السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله جميعا على البر والتقوى
وبعد:
فهذا مقطع صوتي (1) استليته من شريط ماتع للشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- بعنوان : " وجوب التحري في الفتوى " أو كما سميَّ في أشرطة أخرى " ماذا ترك الأول للآخر " حياكم الله جميعا على البر والتقوى
وبعد:
وهو يقعد (2) ويقرر ويؤكد قاعدة من أهم قواعد الترجيح عند حصول الاختلاف والتنازع - خاصة اليوم - لما نراه من اضطراب وحيرة الكثير من الناس أمام الاختلاف الحاصل، واستغلال من قبل آخرين لهذا الواقع بضرب فتاوى وأقوال العلماء بعضها ببعض في شتى الأمور عموما، وخاصة في باب الجرح والتعديل! بين شبابنا السَّلفي (3) ، ألا وهي قاعدة أن :
قَوْلُ العَالِمِ المُتَخَصِصِ فِي العِلْمِ والفَنِّ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ
فالحقيقة أن الشيخ الألباني -رحمه الله- (على غرار بقية علماءنا الأجلاء) اهتم ببيان هذه القاعدة وتقريرها ورسمها طريقًا وسلمًا لطالب العلم والحق، كما ستكتشف من خلال هذا المقطع أنه وضحها أيَّما إيضاح وضرب لها العديدة من الأمثلة التقريبية السهلة التي لا تخفى على أحد..
ولا أريد أن أطيل في هذه التوطئة، إلاَّ أنني أخيرا أحث إخواني وبشدَّةٍ على قراءة التفريغ كاملا أو الاستماع إليه للفائدة العظيمة التي حواها - والله من وراء القصد -
ولا أريد أن أطيل في هذه التوطئة، إلاَّ أنني أخيرا أحث إخواني وبشدَّةٍ على قراءة التفريغ كاملا أو الاستماع إليه للفائدة العظيمة التي حواها - والله من وراء القصد -
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- :
" ... فالآن نأتي إلى مثال عُرف في الوقت الحاضر قيمته، وهو التخصص في العلم، فنفوس الناس تجاوباً منهم مع فطرتهم يعلمون ويشعرون أن العالم المتخصص في علم ما يُرجع إليه وتطمئن النفس لعلمه أكثر من غير المتخصص.
تعرفون اليوم مثلاً علم الطب أنواعه وأقسامه فيه مثلاً طب عام وفيه طب خاص رجل يشكو وجعاً في فمه أو في عينه أو في أذنه لا يذهب الى الطبيب العام وإنما إلى المختص وهذا مثال واضح جداً.
رجل يريد أن يعرف حكماً هل هو حرام أم حلال؟!. لا يسأل اللغوي!، ولا يسأل الطبيب!.. وإنما يسأل عالمـاً بالشرع، وأنا أعني التعميم الآن يسأل عالماً بالشرع !.. لكن العلماء بالشرع ينقسمون إلى أقسام، لما ما يسمى اليوم بالفقه المقارن فيقول لك قال فلان كذا.. وقال فلان كذا.. وقال فلان كذا..فيجعلك في حيرة، على كل حال سؤالك إياه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من كان عالماً أو متخصصاً باللغة العربية، لكن إذا كنت تعلم أن هناك رجلاً آخر عالم بالشرع لكنه يفتي على الراجح من أقوال العلماء بناءً على الدليل من الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف. لاشك أنك تطمئن لهذا أكثر من الأول..وهكذا وهكذا.
الآن ندخل في ما نحن بصدده الآن كما قلت: إختلفت الأقوال وبعضهم يرد على بعض، الشيء الذي ينبغي أن يلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقي، وأنا لا أريد نفسي وإن كان هذا طبعاً يتعلق بي تماماً، لكن هذا مثل للقاعدة العلمية التي ينبغي لطالب العلم أن ينطلق منها.
