بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :
فقد رأيت موضوعا في بعض المنتديات بعنوان أسباب عدم الاعتراف بالحق ، وهو كلام جيد مستل من كتاب (( القائد في تصحيح العقائد)) للعلامة المعلمي – رحمه الله – أنزله الأخ أبو حاتم سفيان العلاوي في سحاب الخير قديما ، فلما اطلعت عليه أعجبني إلا أنه غير واف بالموضوع من جميع جوانبه فأسباب عدم الاعتراف بالحق ورده كثيرة كما قال الإمام القدوة الرباني من شيخه المجدد الحراني ..
فمن أسباب رد الحق وعدم الاعتراف به الجحود والعناد ، والاستكبار، والعلو في الأرض بغير حق ، وكذلك الإعراض والتكذيب ، والنفاق والشك ، والخوف من السادة والقادة ، والخوف من ملامة الناس ، وحب المحبوب والأنداد ،أكثر من حب رب العباد ، والتقليد للآباء والأجداد ، وحب الانتقام للنفس وللمحبوب المألوه ، والتعصب المقيت من كل معتوه ، والطائفية والحزبية ، والتقديس لأشياخ الطرقية والولاء والبراء ، والغلو والجفاء ، والجهل والتعالم ، وجحد الحق عند التخاصم ، وحب الذات والانتقام لها ، واتباع الهوى الذي يجمعها ، وبعضها كفر مخرج من الملة وبعضها ضلال والعياذ بالله .
ولقد فطر الله القلوب على محبة الحق والاطمئنان والسكون إليه ومحبته والانقياد له وبغض الباطل والكذب وعدم الاطمئنان إليه والنفور عنه وعدم محبته .فلما انحرفت الفطر بأصحابها ذات اليمين وذات الشمال رُد الحق ولم يُعترف به واختلفت الأسباب من شخص إلى آخر ومن طائفة إلى أخرى في رد الحق وعدم الاعتراف به ابتداء يعني قبل مجيء الرسول الناطق بالحق صلى الله عليه وسلم وبعد مجيئه وتباينت مواقف أمة الدعوة وأمة الإجابة من الحق الذي جاء به ، فنقسم الناس إلى مؤمنين به وكفار ؛ وأتقياء عدول ومنافقين فجار ..
ولكن بعد حصول الافتراق على منهج الرسول وسبيل المؤمنين أخذت تلك الفرق المختلفة والمخالفة كل منها بحظ وافر من أسباب رد الحق وعدم الاعتراف به من أمة الدعوة ، وفي مقدمتها اليهود والنصارى الذين لهم اليد الطولى فيما يجري بين المسلمين على مر التاريخ ، فلا يهدأ لهم بال حتى يروا هذه الأمة ممزقة ضعيفة تنخر فيها الغثائية حتى لا تقم لها قائمة ، وليس العجب أن يحصل هذا من فرق كثيرة سلكت غير سبيل المؤمنين ، فهذا قد أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم وتنبأ به وإنما العجب كل العجب أن يحصل رد الحق وعدم الاعتراف به ممن يدعي التمسك بالسنة والسير على سبيل المؤمنين ولزوم منهج السلف الصالح وفهمهم تارة بالتأويل الفاسد والفهم السقيم ، وأخرى بالتحريف للآثار وليّ أعناقها لتوافق هوى النفس ، وقراءتها على احتمالات ضعيفة أو مرجوحة انتصارا للهوى والنفس ، وثالثة بالكذب والافتراء على السلف وأتباعهم ، ورابعة بالتكبر والاستكبار ، وطلب الجاه والعلو في الأرض من أجل عرض من الدنيا قليل ،وخامسة بالجهل والتعالم والجدال في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ..
بل منهم من يتبع كل شيطان مريد.وسادسة بالتعصب للطائفيات والحزبيات والجهالات والغلو في الانتصار للنفس بالتكفير تارة وأخرى بالجفاء والتمييع ..وسابعة بالتقليد والتقديس ...
لكل مبتدع مفلس أو شيخ مهوس بالعلم متلبس ..
فرُد الحق باسم السنة لهدم السنة ، ورد الحق باسم منهج السلف لهدم منهج السلف ، فأين يكمن الداء يا ترى وما هو سبيل العلاج ؟؟ لقبول الحق والاعتراف به حيث كان وممن كان مادام الكل ينشد الحق على منهج الحق وسبيل المؤمنين من أجل نصرة الحق ..؟؟
والجواب على هذا السؤال بسيط وسهل وهو أن الداء يكمن في النفس من سلامة الفطرة ومدى انحرافها وما تعلق بها من أوصاف وأسباب رد الحق المذكورة آنفا ليس إلا .
