بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه مجموعة من الأسئلة عرضت على شيخنا أبي عبد العزيز عبيد بن عبد الله الجابري فيما يتعلق بضوابط معاملة السني للبدعي.
السؤال الأول:
-أطال الله عمرك- :
ما حكم مُخالطة ومُجالسة أهل البدع والأهواء، من الإخوان والتبليغ والحزبيين على نوعيهم، المُكفرون وغير المُكفرين؟
[الجواب:]
الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يجب على السُنّي: أنْ يُفا صِلَ أهل البدع، وأن يبتعد عنهم، وأن يَحذرهم، وهذه هي القاعدة العامة في معاملة أهل البدع، سواء أكانوا مُكفِّرين أو غير مُكفِّرين، لكن مناصحة أفراد من أهل البدع، سواء كانوا إخوانيين، أو تبليغيين، أو سروريين، أو غيرهم، فمناصحة أفراد منهم جُرّب نفعها، وعلى هذا: فإنّه في مجالسة أهل الأهواء التفصيل الآتي:
أوّلاً: عدم مجالسة الجماعة المُتميزة في أهل البدع، وعدم مُخالطتهم في مراكزهم ومنتدياتهم.
ثانيًا: جواز مُخالطة عدد يسير منهم، قد جُرّب أنّهم يستفيدون من المُجالسة.
ثالثًا: إذا كانت هذه المجالس، وهذا المخالط من أهل العلم، أو من الأعلام في السُنّة، فإنّه يجب أن يبتعد عنهم، ولا يأتيهم في تجمعاتهم، لأنّه يغتر به كثيرٌ من الناس، فإذا جلس إليهم الرجل العَلَم في السُنّة، المعروف بالذبّ عن السُنّة ومناصرتها، فإنّ أهل البدع يُلَبِّسون به على الناس، ويتكسَّبون به منهم، وفي مُخالطته إياهم تنفى الصبغة الشرعية.
فلهذا نقول: لايجوز له، لكن لو جالسهم إنسان أقل منه، ليس بمشهور، فلا مانع أن يُخالط قلة قليلة يتزاورون فيما بينهم، ليبذل النصح لهم، فإذا جرب النفع، وظهرت الثمار، واستبان لهم الحقّ: يستمر معهم، وإلآّ فليرفع يديه عنهم، وليتركهم، ولا يدوم معهم مُداومة يتقوَّون بها.
فالمعروف أنّ أهل البدع –سواء كانوا قليلين أو كثيرين- إذا داوم السُنّي معهم الخلطة فإنّه يغتر به غيره، وهم يتقوَّون به.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال الثاني:
-أحسن الله إليكم-:
هل يُفرّقُ في الهجر بين صاحب البدعة الذي يدعُو إلى بدعته، والذي لايدعو إليها، وكيف تكون معاملة كل منهما؟
[الجواب:]
لا شك أنّ التفريق بين الصنفين واجب، فمن كان ساكتًا على بدعته، ولا يدعو إليها، ولا ينشرها، فالناس لا يتضررون به، بل ضرره على نفسه، بخلاف الداعية الذي يدعو إلى بدعته، ويقررها، وينشرها في الملأ ،ويعلنها، فهذا هو الذي يستحق الهجر والمُفا صلة، والمصارمة والحذر منه، فأمّا الأول: فينصح في نفسه، وأما الثاني: فإنه يُهجر، ولكن كيف يُهجر؟
أولاً: يُنظر إذا كانت المصلحة راجحة في هجره، بأن تكون الغلبة لأهل السُنّة والقوة لهم، فإنّه يُهجره ولا كرامة، ويُحذّر منه ولا كرامة.
وإن كانت الغلبة له ولأمثاله، وتأثيرهم قوي ونافذ في العامة والخاصة، فإنه يهجر هجرا جُزئيًّا، ولا يُحذّر منه علنًا، فترد أخطاؤه.
