هل يشترط الفهم في إقامة الحجة؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
إن الله جلّ وعز حكم عدل لا يعذّب أحدا من خلقه ما لم تقم عليه الحجّة الرّسالية من الكتاب والسنّة كما قال جلّ ثناؤه : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، وقال تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }.[1]وقال تعالى:{ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ }[2]،ونحو ذلك من الآيات.
وعلى هذا فقيام الحجة لا يكفي فيه مجرد بلوغها بل لابد مع ذلك من فهمها، وهذه الحجّة الرسالية ما يشترط أن يفهمها المخاطب فهما جليّا كفهم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإنّما العبرة بفهم ما يطلب منه من ترك الشّرك وإفراد الله بالعبادة، فلو أن رجلا فهم أن سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك بالله تعالى ،ثم ذهب يتعلّق بالمتشابهات كما تتعلق العنكبوت بخيوطها كما هو شأن أهل الأهواء قديما وحديثا فهذا لا يعذر بدعوى الجهل بحال من الأحوال ولو مات على هذا فهو خالد في نار جهنم والعياذ بالله، و هذه المسألة ترجع للمبلِّغ فلابد أن يكون عالما بحيث لو أورد الشبّه التي ضلّ بسببها دحضها بالعلم. فإن رأى أن المبلَّغ قد فهم مقصود ما يطلب منه من تحقيق التّوحيد وعدم الإشراك بالله ثم ردّ الحجة فإنه يحكم بكفره ، و تنطبق عليه أحكام الرّدّة ،ولا يشترط أن يعرف أن هذا هو الحقّ، كما قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله :-بعد ما ردّ على من اشترط في قيام الحجة معرفة المخاطب بالحق-: إنما يشترط فهم المراد للمتكلم والمقصود من المخاطب ، لا أنه الحق .[3]
وهذا الصّنف هم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه أنهم أقيمت عليهم الحجّة فجحدوها عنادا واستكبارا كما قال تعالى:{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً }[4] وقوله :{لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى}[5]
قال شيخ الإسلام رحمه الله : -في تفسير قوله تعالى: { فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ }- قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعا يتمكّن معه من فهم معناه، إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى، فلو كان غير عربي لوجب أن يترجم له ما تقوم به عليه الحجة، ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست من لغته، وجب أن نبيّن له معناها، ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين له معناه، فعلينا ذلك، وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه،كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالا يوردونه على القرآن، فإنه كان يجيبهم عنه.[6]
وقال ابن القيم رحمه الله :العبرة في قيام الحجّة بأن يفهمها ذلك الشّخص المعيّن فهما يدرك به مخالفته للحجّة التي يكفر بخلافها ، و لا يشترط فهمه لها فهما دقيقا ، كما يفهمها أهل العلم و الإيمان ، كما لا يشترط إقراره بالفهم بل يرجع ذلك لتقدير المبلغ له هل فهمه أو لم يفهمه ، لأنّ كثيرا من أهل الكفر و النّفاق ينكرون الحجّة بعد فهمهم لها و علمهم بها كما أخبر الله تعالى بذلك عن قوم فرعون في قوله :{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}[7]
و قال غفر الله له -مبيّنا أن الفهم شرط في قيام الحجّة- :إن قيام الحجّة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص؛فقد تقوم حجة الله على الكفّار في زمان دون زمان؛وفي بقعة وناحية دون أخرى؛كماأنها تقوم على شخص دون آخر؛إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون؛وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له؛فهذا بمنزلة الأصمّ الذي لا يسمع شيئا ولا يتمكّن من الفهم.[8]
و هذه المسألة -أي شرط فهم الحجة- "قد اختلف فيها كبار علماء نجد في مجلس الإمام عبد العزيز بن عبد الرّحمن بن فيصل آل سعود بمكة المكرمة فكانت الحجّة للشّيخ عبد الله بن بلهيد[9] بأنّ العبرة بفهم الحجة لا بمجرد بلوغها من غير فهم ، وأورد لهم نصا صريحا في هذا من كلام المحقق حقّا وحقيقة شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله فقنعوا به" .[10]
قال الشّيخ عبد اللطيف بن عبد الرّحمن آل الشّيخ ـ رحمها الله ـ: وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجّة و فهم الحجّة ، فإن من بلغته دعوة الرّسل ، فقد قامت عليه الحجّة إذا كان على وجه يمكن معه العلم .[11]
