قَالَ الإمَامُ البربهاريُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ"وَاعْلَمْ! أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً؛ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً،...
وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّـهِ!؟ قَالَ: ((مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي))، وَهَكَذَا كَانَ الدِّينُ إِلَى خِلَافَة عُمَرَ بْن الخَطَّاب الْجَمَاعَة كُلّهَا،
وَهَكَذَا فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، فلمَّا قُتِلَ عُثْمُانُ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ- جَاءَ الْاخْتِلَافُ وَالْبِدَعُ وَصَارَ النَّاسُ فِرَقًا؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْحَقِّ عِنْدَ أَوَّلِ
التَّغيِيرِ وَقَالَ بِهِ، وَعَمِلَ بِهِ، وَدَعَا إِلَيْهِ، وَكَانَ الْأَمْرُ مُسْتقيمًا حَتَّى كَانَتْ الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ في خِلافةِ بني فلانٍ، انْقَلَبَ الزَّمانُ وَتَغيَّر النَّاسُ جدًّا، وَفَشَتِ
البِدَعُ، وكَثُرَ الدُّعَاةُ إِلَى غَيْرِ سَبِيلِ الحَقِّ وَالجَمَاعَةِ، وَوَقَعَتِ المِحْنَة فِي كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يتكلَّمْ بِهِ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ
الصَّحَابَة -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُم-، وَدَعُوْا إِلَى الفُرقَةِ، وَقَدْ نَهَى اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الفُرقَةِ؛ وكَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَكُلٌّ دَعَا إِلَى رَأْيِهِ، وَإِلَى تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَهُ،
فَضَلَّ الجُهَّالُ وَالرَّعَاعُ وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَأطْمَعُوا النَّاسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَخَوَّفُوهُمْ عِقَابَ الدُّنيا، فاتَّبَعَهُمُ الخَلْقُ عَلَى خَوْفٍ فِي دِينِهِمْ وَرَغْبَةٍ
فِي دُنْيَاهُم، فَصَارَت السُّنَّةُ وَأَهْل السُّنَّة مَكْتُومِينَ، وَظَهَرتِ البِدَعَةُ وفَشَتْ، وَكَفَرُوا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُون مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى، وَوَضَعُوا القِيَاسَ، وَحَمَلوا
قُدْرَةُ الرَّبِّ وَآيَاتِهِ وَأحْكَامِه وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ عَلَى عُقُولِهِمْ وَآرَائِهِمْ؛ فَمَا وَافَقَ عُقُولِهِمْ قَبِلُوهُ، وَمَا خَالَفَ عُقُولهم رَدُّوهُ،
فَصَارَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَالسُّنَّةُ غَرِيبَةً، وَأَهْلُ السُّنَّةِ غُرَبَاءَ فِي جَوْفِ دِيَارِهِمْ".اهـ.
(["شَرح السُّنَّة" / (1/40) / (70)])