ومن كان فلان أو علان يترك دروسه ولايستمع إليه لكن لا يُحذر منه لما في ذلك من المفسدة، وإنما يُحذرون من البدع عمومًا، ويردون خطأ هذا الرجل بالدليل خاصة، حتى يعرف الخاصة والعامة أنه على خطأ، لأنهم لو هجروه وحذروا منه: ألّب عليهم العامة والخاصة وسبّب فتنة، واعتدى أهل البدع –الذين هم أقوياء الشوكة، وأهل الصولة والجولة- على أهل السُنّة، ويُذلونهم، ويُهينونهم، ويُفرقون جماعتهم، ويرجفون فيهم، فدرء المفاسد مطلوب، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما قتل رأس الخوارج حين قال كلمة السوء، واستأذن عمر رضي الله عنه في قتله، فقال: (( معاذ الله، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي)) (1)، مع أنّ قتل هذا الرجل فيه كف لشره، وزجر لمن وراءه، ولكن يرجح بهذا.
[السائل:]
جزاكم الله خيرا، وبارك الله فيكم:
بالنسبة لصاحب البدعة الذي لايدعو إلى بدعته، إذا نُصح فلم ينتصح، وأصر بعد العلم والبيان فكيف يُعامل؟
[الجواب:]
يُترك، ولا يُحذّر منه، ويُشدد عليه، فالكثير من أهل الحديث معروفون بالبدع، مُتهمون بالبدع، سكت الناس عنهم، وأخذوا العلم عنهم .
__________
(1) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر صفة الخوارج، (ح1063).
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال الثالث:
إذا كان الحديث الدائر في هذه المُجالسات واللقاءات لا يتعلق بالبدعة، ولكنه في أمور دنيوية ليس لها علاقة بالدين، فما حكمها أيضًا؟
[الجواب:]
ينبغي أن يكون بين المسلمين عامة، وأهل الُسُنّة بصفة خاصة: مُذاكرة في التوحيد وفي السُنّة وفي الفقه، حتى يكون المجلس مجلس علم، وتحفه الملائكة، وينزل الله عليهم السكينة والرحمة، أما المجالس الدُنيوية: ففي الغالب لاتخلو من قيل وقال، وفيه إضاعة وقت، وهي تُثبت قسوة القلوب.
فينبغي لطالب العلم اللبق اللبيب: أنه إذا جلس مجلسًا وسلم على أهله، وحياهم بما يُناسبهم، وأنزل كُلاًّ منهم في التحية منزلته من قومه: أن يدعوهم إلى استماع بعض الأحاديث، وبعض الأحكام، ولا يُملهم، لأنه –أحيانًا- تجمعهم مناسبات كوليمة عرس، أو عقيقة، أو غير ذلك من المُناسبات، فيلتقون ويُسلمون على بعضهم، ويُباركون لبعضهم، ويسأل بعضهم بعضًا عن الحال، فهذا لا بأس به، لكن إذا رأى أنّهم سينشغلون بأمور فيها ضرر عليهم، فإنّه يُشغلهم بذكر الله، وليستعمل اللباقة، وليوسع صدره، وليصبر وليحتسب، فقد يسمع همزًا ولمزًا وغمزًا من الناس، لكن يجب عليه أن يوسع صدره حتى يكسب العامة والخاصة.
[السائل:]
نفهم من ذلك: أنّ جوابكم هذا بالنسبة لمُجالسة أهل البدع أيضًا؟
يعني: إذا كان الحديث الدائر في هذه المُجالسات بين أهل السُنّة وأهل البدع: لا يتعلق بما له صلة في الدين، وإنما في أمور دنيوية فقط، فما حُكمه ؟
[الجواب:]
إذا احتاج السُنّي إلى أن يقضي حاجة من مُبتدع فلا بأس، لكن لايجوز أن يكون ذلك كثيرًا طاغيًا على الحال، فإن أهل البدع يضرون، لكن لو احتاج أن يبيع من هذا، أو يشتري من هذا، أو مثلاً: والد الرجل المُبتدع ولده سُنّي، فأراد أن يسأله عن حاله، أو جمعه به مجلس من غير قصد فلا بأس، أما أن يتجالس أهل سُنّة وأهل بدعة، ويقضون الوقت في القيل والقال: فهذا خطأ، لايجوز، ونحن نُحذّر من مُجالسة أهل البدع.
