بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعل آله وصبحه وسلم .
أما بعد:
لقد ورد إلي سؤال مهم من بعض إخواننا من مصر فيه شبهة لبعض الحزبيين المتظاهرين يلبسون بها على عامة النّاس ، وعلى ضعاف العلم والسذج منهم ، ويبررون بها لأعمالهم المبينة على الباطل والمخالفة لشرع الله تعالى؛ فأحببت أن أبين ما هم عليه من باطل وأفند شبهتهم التي يعتمدون عليها.. ولما كان الأمر في غاية الخطورة إذا تم الإعلان عن خروج مظاهرة كبيرة إذا الجمعة (2 نوفمبر الموافق (5/1/ 1436) وعقدوا العزم أن يرفعوا فيها المصاحف وأن يردوا على الاعتداءات – زعموا – بالمثل، وهذا أمر خطير فكان الواجب على كل من بلغه هذا الأمر أن يساهم في التهدئة والدعوة إلى التعقل وعدم المشاركة في هذه المظاهرات الباطلة المخالفة للشرع لما فيها من المفاسد والأضرار الكبيرة والكثيرة ، وأعظمها الانزلاقات التي تحصل عن قصد وعن غير قصد وتزهق بسببها الأرواح وتنتهك الأعراض وتستباح الأموال ؛ فهذا بيان واضح مساهمة مني في ذلك ، وصرخة مشفق ناصح أرجو من الله العلي السميع أن تبلغ أقصى ما يمكن فتؤثر في الآذان الصاغية والقلوب الواعية استجابة منهم لنداء الحق وإدراكا لعظيم مسئولية العواقب التي ستحصل جراء ما سيقدمون عليه ،فإن مسألة الدماء عظيمة ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وهذا نص السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أحسن الله إليكم ؛ ستقوم الجبهة السلفية غدًا الجمعة (28 نوفمبر) - إن شاء الله - بمظاهرات سلمية مع رفع المصاحف ؛ فما الموقف الصحيح من هذا الفعل ، وهل لرفع المصاحف أصلٌ ، وما الجواب عمن يستدل برفع بعض الصحابة للمصاحف ؟
الجواب : أولا : هؤلاء - وإن انتسبوا لمنهج السلف وتسموا بالسلفية - فهم ليسوا من السلفية في شيء وليسوا على منهج السلف الصالح إلا أن يقصدوا بسلفهم السلف الطالح (( الثوار الذين ثاروا على عثمان -رضي الله عنه - وقتلوه )) وتدرعوا وتحصنوا بعلي - رضي الله عنه - ثم خرجوا عليه ثم قتلوه ، كما قتلوا سلفه ذي النورين رضي الله عنهما .
لماذا هم ليسوا من السلفية ؟ لأن السلفية ليست حزبا ، ولا جبهة حزبية ، والسلفيون لا يتحزبون ، بل يتبرءون من الحزبية ، ولا يخوضون في السياسة ، فمن السياسة ترك السياسة وإن كان لابد مشتغلين بها فعلى الوجه الشرعي ، وتكون لأهل العلم والفضل والشأن والخبرة من أهل الكفاءات في الاختصاصات وليس لكل من هب ودب ..
ثانيا : المظاهرات سلمية كانت أو غير سلمية ليست من ديننا في شيء بل هي من وسائل الديمقراطية عند الكفار صَدروها إلينا فلقيت رواجا كبيرا في أسواقنا ، وبين بني جلدتنا ، والسلفيون برءاء منها ، والعجيب من هؤلاء أن الكثير منهم بالأمس كان يكفر بالديمقراطية وينكرها واليوم ألصقوها بالإسلام وسموه الإسلام الديمقراطي ، أو أن الإسلامي ديمقراطي ، والإسلام السياسي وهكذا ثم تسارعوا ونافسوا الأحزاب العلمانية والليبرالية والاشتراكية والرأسمالية والإخوان وكونوا أحزابا وجبهات سموها سلفية ، بحجة لا نترك الساحة لأولئك ونقلل من الشر في السلطة ونغير وغير ذلك من الشعارات وآخرها إقامة الدولة الإسلامية .. وقد وصل الكثير منهم إلى السلطة ليغيروا فتغيروا ...
وقد اتفق علماء العصر الكبار الذين يعتد بأقوالهم ويرجع إليهم في الفتوى ولا يجوز مخالفتهم إذا اتفقوا على أمر ، وقد اتفقوا على أن المظاهرات محرمة ، سواء أذن بها الحاكم أو لم يأذن بها، وفتاواهم في هذه القضية مبثوثة ومنتشرة حتى أصبحت واضحة وضوح الشمس للعام والخاص ، ولولا خشية الطول لنقلتها هنا ..
وما خالف فيها إلا أهل الأهواء والبدع الذين انخدعوا بالسياسة وخدعوا بها كثيرا من النّاس بحجة المطالبة بالحقوق مرة ، وإقامة الدولة الإسلامية مرات وكرات ..وفي الحقيقة أن واقعهم يكذبهم وأنهم طلاب دنيا ليس إلا ..
ثالثا : إذا علمنا أن الخروج في المظاهرات والمسيرات مبني على باطل وأنه ليس من الدين في شيء فرفع المصاحف فيها ليس من الدين ولا من شعار المسلمين ، بل هو شعار المهزومين (1) الذين ما وجدوا سبيلا للانتصار على خصمهم ولو وجودوا لما رفعوا المصاحف ولانقضوا على خصمهم وهزموه وتغلبوا عليه (2)...
فمن يحتج بهذا الفعل ( رفع المصاحف ) في المظاهرات للمطالبة بالحقوق المغصوبة أو الإطاحة بالحاكم أو إقامة شرع الله – زعم - بحجة أن الصحابة رفعوا المصاحف فهو مخطئ وهذا استدلال في غير محله على فرض صحة وثبوت قصة التحكيم ورفع المصاحف فيها ، وإلا فقصة التحكيم لا تثبت ، وكذلك رفع المصاحف كما سأبينه - إن شاء الله – وبيانها من عدة وجوه .
أ – أولا : من حيث الإسناد ، فإن قصة رفع المصاحف والتحكيم لا تثبت سندا والصحيح ما ثبت في مسند أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم وليس في ذلك أنهم رفعوا المصاحف وغاية ما فيها أن عمرو بن العاص طلب من معاوية أن يرسل بمصحف إلى علي ليتحاكموا إليه فأجاب علي رضي الله عنه وأرضاه وذلك بما جاء بالسند الصحيح. ففي مسند أحمد ( 3/ 485)( 15975) من طريق حبيب بن أبى ثابت قال: أتيت أبا وائل أحد رجال على بن أبى طالب فقال: كنا بصفين، فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية: أرسل إلى علىًّ المصحف؛ فادعه إلى كتاب الله، فإنه لا يأبى عليك، فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [آل عمران:23]، فقال على: نعم، أنا أولى بذلك، فقام القُراء - الذين صاروا بعد ذلك خوارج - بأسيافهم على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا نمشى إلى هؤلاء حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقام سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين المشركين، ثم حدثهم عن معارضة عمر، رضي الله عنه، للصلح يوم الحديبية ونزول سورة الفتح على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال على: أيها الناس إن هذا فتح، فقبل القضية ورجع، ورجع الناس >>(3).
هذه هي الرواية الثابتة ، أما كل ما روي في قصة التحكيم ورفع المصاحف فكلها ضعيف لا يصلح منها شيء وقد جمع الطبري كل الروايات التي تحكي معركة صفين عن أبي مخنف لوط بن يحي إلا روايتين ..
فالرواية الأولي جاءت عن أبي بكر الهذلي الذي قال عنه ابن حجر – رحمه الله - :(إخباري متروك الحديث)(4).
وتبقي الرواية الثانية التي جاءت عن الزهري وهي أصح ما أورده الطبري في تاريخه (5/ 57) في هذا الباب وهي تتحدث عن نهاية المعركة جاء فيها:
قال ابن جرير : فَحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان بْنُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صَوْحَانَ يَوْمَ صِفِّينَ حِينَ رَأَى النَّاسَ يَتَبَارَوْنَ: أَلا اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَئِنْ ظَهَرَ عَلِيٌّ لَيَكُونَنَّ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ ظَهَرَ مُعَاوِيَةُ لا يَقِرُّ لِقَائِلٍ بِقَوْلِ حَقٍّ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَصْبَحَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ نَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَدَعَوْا إِلَى مَا فِيهَا، فَهَابَ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَكَّمُوا الْحَكَمَيْنِ، فَاخْتَارَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، وَاخْتَارَ أَهْلُ الشَّامِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَتَفَرَّقَ أَهْلُ صِفِّينَ حِينَ حَكَمَ الْحَكَمَانِ، فَاشْتَرَطَا أَنْ يَرْفَعَا مَا رَفَعَ الْقُرْآنُ، وَيَخْفِضَا مَا خَفَضَ الْقُرْآنَ، وَأَنْ يَخْتَارَا لأُمَّةِ محمد ص، وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا لِذَلِكَ اجْتَمَعَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بِأَذْرُحَ. فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت- وَكَانَ ذَلِكَ أول مَا ظهرت- فآذنوه بالحرب، وردوا عَلَيْهِ: أن حكم بني آدم فِي حكم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالُوا:لا حكم إلا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ! وقاتلوا))(5). وكل الروايات التي ذكرها الطبري مدارها على رجلين الأول أبو مخنف لوط بن يحيى.
قال الذهبي (7/10) رَوَى عَنْ: جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، وَمُجَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَصَقْعَبِ بنِ زُهَيْرٍ، وَطَائِفَةٍ مِنَ المجهولين. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْبَارِيٌّ ضَعِيْفٌ. وقال العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو مخنف ليس بثقة، نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول أبو مخنف متروك الحديث.الجرح والتعديل (7/182). وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 6992 - لوط بن يحيى، أبو مخنف، أخباري تالف، لا يوثق به. تركه أبو حاتم وغيره.وقال الدارقطني: ضعيف.وقال ابن معين: ليس بثقة.وقال - مرة: ليس بشئ. وقال ابن عدي: شيعي محترق، صاحب أخبارهم. وكذلك نقله الحافظ في لسان الميزان (4/492). الرجل الثاني : أبو جنابٍ الكلبي. قال البخاري في التاريخ الكبير (8/267)كَانَ يحيى القطان يضعفه. قال البخاري وأبو حاتم: كان يحيى القطان يضعفه، وقال أحمد، وابن معين، وأبو داود: كان يدلس . وذكره ابن حبان في الثقات، والمجروحين، التهذيب ((11/ 201).(الجرح والتعديل (9/139). وقال النسائي في الضعفاء والمتروكين(1/109): ضَعِيف كُوفِي. وقال ابن أبي حاتم أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال :قال أبي قال أبو نعيم: أبو جناب ثقة، كان يدلس أحاديثه مناكير. وقال يحي بن مَعِينٍ وَذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو جنَابٍ الْكَلْبِيُّ فَقَالَ ضَعِيفٌ ضَعِيفٌ. وفي الكامل في الضعفاء (9/51) وقال عَمْرو بن علي أبو جناب الكوفي واسمه يَحْيى بن أبي حية متروك الحديث.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعل آله وصبحه وسلم .
أما بعد:
لقد ورد إلي سؤال مهم من بعض إخواننا من مصر فيه شبهة لبعض الحزبيين المتظاهرين يلبسون بها على عامة النّاس ، وعلى ضعاف العلم والسذج منهم ، ويبررون بها لأعمالهم المبينة على الباطل والمخالفة لشرع الله تعالى؛ فأحببت أن أبين ما هم عليه من باطل وأفند شبهتهم التي يعتمدون عليها.. ولما كان الأمر في غاية الخطورة إذا تم الإعلان عن خروج مظاهرة كبيرة إذا الجمعة (2 نوفمبر الموافق (5/1/ 1436) وعقدوا العزم أن يرفعوا فيها المصاحف وأن يردوا على الاعتداءات – زعموا – بالمثل، وهذا أمر خطير فكان الواجب على كل من بلغه هذا الأمر أن يساهم في التهدئة والدعوة إلى التعقل وعدم المشاركة في هذه المظاهرات الباطلة المخالفة للشرع لما فيها من المفاسد والأضرار الكبيرة والكثيرة ، وأعظمها الانزلاقات التي تحصل عن قصد وعن غير قصد وتزهق بسببها الأرواح وتنتهك الأعراض وتستباح الأموال ؛ فهذا بيان واضح مساهمة مني في ذلك ، وصرخة مشفق ناصح أرجو من الله العلي السميع أن تبلغ أقصى ما يمكن فتؤثر في الآذان الصاغية والقلوب الواعية استجابة منهم لنداء الحق وإدراكا لعظيم مسئولية العواقب التي ستحصل جراء ما سيقدمون عليه ،فإن مسألة الدماء عظيمة ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وهذا نص السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أحسن الله إليكم ؛ ستقوم الجبهة السلفية غدًا الجمعة (28 نوفمبر) - إن شاء الله - بمظاهرات سلمية مع رفع المصاحف ؛ فما الموقف الصحيح من هذا الفعل ، وهل لرفع المصاحف أصلٌ ، وما الجواب عمن يستدل برفع بعض الصحابة للمصاحف ؟
الجواب : أولا : هؤلاء - وإن انتسبوا لمنهج السلف وتسموا بالسلفية - فهم ليسوا من السلفية في شيء وليسوا على منهج السلف الصالح إلا أن يقصدوا بسلفهم السلف الطالح (( الثوار الذين ثاروا على عثمان -رضي الله عنه - وقتلوه )) وتدرعوا وتحصنوا بعلي - رضي الله عنه - ثم خرجوا عليه ثم قتلوه ، كما قتلوا سلفه ذي النورين رضي الله عنهما .
لماذا هم ليسوا من السلفية ؟ لأن السلفية ليست حزبا ، ولا جبهة حزبية ، والسلفيون لا يتحزبون ، بل يتبرءون من الحزبية ، ولا يخوضون في السياسة ، فمن السياسة ترك السياسة وإن كان لابد مشتغلين بها فعلى الوجه الشرعي ، وتكون لأهل العلم والفضل والشأن والخبرة من أهل الكفاءات في الاختصاصات وليس لكل من هب ودب ..
ثانيا : المظاهرات سلمية كانت أو غير سلمية ليست من ديننا في شيء بل هي من وسائل الديمقراطية عند الكفار صَدروها إلينا فلقيت رواجا كبيرا في أسواقنا ، وبين بني جلدتنا ، والسلفيون برءاء منها ، والعجيب من هؤلاء أن الكثير منهم بالأمس كان يكفر بالديمقراطية وينكرها واليوم ألصقوها بالإسلام وسموه الإسلام الديمقراطي ، أو أن الإسلامي ديمقراطي ، والإسلام السياسي وهكذا ثم تسارعوا ونافسوا الأحزاب العلمانية والليبرالية والاشتراكية والرأسمالية والإخوان وكونوا أحزابا وجبهات سموها سلفية ، بحجة لا نترك الساحة لأولئك ونقلل من الشر في السلطة ونغير وغير ذلك من الشعارات وآخرها إقامة الدولة الإسلامية .. وقد وصل الكثير منهم إلى السلطة ليغيروا فتغيروا ...
وقد اتفق علماء العصر الكبار الذين يعتد بأقوالهم ويرجع إليهم في الفتوى ولا يجوز مخالفتهم إذا اتفقوا على أمر ، وقد اتفقوا على أن المظاهرات محرمة ، سواء أذن بها الحاكم أو لم يأذن بها، وفتاواهم في هذه القضية مبثوثة ومنتشرة حتى أصبحت واضحة وضوح الشمس للعام والخاص ، ولولا خشية الطول لنقلتها هنا ..
وما خالف فيها إلا أهل الأهواء والبدع الذين انخدعوا بالسياسة وخدعوا بها كثيرا من النّاس بحجة المطالبة بالحقوق مرة ، وإقامة الدولة الإسلامية مرات وكرات ..وفي الحقيقة أن واقعهم يكذبهم وأنهم طلاب دنيا ليس إلا ..
ثالثا : إذا علمنا أن الخروج في المظاهرات والمسيرات مبني على باطل وأنه ليس من الدين في شيء فرفع المصاحف فيها ليس من الدين ولا من شعار المسلمين ، بل هو شعار المهزومين (1) الذين ما وجدوا سبيلا للانتصار على خصمهم ولو وجودوا لما رفعوا المصاحف ولانقضوا على خصمهم وهزموه وتغلبوا عليه (2)...
