا التكفير الشرك الأصغر.
وإما أن يريدوا به الشرك الأكبر فهنا يأتي الترجيح.
فمن ترجح له عدم التكفير بالأدلة الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- ومن أقوال السلف فلا حرج عليه، بل هو مأجور لاجتهاده ولإتباعه للأدلة الشرعية.
ومن يرجح له التكفير بما عنده من أدلة، فلا حرج عليه، وله أجر اجتهاده وأخذه بما ظهر له من نصوص الكتاب والسنة.
وهذا المنهج قد سار عليه أئمة الإسلام في مواطن الخلاف التي يسوغ فيها الاجتهاد، فلا يطعن بعضهم في بعض، بل ليس بينهم إلا الحب والاحترام، وتأريخهم يشهد بذلك.
أما من يخالف هذا المنهج فيتطاول ويبدع ويُكفِّر بهواه، فهذا يعتبر من أهل الضلال، فيُبدَّع ويُبيَّن للناس جهله وهواه، ويُحذَّر منه ومن فتنته التي تضر بالسنة وأهلها.
كتبه
الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
33/3/1437هـ
-----------------------------------
([1]) كذا.
([2]) وانظر إلى هذا الحدادي لم يرفع رأسًا بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله، وهكذا حزبه لا يرفعون رؤوسهم بأقوال أهل العلم التي تخالف ضلالهم وأهواءهم.
المصدر :
منتدى سحاب السلفية
من مشاركة للعلامة ربيع المدخلي
حفظه الله تعالى ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان مقالة الظالم (ص74):
"دعوى الشيخ ربيع أن سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز لم يقل عمن لا يكفر تارك العمل: بأنه مرجئ"
أقول:
أولاً: أنا لم أَدَّعِ على الإمام ابن باز دعوى باطلة، وأعوذ بالله من ذلك.
بل نقلتُ نص كلامه الذي نفى فيه الإرجاء عمن لا يكفر تارك العمل وحكم له بأنه من أهل السنة.
وهذا عمل سليم وصحيح، وستأتي أدلة صحته التي يُسلِّم بها المسلمون من السابقين واللاحقين.
فهذا العنوان الذي وضعه الجهني واضح في الظلم والبطلان، وسيأتي نص إجابة هذا الإمام الداعي لمنهج السلف، والقائم على الإنصاف.
ثانيًا: قال الجهني عني (ص74):
"حيث قال في مقاله (أحاديث الشفاعة..) بعد أن نسب إلى أئمة الدعوة ما نسب: وأضيف إلى كلام هؤلاء الأئمة النبلاء كلام الإمام ابن باز –رحمه الله-.
فقد سئل عمن لا يُكفر تارك العمل هل هو مرجئ؟
فقال –رحمه الله-: "لا، هو من أهل السنة".
نشرتْ هذه الإجابة المنصفة "مجلة الفرقان" العدد (94)، السنة العاشرة، شوال، عام (1418هـ).
أي قبيل وفاته –رحمه الله – بسنتين.
وقد علم الحداديون بهذه الفتوى، لكنهم كعادتهم لا يرفعون رؤوسهم بكلام أئمة الإسلام السابقين واللاحقين، القائمة على الحجج والبراهين، كما هي عادة أهل الأهواء المبتدعين".انتهى.
أقول:
قوله: "بعد أن نسب إلى أئمة الدعوة ما نسب".
يوهم القراء أنني نسبتُ إلى أئمة الدعوة ما لم يقولوه، وهذا من الافتراء والبهت، بل ما نقلتُ عنهم إلا نصوصاً واضحة وضوح الشمس، أنقلها عنهم بالحرف، وستأتي إن شاء الله.
ثالثًا: قال الحدادي (ص74-75):
"والجواب: أن الشيخ ربيع([1]) -مع الأسف بتر هذه الفتوى بترًا مُخلاً مخالفًا لما تقتضيه الأمانة العلمية، وليس يحمله على ذلك والله أعلم إلا الرغبة في نصرة رأيه والدفاع عن نفسه.
ودونك جواب الشيخ كاملًا لتعلم أن ليس في كلامه رحمه الله حجة لأقوال المرجئة.