وقال رحمه الله : تعريف أهل العلم للجهال بمباني الإسلام ، وأصول الإيمان والنصوص القطعية والمسائل الإجتماعية حجة عند أهل العلم ، تقوم بها الحجة ، وتترتب عليها أحكام ، أحكام الردة وغيرها ، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتبليغ عنه ، وحث على ذلك ، و قال الله في الإحتجاج و النذارة في كتابه { لأنذركم به و من بلغ[12]} و من الذي يبلغ و ينقل نصوص الكتاب والسنة غير أهل العلم وورثة الرسل ؟
فإن كانت الحجّة لا تقوم بهم و ببيانهم أن هذا من عند الله ، و هذا كلام رسوله فلا حجة بالوحيين ، إذ النقل و التعريف يتوقف على أهل العلم ، كما أن بيان المعاني المقصودة و التأويلات المرادة يتوقف على أهل العلم ، و تقوم الحجة بهم ، وهم نوّاب الرّسول صلى الله عليه وسلم في الإبلاغ عنه و قيام الحجة بهم كما قال علي بن أبي طالب في حديث كمال بن زياد " بلى ، لن تخلو الأرض من قائم لله بحججه ، كي لا تبطل حجج الله و بينات ...، وفي الحديث " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله "وبالجملة فالحجة في كل زمان إنما تقوم بأهل العلم ورثة الأنبياء.[13]
وأرسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة وجهها لأحمد بن عبد الكريم و قال فيها غفر الله له :وأما عبارة الشّيخ -يقصد بالشّيخ هنا شيخ الإسلام ابن تيمية الحرّاني- التي لبّسوا بها عليك ، فهي أغلظ من هذا كلّه ، و لو نقول بها لكفّرنا كثيرا من المشاهير بأعيانهم ، فإنّه صرّح فيها بأنّ المعيّن لا يكفّر إلاّ إذا قامت عليه الحجّة فإن كان المعيّن لا يكفّر إلّا إذا قامت عليه الحجّة ، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه :
أن يفهم كلام الله ورسوله ، مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله ، وخلا من شيء يعذر به فهو كافر ، كما كان الكفاّر كلّهم تقوم عليهم الحجّة بالقرآن مع قول الله : { َجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ }[14] وقوله تعالى : {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ[15]}[16]اهـ
فقول الشّيخ محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله :"وخلا من شيء يعذر به "فعدم فهم الخطاب من الشيء الذي يعذر به صاحبه فكلام الشيخ واضح جليّ في أنه يشترط الفهم الذي يفهم منه مقصود الخطاب.
وجاء في كتاب "مجموعة الرّسائل النجدية"(5/63 تعليقا لمحمد رشيد رضا على نصّ للشّيخ محمد بن عبد الوهّاب يقول فيه : "...و ليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا كما يفهمها من هداه الله و وفقّه و انقاد لأمره ".
فعلّق محمد رضا في حاشية الكتاب قائلا : هذا القيد الذي قيّد الشّيخ به الفهم هنا قد أزال اللّبس الذي يتبادر إلى الذّهن من بعض اطلاقاته في مواضع أخرى و اتّبعه فيه بعض علماء نجد فصار بعضهم يقول بأن الحجة تقوم على النّاس ببلوغ القرآن وإن لم يفهمه من بلغه مطلقا وهذا لا يعقل ولا يتّفق مع قوله تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }.[17]
الذي بنى عليه المحقّقون قولهم : إن فهم الدّعوة بدليلها شرط لقيام الحجّة، وقد علمنا من هذا القيد أن الفهم الذي لا يشترطه الشيخ، هو فقه نصوص القرآن المؤثر في النفس، الحامل لها على ترك الباطل، كما يفقهها من اهتدى بها. ففهم التفقه في الحقيقة أخص من فهم المعنى اللغوي، كما يدل عليه استعمال القرآن، وحديث "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" متفق عليه، وفي رواية حسنة زيادة "ويلهمه رشده". والمشركون الذين شبههم الله بالصم البكم المختوم على قلوبهم، والمطبوع عليها، والمجعول عليها الأكنة: كلهم قد فهموا مدلول آيات القرآن في التوحيد والبعث والرسالة؛ لأنهم أهل اللغة وقد أنزلت بأفصح أساليبها؛ ولكنهم لم يهتدوا بها لثلاثة أسباب: "أحدها" العناد من الرؤساء. "ثانيها" التقليد من الدهماء. "ثالثها" الشبهات على الأصول الثلاثة، كزعمهم أن دعاء غير الله لا يضر إذا كان بقصد التقريب إليه تعالى والشفاعة عنده. وأن الرسول بشر مثلهم؛ فلا يعقل أن يكون رسولا من الله، وأنه تعالى لو أراد أن يبعث رسولا؛ لبعث ملكا، أو لأيَّدَهُ بملك يكون معه نذيراً. وأن البعث لا يُعْقَلُ.اهـ