ولكن علاجه صعب جدا إلا عند من رحم الله ممن صفت نفوسهم وصحت عقائدهم وسلم منهجهم واتصفوا بالعدل والإنصاف والإذعان والانقياد للحق والاعتراف به والتواضع له والفرح بظهوره على يد من كان ممن جاء به .
قال ابن القيم في مدارج السالكين (3/437) إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَطَرَ الْقُلُوبَ عَلَى قَبُولِ الْحَقِّ وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَالطُّمَأْنِينَةِ بِهِ، وَالسُّكُونِ إِلَيْهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَفَطَرَهَا عَلَى بُغْضِ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ، وَالنُّفُورِ عَنْهُ، وَالرِّيبَةِ بِهِ، وَعَدَمِ السُّكُونِ إِلَيْهِ، وَلَوْ بَقِيَتِ الْفِطَرُ عَلَى حَالِهَا لَمَا آثَرَتْ عَلَى الْحَقِّ سِوَاهُ، وَلَمَا سَكَنَتْ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا اطْمَأَنَّتْ إِلَّا بِهِ، وَلَا أَحَبَّتْ غَيْرَهُ، وَلِهَذَا نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ إِلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَدَبَّرَهُ أَوْجَبَ لَهُ تَدَبُّرُهُ عِلْمًا ضَرُورِيًا وَيَقِينًا جَازِمًا: أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ، بَلْ أَحَقُّ كُلَّ الْحَقِّ، وَأَصْدَقُ كُلَّ صِدْقٍ، وَأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ أَصْدَقُ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَبَرُّهُمْ، وَأَكْمَلُهُمْ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَمَعْرِفَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] .
فَلَوْ رُفِعَتِ الْأَقْفَالُ عَنِ الْقُلُوبِ لَبَاشَرَتْهَا حَقَائِقُ الْقُرْآنِ، وَاسْتَنَارَتْ فِيهَا مَصَابِيحُ الْإِيمَانِ، وَعَلِمْتَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَكُونُ عِنْدَهَا كَسَائِرِ الْأُمُورِ الْوِجْدَانِيَّةِ - مِنَ الْفَرَحِ، وَالْأَلَمِ، وَالْحُبِّ، وَالْخَوْفِ - أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، تَكَلَّمَ بِهِ حَقًّا، وَبَلَّغَهُ رَسُولُهُ جِبْرِيلُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، فَهَذَا الشَّاهِدُ فِي الْقَلْبِ مِنْ أَعْظَمِ الشَّوَاهِدِ.
وَبِهِ احْتَجَّ هِرَقْلُ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ حَيْثُ قَالَ لَهُ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ، بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ لَهُ: وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَتْ حَلَاوَتُهُ بِشَاشَةَ الْقُلُوبِ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ، وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] .
وَقَوْلِهِ:{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ}[الحج: 54]. وَقَوْلِهِ تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ}[سبأ: 6]. وَقَوْلِهِ سبحانه : {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19]. وَقَوْلِهِ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27]. يَعْنِي: أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي يَقْتَرِحُونَهَا لَا تُوجِبُ هِدَايَةً، بَلِ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَهْدِي وَيُضِلُّ، ثُمَّ نَبَّهَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ آيَةٍ وَأَجَلِّهَا، وَهِيَ: طُمَأْنِينَةُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِذِكْرِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ. فَقَالَ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28] أَيْ بِكِتَابِهِ وَكَلَامِهِ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] فَطُمَأْنِينَةُ الْقُلُوبِ الصَّحِيحَةِ، وَالْفِطَرِ السَّلِيمَةِ بِهِ، وَسُكُونُهَا إِلَيْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ؛ إِذْ يَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنْ تَطْمَئِنَّ الْقُلُوبُ وَتَسْكُنَ إِلَى الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْبَاطِلِ.
