بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال أجاب عنه فضيلة الشيخ العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله (شريط ليس من النصيحة في شيء)هُنَاكَ عِبَارَة ٌجَاءَتْ فِي الشَّرِيطِ ([1]): مَسْأَلَةُ الاِغْتِيَالَاتِ.
مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ الذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ إِلَى إِقَامَةِ دَوْلَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ وَبَعْضُهُمْ يُبَالِغُ فَيَقُولُ نُرِيدُ إِعَادَةِ الْخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ وَيَتَّخِذُونَ إِلَى ذَلِكَ وَسَائِلَ، مِنَ الْوَسَائِلِ: الْمُظَاهَرَاتُ الصَّاخِبَةُ التِي قَدْ يَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالاِغْتِيَالَاتُ، لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ الْمُظَاهَرَاتِ فَضْلًا عَنْ الْاِغْتِيَالَاتِ، اعْتِبَارُ الْمُظَاهَرَاتِ وَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ الدَّعْوَةِ وَوَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ إِقَامَةِ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ هَذَا تَقْلِيدٌ لِلْأُورِوبِيِّينَ لَيْسَتْ عَادَةً إِسْلَامِيَّةً وَلَا أَدَبًا مِنْ آدَابِ الإِسْلَامِ، أَمَّا الاِغْتِيَالَاتُ فَشَرٌّ مُسْتَطِيرٌ، اسْتِبَاحَةُ اغْتِيَالِ خَصْمِكَ لِلْوُصُولِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، تَغْتَالُهُ لِيَطِيحَ مِنَ الْكُرْسِيِّ وَأَنْتَ تَعْتَلِيهِ، هَلْ الْإِسْلَامُ يَأْمُرُ بِهَذَا؟ لِمَاذَا نُفْسِدُ سُمْعَةَ الْإِسْلَامِ بِهَذَا الْعَمَلِ الْهَمَجِيِّ؟ لَيْسَ هَذَا مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَالْإِسْلَامُ لَا يُبِيحُ دَمَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِالْأُمُورِ التِي تَعْرِفُونَهَا([2]): الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ وَ[النَّفْسُ بِالنَّفْسِ].([3]) هَؤُلَاءِ خُصُومُهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى دَرَجَةِ الرَدَّةِ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ الْوُصُولَ إِلَى الْكَرَاسِي فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى الْكَرَاسِي بِمَ يَحْكُمُونَ؟ يُرِيدُونَ إِجْرَاءَ انْتِخَابَاتٍ وَيُسَمُّونَ الْانْتِخَابَ الْحُرَّ وَالْانْتِخَابَ النَّزِيهَ وَلَا يُوجَدُ فِي الدُّنْيَا انْتِخَابٌ حُرٌ أَوْ نَزِيهٌ، غِشٌّ وَشِرَاءُ الأَصْوَاتِ وَتَلْبِيسٌ عَلَى النَّاسِ، هَذَا مَعْرُوفٌ لِكُلِّ مَنْ يَعْرِفُ حَيَاةَ الانْتِخَابِ، لَا يُوجَدُ انْتِخَابٌ حُرٌّ وَنَزِيهٌ أَبَدًا، ثُمَّ تَعْيِينُ رَئِيسِ الدَّوْلَةِ بِالاِنْتِخَابِ لَيْسَ طَرِيقَةً إِسْلَامِيَّةً، الْاِنْتِخَابُ وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ تَعْيِينِ أَرْبَابٍ يَحْكُمُونَ بِالْقَوَانِينِ أَيْ: تَعْيِينُ رَئِيسِ الْبَرْلَمَانِ وَأعْضَاءِ البَرْلَمَانِ أَوْ رَئِيسِ مَجْلِسِ الشَّعْبِ وَأَعْضَاءِ مَجْلِسِ الشَّعْبِ، هَؤُلَاءِ بِمَ يَحْكُمُونَ؟ بَالشَّرِيعَةِ؟ لَا، بْالقَانُونِ، قَوَانِينٌ وَضْعِيّةٌ، كُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ مَجْلِسِ الشَّعْبِ يُمَثِّلُ إِمَّا حِزْبًا أَوْ مَنْطِقَةً مِنَ الْمَنَاطِقِ وَالْحِزْبُ يُمْلِي عَلَيْهِ وَيُلْزِمُهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَشْرُوعًا نَافِعًا لِحِزْبِهِ فَيُصَوَّتُ عَلَيْهِ وَالْعُضْوُ الثَّانِي كَذَلِكَ وَالْعُضْوُ الثَّالِثُ كَذَلِكَ، تَقَعُ الْمُنَافَسَةُ أَيُّ قَانُونٍ يُصَوَّتُ عَلَيْهِ فَيُقْبَلُ؟ الْقَانُونُ الذِي قَدَّمُهُ عُضْوُ الْحِزْبِ الْفُلَانِيّ أَوْ الْقَانُونُ الآخَرُ، الْمَشْرُوعُ الآخَرُ وَهَكَذَا أَيْ إِنَّ الْاِنْتِخَابَاتِ عِبَارَةٌ عَنْ وَسِيلَةٍ لِإِيجَادِ رِجَالٍ يَحْكُمُونَ بِالْقَوانِينِ أَيْ لِإِيجَادِ أَرْبَابٍ مِنْ دُونِ اللهِ يَحْكُمُونَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، هَذِهِ وَسِيلَةٌ مِنَ الْوَسَائِلِ. إِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِغَيْرِ [مَا أَنْزَلَ] اللهُ كُفْرٌ وَمَا يُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ فَهُوَ كُفْرٌ فَالإِيمَانُ بِالاِنْتِخَابِ كُفْرٌ، اعْرِفْ: لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، مَا هِيَ الْمَقَاصِدُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا؟ الْحُكْمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، اسْتِخْدَامُ أَيِّ وَسِيلَةٍ مِنَ الْوَسَائِلِ لِلْوُصُولِ إِلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ تَمَامًا، لِذَلِكَ لَمَّا سُئِلَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِي حَفْظَهُ اللهُ([4]) سَأَلَهُ أَفْرَادٌ مِنْ أَعْضَاءِ جَبْهَةِ الإِنْقَاذِ عَنْ الْاِنْتِخَابَاتِ التِي يُحَاوِلُونَ مِنْ خِلَالِهَا -عَلَى حَسَبِ تَعْبِيرِهِمْ- إِلَى إِقَامَةِ دَوْلَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ وَإِلَى إِعَادَةِ الْخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ أَجَابَ الشَّيْخُ بَأَنَّ هَذْهِ طَرِيقَةٌ غَيْرُ إِسْلَامِيَّةٍ وَنَصَحَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ بَأَنَّ الْحُكُومَةَ الإِسْلَامِيَّةَ إِنَّمَا تَقُومُ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَشَرَحَ شَرْحًا وَاسِعًا، كَتَبَ رِسَالَةً تَتَكَوَّن مِنْ سْتِّةِ صَفَحَاتٍ كُلُّهَا نَصِيحَةٌ وَاسْتِبْعَادُ أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةَ دَوْلَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤَهَّلِينَ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا جَاءَ فِي رِسَالَةِ الشَّيْخِ الْأَلْبَانِي وَنَحْنُ نُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ كُلُّ طَالِبِ عِلْمٍ فَاهِمٍ يُؤَيِّدُ هَذَا.
إِذًا الْانْتِخَابَاتُ وَالْاغْتِيَالَاتُ وَالمُظَاهَرَاتُ أَخْلَاقٌ أَجْنَبِيَّةٌ وَرْثَهَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْأُورُبِيِّينَ وَالْعَجِيبُ فِي الْأَمْرِ يَحْكُمُونَ عَلَى حُكُّامِ بِلَادِهِمْ بِأَنَّهُمْ طَوَاغِيتٌ [وَهُمْ يَسَيِّرُونَ]([5]) بِالْقَوَانِينِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْكَافِرَةِ، هَذِهِ مِنَ التَّنَاقُضَاتِ، تَنَاقُضَاتٌ عَجِيبَةٌ. الإِسْلَامُ هُوَ الْاسْتِسْلَامُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ دَوْلَةٌ إِلَّا عَلَى الْعَقِيدَةِ، لِذَلِكَ نَقُولُ هُنَا: الذِينَ يُحَاوِلُونَ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى دَوْلَتِهِمْ الإِسْلَامِيَّةِ وَالذِينَ يُحَاوِلُونَ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْأَمْنِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى الْعَقِيدَةِ.
أُذَكِّرُكُمْ بَهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ بِمَا قَالَهُ ابْنُ خَلْدُون فِي مُقَدِّمَتِهِ فَيَقُولُ([6]): «إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُومُ لَهُمْ دَوْلَةٌ إِلَّا عَلَى الدِّينِ» لِأَنّ أَوَّلَ دَوْلَةٍ عَرَبِيَّةٍ قَامَتْ عَلَى الدِّينِ فَإِذَا تَخَلَّى الْعَرَبُ عَنِ الدِّينِ لَا تَقُومُ لَهُمْ دَوْلَةٌ أَبَدًا وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ لِذَلِكَ الْوَاجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْعَقْيدَةِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْعَقِيدَةِ تُعْتَبَرُ مُحَافَظَةً عَلَى الأَمْنِ وَمُحَافَظَةً عَلَى الدَّوْلَةِ. لَا دَوْلَةَ إِلَّا بِالْعَقِيدَةِ وَلَا أَمْنَ إِلَّا بِالْعَقِيدَةِ إِذًا فَلْنُحَافِظْ عَلَى الْعَقِيدَةِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
[1] شريط: وصايا للدعاة لعبد الله القعود
[2] قال الني صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» أخرجه البخاري في الديات، باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} حديث رقم: (687، (12/ 201)، ومسلم في القسامة، باب ما يباح به دم المسلم، حديث رقم: (1676)، (3/ 1302) من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما.
[3] في الأصل: والمرتد، وهو سبق لسان من الشيخ
[4] تاريخ الشريط كان قبل وفاة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
[5] في هذا الموضع انقطاع في التسجيل. وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.
[6] وعبارته كما في المقدمة ص 189: أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة