( وصية في لزوم منهج السلف )
يقول شيخنا محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى :هذا أول ما تَكَلَّمنا عليه، فالذي أوصي به نفسي وأبنائي بلزوم هذا المنهج ومصاحبة أهله، لزوم منهج السلف لا يكون إلَّا بمصاحبة أهله لأنهم هم الذين يدلُّوك - بإذن الله تبارك وتعالى- على السير في هذا الطريق، ويعينوك عليه والقراءة في الكتب التي تُبَيِّن لك هذا هي التي تعينك - بإذن الله تبارك وتعالى- ثباتًا، فمثلًا أول ما يقرأ الطالب في هذا السُّنة المختصرة للإمام أحمد - رحمه الله تعالى-، المعروف بأصول السنة، ثم يقرأ السُّنة لابن أبي عاصم، الشريعة للآجري، السُّنة لعبد الله بن أحمد، العرش لابن أبي شيبة، الإبانة الصُّغرى لابن بطة، الإبانة الكبرى له أيضًا، شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة والجماعة، فإن هذا أوسع كتاب فيما بين أيدينا هو وكتاب ابن بطة، المعروف بالإبانة الكبرى، هذان الكتابان أوسع كتاب بين أيدينا في شرح اعتقاد أصول أهل السُّنة والجماعة، فإن الإنسان إذا قرأ ما تَقَدَّم مِمَّا ذكرناه في باب الاعتقاد فإنه يستفيد فائدةً عظيمة؛ وذلك بمعرفة نهج السلف الصالح - رحمهم الله تعالى- في هذا الجانب، في جانب لزوم السنة وموالاة أهلها، والحذر من البدعة ومجانبة أهلها، مجانبة أهل الأهواء والبدع، فهذه الأربعة الأصول هي التي قامَ عليها مذهب السلف - رحمهم الله تعالى- في جميع الأبواب فسَلِموا، لَزِموا السُّنن في جميع أبواب الاعتقاد، وصَحِبوا أهله، فمثلًا إذا جئت إلى باب التكفير؛ اجتنبوا بدعة التكفير، واجتنبوا أهلها؛ وهم الخوارج المعتزلة، ولَزِموا أهل السُّنة والجماعة وقرؤوا في هذا الباب، إذا جاءوا إلى الصفات لزموا أهل السنة والجماعة في باب الصفات وهم الذين يثبتون لله - جلَّ وعلا- ما أَثْبَتَهُ لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم- في صحيح سُنَّته، ثُمَّ يجتنبون من خالفَ في هذا من جميع الطوائف المخالفين، أهل التَّجهم وأهل الابتداع، وأهل الاعتزال، وأهل التمشعر، أهل المذهب الماتوريدي، فإنك تَجِدهم يخالفون هؤلاء جميعًا، الكُلَّابية وأمثالهم، يخالفونهم جميعًا ثم يلزمون ما عليه أهل السنة، ويسيرون معهم ويحذرون من هؤلاء ويحذرون طريقهم بمعرفة أصول أهل السنة في هذه المسائل وموالاة أهلها، وأصول أهل البدع في هذه المسائل والأبواب ومجانبة أهلها، وهكذا في جميع الأبواب، في باب القدر، في باب أفعال العباد، في باب الإيمان، مفارقة المرجئة، ولزوم أهل السُّنة، البعد عن الإرجاء وأهله، ولزوم أهل السُّنة في هذا الباب إلى غير ذلك من بقية الأبواب، وأنا أوصيكم بالاعتناء بحفظ الواسطية في هذا الباب بعد القواعد الأربع، والأصول الثلاثة، وكتاب التوحيد؛ اعتنوا بالعقيدة الواسطية، فإنها كتاب جامعٌ في هذا الباب، في باب الإيمان لأن شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى- لَزِم فيها، وبَيَّن فيها أركان الإيمان التي جاءت في حديث جبريل، فهي من أنفع الكتب لطالب العلم، وأَوَّلها كله آيات، المتقدم منها كله آيات، يسهل على الطالب حفظها، ثم النصف الثاني أحاديث واردة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم-، ثم بعد ذلك جاء بوسطية أهل السنة بين أهل الأهواء والبدع، بين سائر الفِرَق، ثم ختمها بما عليه أهل السنة من حَثِّهم على فضائل الأخلاق ومحامد الآداب - رحمه الله تعالى- فهذا الكتاب من الكتب النافعة، بل قال بعض العلماء: الذي لم يقرأ كتب ابن تيمية من الواسطية والحموية فإنه في الغالب لا يسلم من البدع، تدخل عليه وهو لا يعلمها، فإذا قرأ كتب هؤلاء السلف الأخيار فإنه ينتفع، فأنا أوصيكم بأن تولوا العقيدة الواسطية اهتمامًا خاصًّا بعد ما تَقَدَّم من كتب الاعتقاد، فإنها تفتح لكم الأبواب والآفاق في هذا الجانب فإنها متن محرَّر جامع محتوٍ على أصول اعتقاد أهل السنة - رحمهم الله تعالى-.
هذا الذي أوصيكم به، مع أَخْذِكم بما ذُكِر تجتنبون أهل الأهواء والبدع، والمتكلم فيهم، والمطعون فيهم بالانحراف الكامل أو بشيءٍ منه، فإن مقاربة أهل الأهواء أو أهل الانحراف ضلالٌ وانحراف - نعوذ بالله- فإنه لا ينفع اقترابك من المنحرف، لا ينتفع هو، ولا تظن أنك تنفعه، إن أردت نفعه أسدي له النصيحة، لكن تخالطه أسدي له النصيحة، ببيان الباطل الذي هو عليه، تحذيرك إيَّاه منه، فإن هذا هو الشَّفَقَة عليه، لكن أن يكون جليسك، وقعيدك، وأكيلك، وشريبك، وصحيبك، ومُداخلك، لا ينبغي هذا لأنه في الغالب هو الذي يَجرّك إلى الباطل.
وما ينفع الجرباء قُرْبَ صحيحةٍ إليها ولكن الصحيحةَ تجرَبُ
فأنتَ تُلاطفه وتُشْفِق عليه، ورُبَّما سكت أحيانًا تلطُّفًا به، لكن هو لا يسكت، يُلْقي عليك الشبهة، فشبهةً، وشبهةً، فشبهةً حتى تستقرَّ في قلبك، فحينئذٍ يأتيك البلاء أنت، فالصاحب ساحب كما قيل، فلا يكونَّن منكم ركون إلى هؤلاء، لأن السلف قد حَذَّروا من أن يُرْكَن من الذين ظلموا، فتمسكم النار يعني بسبب انحرافكم، إن انحرفتم عن الحق وقعتم في الباطل، فعَرَّضتم أنفسكم للوعيد بمسّ النارِ إياكم ولكم - نسأل الله العافية والسلامة-.
فهذا الذي أنصح به؛ ملازمة أهل السنة بعد الأخذ بالسُّنة، هذا هو الخير والبركة، فإن الذين نَجَوْا في عصور الفتن والأهواء، ما حفظهم الله - تبارك وتعالى- بعد سيرهم وأخذهم بالسُّنة إلَّا بسيرهم في ركاب أهل السُّنة - رحمهم الله تعالى-.