فمن يحتج بهذا الفعل ( رفع المصاحف ) في المظاهرات للمطالبة بالحقوق المغصوبة أو الإطاحة بالحاكم أو إقامة شرع الله – زعم - بحجة أن الصحابة رفعوا المصاحف فهو مخطئ وهذا استدلال في غير محله على فرض صحة وثبوت قصة التحكيم ورفع المصاحف فيها ، وإلا فقصة التحكيم لا تثبت ، وكذلك رفع المصاحف كما سأبينه - إن شاء الله – وبيانها من عدة وجوه .
أ – أولا : من حيث الإسناد ، فإن قصة رفع المصاحف والتحكيم لا تثبت سندا والصحيح ما ثبت في مسند أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم وليس في ذلك أنهم رفعوا المصاحف وغاية ما فيها أن عمرو بن العاص طلب من معاوية أن يرسل بمصحف إلى علي ليتحاكموا إليه فأجاب علي رضي الله عنه وأرضاه وذلك بما جاء بالسند الصحيح. ففي مسند أحمد ( 3/ 485)( 15975) من طريق حبيب بن أبى ثابت قال: أتيت أبا وائل أحد رجال على بن أبى طالب فقال: كنا بصفين، فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية: أرسل إلى علىًّ المصحف؛ فادعه إلى كتاب الله، فإنه لا يأبى عليك، فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [آل عمران:23]، فقال على: نعم، أنا أولى بذلك، فقام القُراء - الذين صاروا بعد ذلك خوارج - بأسيافهم على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا نمشى إلى هؤلاء حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقام سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين المشركين، ثم حدثهم عن معارضة عمر، رضي الله عنه، للصلح يوم الحديبية ونزول سورة الفتح على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال على: أيها الناس إن هذا فتح، فقبل القضية ورجع، ورجع الناس >>(3).
هذه هي الرواية الثابتة ، أما كل ما روي في قصة التحكيم ورفع المصاحف فكلها ضعيف لا يصلح منها شيء وقد جمع الطبري كل الروايات التي تحكي معركة صفين عن أبي مخنف لوط بن يحي إلا روايتين ..
فالرواية الأولي جاءت عن أبي بكر الهذلي الذي قال عنه ابن حجر – رحمه الله - :(إخباري متروك الحديث)(4).
وتبقي الرواية الثانية التي جاءت عن الزهري وهي أصح ما أورده الطبري في تاريخه (5/ 57) في هذا الباب وهي تتحدث عن نهاية المعركة جاء فيها:
قال ابن جرير : فَحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان بْنُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صَوْحَانَ يَوْمَ صِفِّينَ حِينَ رَأَى النَّاسَ يَتَبَارَوْنَ: أَلا اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَئِنْ ظَهَرَ عَلِيٌّ لَيَكُونَنَّ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ ظَهَرَ مُعَاوِيَةُ لا يَقِرُّ لِقَائِلٍ بِقَوْلِ حَقٍّ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَصْبَحَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ نَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَدَعَوْا إِلَى مَا فِيهَا، فَهَابَ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَكَّمُوا الْحَكَمَيْنِ، فَاخْتَارَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، وَاخْتَارَ أَهْلُ الشَّامِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَتَفَرَّقَ أَهْلُ صِفِّينَ حِينَ حَكَمَ الْحَكَمَانِ، فَاشْتَرَطَا أَنْ يَرْفَعَا مَا رَفَعَ الْقُرْآنُ، وَيَخْفِضَا مَا خَفَضَ الْقُرْآنَ، وَأَنْ يَخْتَارَا لأُمَّةِ محمد ص، وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا لِذَلِكَ اجْتَمَعَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بِأَذْرُحَ. فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت- وَكَانَ ذَلِكَ أول مَا ظهرت- فآذنوه بالحرب، وردوا عَلَيْهِ: أن حكم بني آدم فِي حكم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالُوا:لا حكم إلا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ! وقاتلوا))(5). وكل الروايات التي ذكرها الطبري مدارها على رجلين الأول أبو مخنف لوط بن يحيى.
قال الذهبي (7/10) رَوَى عَنْ: جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، وَمُجَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَصَقْعَبِ بنِ زُهَيْرٍ، وَطَائِفَةٍ مِنَ المجهولين. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْبَارِيٌّ ضَعِيْفٌ. وقال العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو مخنف ليس بثقة، نا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول أبو مخنف متروك الحديث.الجرح والتعديل (7/182). وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 6992 - لوط بن يحيى، أبو مخنف، أخباري تالف، لا يوثق به. تركه أبو حاتم وغيره.وقال الدارقطني: ضعيف.وقال ابن معين: ليس بثقة.وقال - مرة: ليس بشئ. وقال ابن عدي: شيعي محترق، صاحب أخبارهم. وكذلك نقله الحافظ في لسان الميزان (4/492). الرجل الثاني : أبو جنابٍ الكلبي. قال البخاري في التاريخ الكبير (8/267)كَانَ يحيى القطان يضعفه. قال البخاري وأبو حاتم: كان يحيى القطان يضعفه، وقال أحمد، وابن معين، وأبو داود: كان يدلس . وذكره ابن حبان في الثقات، والمجروحين، التهذيب ((11/ 201).(الجرح والتعديل (9/139). وقال النسائي في الضعفاء والمتروكين(1/109): ضَعِيف كُوفِي. وقال ابن أبي حاتم أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال :قال أبي قال أبو نعيم: أبو جناب ثقة، كان يدلس أحاديثه مناكير. وقال يحي بن مَعِينٍ وَذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو جنَابٍ الْكَلْبِيُّ فَقَالَ ضَعِيفٌ ضَعِيفٌ. وفي الكامل في الضعفاء (9/51) وقال عَمْرو بن علي أبو جناب الكوفي واسمه يَحْيى بن أبي حية متروك الحديث.