أسباب رد الحق وعدم الاعتراف به :
وقال - رحمه الله - في هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (1/244) وَالْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ كَثِيرَةٌ جِدًّا:فَمِنْهَا: الْجَهْلُ بِهِ، وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ النُّفُوسِ، فَإِنَّ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ وَعَادَى أَهْلَهُ، فَإِنِ أنْضَافَ إِلَى هَذَا السَّبَبِ بُغْضُ مَنْ أَمَرَهُ بِالْحَقِّ وَمُعَادَاتُهُ لَهُ وَحَسَدُهُ كَانَ الْمَانِعُ مِنَ الْقَبُولِ أَقْوَى، فَإِنِ أنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ إِلْفُهُ وَعَادَتُهُ وَمُرَبَّاهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ وَيُعَظِّمُهُ قَوِيَ الْمَانِعُ، فَإِنِ أنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي دُعِيَ إِلَيْهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَاهِهِ وَعِزِّهِ وَشَهَوَاتِهِ وَأَغْرَاضِهِ قَوِيَ الْمَانِعُ مِنَ الْقَبُولِ جِدًّا ( والاعتراف به ).فَإِنِ أنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ خَوْفُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَجَاهِهِ كَمَا وَقَعَ لِهِرَقْلَ مَلِكِ النَّصَارَى بِالشَّامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ازْدَادَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ قُوَّةً، فَإِنَّ هِرَقْلَ عَرَفَ الْحَقَّ وَهَمَّ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُطَاوِعْهُ قَوْمُهُ وَخَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَاخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ قِصَّتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ: " الْحَسَدُ " فَإِنَّهُ دَاءٌ كَامِنٌ فِي النَّفْسِ، وَيَرَى الْحَاسِدُ الْمَحْسُودَ قَدْ فُضِّلَ عَلَيْهِ، وَأُوتِيَ مَا لَمْ يُؤْتَ نَظِيرُهُ، فَلَا يَدَعُهُ الْحَسَدُ أَنْ يَنْقَادَ لَهُ وَيَكُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ. وَهَلْ مَنَعَ إِبْلِيسَ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ إِلَّا الْحَسَدُ؟! فَإِنَّهُ لَمَّا رَآهُ قَدْ فُضِّلَ عَلَيْهِ وَرُفِعَ فَوْقَهُ، غُصَّ بِرِيقِهِ وَاخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ.وَهَذَا الدَّاءُ هُوَ الَّذِي مَنَعَ الْيَهُودَ مِنَ الْإِيمَانِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَقَدْ عَلِمُوا عِلْمًا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ، وَالْهُدَى فَحَمَلَهُمُ الْحَسَدُ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ، وَهُمْ أُمَّةٌ فِيهِمُ الْأَحْبَارُ وَالْعُلَمَاءُ وَالزُّهَّادُ وَالْقُضَاةُ وَالْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ.هَذَا وَقَدْ جَاءَ الْمَسِيحُ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَلَمْ يَأْتِ بِشَرِيعَةٍ تُخَالِفُهَا وَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ، وَإِنَّمَا أَتَى بِتَحْلِيلِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفًا وَرَحْمَةً وَإِحْسَانًا، وَجَاءَ مُكَمِّلًا لِشَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، وَمَعَ هَذَا فَاخْتَارُوا الْكُفْرَ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ مَعَ نَبِيٍّ جَاءَ بِشَرِيعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ نَاسِخَةٍ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ، مُبَكِّتًا لَهُمْ بِقَبَائِحِهِمْ، وَمُنَادِيًا عَلَى فَضَائِحِهِمْ، وَمُخْرِجًا لَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَقَدْ قَاتَلُوهُ وَحَارَبُوهُ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَنْصُرُ عَلَيْهِمْ، وَيَظْفَرُ بِهِمْ، وَيَعْلُو هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ مَعَهُ دَائِمًا فِي سَفَالٍ، فَكَيْفَ لَا يَمْلِكُ الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ قُلُوبَهُمْ؟ وَأَيْنَ يَقَعُ حَالُهُمْ مَعَهُ مِنْ حَالِهِمْ مَعَ الْمَسِيحِ، وَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى الْكُفْرِ بِهِ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى؟ وَهَذَا السَّبَبُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي رَدِّ الْحَقِّ، فَكَيْفَ إِذَا أنْضَافَ إِلَيْهِ زَوَالُ الرِّئَاسَاتِ وَالْمَأْكَلِ كَمَا تَقَدَّمَ؟ وَقَدْ قَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ - وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ أَبِي جَهْلٍ - يَا خَالُ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَ مُحَمَّدًا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أُخْتِي! وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِينَا صَادِقًا وَهُوَ شَابٌّ، يُدْعَى الْأَمِينَ، فَمَا جَرَّبْنَا عَلَيْهِ كَذِبًا قَطُّ، قَالَ: يَا خَالُ! فَمَا لَكُمْ لَا تَتْبَعُونَهُ؟! قَالَ: يَا ابْنَ أُخْتِي تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو هَاشِمٍ الشَّرَفَ، فَأَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا، وَسَقَوْا وَسَقَيْنَا، وَأَجَارُوا وَأَجَرْنَا، حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ؟وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ! أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مِنْ قُرَيْشٍ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَيْحَكَ! وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ، وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَتْ بَنُو قُصَيٍّ بِاللِّوَاءِ وَالْحِجَابَةِ وَالسِّقَايَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ؟.وَهَذَا الْمَانِعُ هُوَ الَّذِي مَنَعَ فِرْعَوْنَ مِنِ اتِّبَاعِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى عَزَمَ اتِّبَاعَ مُوسَى، فَقَالَ لَهُ وَزِيرُهُ هَامَانُ: بَيْنَا أَنْتَ إِلَهٌ تُعْبَدُ تُصْبِحُ تَعْبُدُ رَبًّا، تَعْبُدُ غَيْرَكَ، قَالَ: صَدَقْتَ.