سئل رحمه الله: فضيلة الشيخ: هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين، ووجود أصل الإيمان القلبي؛ هل هم من المرجئة؟
فأجاب: هذا من أهل السنة والجماعة.
من قال بعدم كفر تارك الصيام، أو الزكاة، أو الحج؛ هذا ليس بكافر؛ لكن أتى كبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء؛ لكن الصواب: لا يكفر كفرًا أكبر، أما تارك الصلاة؛ فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما إذا ترك الزكاة والصيام والحج؛ فهذا كفر دون كفر، ومعصية كبيرة من الكبائر.
والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن منع الزكاة: يؤتى به يوم القيامة ويعذب بماله؛ كما دل عليه القرآن: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة :35]؛ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعذب بماله؛ بإبله وبقره وغنمه وذهبه وفضته؛ ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار؛ دل على توعده؛ قد يدخل النار، وقد يُكتفى بعذاب البرزخ، ولا يدخل النار، وقد يكون إلى الجنة بعد العذاب الذي في البرزخ". انتهى.
فواضح من تفصيل الشيخ أنه يتكلم عن آحاد العمل، عن حكم من ترك الصيام أو الحج أو الصلاة، وذكر الأدلة على عدم كفر من ترك الزكاة، ورجح كفر من ترك الصلاة، فبحث الشيخ رحمه الله في آحاد العمل، وليس في حكم من ترك العمل مطلقًا، وعليه فلا حجة فيه للشيخ ربيع". انتهى كلام الجهني.
أقول:
الجواب على هذا الطعن الفاجر المتضمن رميي بأني بترت فتوى الشيخ ابن باز بترًا مخلا مخالفًا لما تقتضيه الأمانة العلمية:
أولا: أن الخلاف بين السلفيين وبين الحدادية في تارك العمل هل يكفر أم لا؟ وهل من لم يكفره يعد من المرجئة؟
فنقلتُ عن الإمام ابن باز -رحمه الله- ما يبين مخالفة الحدادية لأهل العلم ومنهم ابن باز، لقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن لا يكفر تارك العمل: هل هو مرجئ؟
فأجاب -رحمه الله- بقوله: "لا، هو من أهل السنة والجماعة".
فنفى عمن هذا حاله الوصف بالإرجاء، وبرأه منه، وأضاف إلى هذه التبرئة بأنه من أهل السنة والجماعة.
وفي هذه الإجابة الحاسمة صفعة للحدادية المحاربين لأهل السنة وتبرئة واضحة لمن يقول من أهل السنة بعدم تكفير تارك العمل.([2])
فنقلت ما يقتضيه المقام ألا وهو السؤال، وجواب الإمام ابن باز عليه، وتركت ما عداه؛ لأنه لا علاقة له بتارك العمل الذي دار حوله السؤال والجواب، وهو المقصود، وهذا أمر معروف لدى العقلاء والعلماء الذين يأخذون من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فيما يقولون ويكتبون ما هو المقصود والشاهد وما يقتضيه المقام ويدعون ما عداه.
بل إن عملي هذا لي فيه أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يستشهد في خطبة الحاجة بعدد من الآيات القرآنية وهي:
1- قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] اختارها من جملة آيات قبلها وبعدها من سورة آل عمران.
لأن المقصود حث الناس على تقوى الله.
2- وقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، هي أول آية من سورة النساء.
3- وقوله تعالى في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) [الأحزاب: 71-72].
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار هذه الآيات؛ لأنها ذوات موضوع واحد ألا وهو الأمر بتقوى الله، ولا يُلزِم نفسه بما بعدها وما قبلها، وتأسى برسول الله –صلى الله عليه وسلم- في خطبه كثير من العلماء في السابق واللاحق، وألّف العلامة الألباني –رحمه الله- رسالة في هذه الخطبة.
وهذا الإمام البخاري –رحمه الله- سلك هذا المسلك، وسأضرب عدداً من الأمثلة من تصرف هذا الإمام في باب واحد.
قال –رحمه الله- في "صحيحه" (1/41):
" باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى:
1- {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] فبدأ بالعلم.
2- «وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة».
3- وقال جل ذكره: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28].
4- وقال: {وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43].
5- {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10].
6- وقال: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9].
7- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» [ص:25] وإنما العلم بالتعلم".
وهاك النصوص التي أخذ منها الإمام البخاري مواضع الشواهد، أسوقها لك:
1- النص الأول:
قال البخاري رحمه الله: "باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وبقية النص: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ). [محمد: 19]. فبدأ بالعلم.
2- النص الثاني هاك هو بكامله:
عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَتَيْتُكَ مِنَ الْمَدِينَةِ، مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
3- النص الثالث هاك هو بكامله:
وقال جل ذكره: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].
4- النص الرابع هاك هو بكامله:
وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43].
5- النص الخامس وهاك هو بكامله:
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10].
6- النص السادس هاك هو بكامله:
وقال: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
7- النص السابع بكامله:
عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله». رواه البخاري برقم (71، 3116، 7312)، ورواه مسلم برقم (1037) عن معاوية رضي الله عنه.
وأعلم القراء جواز هذا الاختصار؛ اقتصارًا على الشواهد، فليعلموا أن هذا الجهني الحدادي الجهول قد رماني بأني بترت قول الإمام ابن باز بترًا مخلاًّ لما تقتضيه الأمانة العلمية، وأني قد خالفت الأمانة العلمية، وأن ليس الحامل لي على ذلك -والله أعلم- إلا الرغبة في نصرة رأيي والدفاع عن نفسي.
وكلامه هذا من البهتان والإثم المبين يصدق عليه قول الله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].
وإني لأبرأ إلى الله مما رماني به هذا الحدادي من البتر المخالف لما تقتضيه الأمانة العلمية وبالإرجاء.
وربي لقد سرت على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطريقة أهل العلم والنُّبل في أخذ المقصود، والشاهد من جواب الإمام ابن باز على السؤال الذي وجه إليه، وتركت ما زاد على ذلك مما قاله الشيخ ابن باز توسعًا في الكلام يرى أنه يستفيد منه الجاهل.
والعاقل المنصف يدرك أن الإمام ابن باز لو اقتصر في جوابه على سؤال السائل على قوله: "لا هو من أهل السنة" لما رأى في إجابته تقصيرًا أو خللاً، بل لو اقتصر على كلمة (لا) وحدها لكانت جوابًا وافيًا، قال تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 44].
فأجاب أصحاب النار على سؤال أهل الجنة بكلمة (نعم) فقط، ولم يزيدوا عليها فكانت جوابًا يشفي غليل أصحاب الجنة.
وهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقتصر في إجابته على أسئلة وجهت إليه، بـِلا، ثم بـِنعم.
وقال الترمذي رحمه الله في سننه حديث (272:
حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ».
وأخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (3/19، وابن ماجه في سننه حديث (3702)، وعبد بن حميد حديث (1217)، والبيهقي (7/100) وغيرهم.
وأورده الألباني في الصحيحة برقم (160)، وقال:
"وقال الترمذي: حسن".
ثم قال: "وهو كما قال وأعلى".
وأورد له متابعات يتقوى بها.
فما رأي هذا الحدادي؟
وقال الجهني الحدادي معلقًا على كلام الإمام ابن باز رحمه الله:
" فواضح من تفصيل الشيخ أنه يتكلم عن آحاد العمل، عن حكم من ترك الصيام أو الحج أو الصلاة، وذكر الأدلة على عدم كفر من ترك الزكاة، ورجح كفر من ترك الصلاة، فبحث الشيخ رحمه الله في آحاد العمل، وليس في حكم من ترك العمل مطلقًا، وعليه فلا حجة فيه للشيخ ربيع".
أقول:
عجبًا لهذا المسكين المتطفل على كلام الإمام ابن باز –رحمه الله-؛ فيقول:
"فواضح من كلام الشيخ أنه يتكلم على آحاد العمل عن حكم من ترك الصيام، أو الحج، أو الصلاة، وذكر الأدلة على عدم كفر من ترك الزكاة".
