بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :
في هذا العصر غربتنا شديدة ، أعني غربة الدين لا أعني الغربة المشتركة بين الناس اجمعين ، غربة الوطن أو غربة السكن ، لا نتكلم عن القلة القليلة من الجاليات في الدول الأوربية أو غيرها من البلدان.
فغربة الوطن مؤلمة بكل صورها حقيقة لا ينكرها أحد ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن مكة : (( ما أطيبك من بلد و أحبك إلي و لولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك )) صحيح الجامع
وقال صلى الله عليه وسلم في حب مكة : ((اللَّهم حبِّبْ إلَينا المدينةَ كحبِّنا مكَّةَ، اللَّهم وصحِّحها وبارك لنا في مُدِّها وصاعِها، وانقلْ حُمَّاها، واجعَلْها بالجُحْفَة)) السلسلة الصحيحة
واليوم نعيش غربة شديدة ، إنها غربة الدين و أنت بين أهلك وجيرانك و وطنك ،غريب بين المبتدعة والمتحزبين والمتعصبين والفساق والعلمانين وغيرهم
روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)).
قال الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الهدى و النور/ شريط تحت رقم 01/053 : قال عليه السلام : ( إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا فطوبى للغرباء ) فطوبى لها معنيان معنا لغوي و معنا آخر شرعي , المعنى اللغوي العربي طوبى بمعنى هنيئا لهم أما المعنى الشرعي فطوبى شجرة في الجنة كما قال عليه الصلاة و السلام :( طوبى شجرة في الجنة يمشي الراكب المجد تحتها مائة عام لا يقطعها ) ظلا و ثمار من كل الأشكال و الألوان...
إلى أن قال رحمه الله: نعود لنفقه و نفهم لمن تكون هذه الطوبى قال عليه السلام في حديث آخر : ( قالوا من هم الغرباء قال : هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي " في حديث آخر قال : ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر من يطيعهم ) لذلك على الحريصين أن يكونوا من الغرباء الذين لهم طوبى و حسن مآب أن يصبروا على مجابهة الأخطاء و معاشرة الناس الذين لا تطيب لهم إحياء السنن و إماتت البدع .إهـ
قال العلامة بن باز رحمه الله تعالى : فالمقصود أن الغرباء: هم أهل الاستقامة، وأن الجنة والسعادة للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، إذا تغيرت الأحوال والتبست الأمور وقلَّ أهل الخير ثبتوا هم على الحق واستقاموا على دين الله، ووحدوا الله وأخلصوا له العبادة واستقاموا على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين، هؤلاء هم الغرباء، وهم الذين قال الله فيهم وفي أشباههم: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) .[فصلت30-32.]، ما تدعون: أي ما تطلبون. إهـ
إِلَى اللَّهِ نَشْكُو غُرْبَةَ الدِّينِ وَالْهُدَى *** وَفُقْدَانَهُ مِنْ بَيْنِ مَنْ رَاحَ أَوْ غَدَا
فَعَادَ غَرِيبًا مِثْلَ مَا كَانَ قَدْ بَدَا *** عَلَى الدِّينِ فَلْيَبْكِ ذَوُو الْعِلْمِ وَالْهُدَى
وهاهي قد تحققت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن – زمن غربة الدين كما بدأ-
إن تكلمت عن التوحيد نبذك أهل الشرك ، إن تكلمت عن السنة نبذك أهل البدعة ، إن تكلمت عن الدليل والحجة نبذك أهل التعصب المذهبي و المتصوفة ، إن تكلمت عن طاعة ولاة الأمور وعقيدة أهل السنة نبذك الخوارج والمتحزبة ،وإن تكلمت عن الإسلام وربطته بالحياة نبذك العلمانيون وأشباههم ممن يريدون فصل الدين عن الحياة.
غربة شديدة على أهل السنة وأخص بالذكر – الغريب السلفي -.
