كيف يتوب المبتدع
قال الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله : وهذا مهم عندما يتوب مبتدع ;
خاصّة إذا كان من أهل الدعوة إلى بدعته ,لأنّه رُبّما انتقل ممّا كان يدعو إليه من البدعة إلى بدعةٍ هي أخفّ, فيقارب أهل السنّة شيئًا, فيُخدَعُ أهل السنّة به ويفرحون به ويُقَرّبونه مع أنّه يطعن فيهم ويقول بضدّ كَثيرٍ من مقالات أهل السنّة ,
كأن يكون رجلٌ مثلًا في هذا العصر يقول بالخروج وبحلّ التّظاهر والإعتصام والعصيان ودخول الإنتخابات والأخذ بالدّيمقراطيّة وما أشبه, ثُمّ هو يُحارِبُ أهل السّنّة ويطعن في شيوخهم ويحمل على كثيرٍ ممّا يذهبون إليه من مُعتقداتهم المُؤسّسة على كتاب الله وسُنّة رسوله بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان, فيفرح به أهل السّنّة ظاهِرًا عندما يقول إنّه أعلن خطأه فيما كان يراه قبل من جواز الخروج وما أشبه وأنّه تائبٌ إلى الله من ذلك وقد رجع إلى قول أهل السّنّة فيه, فيفرح أهل السّنّة به ويُقرّبونه ويجعلونه رُبّما إمامًا لهم, مع أنّه مازال على كثيرٍ من إنحرافه وقد يكون رُجُوعهُ نوعًا من أنواع الخداع , فَيَخدَعُ أهلَ السّنّة حتّى يُقَرّبوه, فإذا قَرّبوه أعلن ما هو عليه من مخالفته لأهل السّنّة, فيقع الطّلّاب من أهل السّنّة في حيرة ويتمزّق الصّفّ, والأمر يَسير.
أيُّ مُبتدع, عندما يتوب من بدعته فإنّه يتوب إلى الله لا يتوب إلينا, فمن كان مُبتَدِعًا وأراد أن يتوب وقد عرَفَ الحقّ فعليه أن يَظهَرَ بذلك و أن يُعلِنَهُ في كُلّ موضِعٍ كان يدعو فيه إلى بدعته وأن يُعلِنَ مُوَالاته لأهل السّنّة وبراءته من أهل البدع, فيُبَيّنُ ويُصلِح, فإذا ما ظهر ذلك منه وبان صِدقُهُ على قوله وفعلِه واشتَهَرَ عنهُ وعُرِفَ به فحينئذ لا بأس أن يكون بين أهل السّنّة ومعهم, وكما ترى في هذا الرّجل وكان من أهل العِلم وهو محمّد بن شُجاع الثّلجِيّ, كان من فُقهاء العراق في وقتِه, قال فيه أحمد :" مُبتدعٌ صاحِبُ هَوَى" وكَذّبه الحافظ أبو الفتح الأَسْدِيّ :"وقال لا تَحِلّ الرّواية عنه لسوء مذهبه وزيغهِ عن الدّين ومات ابن الثّلجِيّ سنة سِتٍّ وخمسين ومائتين, كان تِلميذًا لبِشر وكانوا يُسَمّونهُ :" تُرْسَ الجَهمِيّة " ثُمّ أظهر التّوبة من صُحبَة المَرِيسِيّ ثُمّ أظهَرَ الوقف, عَرَفَ الأئمّة حالَهُ, فلم يقبل الإمام أحمد وسائرُ أهل السّنّة هذه التّوبة لأنّها توبة غير صحيحة, لأنّهُ كان يُعادي أهل السّنّة, تأمّل "يُعادي أهل السّنّة" ويكذبُ عليهم حتّى كذب عن الإمام أحمد غير مرّة, فلا تُخدَعو يا أهل السّنّة بادّعاءِ من يَدّعي أنّهُ قد تاب من بِدعَتِه وعادَ إلى الجادّة المُستَقِيمة حتّى يُبَيّن ذلك, من انحَرَفَ عن القصد وأراد أن يعود فماذا يفعل?
أهل السّنّة في طريقهم على الصّراط المُستقيم بفضل ربّهِم, من انحَرَفَ خارِجًا ثُمّ أراد أن يكون معهُم , أيخرُجُون هُم إليه أم يعود هوَ إليهِم إلى الصّراط المُستقيم, فإذا عاد عن انحرافه إلى الصّراط المُستقيم التقى أهل السّنّة عليه, والأمرُ يسير ;
من انحرف وزاغ ثُمّ أراد أن يتوب فإنّه لا يتوب إلينا ;
من أراد أن يتوب إلى الحقّ وأن يرجِع إلى السّنّة, فإنّه لا يتوب إلى أهل السّنّة إنّما يتوب إلى الله ;
وتوبة المُبتَدِع لها شرُوط : ينبغي عليه أن يُبَيّن وأن يُصلِح وأن يَجهَرَ بضِدِّ ما كان عليه في المجامِعِ وعلى رؤوس المنابِر وأن يُعلِنَ خطأهُ وبِدعتَهُ الّتي كان عليها وأن يتَبَرَّأَ مِنها وأن يُوالي أهل السّنّة , هذه شروط توبة المُبتدع وهي معروفة ومُفصلة عند العُلماء وتجِدُها في دَعائم المِنهاج , فإذًا لا نُخدَع لأنّ كثيرًا من طُلّاب العِلم من أهل السّنّة يُخدَعون , فُلانٌ من رُؤوس أهل البدع وقد أعلن بالأمس كذا وكذا , وأيّ شيء في هذا , وكم ***(كلام غير مفهوم)**** سياسة ,تَقيّة, لتحصيل دُنيا ,لدفع ضرر , من أجل أن يَلُمّ شتات من كان عِندَهُ من الطّلّاب ... إلى غير ذلك من هذه الأمور, لانحتاج إلى هذا بل عليه أن يُبيّن وأن يُوضّح وكثيرٌ منهُم يقول , إنّهُ يُريدُ أن يَذهب إلى فُلان وفُلان لا يُرِيدُ أن يَلقَاه, فيُشَنِّعُ على فُلَانٍ هذا بأنّهُ لا يُرِيدُ أن يُجالِسَهُ ولا أن يَسمَعَ مِنهُ, وهذا حقّ, ولا يسمع من المُبتدِع ولا يُجالِسُهُ ولا يُناضِرُهُ ولا يُجادِلُهُ;
فما المَطلُوب ?