وقال أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال سمعت يحيى ابن معين يقول: أبو جناب الكلبى ضعيف الحديث.الجرح والتعديل(9/13).وذكره ابن حبان في المجروحين (3/111)وقال كَانَ مِمَّن يُدَلس على الثِّقَات مَا سمع من الضُّعَفَاء فالتزق بِهِ الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير فوهاه يحيى بن سعيد الْقطَّان وَحمل عَلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل حملا شَدِيدا ، أَخْبَرَنَا مَكْحُولٌ قَالَ سَمِعت جَعْفَر بن أبان قَالَ قُلْت ليحيى بْن معِين أَبُو جنَابٍ قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَخْبَرَنَا الزيَادي قَالَ حَدثنَا بن أبي شيبَة قَالَ سَمِعت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو جنَابٍ الْكَلْبِيُّ فَقَالَ ضَعِيفٌ ضَعِيفٌ.وفي الكامل في الضعفاء (9/51) وقال عَمْرو بن علي أبو جناب الكوفي واسمه يَحْيى بن أبي حية متروك الحديث.قال أبو بكر بن العربي في العواصم من القواصم (1/177) بتحقيق محب الدين الخطيب : وهو يتلكم عن مسألة التحكيم ورفع المصاحف عاصمة :هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط. وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع (6) .
ب – من حيث اختلاف الظروف ، والأحوال ، والمطالب ، فظروف الصحابة غير ظروف من ينادون اليوم بالخروج في المظاهرات ، فالصحابة كانوا في اقتتال بينهم للخلاف الذي حصل بينهم في مسألة قتلة عثمان- رضي الله عنه – وهم مأجورون على اجتهادهم حتى في الخطأ .. رضي الله عنهم – فكل يطلب الحق ويجتهد فيه ويقف عنده إذا تبين له خطأه ..
وهؤلاء ليس بينهم قتال ، وإنما يثرون ويتظاهرون طلبا للملك والمناصب والتنافس عليها من بين أحزاب كثيرة تنافسهم عليها مختلفة الاتجاهات ..فشتان بين الموقفين بين موقف الصحابة الكرام ، المُحكم لكتاب الله وسنة رسوله ، وبين موقف هؤلاء الغارقون في الديمقراطية وما عليها من مؤاخذات كفرية ؟؟؟
ج - ومعتقد أهل السنة والجماعة أن يمسكوا عما جرى بينهم ولا يخوضوا فيه ويترضوا عن جميع الصحابة - رضي الله عنهم - ولا يجعلوا اختلافهم حجة يختلفون به فيما بينهم ، كما لا يجعلون اجتهاداتهم في الاختلاف بينهم حجة يتمسك بها ليختلفوا بذلك عن جماعة المسلمين والخروج عليهم ، ومنها هذا المسألة رفع المصاحف ، فهم يتعرضون بذلك لما جرى بين الصحابة ويجعلونه حجة لهم ، والمفروض أن يكون ذلك حجة لترك الاختلاف والنزاع والتقاتل كما كان قصد الصحابة في رفع المصاحف على فرض ثبوت القصة والتسليم لكم بذلك ..
د – الصحابة رفعوا المصاحف – على فرض صحة القصة - يطالبون بحقن الدماء وتوقيف الحرب بينهما ، وقد استجاب الطرفان ولكن الخوارج الذين لم يكن بينهم صحابي لم يرضوا بذلك وكفروا الصحابة الذين رضوا بالتحكيم . وهؤلاء خرجوا من أجل الكرسي والمناصب وإسالة الدماء فالمظاهرات وغن كان يزعم أصحابها أنها سلمية لكنها سرعان ما تتحول على اصطدام واعتداء وتخريب وتكسير وحرق مما يضطر رجال الأمن والعسكر والدرك أن يتدخلوا لتفريقهم وهناك تحصل التجاوزات من قتل وجرح وتتلفت الأمور ناهيك عن المخالفات الأخرى ، وكل ذلك بحجة المطالبة بالحقوق المغصوبة ..فأين التحاكم إلى الكتاب الذي ترفعونه ؟؟ وأين الصبر الذي أمر به الله تعالى ووصى به نبيه أمته على جور الولاة والثرة التي يلقاها المسلمون؟؟ ث- الصحابة رفعوا المصاحف من أجل التحاكم إلى كتاب الله ، وقد حصل ذلك واستجابوا للتحكيم ، ولكن الخوارج لم يرضوا بالتحكيم فخرجوا على علي وباقي الصحابة ..
وهؤلاء أول من ينقض التحاكم إلى القرآن وتحكيم كتاب الله ، فلو كانوا يتحاكمون إلى كتاب الله ويريدون تحكيمه لما خرجوا أصلا في هذه المظاهرات ولما طلبوا الآخرين بالخروج فيها لأنها تخالف كتاب الله وسنة رسوله ، وإنما يرفعون المصاحف والشعارات للتلبيس والتدليس ودر الرماد عن العيون حتى ينجر معهم العوام ويندس بينهم المغرضون والمفسدون ويحصل فساد أكبر من الفساد الذي خرجوا من اجل تغييره – زعموا - وفي الحقيقة هم طلاب دنيا وقد وصلوا إلى الحكم وصرحوا أنهم يريدونها دولة مدنية ديمقراطية وغير ذلك من الشعارات المخالفة لكتاب الله تعالى .. فأين التحاكم إلى كتاب الله ؟؟؟
وأين وجه المقارنة بين رفع الصحابة المصاحف على زعمكم وبين رفعكم أنتم أيها الثوريون الناقمون كما نقم أسلافكم على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه .
يا قوم اتقوا الله ولا تلبسوا على عامة الناس ولا تجروهم إلى حتفهم وسفك دماء بعضهم بعضا يا مسلمين انتهاك الأعراض واستباح الأموال ..
عدوا إلى رشدكم فكم من مرة لدغتم من هذه المظاهرات وكم من مرة جَلبتم عليكم الشر والضر ثم أنتم على ما أنتم عليه ، في كل مرة تقدمون الضحايا والأنفس المسلمة الغالية قرابين لهذه المظاهرات والمهاترات التي كلها شر وفساد وإفساد ، وما هكذا كانت دعوة الأنبياء ، فإن دعوتهم كانت فيها الحكمة العقل ، وما هكذا كان السلف فإن منهجهم أعلم وأحكم وأسلم ، أما أنتم فلا حكمة ولا علم ولا عقل فتقوا الله في أرواحكم وأرواح غيركم من المسلمين الأبرياء ..
اللهم احقن دماء المسلمين وأرواحهم وأصلح حالنا وحالهم يا سميع الدعاء وقريب ويا مجيب برحمتك يا أرحم الراحمين .
وكتب :
أبو بكر يوسف لعويسي
الجزائر العاصمة : 5/1/1436هـ
------------------
الهوامش :
(1) هذا على قول من يقول أن جيش معاوية حصر إلى جبل ولما أدركوا أنهم مهزومين رفعوا المصاحف بإيعاز من عمرو بن العاص رضي الله عنه وهذه الروايات أغلبها لا يصح فهي من طريق الشيعة أو المتهمين في دينهم وعدالتهم .
2- وحاشا الصحابة معاوية وعمرو بن العاص ومن كان معهم رضي الله عنهم جميعا حاشاهم من ذلك بل ما رفعوا المصاحف إلا لأن الحرب طالت وأن القتل استشرى في الجانبين فرأى كل منهم أن يحقن دماء المسلمين ، أما تلك الروايات فقد علمت ما فيها وأنها كلها كذب وافتراء عليهم كما قال ابن العربي رحمه الله .
3- إسناده صحيح على شرط الشيخين. يعلى بن عبيد: هو الطنافسي. وأخرجه البخاري (4844) ، وليس فيه رفع المصاحب ولا إرسال مصحف وإنما فيه إيحاء لذلك وهو قوله :( يدعون إلى كتاب الله ))، والنسائي في "الكبرى" (11440) ، وأبو عوانة في مستخرجه (6802) والطبري في التفسير( 26/70) والبيهقي في السنن ( 9/222 )من طريق يعلى بن عبيد، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة (14/438-439) و(15/317-31 والبخاري (3182) ومسلم (1785) (94) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1912) مختصراً، والطبراني في "الكبير" (5604) ، والبيهقي (9/222) من طريقين عن عبد العزيز بن سياه، به.وذكره ابن كثير في جامع المسانيد والسنن(4/89)( 4936).
(4)- قال يحي بن معين : أَبُو بكر الْهُذلِيّ لَيْسَ بِشَيْء تاريخ ابن معين (1/121)وقال النسائي في الضعفاء والمتروكين (1/46) 233 - سلمى بن عبد الله أَبُو بكر الْهُذلِيّ مَتْرُوك الحَدِيث بَصرِي قال ابن زفر الكوفي قال سألت شعبة عن أبي بكر الهذلي فقال: دعني لا أقئ. حدثنا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي نا يحيى بن معين قال كان غندر يقول كان أبو بكر (249 م 3) الهذلي إمامنا وكان يكذب. الجرح والتعديل (4/313) قال الحافظ في التهذيب (12/46) قلت :وقال النسائي وعلي بن الجنيد متروك الحديث وقال علي بن عبد الله بن المديني ضعيف ليس بشيء وقال مرة ضعيف جدا وقال البخاري في الأوسط وزكريا الساجي ليس بالحافظ عندهم وقال الدارقطني منكر الحديث متروك .
(5)- قلت : مع أن ظاهرها الصحة ففيها انقطاع بين الرزهري وصعصة بن صوحان فإن هذا الأخير مات في خلافة معاوية رضي الله عنه ، وكانت ولادة الزهري ما بين خمسين للهجرة وستة وخمسين لعلا خلاف بين المترجمين له ، وخلافة معاوية انتهت سنة ستين للهجرة فيكون عمر الزهري أنذاك على أقل تقدير أربع سنوات وعلى أكثره تسع سنوات فلم يلق صعصة بن صوحان ..