ومن أسباب رد الحق وعدم الاعتراف به التقليد والتعصب الذميم :وقال ابن القيم في إعلام الموقعين(2/173) [أَخْبَرَ الرَّسُولُ أَنَّهُ سَيَحْدُثُ اخْتِلَافُ كَثِيرٌ]يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا» وَهَذَا ذَمٌّ لِلْمُخْتَلِفِينَ، وَتَحْذِيرٌ مِنْ سُلُوكِ سَبِيلِهِمْ، وَإِنَّمَا كَثُرَ الِاخْتِلَافُ وَتَفَاقَمَ أَمْرُهُ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ وَأَهْلِهِ، وَهُمْ الَّذِينَ فَرَّقُوا الدِّينَ وَصَيَّرُوا أَهْلَهُ شِيَعًا، كُلُّ فِرْقَةٍ تَنْصُرُ مَتْبُوعَهَا، وَتَدْعُو إلَيْهِ، وَتَذُمُّ مَنْ خَالَفَهَا، وَلَا يَرَوْنَ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِمْ حَتَّى كَأَنَّهُمْ مِلَّةٌ أُخْرَى سِوَاهُمْ، يَدْأَبُونَ وَيَكْدَحُونَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَيَقُولُونَ: كُتُبُهُمْ، وَكُتُبُنَا وَأَئِمَّتُهُمْ وَأَئِمَّتُنَا، وَمَذْهَبُهُمْ وَمَذْهَبُنَا.هَذَا وَالنَّبِيُّ وَاحِدٌ وَالْقُرْآنُ وَاحِدٌ وَالدِّينُ وَاحِدٌ وَالرَّبُّ وَاحِدٌ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَنْقَادُوا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ، وَأَنْ لَا يُطِيعُوا إلَّا الرَّسُولَ، وَلَا يَجْعَلُوا مَعَهُ مَنْ يَكُونُ أَقْوَالُهُ كَنُصُوصِهِ، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ فَلَوْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَانْقَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَنْ دَعَاهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَحَاكَمُوا كُلُّهُمْ إلَى السُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ لَقَلَّ الِاخْتِلَافُ وَإِنْ لَمْ يَعْدَمْ مِنْ الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا تَجِدُ أَقَلَّ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ؛ فَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ طَائِفَةٌ أَكْثَرَ اتِّفَاقًا وَأَقَلَّ اخْتِلَافًا مِنْهُمْ لِمَا بَنَوْا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ عَنْ الْحَدِيثِ أَبْعَدَ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَشَدَّ وَأَكْثَرَ، فَإِنَّ مَنْ رَدَّ الْحَقَّ مَرَجَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ وَجْهُ الصَّوَابِ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَذْهَبُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] .
ومن أسباب رد الحق وعدم الاعتراف به اتباع الهوى ..قال تعالى : {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ }(71)المؤمنون وقال عز من قائل {... فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }(135) النساء.قال ابن كثير (2/433)وَقَوْلُهُ {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} أَيْ: فَلَا يَحْمِلْنَّكُمُ الْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةُ وبغْضَة النَّاسِ إِلَيْكُمْ، عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِي أُمُورِكُمْ وَشُؤُونِكُمْ، بَلِ الْزَمُوا الْعَدْلَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [الْمَائِدَةِ: 8].وقال في بدائع الفوائد (3/180) حذار، حذار من أمرين لهما عواقب سوء:أحدهما: رد الحق لمخالفته هواك فإنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأسا ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.انتهى كلامه .
ومن أسباب رد الحق : اتباع ملة الآباء والأجداد وطرائق الأشياخ ..وقال تعالى مخبرا عمن رد الحق بسبب اتباع ما كان عليه الآباء : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }(170) البقرة .وقال تعالى :{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }(104) المائدة.قال الشيخ السعدي في تفسيرها (1/246) فإذا دعوا {إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} أعرضوا فلم يقبلوا، و {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} من الدين، ولو كان غير سديد، ولا دينًا ينجي من عذاب الله.ولو كان في آبائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الأمر. ولكن آباءهم لا يعقلون شيئا، أي: ليس عندهم من المعقول شيء، ولا من العلم والهدى شيء. فتبا لمن قلد من لا علم عنده صحيح، ولا عقل رجيح، وترك اتباع ما أنزل الله، واتباع رسله الذي يملأ القلوب علما وإيمانا، وهدى، وإيقانا.وقال الله تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }(21) لقمان.قال العلامة السعدي رحمه الله {مِنَ النَّاسِ مَنْ} لم يشكرها؛ بل كفرها؛ وكفر بمن أنعم بها؛ وجحد الحق الذي أنزل به كتبه، وأرسل به رسله، فجعل {يُجَادِلُ فِي اللَّهِ} أي: يجادل عن الباطل؛؛ ليدحض به الحق؛ ويدفع به ما جاء به الرسول من الأمر بعبادة الله وحده، وهذا المجادل على غير بصيرة، فليس جداله عن علم، فيترك وشأنه، ويسمح له في الكلام {وَلا هُدًى} يقتدي به بالمهتدين {وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [غير مبين للحق فلا معقول ولا منقول ولا اقتداء بالمهتدين] وإنما جداله في الله مبني على تقليد آباء غير مهتدين، بل ضالين مضلين.ولهذا قال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ} على أيدي رسله، فإنه الحق، وبينت لهم أدلته الظاهرة {قَالُوا} معارضين ذلك: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} فلا نترك ما وجدنا عليه آباءنا لقول أحد كائنا من كان.قال تعالى في الرد عليهم وعلى آبائهم: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} فاستجاب له آباؤهم، ومشوا خلفه، وصاروا من تلاميذ الشيطان، واستولت عليهم الحيرة.فهل هذا موجب لاتباعهم لهم ومشيهم على طريقتهم، أم ذلك يرهبهم من سلوك سبيلهم، وينادي على ضلالهم، وضلال من اتبعهم.وليس دعوة الشيطان لآبائهم ولهم، محبة لهم ومودة، وإنما ذلك عداوة لهم ومكر بهم، وبالحقيقة أتباعه من أعدائه، الذين تمكن منهم وظفر بهم، وقرت عينه باستحقاقهم عذاب السعير، بقبول دعوته.
وأما اتباع الأشياخ والسادة الذي يمنع من قبول الحق والاعتراف به : فقد قال الله تعالى :{ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا }(67) الأحزاب .وقال تعالى :{ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ }(21) إبراهيم .قال ابن كثير ( 4/48يَقُولُ: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ] أَيْ: بَرَزَتِ الْخَلَائِقُ كُلُّهَا، بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، أَيِ: اجْتَمَعُوا لَهُ فِي بِرَازٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَسْتُرُ أَحَدًا.{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} وَهْمُ الْأَتْبَاعُ لِقَادَتِهِمْ وَسَادَتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَعَنْ مُوَافَقَةِ الرُّسُلِ، فَقَالُوا لَهُمْ: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أَيْ: مَهْمَا أَمَرْتُمُونَا ائْتَمَرْنَا وَفَعَلْنَا، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} أَيْ: فَهَلْ تَدْفَعُونَ عَنَّا شَيْئًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، كَمَا كُنْتُمْ تَعِدُونَنَا وَتُمَنُّونَنَا؟ فَقَالَتِ الْقَادَةُ لَهُمْ: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} وَلَكِنْ حَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا، وَسَبْقَ فِينَا وَفِيكُمْ قَدَرُ اللَّهِ، وَحَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ.{سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} أَيْ: لَيْسَ لَنَا خَلاص مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إِنْ صَبْرَنَا عَلَيْهِ أَوْ جَزِعْنَا مِنْهُ.وكذلك خبره تعالى عنهم :{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ }(4 غافر.وتأمل هذه المحاورة بين القادة والسادة وبين التابعين لهم والمغرر بهم وذلك يوم الحسرة والندامة يوم لا ينفع متبوعٌ تابعا ولا سيدٌ مسودا ولا شيخٌ مريدا ، حيث تدور بينهم هذه المحاورة التي يكشفون فيها عن الحقائق التي كانوا عليها في الدنيا من رد الحق وعدم قبوله العصيان لله ومخالفة رسله .قال تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(33)سبأ .
يتبع إن شاء الله .