قال الشيخ محمد الأمين الشّنقيطي رحمه الله: إن الله جلّ وعلا لا يعذب أحدا من خلقه ، لا في الدّنيا و لا في الآخرة حتى يبعث إليه رسولا ينذره و يحذره فيعصي ذلك الرّسول ، فيستمرّ على الكفر و المعصية بعد الإنذار والإعذار ......، و لابد أن يقطع حجّة كل أحد بإرسال الرّسل ، مبشّرين من أطاعهم بالجنّة ، ومنذرين من عصاهم بالنّار . وهذه الحجّة التي أوضح هنا قطعا بإرسال الرّسل مبشّرين ومنذرين ....ويوضح ما دلت عليه هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن العظيم من أنّ الله جلّ وعلى لا يعذب أحدا إلا بعد الإنذار والإعذار على ألسنة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام تصريحه جلّ وعلا في آيات كثيرة بأنه لم يدخل أحدا النار إلا بعد الإنذار والإعذار على ألسنة الرّسل ، ومن ذلك قوله جل وعلا :{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ[18]}[19]اهـ
فلو أن قرية من القرى أهلها ملتزمون بالإسلام التزاما إجماليا ، و مقرّون بالتوحيد إقرارا إجماليا ، و يتبرّؤون من عبادة غير الله على وجه العموم ، ويقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويصلّون ويصومون ويزّكون ويحجّون ونحو ذلك من القُرَب، فأتتهم جماعة من الجماعات المحدثة على سبيل المثال جماعة التبليغ الصوفية القبورية[20] -باسم الإسلام- فدعوهم إلى البدع والشركيات باسم حبّ الصالحين وتوقيرهم و..، فأوقعوهم في شيء من هذه الضلالات والانحرافات وهم يريدون الحقّ وما قصّروا في طلبه[21] ،وما تبين لهم وجه المخالفة بحيث لو قلت لأحدهم لماذا تذبح للميت إن هذا هو الشرك الذي من فعله ومات عليه فهو في نار جهنم خالدا فيها أبد الآبدين ، لقال لك مباشرة معاذ الله "لا إله إلا الله محمد رسول الله "ما كنت أعلم أن هذا مصادم لما أنزلت به الكتب وجاءت به الرّسل وأستغفر الله وأتوب إليه وإنما أفتاني الشيخ الفلاني بكذا وكذا واستدّل لذلك بأدلة من الوحيين ،فمن كان هذا حاله لا يكفّر ولا يٌنزّل عليه أحكام الردّة لعدم قيام الحجّة عليه وعدم فهمه المحجّة كما قال تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }[22] و قوله { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ }[23]
بل بعضهم إذا قرئ عليه الآيات التّي تأمر بالتوحيد فهم أن معناها هو إثبات وجوده وأنه هو القادر والخالق والرازق و...، -لهذا تجد مشايخهم من أرباب الطرق ومن حذا حذوهم يركّزون على توحيد الرّبوبية دون توحيدي الألوهية والأسماء والصفات- ، وإذا تليت عليه الآيات التي تحذّر من الشرك بالله تعالى قَصُر فهمه عن معنى الحقيقي للشّرك الذي كانت الخصومة بين الرّسل وأقوامهم-أي: في توحيد الألوهية- ، وفهم أن الشّرك المعني في القرآن هو عدم إيمانهم بوجود الله أو كشرك النّصارى الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة كما في قوله سبحانه {لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[24] أو كالذين اتّخذوا لله الصّاحبة والولد كما قال تعالى { وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ }[25]وقوله تعالى:{وقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }[26]أو كالذين قالوا أن لله البنات -سبحانه وتعالى عما يقولون الظالمون علوا كبيرا- ونحو ذلك.
فمن كان هذا حاله لا يكفّر حتى تقام عليه الحجّة وتبين له المحجة وذلك إذا لم يقصّر في طلب الحق، ولم يتبيّن له وجه المخالفة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :و نحن نعلم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ، لا بلفظ الإستغاثة ولا بغيرها ،كما أنه لم يشرع لأمته السجود للميت ولا إلى غير ميت ونحو ذلك ، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور ، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى و رسوله ، لكن لغلبة الجهل و قلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين ، لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .[27]
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : وإذا كنا : لا نكفّر من عبد الصّنم ، الذي على عبد القادر ، و الصّنم الذي على قبر أحمد البدوي و أمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبّههم.[28]
وقال أيضا :إنما يكفر من أشرك بالله في إلهيّته بعد ما نبيّن له الحجّة على بطلان الشرك.[29]
و سئل الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عبد الوهاب غفر الله لهما :عن حال من صدر منه كفر ، من غير قصد منه ، بل هو جاهل ، هل يعذر ، سواء كان قولا ، أو فعلا ، أو توسلا ؟.
