خطر القيل والقال
وما يجب مراعاته عند الكلام
«ليس كلُّ ما يُعْلَمُ يُقَالُ، لكلِّ مَقامٍ مقالٌ، ولكلِّ مَقالٍ أهلٌ»
مقطع صوتي ومكتوب لفضيلة الشيخ
د. عبد الله بن عبد الرحيم البخاري
وما يجب مراعاته عند الكلام
«ليس كلُّ ما يُعْلَمُ يُقَالُ، لكلِّ مَقامٍ مقالٌ، ولكلِّ مَقالٍ أهلٌ»
مقطع صوتي ومكتوب لفضيلة الشيخ
د. عبد الله بن عبد الرحيم البخاري
• ملاحظة: استفدتُ هذه المادة من تَوْتَرَةٍ للشيخ أبي زياد خالد باقيس: https://twitter.com/AbuZeiad470/stat...90028095094784
▼ تحميل التسجيل الصوتي للمقطع: http://www.ajurry.com/vb/attachment....4&d=1394349742
ونهيه (صلى الله عليه وسلم) عن القيل والقال إنما المُراد منه الكلام الكثير الذي لا فائدة منه ولا حاجة إليه. معلوم -بارك الله فيكم- أن كثرة الكلام مَضِنَّةٌ لكثرة الخطأ واللَّغط، لذا كان الإنسان المؤمن حريا به أن يُقلل من الكلام ومن كثرته، ويحاسبَ نفسَه، فمن عدَّ كلامَه من عمله قلَّ كلامُه، ستحاسب نفسك أكثر. وقد أخرجَ مسلمٌ في "مقدمة الصحيح" [وحسنه الإمام البغوي وغيره] أن النبيَّ (عليه الصلاة والسلام) قال: "كفى بالمرء كذبا أن يحدِّث بكل ما سمع." ما كل ما تعرف أو تسمع تقوله و تتكلم به، وما هذه الفتن والقلاقل التي تضرب هنا وهناك إلا لكثرة القَالِ، والقِيلِ، وقال، ويقولون، وقلنا. ثم يحملون بعضهم ذلك بقصد أو بغير قصد أنَّ المُراد من هذا الدفاع عن الحق، وهم لا يعلمون أنهم يضرُّون الحقَّ وأهل الحقِّ بهذا الكلام الذي لا خطام له ولا زمام. فغالب هذه الفتن تأتي من أمثال هؤلاء. لا نتكلم عن الكلام المحرَّم، الكلام المحرم ظاهرُ المنع، والكلام السَّاقط ظاهر المنع، نتكلم في الكلام المباح الذي لا فائدةَ منه ولا حاجةَ إليه، هذا الذي يجب أن يُتنبَّه له، فالكلام -بارك.-الله فيك – أحيانًا تكون فيه المصلحة راجحةٌ على مفسدة السكوت، وهنا يلزم -والحالة هذه- الكلام ممن اِحْتِيجَ إلى كلامه، بمعنى أن يكون كلامُه مؤثرًا، ويكونَ لكلامه وقعٌ ولبيانه حُسْنٌ، وهكذا. بعض الناس قد يشغِّب على الناس في قبول الحق بسوء مَنْطِقِه، أصل هذا قول ابن مسعود (رضي الله عنه): "ما أنت مُحدِّث قوم بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة"، و"حدِّثوا الناسَ بما يفهمون، أتريدون أن يُكَذَّبَ اللهُ ورسلوهُ ؟" تكون أنت السبب في التكذيب، لا أنه ردَّ الحق، لكن عَرْضُك للحق ليس على طريقة أهل الحق، بيانُك للحق ليس على طريقة أهل الحقِّ، فتكونَ سببًا في عدم قبول الحق -والعياذ بالله-. ولهذا جاء عن بعضهم: "لا تنشر بَزَّك (أي: علمك) عند من لا يريده"، هذا ليس كتمٌ للعلم إنَّما يُنشَر عند من يريده، ومن يرغب فيه، وبقدره. – والكلام قد تكون فيه مصلحةٌ ولكنَّ المفسدةَ فيه راجحة فالإمساكُ هو الأولى. – وقد تستوي المصلحة والمفسدة فيُنْظَرُ إلى الجانب الأوفرِ حظًّا من حيث الكلام أو من حيث الإمساك، إلى غيرِ ذلك من كلام العلماء وتقريراتهم في أبواب الكلام المتعلقة ببيان الحق. ولهذا في الصحيحين قولُ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم): "من كان يؤمنٌ بالله واليوم الآخرِ فليقلْ خيرًا أو ليصمتْ"، ولهذا -بارك الله فيكم- لما صارَ أنْ تكلمنا مع بعض الإخوة -أصلحنا الله وإياهم- فقال لي: "يا شيخ ! بعضُهم يصفُني بأنني متعجلٌّ، فهل