بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واتَّبع هداه
أمَّا بعد:فإنَّ من أعظم نعم الله على طلبة العلم قديمًا وحديثًا في هذه الدَّعوة المباركة توفيق الله لهم للارتباط بعلمائهم في سائر شؤونهم، يرجعون إليهم، وينهلون من علومهم، ويتأدَّبون في مجالسهم، ويعرفون لهم جليلَ قدرهم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقبلون منهم نصحهم، وتصحيح أخطاءَهم واعوجاجهم بما يُسدونه إليهم من توجيهات نافعة، ونصائح مفيدة، بل يقبلون منهم ويتواضعون لهم وإن اشتدُّوا عليهم، وعلى مثل هذا تربَّى الأوَّلون وبمثله ينبغي أن يتحلَّى من بعدهم ممَّن ينتهج نهجهم ويسير على طريقتهم.
فإنَّ العلماء السَّلفيين أصدقُ النَّاس مقالًا وأحسنهم هديًا وسمتًا وأنفعهم لغيرهم، فإذا أراد الله بعبدٍ من عباده خيرًا قيَّض له من هؤلاء من يصوِّبه ويُثني عليه ويزكِّيه، أو من يُهديه أخطاءه وينبِّهه على زلَّاته، وخاصَّة إذا تعلَّق الأمر بطلبة العلم الجادِّين أو الدُّعاة المخلصين، وإن قدر هؤلاء يكبر ومنزلتهم تسمو إذا عرفوا قدر أنفسهم وتواضعوا لعلمائهم واستفادوا من نصائحهم وتوجيهاتهم، فإنَّ الله يرفع عبده بقدر عمله وحسن نيَّته ولأنَّ في هذا اجتماع على الخير وتعاونٌ فيه، والله جلَّ وعلا قال: «وتعاونوا على البرِّ والتَّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، وهديُ نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذي ربَّى عليه أصحابه والأمَّة من بعدهم أن نُكبِّر الكبير، وننزله منزلته عملًا والتزامًا، لا قولًا وادعاءً، ففي «صحيح مسلم» (1699) أنَّ محيِّصة لمَّا أراد أن يتكلَّم قبل أخيه الأكبر قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كبِّر كبِّر»، يريد السِّنَّ.
نقول هذا لِما رأينا من تحيُّرٍ من بعض أبنائنا وإخواننا عند أيِّ موقف من مثل هذه المواقف، وأنَّ الشَّيخ فلانًا قد تكلَّم في فلان وذكر شيئًا من أخطائه، فليعلموا أنَّ هذا لا يعني دائمًا أنَّه قد أسقط عدالته واتَّهمه في دينه، وأخرجه من دائرة السُّنة ما دام أنَّه في أصله على الطَّريقة المرضيَّة والسُّنَّة النَّبويَّة، ما عُرف عنه انحرافٌ في منهجٍ، ولا مكابرةٌ وصدٌّ وإعراض، فالمعصوم من عصمه الله، والموفَّق من وفَّقه الله لاحترام الأكابر وإجلالهم، وليس هذا من قبيل تقديسهم أو التَّعصب لهم كما هو منهج المنحرفين قديمًا وحديثًا.
هذا فيما يخصُّ من تُكلِّم فيه، أمَّا من وقَف على الكلام وبلغه التَّحذير فينبغي له:
1ـ أن يتفهمه أوَّلا.
2ـ ثمَّ أن يدعوَ لمن صدر منه الخطأ أو تُكلِّم فيه لأجله بالمبادرة إلى التَّوبة والإنابة، لأنَّ الرُّجوع إلى الحقِّ فضيلةٌ يرفع الله بها أصحابها، ويُعلي قدرهم ومنزلتهم عنده وفي قلوب عباده.
3ـ وعليه أن يجانب طرائق المنحرفين في تعاملهم مع مثل هذه المسائل، الَّذين ديدنهم إمَّا التَّهويل أو التَّحقير أو التَّبرير للطَّعن إمَّا في المحذِّر أو المحذَّر منه.
فتهويلهم في تضخيمهم لبعض المسائل وإعطائها حجمًا يفوق حقيقتها بكثير، لقصدٍ سيِّء وغرضٍ خبيث.
والتَّحقير بازدراء العلماء واتِّهامهم بالظُّلم، والتَّجنِّي على الغير بإسقاطهم وتجريحهم، وبأنَّهم غلاة تجريح .
وأمَّا التَّبرير لبعض مواقفهم الدَّنيئة ونواياهم الفاسدة بأخذهم في الطَّعن إمَّا فيمن خُطِّئ ونُصح أو فيمن تَكلَّم، إثارةً للفتنة وإشاعةً للبهتان، والله المستعان.
4ـ وعليه، فإنَّنا ندعو إخواننا إلى:
أوَّلًا: حمد الله على نعمة الهداية إلى صراطه المستقيم ونهج نبيِّه الأمين، والسَّير على طريقة الأوَّلين وعدم الزَّيغ عنها والانحراف عن أصولها.
ثانيًا: إجلال أكابرنا وعلمائنا، ومعرفة قدرهم ومنزلتهم، فإنَّ الرُّجوع إليهم صِمام الأمان من الزَّلل وأسباب الخذلان.
ثالثًا: أن نعرف قدر أنفسنا، وأن نتواضع لبعضنا، وخاصَّة لعلمائنا وأئمَّتنا الَّذين هم أعلام الهدى مصابيح الدُّجى.
رابعًا: الحرصُ الشَّديد على توحيد الكلمة، والحفاظ على الألفة والمودَّة والاجتماع الَّذي تعبَّدنا الله عزَّ وجل به، وجعله سمةً لأهل الحقِّ، فهم أهل سنَّة وجماعة، وغيرهم أهل بدعة وفُرقة، قال الله تعالى: «وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» وقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الجَمَاعَةُ رَحمَةٌ وَالفُرقَةُ عَذَابٌ».
هذا، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
المصدر