أقول:
فلماذا أغفلت حكمه على تارك الزكاة، والصيام، والحج بعدم الكفر وأن تاركها يكفر كفرًا دون كفر وتركه معصية كبيرة من الكبائر.
ومن العجائب قول هذا الرجل: "فبحث الشيخ في آحاد العمل وليس في حكم ترك العمل من ترك العمل مطلقًا؛ وعليه فلا حجة فيه للشيخ ربيع".
فهل السؤال الذي وجه إلى الإمام ابن باز كان عن آحاد العمل؟!
وهل ربيع احتج بكلام الشيخ في آحاد العمل؟
وهل عارض الشيخ في كفر تارك الصلاة، أو تارك آحاد العمل؟!!
ثم أين وضعت حكم الشيخ بنفيه الإرجاء عن العلماء الذين لا يكفرون تارك العمل؟
وأين وضعت شهادته لهم بأنهم من أهل السنة والجماعة؟ الأمر الذي احتج به ربيع على الحدادية الذين يرمون العلماء الذين لا يكفرون تارك الصلاة بالإرجاء، ويرمون من لا يكفر تارك العمل بالإرجاء.
وأسألك أنت وأمثالك من الحدادية فأقول:
هل أنتم ترفعون رؤوسكم بكلام ابن باز وغيره من العلماء السابقين واللاحقين إذا خالفوا جهالاتكم وغلوكم المدمر؟
كلا؛ فقد عرفكم أهل السنة وعرفوا منهجكم وأصولكم التي تحاربون بها أهل السنة حربًا شعواء لا تنقطع على امتداد سنوات.
أما الروافض والعلمانيون وسائر أهل البدع من الصوفية والإخوان المفلسون وفروعهم فهم منكم في مأمن وسلام إلا ما تبدونه في نادر من الأحيان من باب ذر الرماد في العيون.
رابعًا: هاك نصوص الأئمة التي وعدتُ القراء بها، نقلتها عنهم بالحرف كما في مقالي [أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد الصحيحة تدمغ الخوارج والحدادية القطبية]:
"هذا ومن أئمة السنة من لا يُكفِّر إلا بترك الشهادتين أو يقع في نواقضها، ومنهم:
1- الإمام محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة السلفية بعد الإمامين ابن تيمية وابن القيم.
قال في "الدرر السنية" (1/102): "وسئل الشيخ / محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى- عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟ فأجاب: أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة؛ فالأربعة: إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها ؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان. وأيضا نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر".
فعلماء الأمة اختلفوا في تكفير تارك الأركان كسلاً، وأجمعوا على تكفير تاركها جحوداً.
وأجمعوا على كفر تارك الشهادتين.
والإمام محمد لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه وهو الشهادتان .
وقوله هذا نص واضح في عدم تكفير تارك العمل؛ إذ ليس وراء الأركان الخمسة من الأعمال ما يكفر به، بل نص على أنه لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه، وهو الشهادتان .
2- ومنهم الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
قال –رحمه الله- في "الدرر السنية" (11/317):
"وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفّر به؟ فقال في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر... ".
3- ومنهم الإمام عبد اللطيف آل الشيخ.
قال –رحمه الله- في "الدرر السنية" (1/467) مؤكداً ما قاله آباؤه:
" وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والإلهية وهذا: مجمع عليه أهل العلم والإيمان".
4- ومنهم الإمام ابن سحمان.
قال –رحمه الله- في "الضياء الشارق" (ص35)، مطابع الرياض: "فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة، ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب، ودان بحكم الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف، ووافق أهل السنة والجماعة. ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله، إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في "الإعلام" لابن حجر الشافعي".
فهؤلاء كبار أئمة الدعوة السلفية في نجد لا يُكفرون في أقوالهم هذه إلا بما أجمعت الأمة على أنه كفر.
وعبارة الإمام محمد -رحمه الله-: "ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان".