لكن كلامي على مُجالسة أهل السُنّة –الكلام المتقدم- في المجالس العامة التي تجمع السُنّي والبدعي.
أقول: الحكمة مطلوبة، والسياسة الحسنة مطلوبة، حتى نكسب الناس، ونبين لهم الحق، فإنّ بعض البلدان: السُنّة فيها مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود، السُنّة فيها قليلة، والبدعة هي الغالبة، والذائعة والشائعة ولها الصولة والجولة، والشوكة، فلا بد أن يكون السُنّي حكيمًا، حتى يكسب الناس، ويُنقذهم من الهاوية والضلال.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال الرابع:
-جزاكم الله خيرا-:
إذا كان السّلفي ذا قرابة مع صاحب البدعة، كأن يكون هذا الأخير أخًا له، أو عمه، أو صِهره، وما شابه، فكيف يُعامله السّلفي في هذه الحال؟
[الجواب:]
هذا موجود ولا شك، فإنّ الكثير من البيوت تجد السُنّي السّلفي واحدًا ، رجُلاً واحدًا، أو امرأةً واحدة، والبقية كُلهم أهل بدع، فهذا لابد أن تكون سياسته حسنة، ولتودد، ويتحبب إليهم، ويجلبهم إليه بالحُسنى، ويُبين لهم الحقّ بيان ودّ ومحبة وصفاء، ولا ينقلب عليهم انقلاب الأسد على فريسته، أو يُظهر لهم أنّهم ضلال ، وأنه هو على الحق والهُدى .
لكن عليه أن ينتهج أو أن ينتهز فرصة القرابة، ويبين لهم حتى يهديهم الله عزّ وجلّ، وعليه الصبر والاحتساب، ولا يستعجل مادامت البدعة مُفَسِّقة، فعليه أن يصبر ويحتسب، ويجدّ في ذلك ويجتهد، ويلجأ إلى الله بالدعاء –أيضًا- في طلب هدايتهم، وردهم إلى السُنّة.
والناس حسب تجربتهم سواء كانوا عوام أو علماء، تنفع معهم الحكمة والسياسة الحسنة، وأما المُعاند: فهذا يُعامل بحسب القوة والقُدرة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال الخامس:
-جزاكم الله خيرًا، وبارك الله فيكم-:
ما حكم السّلفي الذي يُصر بعد نصيحته على مُخالطة أهل البدع من التبليغ والإخوان وغيرهم؟
وما حكم الذي يُقر بوجوب هجرهم، لكنه يمتنع عنه، إمّا لمصلحة دنيوية تجمعه به، وإمّا لكونه يستند لفتوى العلاّمة الألباني –رحمه الله تعالى رحمةً واسعة-، والتي مضمونها أنّ هذا الزمان لايسمح فيه الهجر غالبًا، لأنّ أهل السُنّة ليس عندهم شوكة؟
[الجواب:]
هذا نتعاهده ونقويه ونعينه على الحقّ، وفيما بيننا وبينه: نشدُّ عليه، ولكن لا نُفا صله، ما دام أنه معنا يُقوّي شوكتنا، ويسير في منهجنا، ولا يُناصر أهل البدع علينا، وإنما هو استند إلى فتوى بعض أهل العلم، فهذا منا ونحن منه، ولي بالمناسبة –بارك الله فيكم- شريط سماه الإخوة: (جِناية التميع على المنهج السّلفي)، فراجعوه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال السادس:
هل القول الآتي صحيح مع زيادة البيان منكم –جزاكم الله خيرًا-
الكلام هو: ( الحقُّ يُقبل من أيّ قائلٍ به، والباطل يُرد على أيّ قائل به، فلو قال المُبتدع، بل حتى الشيطان والكافر كلمة الحقّ: فإنها تُقبل منه، ويُقر عليها، مصداقًا لقوله تعالى: { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ } [المائدة: 8].
ولكن لايجوز التلقي عن المُبتدع، وطلب الحق منه كما هو منهج السلف الصالح، وإنما يُطلب الحقّ من أهل الحق العاملين به، وهم علماء أهل السُنّة لا غير ) انتهى.
[الجواب:]
هذه القاعدة صحيحة –إن شاء الله تعالى-، فالحق يُقبل ممن جاء به، ولكن ليس كل من أصاب الحقّ هو إمام في الحقّ، فالشيطان الذي علم أبا هريرة رضي الله عنه آية الكرسي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (( صدقك وهو كذوب )) (2) .
والحبر اليهودي الذي قال: ( يا أبا القاسم، إنّا نجد في التورات: أنّ الله يحمل السموات على أصبع ...) الحديث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُسبح يقول: (( سبحان الله سبحان الله )) (3)، ويضحك حتى بدت أنيابه تصديقًا للحبر.
فقائل الحقّ يُصدَّق، لكن القائلون بالحقّ أقسام:
-منهم صاحب السُنّة الذي هو منا ونحن منه .
-ومنهم صاحب البدعة الكافر .
-ومنهم الكافر .
هذه القاعدة صحيحة، مادامت بالقيد الذي ذكرت، فنقبل الحقّ ممن قاله، ولكن لا نأخذه إلا عن أهل السُنّة، فهذا صحيح.
وأُنبّه إلى أنّ البدعي الذي لايدعو إلى بدعته: لامانع من أخذ العلم منه عند الحاجة، معنى هذا: أننا إذا استغنينا بأهل السُنّة، فلا نركن إلى أهل البدع، وإن كانوا لايدعون إلى بدعهم.
____________
(2) أخرجه البخاري تعليقًا مجزومًا به، كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئًا.
(3) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [الزمر:67] (ح4811)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار (ح278.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال السابع:
هل القول الآتي صحيح؟ مع البيان منكم -جزاكم الله خيرا-
(علماء أهل السنة قسمان: علماء يعرفون المنهج، وعلماء لا يعرفون المنهج) انتهى.
[الجواب:]
لا، ليس بصحيح أبدًا، لايوجد عالم من علماء السُنّة إلا وهو يعرف العقيدة والمنهج، ويقرر العقيدة والمنهج، لكن أحيانًا يخطئ العالم السُنّي، فخطؤه لايُتابع عليه، وهو مأجور -إن شاء الله- على إجتهاده، ونحفظ كرامته، ولا نتابعه على زلته.
وأقول: الله الله في السُنّة، وعليكم بالرفق وعليكم بالحكمة، وتعاونوا فيما بينكم على البر والتقوى، وإذا أخطأ سلفيّ فلا تُشهروا خطأه في العامة والخاصة، بل ناصحوه، فإنّ السلفيّ ترده السُنّة.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال الثامن:
يوجد في ولايتنا مساجد يكثر فيها التكفيريون والحزبيون، يدعون إلى باطلهم، ويلبسون على الشباب السلفي –شباب التصفية والتربية- بالشبهات، وخاصة على حدثاء العهد منهم بالسُّنَّة، ومن هؤلاء التكفيريين مجموعة من الشباب يتهمون الإمامين أبا حنيفة والألباني –رحمهم الله تعالى- بالإرجاء، ويتهمون الشيخ المجاهد ربيع –حفظه الله تعالى- بالكذب على سيد قطب، وهم –أيضًا- يكفرون الحكام، ويُفسرون قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [المائدة:44].
بخلاف ما فسرها به سلفنا الصالح، كما أنّهم يدعون إلى منهج سيد قطب التكفيري، ويُشهِّرون به، وبكتب القطبيين المنحرفين، ولذلك فإننا نطلب منكم شيخنا الكريم نصيحةً توجيهية ومنهجية في كيفية التعامل مع أولئك التكفيريين، والوقوف ضدهم، لعل الله تعالى ينفعنا بها جميعًا –إن شاء الله- (كما نفع بأشرطتكم ولله الحمد)، فإنَّ لكم في قلوب أهل السُّنَّة منا منزلةً رفيعة، ونسأل الله الحي القيوم أن يُثبتكم على الحقّ حتى الممات، وأن يختم بالصالحات أعمالكم إنَّه جوادٌ كريم.
