بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
كيف يَتعامل طالبُ العلمِ مع اختلافِ العلماء في جرح أو تعديل شخصٍ مُعيَّن؟
للشَّيخ الدُّكتور عبدالله البُخاريِّ حفظه اللهُ
المقطع مُقتطع مِن كلمة ألقاها الشَّيخ يوم الأربعاء 13 جمادى الأولى عام 1436هـ بالمدينة النَّبويَّة
كيف يَتعامل طالبُ العلمِ مع اختلافِ العلماء في جرح أو تعديل شخصٍ مُعيَّن؟
للشَّيخ الدُّكتور عبدالله البُخاريِّ حفظه اللهُ
المقطع مُقتطع مِن كلمة ألقاها الشَّيخ يوم الأربعاء 13 جمادى الأولى عام 1436هـ بالمدينة النَّبويَّة
للتَّحميل مِن هُنا
أحسن اللهُ إليكُم، وهذا سائلٌ يقُول: كيف يتعاملُ طالبُ العلمِ مع اختِلافِ العُلماء في جرْحِ أو تعديلِ شخصٍ مُعيَّنٍ؟هذا الاختلاف -بارك اللهُ فيك- الَّذي يقعُ بين بعض أهل العلم في جرْح أو تعديل شخصٍ:
- إنْ كان الَّذي جرَح معه البيِّنة والبُرهان ومعه الدَّليل على ذلك وجب قَبُول هذا الجرْح، والقول به؛ فالعبرة بماذا؟ بالدَّليل والبُرهان.
فمَن معه زيادة علم وَجَبَ المصيرُ إلى قوله ولو اجتمع على التَّعديل العشرات، وانفرد بالجرح واحدٌ وقد بيَّن السَّبب وَجَبَ قَبُول قوله.
أمَّا ما أُحدث مِن وُجوب الإجماع أو الاتِّفاق على التَّعديل أو التَّجريح فهذا -بارك اللهُ فيكم- ليس على طريقةِ أهلِ العلمِ ولا على سَنَنِهم قديمًا وحديثًا.
فكيف يتعامل طالبُ العلم؟ يتعامل طالبُ العلم بأنْ يأخذ بالدَّليل، الَّذي أظهر البيِّنة وَجَبَ القول بقوله، ولا يجوز العُدول عنه، وضحْ هذا -بارك اللهُ فيكم-؟ لأنَّ هذا الكلامَ قد كثُر، وهذا اليوم سُئلتُ هذا السُّؤال وأنا في الكُليَّة!
قُلتُ: العبرة بالدَّليل، فمَن أظهر البَيِّنة والبُرهان وجب قَبُول قوله.
- ثُمَّ لا بُدَّ أنْ تعلمُوا -وقد ذكرنا هذا في شرح الضَّوابط "ضوابط الجرح والتَّعديل"- مسألة بيان الجرح ليس شرطًا، إنَّما قد يُحتاج إليه في مثل هذه المقامات، ودَعَت الحاجة إلى البيان.
والنَّاظر في كلام أهل العلم -في كُتب التَّراجم والسِّير وغيرِها- سيجدُ كثيرًا مِن تجريحات الأئمَّة غيرُ مُسبَّبة، ولا مُفسَّرة.
صحيح؟
لكنَّ الَّذي جرَّح هؤلاء أو تكلَّم فيهم مِن غير بيان، واستجمع في ذلك الشُّروط مِن الدِّيانة، والأمانة، والورع، وعدم الكلام بهوى ولا عصبيَّة، ولا غير ذلك، تكلَّم فيهم ديانةً، ولك أنْ تقرأ على سبيل المثال كتاب ابن عبدالهادي "بحر الدَّم فيمَن تكلَّم فيهم الإمام أحمد بمدحٍ أو ذمٍّ" ستجدُ العشرات بل المئات مِمَّن جرَّحهم أحمد -رحمه اللهُ- غير مُسبَّبِين، يعني غير مُعلَّلِي السَّبب أوغير مُفسَّري الجرح.