(6) - قال محب الدين الخطيب في التعليق على القواصم : إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال بني أمية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله. فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف: طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه. وطائفة ظنت أن التدوين لا يتم، ولا يكون التقرب إلى الله، إلا بتشويه سمعة أبي كبر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعا. وطائفة ثالثة من الإنصاف والدين- كالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير- رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب والمشارب- كلوط بن يحيى الشيعي المحترق، وسيف بن عمر العراقي المعتدل- ولعل بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها. وقد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردها ليكون الباحث على بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال راويه. وقد وصلنا إلى هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع، وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع ويجردها عن الذي لم يقع، مكتفيا بأصول الأخبار الصحيحة مجردة عن الزيادات الطارئة عليها. وإن الرجوع إلى كتب السنة، وملاحظات أئمة الأمة. مما يسهل هذه المهمة. وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل الإبطاء، وأول من استيقظ في عصرنا للدسائس المدسوسة على تاريخ بني أمية العلامة الهندي الكبير الشيخ شبلي النعماني في انتقاده لكتاب جرجي زيدان، ثم أخذ أهل الألمعية من المنصفين في دراسة الحقائق، فبدأت تظهر لهم وللناس منيرة مشرقة، ولا يبعد- إذا استمر هذا الجهاد في سبيل الحق- أن يتغير فهم المسلمين لتاريخهم ويدركوا أسرار ما وقع في ماضيهم من معجزات.
ب – من حيث اختلاف الظروف ، والأحوال ، والمطالب ، فظروف الصحابة غير ظروف من ينادون اليوم بالخروج في المظاهرات ، فالصحابة كانوا في اقتتال بينهم للخلاف الذي حصل بينهم في مسألة قتلة عثمان- رضي الله عنه – وهم مأجورون على اجتهادهم حتى في الخطأ .. رضي الله عنهم – فكل يطلب الحق ويجتهد فيه ويقف عنده إذا تبين له خطأه ..
وهؤلاء ليس بينهم قتال ، وإنما يثرون ويتظاهرون طلبا للملك والمناصب والتنافس عليها من بين أحزاب كثيرة تنافسهم عليها مختلفة الاتجاهات ..فشتان بين الموقفين بين موقف الصحابة الكرام ، المُحكم لكتاب الله وسنة رسوله ، وبين موقف هؤلاء الغارقون في الديمقراطية وما عليها من مؤاخذات كفرية ؟؟؟
ج - ومعتقد أهل السنة والجماعة أن يمسكوا عما جرى بينهم ولا يخوضوا فيه ويترضوا عن جميع الصحابة - رضي الله عنهم - ولا يجعلوا اختلافهم حجة يختلفون به فيما بينهم ، كما لا يجعلون اجتهاداتهم في الاختلاف بينهم حجة يتمسك بها ليختلفوا بذلك عن جماعة المسلمين والخروج عليهم ، ومنها هذا المسألة رفع المصاحف ، فهم يتعرضون بذلك لما جرى بين الصحابة ويجعلونه حجة لهم ، والمفروض أن يكون ذلك حجة لترك الاختلاف والنزاع والتقاتل كما كان قصد الصحابة في رفع المصاحف على فرض ثبوت القصة والتسليم لكم بذلك ..
د – الصحابة رفعوا المصاحف – على فرض صحة القصة - يطالبون بحقن الدماء وتوقيف الحرب بينهما ، وقد استجاب الطرفان ولكن الخوارج الذين لم يكن بينهم صحابي لم يرضوا بذلك وكفروا الصحابة الذين رضوا بالتحكيم . وهؤلاء خرجوا من أجل الكرسي والمناصب وإسالة الدماء فالمظاهرات وغن كان يزعم أصحابها أنها سلمية لكنها سرعان ما تتحول على اصطدام واعتداء وتخريب وتكسير وحرق مما يضطر رجال الأمن والعسكر والدرك أن يتدخلوا لتفريقهم وهناك تحصل التجاوزات من قتل وجرح وتتلفت الأمور ناهيك عن المخالفات الأخرى ، وكل ذلك بحجة المطالبة بالحقوق المغصوبة ..فأين التحاكم إلى الكتاب الذي ترفعونه ؟؟ وأين الصبر الذي أمر به الله تعالى ووصى به نبيه أمته على جور الولاة والثرة التي يلقاها المسلمون؟؟ ث- الصحابة رفعوا المصاحف من أجل التحاكم إلى كتاب الله ، وقد حصل ذلك واستجابوا للتحكيم ، ولكن الخوارج لم يرضوا بالتحكيم فخرجوا على علي وباقي الصحابة ..
وهؤلاء أول من ينقض التحاكم إلى القرآن وتحكيم كتاب الله ، فلو كانوا يتحاكمون إلى كتاب الله ويريدون تحكيمه لما خرجوا أصلا في هذه المظاهرات ولما طلبوا الآخرين بالخروج فيها لأنها تخالف كتاب الله وسنة رسوله ، وإنما يرفعون المصاحف والشعارات للتلبيس والتدليس ودر الرماد عن العيون حتى ينجر معهم العوام ويندس بينهم المغرضون والمفسدون ويحصل فساد أكبر من الفساد الذي خرجوا من اجل تغييره – زعموا - وفي الحقيقة هم طلاب دنيا وقد وصلوا إلى الحكم وصرحوا أنهم يريدونها دولة مدنية ديمقراطية وغير ذلك من الشعارات المخالفة لكتاب الله تعالى .. فأين التحاكم إلى كتاب الله ؟؟؟
وأين وجه المقارنة بين رفع الصحابة المصاحف على زعمكم وبين رفعكم أنتم أيها الثوريون الناقمون كما نقم أسلافكم على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه .
يا قوم اتقوا الله ولا تلبسوا على عامة الناس ولا تجروهم إلى حتفهم وسفك دماء بعضهم بعضا يا مسلمين انتهاك الأعراض واستباح الأموال ..