[الجواب:]
وإنِّي أحييكم يا أبنائي، وأقول: أُحبَّكم الذي أحببتمونا من أجله، وشكر الله لكم هذه الثقة، وأشهد الله من الحضرة من الملائكة، وأشهدكم: أنّي دون ما وصفتموني به، ولكني –ولله الحمد- طالب علم، وعندي أهلية أعرف بها معالجة القضايا، وما تيسر من الجرح والتعديل –ولله الحمد-، هذا فضل الله، ثم بفضل أئمتنا المُعاصرين والقُدامى.
وأما سؤالك عن هؤلاء القوم، وكيف تتعاملون معهم، فالجواب على هذا السؤال يتضمن أوجهًا عدة:
الوجه الأول:
كذبوا على الألباني إذ اتهموه بالإرجاء، أو قالوا فيه بالإرجاء، ورفعوا عقيرتهم بذلك.
فمن حكم على الألباني بالإرجاء –وَصَفَهُ بالإرجاء- فإنّه إما أنّه لا يعرف الألباني، أو لا يعرف الإرجاء، وهذه تُكَأَة يتكئ عليها دعاة الباطل دائمًا، ليجرُّوا الناس إلى تكفير العصاة عامّة، والحُكّام خاصّة.
فالألباني ليس من الإرجاء في شيء، وما خالَفنا فيه وخالف أهل السنّة: فإنّه يعتمد فيه على أصول وأدلة لا تُخرجه عن حيّز السلفية، بل هو إمامٌ من أئمة أهل السنة عند المنصفين من إخوانه وأبنائه.
وأمّا أبو حنيفة: فنعم، هو من مرجئة الفقهاء.
إنَّ أبا حنيفة -رحمه الله- الإيمان عنده: هو القول والإعتقاد، ولا يرى العمل من مسمّى الإيمان، وقوله هذا: مرجوح مخالفٌ للنص والإجماع.
ولهذا، فإنّ بعض شيوخ السنة بدّعهُ، وبعضهم شنّع عليه، ولكن القول الوسط: أنّه في أهل السنة جُملةً، ويُؤخذُ عليه هذا المأخذ، ويُشنّعُ عليه فيه، ويُعدُّ انّه مخطئ فيه، ومُجانبٌ للصواب، إذ أخرج العمل من مُسمّى الإيمان، وذلك الذي سمعناه منه مخالفٌ للنص والإجماع.
[الوجه الثاني:]
كذبوا على الشيخ ربيع –حفظه الله-، لأنّ الشيخ ربيعًا قال ما قاله في سيد قطب مُعتمدًا على كُتبه ناقلاً من كُتبه، وكُتب الرجل شاهدة عليه.
وأقول لكم ولكل من تبلغه الرسالة هذه: إنّ مصادر الجرح عندنا ثلاثة:
أحدها: كتب الرجل أو منشوراته التي تصدر عنه بخط يده.
ثانيها: صوته مسجل عليه.
وثالثها: نقل الثقات عنه.
هذه كلها مصادر جرح عندنا.
فسيد قطب كتبه شاهدة عليه، فيها القول بوحدة الوجود، وفيها الكلمات الكفرية، وفيها تعطيل الصفات، وفيها القول بوحدة الأديان، وفيها التكفير والخروج على الحكام، وغير ذلك من الشطط والشرور والإنحراف، ولهذا: فإنّه لا ينصح بكتب سيد قطب إلاّ واحدًا من ثلاثة:
الأول: صاحب المشرب نفسه الذي هو مشرب سيد قطب، ومذهبه التكفيري، وهذا هو الذي يجب على الامّة الحذر منه، فإنّه خارجي عصريّ، وإنْ تظاهر بالسلفية، ودعوة الناس إليها.
الثاني: رجلٌ ليس عنده فرقان، وإن كان على السنة، يعني: كل ما يسمع من كلام جيد يتخذه قاعدة على القائل أنّه في هذا الكلام جيد، وفي هذا الكلام مصداقية، فلا فرقان عنده، وهذا لا يُعتدّ به، ولا يُؤخذُ عنه شيء.
الثالث: من هو جاهلٌ بسيد قطب ولا يعرف من حاله شيء، أو زُكّي له من قِبل أهل الفتن والضلال فمشى على هذا.
هذا هو الوجه الثاني.
الوجه الثالث:
أقول لكم: جدُّوا في نشر السنة، بل أنتم اعتصموا بالكتاب والسنة، وفق سيرة السلف الصالح، وشدوا في ذلك، وعضوا عليه بالنواجذ، وكذلك ادعوا إلى هذه السنة بالحكمة والموعظة الحسنة، وادعوا إلى مناصرة أهلها، وملازمة الذين عرفوا بنشر السنة ومناصرتها ومناصرة أهلها، والذبّ عنها ودحض البدع.
كذلك أوصيكم ألا تتجادلوا مع هؤلاء، ولا تصطبروا معهم، ولا تدخلوا معهم في نقاش، بل اعتصموا بالسنة، وادعوا إلى السنة، فمن كان إمامًا فلينشر السنة من مسجده، ومن كان مُعلمًا فلينشر السنة من قسم الدراسة دون التعرض للأشخاص، انشروا السنة، علموها الناس، واتصلوا بالخاصة والعامة وعلموهم السنة، أمّا هؤلاء: فحذروا من تستطيعون تحذيره منهم، لكن تعلمون أنّ التحذير يحتاج إلى قوّة شخصية، وقوّة علمية، وقوّة مكانية عند الناس، فإن توفرت القوّة العلمية، والقوّة الشخصية، والقوّة المكانية عند الناس: فحذروا منهم، وإذا لم تتوفر: فحذروا فيما بينكم، وحذروا من تمنون عليه، ويقبل كلامكم الناس حذروه من هؤلاء.
هذه هي نصيحتي بارك الله فيكم.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
السؤال التاسع:
شيخنا الكريم –جزاك الله خيرًا- :
عندنا شباب منتسبون إلى السلفية –ولله الحمد- ويُحبون السلفية، ولكنهم لا يهجرون هؤلاء التكفيريين، بل يخالطونهم، ويضاحكونهم، مُحسنون الظن بهم، ويقولون: بأنّ الحقّ لم يتبيّن لهم بعد، وعندهم شبهات، فنحن نرحمهم ولا نهجرهم.
فبم تنصحونهم شيخنا الكريم –جزاكم الله خيرًا- ؟
وكيف تكون بارك الله فيكم –أيضًا- معاملتنا لهم ؟
[الجواب:]
بلِّغوا هؤلاء مني السلام والنصيحة، وبأن يكتفوا بمناصحة هؤلاء إذا كان التكفير وما ذكرت ثابتًا عنهم.
بلِّغوا قومكم مني السلام وقولوا لهم: يسلم عليكم فلان، ويقول لكم: اكتفوا بنصيحة هؤلاء في جلسات محدودة، وبيان الحقّ لهم فمن قبل منهم فضموه إليكم وهو منكم وأنتم منه، ومن لم يقبل منهم فارفعوا أيديكم عنه واغسلوها منه واهجروه.
بارك الله فيكم بيان الحق.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في الأخير، نسأل الله الحي القيوم أن ينفع بكم الإسلام والمسلمين، وينصر بكم الحق والسنة، إنّه جواد كريم وقريب مجيب، وإنا نحبكم في الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_____________________
نقلته من كتاب ( مجموع الرسائل الجابرية في مسائل علمية وفق الكتاب والسنة النبوية ) لفضيلة الشيخ العلاّمة عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى وبارك في علمه وعمره.
[ طبعة الميراث النبوي ( ص من 155إلى 168 ]
وما كان بين معكوفتين [ ] فهو مني، ومثال ذلك: [ الجواب: ] رأيت أن أميزها به كي لا يختلط كلام الشيخ مع كلام السائل والله المستعان.
وفي الأخير: أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصًا له، وأن يتقبله مني، وينفع به المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
وهذا رابطٌ مباشرٌ لتحميل ومطالعة كتاب: ( ضوابط معاملة السني للبدعي ) لمؤلفه صاحب الفضيلة العلاّمة عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى.
https://ia801707.us.archive.org/14/i...ai-albdaai.pdf
تعليق