والظاهر أن هذه المواقف من هؤلاء الأئمة إنما هي مبنية على الأخذ بأحاديث فضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وعلى أحاديث الشفاعة في المذنبين التي هي مبنية على فضل ومكانة كلمة التوحيد، وما لقائلها المعتقد لمعناها المخلص فيها من الجزاء عند الله على تفاوت أهلها في العمل بمقتضاها والتقصير فيه ، وعلى تفاوتهم في هذا التقصير المؤدي إلى دخول النار، كما في أحاديث الشفاعة التي تبين هذا التفاوت، وقد سلف ذكرها قريباً.
هذا ولهؤلاء الأئمة أو لبعضهم أقوال أخرى يُكفرون فيها تارك الصلاة.
لكن المتأمل والناظر في الأدلة والإجماع الذي ذكروه يدرك أن المعتمَد عندهم هو هذا القول القائم على الأدلة المذكورة والإجماع.
فما رأي الحدادية في أقوال أهل التوحيد والسنة والحديث السابقين منهم واللاحقين؟
وما رأي أهل السنة المعاصرين وعلمائهم في طائفة الحدادية الذين يرمون أهل الحديث وأئمتهم بالإرجاء، بل يرمون كثيراً منهم بالتجهم؟
وأضيف إلى كلام هؤلاء الأئمة النبلاء كلام الإمام ابن باز –رحمه الله-.
فقد سئل عمن لا يُكفر تارك العمل هل هو مرجئ؟
فقال –رحمه الله-: "لا، هو من أهل السنة".
نشَرتْ هذه الإجابة المنصفة "مجلة الفرقان" العدد (94)، السنة العاشرة، شوال، عام (1418هـ).
أي: قبيل وفاته –رحمه الله – بسنتين.
وقد علم الحداديون بهذه الفتوى، لكنهم كعادتهم لا يرفعون رؤوسهم بكلام أئمة الإسلام السابقين واللاحقين، القائمة على الحجج والبراهين، كما هي عادة أهل الأهواء المبتدعين.
وأضيف الآن من كلام الإمام محمد وغيره من الأئمة ما يأتي:
ففي خطاب طويل للإمام محمد إلى عموم المسلمين كما في الدرر السنية (1/64-72)، نأخذ منه الكلام الآتي من (ص72):
5- قال رحمه الله:
"وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفر. وأكثر الأمة - ولله الحمد - ليسوا كذلك; وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم، إلا دون النفس والحرمة; وهم الذين أتونا في ديارنا; ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم، على سبيل المقابلة، وجزاء سيئة سيئة مثلها; وكذلك من جاهر بسب دين الرسول، بعد ما عرف، فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق، الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس، وتعليمه النساء، والرجال".اهـ الدرر السنية (1/73).
6- وقال رحمه الله في الدرر السنية (1/104):
وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.
وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور آية: 16]".اهـ
7- وكتب رحمه الله كتابًا إلى محمد بن عيد بيَّن فيه دعوته، وجاء من ضمن هذا الكتاب قوله:
"ولكن قبل الكلام، اعلم: أني عَرَّفْتُ بأربع مسائل:
الأولى: بيان التوحيد مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس.
الثانية: بيان الشرك، ولو كان في كلام من ينتسب إلى العلم أو العبادة، من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة، ولو زعم أنهم يريدون أنهم شفعاء عند الله، مع أن أكثر الناس يظن أن هذا من أفضل القربات، كما ذكرتم عن العلماء، أنهم يذكرون أنه قد وقع في زمانهم.
الثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه، ومن عرف الشرك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإنكاره، وأقر بذلك ليلا ونهارا، ثم مدحه وحسنه للناس، وزعم أن أهله لا يخطئون، لأنهم السواد الأعظم.
وأما ما ذكر الأعداء عني، أني أُكَفِّر بالظن وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله.
الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع، صدقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان، في التوحيد، وفي نفي الشرك، وردوا علي التكفير والقتال". الدرر السنية (10/112).
8- وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، يحدِّث عن نعمة الله عز وجل عليهم حين دخلوا مكة بغير قتال في أيام الإمام سعود بن عبدالعزيز، قال خلال حديثه:
" بعد أن طلب أشراف مكة، وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو "سعود" الأمان، وقد كانوا تواطؤوا مع أمراء الحجيج، وأمير مكة على قتاله، أو الإقامة في الحرم، ليصدوه عن البيت. فلما زحفت أجناد الموحدين، ألقى الله الرعب في قلوبهم، فتفرقوا شذر مذر، كل واحد يعد الإياب غنيمة. وبذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف، ودخلنا وشعارنا التلبية، آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين، غير خائفين من أحد من المخلوقين، بل من مالك يوم الدين. ومن حين دخل الجند الحرم، وهم على كثرتهم مضبوطون، متأدبون، لم يعضدوا به شجرا، ولم ينفروا صيدا، ولم يريقوا دما إلا دم الهدي، أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع". الدرر السنية (1/222).
إلى أن قال رحمه الله:
فإن قال قائل منفر عن قبول الحق والإذعان له: يلزم من تقريركم وقطعكم، في أن من قال: يا رسول الله، أسألك الشفاعة، أنه مشرك مهدر الدم، أن يقال بكفر غالب الأمة، ولا سيما المتأخرين، لتصريح علمائهم المعتبرين أن ذلك مندوب، وشنوا الغارة على من خالف في ذلك! قلت: لا يلزم، لأن لازم المذهب ليس بمذهب، كما هو مقرر، ومثل ذلك لا يلزم أن نكون مجسمة، وإن قلنا بجهة العلو، كما ورد الحديث بذلك.
ونحن نقول فيمن مات: تلك أمة قد خلت، ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبرا معاندا، كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون على ذلك الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبات، ويتظاهرون بأفعال الكبائر والمحرمات ; وغير الغالب إنما نقاتله لمناصرته من هذه حاله، ورضاه به، ولتكثير سواد من ذكر، والتأليب معه، فله حينئذ حكمه في قتاله، ونعتذر عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون، لعدم عصمتهم من الخطأ، والإجماع في ذلك ممنوع قطعا، ومن شن الغارة فقط غلط". الدرر السنية (1/234).
9- رسالة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في بيان عقيدة الشيخ ابن عبد الوهاب وأخباره وأحواله في الدرر السنية (1/522)، قال رحمه الله:
" فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم، ممن يعبد الأولياء والصالحين، نحكم بأنهم مشركون; ونرى كفرهم، إذا قامت عليهم الحجة الرسالية; وما عدا هذا من الذنوب، التي هي دونه في المرتبة والمفسدة، لا نكفر بها.
ولا نحكم على أحد من أهل القبلة، الذين باينوا لعباد الأوثان والأصنام والقبور، بمجرد ذنب ارتكبوه، وعظيم جرم اجترحوه; وغلاة الجهمية والقدرية والرافضة، ونحوهم ممن كفرهم السلف، لا نخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى، من سلف هذه الأمة، ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج، وقالته في أهل الذنوب من المسلمين".اهـ
10- وورد على أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ حمد بن ناصر رحمه الله تعالى سؤال، هذا نصه: بلغنا: أنكم تكفرون أناسا من العلماء المتقدمين، مثل ابن الفارض، وغيره، وهو مشهور بالعلم، من أهل السنة.
فأجابوا: ما ذكرت أنا نكفر ناسا من المتقدمين، وغيرهم، فهذا من البهتان الذي أشاعه عنا أعداؤنا، ليجتالوا به الناس عن الصراط المستقيم، كما نسبوا إلينا غير ذلك من البهتان أشياء كثيرة، وجوابنا عليها أن نقول: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور آية: 16] ؛ ونحن لا نكفر إلا رجلا عرف الحق وأنكره، بعدما قامت عليه الحجة، ودعي إليه فلم يقبل، وتمرد وعاند، وما ذكر عنا من أنا نكفر غير من هذا حاله، فهو كذب علينا".اهـ
11- (رسالة الأمير عبد العزيز بن سعود إلى بلدان العجم والروم)، قال رحمه الله تعالى في الدرر السنية (1/264):
"ونحن لا نكفر إلا من عرف التوحيد وسبه، وسماه دين الخوارج، وعرف الشرك وأحبه، وأهله، ودعا إليه، وحض الناس عليه بعدما قامت عليه الحجة، وإن لم يفعل الشرك، أو فعل الشرك، وسماه التوسل بالصالحين، بعدما عرف أن الله حرمه، أو كره بعض ما أنزل الله، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سورة محمد آية: 9] ، أو استهزأ بالدين، أو القرآن، كما قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [سورة التوبة آية: 65-66] ، قال العلماء في هذه الآية: الاستهزاء بالله كفر مستقل بالإجماع، والاستهزاء بالرسول كفر مستقل بالإجماع.