عندنا مثل الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة، عندنا الشيخ عبد العزيز ابن باز - حفظه الله - وعندنا هذا الرجل الذي ابتلي الشعب الأردنـي في هذا الزمان بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف!! [يقصد حسن السقاف] يقول مثلاً عن الشيخ ابن باز بأنه لا علم عنده بالتوحيد !! فأنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين إلتفوا حوله !!.. متى عرف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه !! والشيخ ابن باز مثلاً ملأ علمه العالم الإسلامي، إذاً هنا أحد شيئين: إما الجهل أو إتباع الهوى فهؤلاء الذي يلتفون حول هذا الرجل، هذا الرجل ابن اليوم في العلم ما أحد عرفه، ولا أحد شَهِد له لا من العلماء المهتدين ولا من العلماء الضالين! ما أحد شهد له بأنه رجل عالم!. فلماذا يُلتفُ حوله هؤلاء الشباب؟!
(هذا) أحد شيئين: إما لأنهم لا يعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلى اليوم، صحابيان اختلفا رجل من السابقين الأولين وآخر ممن اتبعوهم بإحسان من أهل الفتح وغيره ممن تأخروا في الإسلام، هؤلاء أهل علم وهؤلاء أهل علم، لكن هؤلاء من السابقين الأوليين، فهنا نفس القضية تمشي تماما، رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وينشر العلم ويعترف بعلمه وفضله وآخر (كلمة غير مفهومة أقرب إلى: قبيب) لا قيمة له لا يعرف له منزلة علمية عند أهل العلم إطلاقا في بلده فضلا عن بلاد أخرى، إذن من هنا يأخذ الإنسان منهجا ممن يتلقى العلم أمن هذا الحدث أو من ذاك الرجل العالم الفاضل الذي ملأ بعلمه الدنيا، نأتي الآن إلى صلب سؤالك ( والله اختلفت الأقوال الآن فبعضهم يرد على بعض )..أنا أقول إن إخواننا طلبة العلم مع الأسف الشديد !! ينطبق عليهم ما ينطبق على هؤلاء المغشوشين بمثل..السقاف.. تركوا العلماء قديماً وحديثاً والتفوا حوله، وهو ابن اليوم لا أقول في العلم!! وفي طلب العلم وربما لا يصدق عليه ذلك.
فالآن، أين هؤلاء العلماء الذين ذكرتهم في سؤالك أنهم يردون بعضهم على بعض فهذا يصحح وهذا يضعف، هذا لا وجود له إلا نادراً جداً.. وهنا إذا وصلنا إلى رجلين متماثلين في السابقية في العلم في التصحيح والتضعيف متماثلين، هنا مرجحات أخرى، منها مثلاً: لابد أن طالب العلم الذي وقع في حيص بيص!! بين هذا يصحح وهذا يضعف أو العكس وهما من حيث المزية الأسبقية متساويان وفي الصلاح متساويان لكن أنا آتيك بمثال بسيط جدا، أحدهم موظف والآخر غير موظف ألا تشعر معي أن الموظف مقيد وغير موظف مطلق، فإذاً هذا يكون مرجحاً لهاذين الذين استويا في العلم وفي الصلاح، فما بالك إذا تبين لطالب العلم أن أحدهما يتميز على الآخر لا أقول في العلم، نفترض أنهما سواء لكن أحدهما يتميز على الآخر بالصلاح قد يكون الواقع خلاف ذلك ولكن أنا أقول بالنسبة لطالب العلم حتى يدفع الحيرة عن نفسه، هناك أحمد هناك محمد فكلاهما في السن سواء والعمل سواء والتخصص سواء..الخ..لكن أحمد دون محمد في الصلاح، النفس تطمئن لمحمد أكثر من أحمد وإن كان في الواقع في علم الله عز وجل قد يكون القضية بالعكس لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإذاً هو يراعي الآن إطمئنان النفس فيه أيهما أصلح؟ أيهما أتقى لله أمحمد اتقى من أحمد؟ إذاً أنا آخذ بقول هذا، ما أخذت هذا لأنك عرفت حجته لا! البحث كله أنك ما تعرف هذا العلم (4)، فنأتي إلى موضوع نهاية المطاف في هذا المجال لأنه أخذ وقتاً كثيراً في الواقع.