عدوا إلى رشدكم فكم من مرة لدغتم من هذه المظاهرات وكم من مرة جَلبتم عليكم الشر والضر ثم أنتم على ما أنتم عليه ، في كل مرة تقدمون الضحايا والأنفس المسلمة الغالية قرابين لهذه المظاهرات والمهاترات التي كلها شر وفساد وإفساد ، وما هكذا كانت دعوة الأنبياء ، فإن دعوتهم كانت فيها الحكمة العقل ، وما هكذا كان السلف فإن منهجهم أعلم وأحكم وأسلم ، أما أنتم فلا حكمة ولا علم ولا عقل فتقوا الله في أرواحكم وأرواح غيركم من المسلمين الأبرياء ..
اللهم احقن دماء المسلمين وأرواحهم وأصلح حالنا وحالهم يا سميع الدعاء وقريب ويا مجيب برحمتك يا أرحم الراحمين .
وكتب :
أبو بكر يوسف لعويسي
الجزائر العاصمة : 5/1/1436هـ
------------------
الهوامش :
(1) هذا على قول من يقول أن جيش معاوية حصر إلى جبل ولما أدركوا أنهم مهزومين رفعوا المصاحف بإيعاز من عمرو بن العاص رضي الله عنه وهذه الروايات أغلبها لا يصح فهي من طريق الشيعة أو المتهمين في دينهم وعدالتهم .
2- وحاشا الصحابة معاوية وعمرو بن العاص ومن كان معهم رضي الله عنهم جميعا حاشاهم من ذلك بل ما رفعوا المصاحف إلا لأن الحرب طالت وأن القتل استشرى في الجانبين فرأى كل منهم أن يحقن دماء المسلمين ، أما تلك الروايات فقد علمت ما فيها وأنها كلها كذب وافتراء عليهم كما قال ابن العربي رحمه الله .
3- إسناده صحيح على شرط الشيخين. يعلى بن عبيد: هو الطنافسي. وأخرجه البخاري (4844) ، وليس فيه رفع المصاحب ولا إرسال مصحف وإنما فيه إيحاء لذلك وهو قوله :( يدعون إلى كتاب الله ))، والنسائي في "الكبرى" (11440) ، وأبو عوانة في مستخرجه (6802) والطبري في التفسير( 26/70) والبيهقي في السنن ( 9/222 )من طريق يعلى بن عبيد، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة (14/438-439) و(15/317-31 والبخاري (3182) ومسلم (1785) (94) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1912) مختصراً، والطبراني في "الكبير" (5604) ، والبيهقي (9/222) من طريقين عن عبد العزيز بن سياه، به.وذكره ابن كثير في جامع المسانيد والسنن(4/89)( 4936).
(4)- قال يحي بن معين : أَبُو بكر الْهُذلِيّ لَيْسَ بِشَيْء تاريخ ابن معين (1/121)وقال النسائي في الضعفاء والمتروكين (1/46) 233 - سلمى بن عبد الله أَبُو بكر الْهُذلِيّ مَتْرُوك الحَدِيث بَصرِي قال ابن زفر الكوفي قال سألت شعبة عن أبي بكر الهذلي فقال: دعني لا أقئ. حدثنا عبد الرحمن أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي نا يحيى بن معين قال كان غندر يقول كان أبو بكر (249 م 3) الهذلي إمامنا وكان يكذب. الجرح والتعديل (4/313) قال الحافظ في التهذيب (12/46) قلت :وقال النسائي وعلي بن الجنيد متروك الحديث وقال علي بن عبد الله بن المديني ضعيف ليس بشيء وقال مرة ضعيف جدا وقال البخاري في الأوسط وزكريا الساجي ليس بالحافظ عندهم وقال الدارقطني منكر الحديث متروك .
(5)- قلت : مع أن ظاهرها الصحة ففيها انقطاع بين الرزهري وصعصة بن صوحان فإن هذا الأخير مات في خلافة معاوية رضي الله عنه ، وكانت ولادة الزهري ما بين خمسين للهجرة وستة وخمسين لعلا خلاف بين المترجمين له ، وخلافة معاوية انتهت سنة ستين للهجرة فيكون عمر الزهري أنذاك على أقل تقدير أربع سنوات وعلى أكثره تسع سنوات فلم يلق صعصة بن صوحان ..
(6) - قال محب الدين الخطيب في التعليق على القواصم : إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال بني أمية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله. فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف: طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه. وطائفة ظنت أن التدوين لا يتم، ولا يكون التقرب إلى الله، إلا بتشويه سمعة أبي كبر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعا. وطائفة ثالثة من الإنصاف والدين- كالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير- رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب والمشارب- كلوط بن يحيى الشيعي المحترق، وسيف بن عمر العراقي المعتدل- ولعل بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها. وقد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردها ليكون الباحث على بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال راويه. وقد وصلنا إلى هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع، وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع ويجردها عن الذي لم يقع، مكتفيا بأصول الأخبار الصحيحة مجردة عن الزيادات الطارئة عليها. وإن الرجوع إلى كتب السنة، وملاحظات أئمة الأمة. مما يسهل هذه المهمة. وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل الإبطاء، وأول من استيقظ في عصرنا للدسائس المدسوسة على تاريخ بني أمية العلامة الهندي الكبير الشيخ شبلي النعماني في انتقاده لكتاب جرجي زيدان، ثم أخذ أهل الألمعية من المنصفين في دراسة الحقائق، فبدأت تظهر لهم وللناس منيرة مشرقة، ولا يبعد- إذا استمر هذا الجهاد في سبيل الحق- أن يتغير فهم المسلمين لتاريخهم ويدركوا أسرار ما وقع في ماضيهم من معجزات.