الشَّاهد -بارك اللهُ فيك- متى يُلجاُ إلى تفسير السَّبب؟ إذا دَعَت الحاجة، ومِن ذلك إذا تعارض جرحٌ مع تعديل هُنا يقُوم المُقتضي لبيان السَّبب.
- أمَّا رجل لم يُعدِّله أحدٌ، وإنَّما جرَّحه عارِفٌ بأسباب الجرح، عالِمٌ بمَراتبه، ويعرف أسبابَه وغير ذلك؛ فوجب قَبُول قوله.
أمَّا أنْ ترُدَّ! الآن بعضُهم يقول: هات السَّبب، وهات الدَّليل، ويُرجِّح بين الأقوال! كمِثل مَن يسأل يعني يُريد أنْ يدخل بين مقالات العُلماء، ويُرجِّح هذا صواب، وهذا خطأ، لا أقبل إلاَّ بالدَّليل أنا لا أُقلِّدُ أحدًا، يرفعُون هذه الشِّعارات، أليس كذلك!؟
ولو سألته: ما معنى الظِّهار؟ ما عرف! ما معنى الإيلاء؟ ما عرف! كيفيَّة زكاة المواشي؛ ما عرف! كيفيَّة زكاة النَّقديْن؛ لعلَّه لا يعرف! ثُمَّ يُرجِّح في المسائل الدَّقيقة؛ هذا مُصيبٌ، وهذا مُخطئ، أنا لا أُقلِّد!! وإذا به في مسائل الحجِّ والعُمرة يستفتي: أنا فعلتُ، ماذا أفعل؟ عليكم دمٌ، يمشي مُباشرة يشتري الكوبون (قسيمة الشِّراء) ليذبح الدَّم، يقُول بفتوى مَن يُفتيه مِن أهل العلم، وقد يُفتيه رجلٌ مِن أهل الجهل أيضًا، يأخذ بقوله ويمشي!
فالشَّاهد -بارك اللهُ فيكم- هذه المسائل يجب أنْ يُرجع فيها إلى مَن؟ إلى أهل العلم.
- وثِقْ تمامًا أنَّ مشايخ السُّنَّة وعُلماء السُّنَّة -وأتكلَّم على هذا الوقت وفيما سبق كذلك- لا يتكلَّمُون، ولا يُجرِّحُون بهوى فيمَن أعرفُ مِنهم، إنَّما يتكلَّمُون دِيانةً، ولا يتكلَّمُون في الشَّخص إلاَّ بعد أن استجْمعُوا فيه ما يُوجب الكلام، هذا واحد.
ثانيًا: هم يجعلُون نُصْبَ أعينهم "ستُكتب شهادتهم ويُسألُون"، هُم يعرِفُون الحُجَّةَ الَّتي يلقوْن اللهَ جلَّ وعلا بها، وتبرأ بها الذِّمَّة أمام الله، فلا يُراقبُون الخلْق، هُم يُراقِبُون الخالِق جلَّ وعزَّ.
فهِمْتَ هذا؟ ثِقْ هذا، ثِقْ في مشايخك وعُلماء السُّنَّة أنَّهم لا يتكلَّمُون بجهلٍ وهوى، إنَّما يتكلَّمُون في هذا الباب على سبيل وعلى وجه الدِّيانة والأمانة نصيحةً للهِ ولرسُوله ولكتابه ولأئمَّة المُسلِمين وعامَّتهم، لا تظُنُ أنَّ أحدًا مِنهم يتكلَّم هكذا ما عندهُ بيِّنة ولا حُجَّة، هو يعلم أنَّه سيُسأل، سيُحشر، وسيُسأل، ولا بُد َّ أنْ يُجيب، وأنْ يُعِدَّ للسُّؤال جوابًا بين يديْه جلَّ وعلا، نعم.
تعليق