حاربونا بجميع الوسائل : حاربونا في الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب ، حاربونا بقنواتهم الفضائية ، حاربونا بالجرائد والمجلات ، من هؤلاء الذين حاربون !! ولماذا ؟
إنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، وربما يسكونون معنا في وطن واحد .
ولكن رغم هذا نحن سعداء بهذه الغربة ، بل نفتخر بها لأن الحق لا يقاس بالكثرة ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبًا أي الإسلام أن المتمسك به يكون في شر، بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: ((فطوبى للغرباء)). وطوبى من الطيب؛ قال - تعالى -: (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنَ مَآبٍ) [الرعد: 29] فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لما كان غريبًا وهم أسعد الناس.
أما في الآخرة، فهم أعلى الناس درجة بعد الأنبياء - عليهم السلام -.
وأما في الدنيا، فقد قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الأنفال: 64]. أي أن الله حسبك وحسب متبعك. وقال - تعالى -: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعراف: 196]، وقال - تعالى -: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36]، وقال: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2، 3]، فالمسلم المتبع للرسول، الله - تعالى - حسبه وكافيه وهو وليه حيث كان ومتى كان".
والغرباء مراتب في الغربة من حيث شدتها .
قال ابن القيم: "فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلّتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات. فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة. ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين".
والغرباء مصلحون صالحون:
من صفاتهم: أنهم يصلحون أنفسهم عند فساد الناس، ويصلحون ما أفسد الناس من السنة والدين وينهون عن الفساد في الأرض، قال صلى الله عليه وسلم : ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر من يطيعهم ) وهي صفة الغرباء في كل زمان ومكان، قال - تعالى -: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين).
قالَ الإمامُ ابنُ القيّمِ - رحمهُ اللهُ – في [مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين"] (196/3) .:
« ومِنْ صفاتِ هؤلاءِ الغُرباءِ الَّذينَ غبطَهُمُ النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم َ:
التَّمسّكُ بالسُّنّةِ ؛ إذا رغبَ عنهَا النّاس ُ، وتركُ ما أحدَثُوه ُ؛ وإنْ كانَ هوَ المعروفُ عندَهُم ْ ،وتجريدُ (التَّوحيدِ) ؛ وإنْ أنكرَ ذلكَ أكثرُ النّاس ِ!وتركُ الاِنْتِسابِ إلى أحدٍ غيرِ اللهِ ورسولِه ِ! لَا شَيْخَ ، وَلَا طَرِيقَةَ، وَلَا مَذْهَبَ، وَلَا طَائِفَة َ!بلْ هظؤلاءِ (الغُرباءُ) منتَسِبونَ إلى اللهِ بالعبوديَّةِ لهُ وحْدَهُ ،و إلى رسولِهِ (بالاِتِّباَعِ) لـمَا جاءَ بِهِ وحْدَهُ !
وهؤلاءِ هُمُ (القَابضونَ على الـجَمْرِ) حَقًّا ! وَأَكْثَرُ النَّاس ِ؛ بَلْ كُلُّهُمْ لَائِمٌ لَهُم ْ! فَلِغُرْبَتِهِمْ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ ؛ يَعُدُّونَهُمْ أَهْلَ شُذُوذٍ وَبِدْعَة ٍ! وَمُفَارَقَةٍ لِلسَّوَادِ الْأَعْظَم ِ! » اهـ
فيا أيها الغريب غربتك ممدوحة فلا تحزن ولا تيأس ولا تستوحش ، فأنت في طريق الغرباء السعداء ، لا تقل غلبني الناس ، أثبت على ما كان عليه أسلافك ولا يضرك كثرة الهالكين ، فالنجاة في اتباع سبيل المؤمنين .
قال ابن القيم في مدارج السالكين، فبعد أن ذكر صفات الغرباء قال:
فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جدًّا سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات...
وابشروا ببشارة نبيكم صلى الله عليه وسلم : قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.
