ضمن أسئلة اللقاء المفتوح الأسبوعي لشيخنا عبيد الجابري حفظه الله
عبر موقع ميراث الأنبياء
رأي الشيخ عبيد الجابري
في اثارة أمر العذر بالجهل واختلاف العلماء فيها
السؤال:عبر موقع ميراث الأنبياء
رأي الشيخ عبيد الجابري
في اثارة أمر العذر بالجهل واختلاف العلماء فيها
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الثاني عشر يقول السائل من الجزائر:
هناك أخوة يثيرون مسألة العذر بالجهل، ولا يعترفون باختلاف العلماء فيها، ويرمون الذي يرى العذر بالجهل بأنه من المرجئة ويهجرونهم؛ فهل نصفهم بالحدَّادية ونُحَذِّر منهم؟ علمًا أنهم يستصغرون العلماء ولا يحترمونهم.
الجواب:أولًا:الخلاف في هذه القضية قديم، وليس هو وليد هذا العصر الذي كثرت فيه التوجّهات، وكَثُرَ فيه من يتصَدَّر للفتوى والحكم في القضايا وهو ليسَ أهلًا لها، وهذه المسألة فيها أقوال ثلاثة:
أحدها: عدم العذرِ بالجهلِ مطلقًا.
والثاني: العذر بالجهل مطلقًا.
والثالث: عذر المرء بالجهل فيما يخفى على أمثاله .
فالقول الأول والثاني إفراط؛ لا عذر بالجهل مطلقًا، أو العذر بالجهل مطلقًا، كلاهما على خطأ.
والحقُّ – جلَّ وعلا – بَيَّن ذلك فيه الأدلة على العذر بالجهل بما يخفى على أمثاله؛ قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾؛ ووجه الاستدلال بهذه الآية أنَّ الله – سبحانه وتعالى –رَتَّب الوعيد على من شاقَّ الرسول، واتبع غير سبيل المؤمنين؛ بتَبَيُّنِ الهُدى، يعني قال: ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾؛ ومفهوم ذلك: أنه لو حصل منه مُشَاقَّة للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -، وإتباع لغير سبيل المؤمنين عن جهل؛ أنه لا شيء عليه، معذور.
والآية الثانية: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ﴾؛
فالناس في هذه المسألة قسمان :
· قسمٌ تَبَيَّن لهم الهدى، فهؤلاء اتَّبعوا الشيطان؛ ﴿الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ﴾.
· وقسم لم يَتَبَيَّن له الهدى؛ فهذا لم يُسَمَّى أنه مُسَوَّلٌ له من الشيطان.
والأدلة على هذا كثيرة، وقد أشبعها سماحة العلامة الإمام الفقيه المجتهد شيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – في كتابه النفيس المبارك [القواعد المُثلى]، ولم يأتِ بشيءٍ من عنده، بل كُلَّ ما أتى به مبنيٌّ على الأدلة من الكتاب والسُّنة، فأنصحكم بمراجعته.
ومن السُّنة قضية المُسْتحاضة؛ حمنة بنت أبي جحش قالت: يا رسول الله منعتني الصيام والصلاة، فأخبرها النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأنها تتحيض في علم الله؛ سِتَّة أيام، أو سبعة أيام، ثُمَّ تغتسل، فانظروا في قولها: "منعتني الصوم والصلاة"؛ فهو نصٌّ على أنها لا تصوم ولا تصلي، تظن أنَّ ما أصابها كله حيض، ومع هذا لم يأمرها النبي بقضاء ما تركته لهذا الظن.
ومن السُّنة في هذا؛ قضية المسيء صلاته؛ فإن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أَمَرَهُ أن يعيد الصلاة ثلاثًا، مع أنه يأتي يُصَلَّي ويأتي ويُسَلِّم على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - فيقول: ((ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ))، في المرة الرابعة قال: ((وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي))؛ فَعَلَّمه النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – الصلاة، والحديث في صحيح البخاري وغيره؛ فليراجعه من شاء.
بَقِيَ ما ذكرته من قومك بأنهم يستصغرون العلماء؛ وهذا من أمراض الحدادية، فإن الحدادية لا يكبر في أعينهم شيء إلَّا من هو على منوالهم، فهم غلاة في الحكم على الناس.