فأقول فما بالك إذا عرفت أن أحدهما ليس متخصصاً في العلم هو عالم وهو فاضل هو في التوحيد وفي الفقه وربما أيضاً في اللغة، لكن الآخر متخصص في علم الحديث لاشك أنك ستأخذ بقوله قبل أن تأخذ بقول ذاك لأنه فيه عندك هنا مرجح على ذاك السُّلم الذي وضعناه آنفاً من المرجحات.
على ضوء هذا البيان وهذا التفسير ينبغي لطالب العلم ألا يقع في حيص بيص!! أنه والله مثلاً نقول نحن الواقع والله الألباني صحح الحديث الفلاني وفلان الذي إذا سألناكم منذ متى عرفتم علمه ؟ والله عرفنا علمه منذ سنتين..ثلاث..أربعه..خمسة..عشرة..الخ، طيب هل هو كذلك يعني بالنسبة للألباني؟ يكفي هذا الترجيح.
قيسوا إذن العكس الآن إذا اختلف عليكم الأمر بين البخاري وبين الألباني؟! أنا أقول لكم خذوا بقول البخاري ودعوا قول الألباني إذا لم يكن عندكم مرجح. أما إذا وُجِدَ عندكم مرجح، أي مرجح كان من المرجحات المعروفة، مثلاً: لو قيل للألباني أنت خالفت البخاري في كذا؟ فقال لك نعم لكن البخاري له قاعدة يضعف فيها الحديث إعتماداً على هذه القاعدة لكن هذه القاعدة هي عنده مرجوحه والراجح عند جمهور العلماء خلافها، فأنا إعتمدت هذه القاعدة التي تبناها الجمهور من العلماء على القاعدة التي إتكأ عليها البخاري وضعف فيها بعض الأحاديث...انتهـى "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقطع الصوتي: جواب لسؤال طرح على الشيخ الألباني بعنوان: فضيلة الشيخ نحن طلبة العلم ما هو موقفنا من جراء هذا العلم العظيم -وهو علم الحديث- حيث أنه ورد كثير من الردود بين العلماء، فهل نقلد أحد هؤلاء العلماء؟ أم نرجح ما ترتاح له أنفسنا كقوله الرسول عليه الصلاة والسلام (استفت قلبك ولو أفتاك الناس) ؟
(2) وليس معنى هذا أن الشيخ -رحمه الله- قد أتى بشيء جديد! بل القاعدة أصلا مقررة في النفوس عقلا وحسا ومنطقا فضلا عن الشرع!!
(3) فالكثير ما صرنا نسمع اليوم بعض الشباب السَّلفي يقول: العالم السَّلفي الفلاني (المتخصص) يجرح فلانا، بينما العالم السَّلفي الفلاني الآخر (غير المتخصص) يعدله، ثم تجد من ليست له بصيرة بالموضوع أصناف: فترى البعض حائرا في كيفية التعامل مع هذا الموقف أصلاً ! والآخر يقول: أنا أبقى على الحياد! وآخرون يقولون نحن نبقى على الأصل! أن الرجل لازال سلفيًا معدلا، والبقية متبعون للهوى متعصبون!! والحق كله ما جاء في القاعدة إذا غابت المرجحات الأخرى!
(4) هذه المسألة هي لب المقصود: فالكلام يدور كله حول إذا تحير الإنسان في دفع التعارض فيستخدم هذه القاعدة، أما إذا وجد البيان الشافي من مثل [ونضرب مثالا له علاقة بالتعليق (3)] إذا وجد جرح لعالم مفسر (يعني ذكر في سبب الجرح)، وتزكية من عالم مبهمة، فهنا الواجب قطعا الذي لا مرية فيه تقديم الجرح المفسر على التعديل المبهم حتى ولو كان من قبل عالم غير متخصص! فلتنتبه! .
تعليق