فأجاب : إذا فعل الإنسان الذي يؤمن بالله و رسوله ، ما يكون فعله كفرا ، أو اعتقاده كفرا ، جهلا منه بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذا لا يكون عندنا كافرا ، ولا نحكم عليه بالكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية ، التي يكفر من خالفها .فإذا قامت عليه الحجة ، وبيّن له ما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلّم ، وأصرّ على فعل ذلك بعد قيام الحجّة عليه ، فهذا هو الذي يكفر ، وذلك لأنّ الكفر : إما يكون بمخالفة كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم ، وهذا مجمع عليه بين العلماء في الجملة .[30]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ولا يكفي مجرد بلوغ الحجة حتى يفهمها ؛ لأنه لو فرضنا أن إنساناً أعجميّاً وقرأنا عليه القرآن صباحا ومساء لكن لا يدري ما معناها : فهل قامت عليه الحجة ؟ قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ }.[31]
وهذا صلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه:
عبد الحميد الهضابي
وكتبه:
عبد الحميد الهضابي
الحواشي :
1ـ سورة النساء آية : 115
2 ـ سورة التوبة آية : 115
3 ـ مصباح الظلام ( ص : 122 )
4 ـ سورة النمل آية : 14
5 ـ سورة طه آية : 134
6 ـ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ( 2 / 114 )
7 ـ طريق الهجرتين ( 412 ـ 413 )
8 ـ نفس المصدر ( 414 )
9 ـ هوالعلامة عبد الله بن سليمان بن سعود بن محمد المعروف بإبن بلهيد من كبار علماء نجد مات سنة " 1359" انظر علماء نجد للبسام ( 3 / 542 )
10 ـ من تعليقات محمد لرشيد رضا من مجموعة الرسائل النجدية 4/ القسم 2 ص 515 بتصرف يسير
11 ـ مجموعة الرسائل النجدية ( 5 / 638 )
12 ـ سورة الأنعام آية 19
13 ـ مصباح الظلام (ص 123)
14 ـ سورة الإسراء آية : 46
15ـ سورة الأنفال آية :22
16 ـ الدرر السنية في الأجوبة النجدية ( 10 / 69 ـ 70 )
17 ـ سورة النساء آية : 15
18 ـ سورة الملك آية : 7 ـ 8
19 ـ أضواء البيان ( 3 / 471 ـ 472 )
20 ـ و لمعرفة ما عند هذه الجماعة من المخالفات ، انظر كتاب " القول البليغ في جماعة التبليغ "للتويجري فقد أجاد و أفاد ـ وكتاب " الأجوبة السديدة في المناهج الجديدة " للشيخ صالح الفوزان و"المورد العذب الزلال " للشيخ النجمي وكتاب "القطبية هي الفتنة فاعرفوها " للعدناني " و غيرها من الكتب المؤلفة في هذا الباب .
21 ـ يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل محرم ، ولم يقصر في البحث عن الحق قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى" (20/280) مقيّدا العذر بالجهل بالقيد الذي ذكرناه آنفا:"... إن هذا العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا"
22 ـ سورة النساء آية : 115
23 ـ سورة التوبة آية : 115
24 ـ سورة المائدة آية : 73
25 ـ سورة البقرة آية : 116
26 ـ سورة التوبة آية : 30
27 ـ مجموع الفتاوى ( 20/32 ـ 33 )
28 ـ مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ( 3 / 11 )
29 ـ نفس المصدر ( 12 /60 )
30 ـ الدرر السنية في الأجوبة النجدية ( 10 / 239 )
31 ـ " لقاءات الباب المفتوح " ( 48 / السؤال رقم 15 )
المصدر
وهذا كلام وتوضيح للشّيخ الفاضل عبدالله بن عبدالرّحيم البخاري حفظه الله في هذه المسألة
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=34295
وبالمناسبة هذا كلام للشّيخ أيضًا في مسألة تابعة لها وهي مسألة خطيرة تزلُّ فيها أقدام بعض طُلاّب العلم
وهذا كلام وتوضيح للشّيخ الفاضل عبدالله بن عبدالرّحيم البخاري حفظه الله في هذه المسألة
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=34295
وبالمناسبة هذا كلام للشّيخ أيضًا في مسألة تابعة لها وهي مسألة خطيرة تزلُّ فيها أقدام بعض طُلاّب العلم