بياني للحقِّ من ضُرُوبِ العَجَلَةِ ؟" فقلت: "ما هكذا يا سعدُ تورد الإبل، لا تفهمْ أنَّ المُرادَ بيان مجرَّد الحق يُعْتَبَرُ من العجلة، لا ! ثَمَّةَ أمورٌ تُحَاطُ بهذا من ذلك: – أن تقولَ الحقَّ عند من لا يعقلُه، ولا يدركُه، ولا يفهمُه، فهذا تُنزِّلُ عليه قولَ عليٍّ- رضي الله عنه-: "حدِّثوا الناسَ بما يفهمون، أتريدون أن يُكَذَّبَ اللهُ ورسولهُ ؟" – كذلك، يجب أنْ تتخيرَ الزمانَ المناسبَ، فليس كُلُّ ما يُعلَمُ يُقَالُ، ولكل مقامٍ مقالٌ ولكل مقالٍ أهلٌ. – أيضا، من ضمن ذلك أن المرء قد يحدث بالكلام في وقته وعند من يعقله لكن -بارك الله فيك- لم يراع جملة من الأمور في المصلحة، هل المصلحة راجحة أو المفسدة راجحة، وغير ذلك. فهناك أمور -بارك الله فيكم- تُحاط بمثل هذا، ليس كل ما يُعلَم يُقالَ. [قال أبو هريرة (رضي الله عنه)]: "حفظتُ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) جِرَابَيْنِ، جِرَابٌ بثَثْتُه وآخرُ أمسكتُه، ولو حَدَّثْتٌ به لقُطِعَ هذ البلعوم"، وإنما حَدَّثَ به (أي: أبو هريرة -رضي الله عنه-) قبل موته تَأَثُّمًا. إذن -بارك الله فيكم- القلاقلُ، والقيل، والقال هذا سببها. وما يُحْتَاجُ أن أدللَ فالكل معاصرٌ، ومعايشٌ لهذه القلاقلَ، ولهذه الفتنِ. ويأتيك زيدٌ من الناس يقول: "يجب أن تبيِّن لي الآن، أليس هذا من كتم الحق ؟ ما يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة !"، [أقول] ليس هذا من تأخير البيان، لكن البيانَ يجب أن يقعَ في وقته، وعند أهله ليصادفَ محلًّا قابلًا، فأصلح الله الجميع. ولما وقعت الناس في هذا النهي كَثْرَتِ الفتن. كان [النبي صلى الله عليه وسلم] ينهى عن قيل وقال. والإمام ابن القيم له كلامٌ نفيسٌ في "الفوائد"، راجعوه في مسألة اجتماع الإخوة، كيف إذا ما اجتمع بعضهم مع بعض، وتناولوا أطراف الحديث ؛ اجتماع الطَّاعة وما فيه من المآخذِ[*]. ويجب على الإنسان أن يحتاطَ من أن يقعَ في هذه المزالق. والله المستعان. ولهذا قال مالكٌ -رضي الله عنه- "إنَّ الذي يُفْتِي الناسَ في كل ما يسألونه لمجنونٌ". يجب أن تحتاط -بارك الله فيك-، وأنَّ الفتوى لها ضوابطها، ولها أصولها، ولها قانونها، ولهذا ألَّف العلماءٌ "أدب المفتي والمستفتي" -بارك الله فيكم.- _______________________________ [*] قال بن القيم (رحمه الله) في كتاب "الفوائد": «أقسام الاجتماع بالإخوان: – أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطمع وشغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه يفسد القلب ويضيع الوقت. – ثانيهما: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق، والصبر. فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها. ولكن فيه ثلاث آفات: • الأولى: تزين بعضهم لبعض. • الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة. • الثالثة: أن يصير ذلك شهوة، وعادة ينقطع بها عن المقصود. وبالجملة فالاجتماع، والخلطة لقاحٌ إما للنفس الأمارة، وإما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح، فمن طاب لقاحه طابت ثمرته، وهكذا الأرواح الطيبة لقاحها من المَلَكِ، والخبيثة لقاحها من الشيطان. وقد جعل الله سبحانه برحمته الطيبات للطيبين، والطيبين للطيبات، وعكس ذلك. |
أبو محمد فريد القبائلي
صباح يوم الأحد 8 جمادى الأولى 1435هـ