قال بعض السلف: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
اللهم وفقنا في غربتنا وأسعدنا في طريقنا وثبتنا حتى نلقاك بما كان عليه نبينا وأصحابه المكرمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :
في هذا العصر غربتنا شديدة ، أعني غربة الدين لا أعني الغربة المشتركة بين الناس اجمعين ، غربة الوطن أو غربة السكن ، لا نتكلم عن القلة القليلة من الجاليات في الدول الأوربية أو غيرها من البلدان.
فغربة الوطن مؤلمة بكل صورها حقيقة لا ينكرها أحد ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن مكة : (( ما أطيبك من بلد و أحبك إلي و لولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك )) صحيح الجامع
وقال صلى الله عليه وسلم في حب مكة : ((اللَّهم حبِّبْ إلَينا المدينةَ كحبِّنا مكَّةَ، اللَّهم وصحِّحها وبارك لنا في مُدِّها وصاعِها، وانقلْ حُمَّاها، واجعَلْها بالجُحْفَة)) السلسلة الصحيحة
واليوم نعيش غربة شديدة ، إنها غربة الدين و أنت بين أهلك وجيرانك و وطنك ،غريب بين المبتدعة والمتحزبين والمتعصبين والفساق والعلمانين وغيرهم
روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)).
قال الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الهدى و النور/ شريط تحت رقم 01/053 : قال عليه السلام : ( إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا فطوبى للغرباء ) فطوبى لها معنيان معنا لغوي و معنا آخر شرعي , المعنى اللغوي العربي طوبى بمعنى هنيئا لهم أما المعنى الشرعي فطوبى شجرة في الجنة كما قال عليه الصلاة و السلام :( طوبى شجرة في الجنة يمشي الراكب المجد تحتها مائة عام لا يقطعها ) ظلا و ثمار من كل الأشكال و الألوان...
إلى أن قال رحمه الله: نعود لنفقه و نفهم لمن تكون هذه الطوبى قال عليه السلام في حديث آخر : ( قالوا من هم الغرباء قال : هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي " في حديث آخر قال : ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر من يطيعهم ) لذلك على الحريصين أن يكونوا من الغرباء الذين لهم طوبى و حسن مآب أن يصبروا على مجابهة الأخطاء و معاشرة الناس الذين لا تطيب لهم إحياء السنن و إماتت البدع .إهـ
قال العلامة بن باز رحمه الله تعالى : فالمقصود أن الغرباء: هم أهل الاستقامة، وأن الجنة والسعادة للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، إذا تغيرت الأحوال والتبست الأمور وقلَّ أهل الخير ثبتوا هم على الحق واستقاموا على دين الله، ووحدوا الله وأخلصوا له العبادة واستقاموا على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين، هؤلاء هم الغرباء، وهم الذين قال الله فيهم وفي أشباههم: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) .[فصلت30-32.]، ما تدعون: أي ما تطلبون. إهـ
إِلَى اللَّهِ نَشْكُو غُرْبَةَ الدِّينِ وَالْهُدَى *** وَفُقْدَانَهُ مِنْ بَيْنِ مَنْ رَاحَ أَوْ غَدَا
فَعَادَ غَرِيبًا مِثْلَ مَا كَانَ قَدْ بَدَا *** عَلَى الدِّينِ فَلْيَبْكِ ذَوُو الْعِلْمِ وَالْهُدَى
وهاهي قد تحققت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن – زمن غربة الدين كما بدأ-
إن تكلمت عن التوحيد نبذك أهل الشرك ، إن تكلمت عن السنة نبذك أهل البدعة ، إن تكلمت عن الدليل والحجة نبذك أهل التعصب المذهبي و المتصوفة ، إن تكلمت عن طاعة ولاة الأمور وعقيدة أهل السنة نبذك الخوارج والمتحزبة ،وإن تكلمت عن الإسلام وربطته بالحياة نبذك العلمانيون وأشباههم ممن يريدون فصل الدين عن الحياة.
غربة شديدة على أهل السنة وأخص بالذكر – الغريب السلفي -.