وهذه الأنواع التي ذكرنا أننا نكفر من فعلها قد أجمع العلماء كلهم من جميع أهل المذاهب على كفر من فعلها، وهذه كتب أهل العلم، من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم، موجودة ولله الحمد والمنة، وصلى الله على نبينا محمد، وصحبه وسلم".اهـ
12- وقال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في دفع هذه الشُّبه عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في شرحه لكتاب كشف الشبهات:
"فإن الشيخ رحمه الله لما تصدى للدعوة إلى الله وبين ما عليه الكثير من الشرك الأكبر تصدى بعض الجهال بالتشبيه على جهال أمثالهم، وزعموا أن المصنف رحمه الله يكفر المسلمين وحاشاه من ذلك، بل لا يكفر إلا من عمل مكفرًا وقامت عليه الحجة فإنه يكفره فقصد كشف تلك الشبه المشبهة على الجهال وردها وإن كانت أوهى من خيوط العنكبوت لكن تشوش عليهم".
انظر [شرح كشف الشبهات] للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص50).
أقول:
هذه اثنا عشر قولاً نقلتها عن الإمام محمد والأئمة من أتباعه، منهم من ينقل تصريح الشيخ بأنه لا يُكفِّر الجاهل إلا بعد أن تقام عليه الحجة.
ومنهم من يسير على نهجه في عدم التسرع في التكفير، فلا يُكفِّر من يقع في الشرك إلا بعد أن تقام عليه الحجة.
أما من يعرف التوحيد ويقع في الشرك فهذا يكفرونه بدون تردد؛ لأن الحجة قائمة عليه من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وما عليه سلف الأمة.
وبقيت هناك نصوص أخرى لأئمة الدعوة إلى التوحيد تركتها اختصاراً، وهي موجودة في "الدرر السنية"، وقد جمعها الأخ عصام بن عثمان القباطي في مقال له عنوانه: [الحدادية يجهدون أنفسهم في تأكيد ما يرمي به القبوريون والروافض الإمام محمد ودعوته من أنه على منهج وعقيدة الخوارج في التكفير].
هذا ولأئمة الدعوة نصوص في تكفير من يقع في الشرك لا ننكرها.
فنقول: إما أن يكون مرادهم بهذا التكفير الشرك الأصغر.
وإما أن يريدوا به الشرك الأكبر فهنا يأتي الترجيح.
فمن ترجح له عدم التكفير بالأدلة الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- ومن أقوال السلف فلا حرج عليه، بل هو مأجور لاجتهاده ولإتباعه للأدلة الشرعية.
ومن يرجح له التكفير بما عنده من أدلة، فلا حرج عليه، وله أجر اجتهاده وأخذه بما ظهر له من نصوص الكتاب والسنة.
وهذا المنهج قد سار عليه أئمة الإسلام في مواطن الخلاف التي يسوغ فيها الاجتهاد، فلا يطعن بعضهم في بعض، بل ليس بينهم إلا الحب والاحترام، وتأريخهم يشهد بذلك.
أما من يخالف هذا المنهج فيتطاول ويبدع ويُكفِّر بهواه، فهذا يعتبر من أهل الضلال، فيُبدَّع ويُبيَّن للناس جهله وهواه، ويُحذَّر منه ومن فتنته التي تضر بالسنة وأهلها.
كتبه
الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
33/3/1437هـ
-----------------------------------
([1]) كذا.
([2]) وانظر إلى هذا الحدادي لم يرفع رأسًا بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله، وهكذا حزبه لا يرفعون رؤوسهم بأقوال أهل العلم التي تخالف ضلالهم وأهواءهم.
المصدر :
منتدى سحاب السلفية
من مشاركة للعلامة ربيع المدخلي
حفظه الله تعالى ورعاه