حاربونا بجميع الوسائل : حاربونا في الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب ، حاربونا بقنواتهم الفضائية ، حاربونا بالجرائد والمجلات ، من هؤلاء الذين حاربون !! ولماذا ؟
إنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، وربما يسكونون معنا في وطن واحد .
ولكن رغم هذا نحن سعداء بهذه الغربة ، بل نفتخر بها لأن الحق لا يقاس بالكثرة ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبًا أي الإسلام أن المتمسك به يكون في شر، بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: ((فطوبى للغرباء)). وطوبى من الطيب؛ قال - تعالى -: (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنَ مَآبٍ) [الرعد: 29] فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لما كان غريبًا وهم أسعد الناس.
أما في الآخرة، فهم أعلى الناس درجة بعد الأنبياء - عليهم السلام -.
وأما في الدنيا، فقد قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الأنفال: 64]. أي أن الله حسبك وحسب متبعك. وقال - تعالى -: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعراف: 196]، وقال - تعالى -: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36]، وقال: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2، 3]، فالمسلم المتبع للرسول، الله - تعالى - حسبه وكافيه وهو وليه حيث كان ومتى كان".
والغرباء مراتب في الغربة من حيث شدتها .
قال ابن القيم: "فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلّتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات. فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة. ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين".
والغرباء مصلحون صالحون:
من صفاتهم: أنهم يصلحون أنفسهم عند فساد الناس، ويصلحون ما أفسد الناس من السنة والدين وينهون عن الفساد في الأرض، قال صلى الله عليه وسلم : ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر من يطيعهم ) وهي صفة الغرباء في كل زمان ومكان، قال - تعالى -: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين).
قالَ الإمامُ ابنُ القيّمِ - رحمهُ اللهُ – في [مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين"] (196/3) .:
« ومِنْ صفاتِ هؤلاءِ الغُرباءِ الَّذينَ غبطَهُمُ النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم َ:
التَّمسّكُ بالسُّنّةِ ؛ إذا رغبَ عنهَا النّاس ُ، وتركُ ما أحدَثُوه ُ؛ وإنْ كانَ هوَ المعروفُ عندَهُم ْ ،وتجريدُ (التَّوحيدِ) ؛ وإنْ أنكرَ ذلكَ أكثرُ النّاس ِ!وتركُ الاِنْتِسابِ إلى أحدٍ غيرِ اللهِ ورسولِه ِ! لَا شَيْخَ ، وَلَا طَرِيقَةَ، وَلَا مَذْهَبَ، وَلَا طَائِفَة َ!بلْ هظؤلاءِ (الغُرباءُ) منتَسِبونَ إلى اللهِ بالعبوديَّةِ لهُ وحْدَهُ ،و إلى رسولِهِ (بالاِتِّباَعِ) لـمَا جاءَ بِهِ وحْدَهُ !
وهؤلاءِ هُمُ (القَابضونَ على الـجَمْرِ) حَقًّا ! وَأَكْثَرُ النَّاس ِ؛ بَلْ كُلُّهُمْ لَائِمٌ لَهُم ْ! فَلِغُرْبَتِهِمْ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ ؛ يَعُدُّونَهُمْ أَهْلَ شُذُوذٍ وَبِدْعَة ٍ! وَمُفَارَقَةٍ لِلسَّوَادِ الْأَعْظَم ِ! » اهـ
فيا أيها الغريب غربتك ممدوحة فلا تحزن ولا تيأس ولا تستوحش ، فأنت في طريق الغرباء السعداء ، لا تقل غلبني الناس ، أثبت على ما كان عليه أسلافك ولا يضرك كثرة الهالكين ، فالنجاة في اتباع سبيل المؤمنين .
قال ابن القيم في مدارج السالكين، فبعد أن ذكر صفات الغرباء قال:
فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جدًّا سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات...
وابشروا ببشارة نبيكم صلى الله عليه وسلم : قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.
قال بعض السلف: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
اللهم وفقنا في غربتنا وأسعدنا في طريقنا وثبتنا حتى نلقاك بما كان عليه نبينا وأصحابه المكرمين.
تعليق