المطلُوب أن تتوب .
تُب من بِدعَتِك وأعلِن بَراءتك من البدع وأهلها وَوالي أهل السّنّة وأعلن ذلك في المجامِع وعلى رؤوس الأشهاد في المحافِلِ وحينئذ تكون قد عُدتَ من الطّريق الّذي انحرفت إليه إلى الجادّة المُستقيمة فتلقى إخوانك من أهل السّنّة على الطّريق وتنتهي المسألة .
الإمام أحمد لم يقبل ولا سائرُ أهل السّنّة توبَة ابن الثّلجيّ لأنّها توبة غيرُ صحيحة, كان يُعادي أهل السّنّة ويكذبُ عليهِم حتّى كذب على الإمام أحمد غير مرّة ,
مذهبه في القرآن أنّه كلام الله, فابن الثّلجيّ كان يقول :"القرآن كلام الله" وهو مُحدَثٌ كان بعد أن لم يكن وبالله كان وهو الّذي أحدثــه ,وامتنع من إطلاق القول بأنّه مخلوق أو غير مخلوق ;
كان قبل يقول القرآن مخلوق ,ثمّ تاب, فقال القرآن كلام الله ولا أقول مخلوق أو غير مخلوق ,
===> لا يُقبلُ منه ;
أنت كُنت تقول القرآن مخلوق فلا يقبل منك حتى تقول "القرآن كلام الله غير مخلوق" فهذا ضدّ ما كُنت عليه من البدعة وإلّا فهذه توبة مدخولة ولذلك لم يقبلها العلماء وأمر الإمام أحمد بهجرِه .
قال المرّوذِيّ : قال لي أبو عبد الله : جاءني هارون الحمّال وقال :إنّ ابن الثّلّاج تاب من محبّة المَرِيسيّ اجيءُ بهِ إليك , قال : قُلت :لا .
(تاب ! ) اجيءُ بهِ إليك ,قال: لا , ما أُريد أن يراهُ أحد على بابي .
قال : أُحبّ أن أجيء به بين المغرب والعشاء ,(يعني في وقت لا يراه أحد) .
فلم يزل يطلُبُ إليه , قال : قلت هو ذا يقول أحبّ, فأيّ شيء أقول لك ,(كأنّما وقع في الحرج رحمه الله )
قال فأيّ شيء أقول لك : ائْتِ به .
فأذن له بمجيئه بابن الثّلجيّ بين المغرب والعشاء, قال: فجاء به, فقلت له (يقول الإمام أحمد :فقلت له ): إذهب حتّى تصحّ توبتك وأظهِرها ثمّ ارجِع !
(هذا هو ): إذهب حتّى تصحّ توبتك وأظهِرها ثمّ ارجِع ! ;
قال : فبلغنا أنّه أظهر الوقف, (فتفرّس فيه الإمام فراسة المؤمن, فعلم أنّهُ غيرُ صادق .)
قال : إذهب حتّى تصحّ توبتك وأظهِرها ثمّ ارجِع فبلغنا أنّه أظهر الوقف ;
قال المرّوذيُّ : فمضيتُ ومعي نفسان من أصحابنا فقلت له, قد بلغني عنك شيء ولم أُصدّق به ;
قال : وما هو ?
قلت : تقف في القرآن ;
قال : أنا أقول كلام الله ;
فجعل يحتجّ بيحي بن أدم وغيرِهِ أنّهم وقفوا, ثمّ قال : إنّما كلام الله كما أقول أسماء الله ,فإنّه من الله, ثمّ قال: وأيّ شيء قام به أحمد بن حنبل ?
ثمّ قال: علّمُوكم الكلام, وأومَأ إلى ناحية الكرخ يُريد أبا ثَوْرٍ وغيره فقمنا من عنده, فما كلّمناه حتّى مات .
هذا الّذي كان يريد أن يذهب إلى الإمام أحمد, أخذ يطعن في الإمام أحمد, يقول: أيُّ شيء قام به أحمد بن حنبل? (ما الّذي فعل ? , لم يفعل شيئًا ) ثمّ قال علّموكم الكلام وأوممأ إلى ناحية الكرخ يريد أبا ثور وغَيرَه فقمنا من عنده فما كلّمناه حتى مات .
الإمام بن بطّة رحمه الله تعالى ذكر نصوصًا قد قرأناها قبل عن السّلف رحمهم الله في أنّ الواقفة شرّ من الجهميّة وأنّهم شُكّاكٌ يستَتِرُونَ بالوقفِ ويخدعون النّاس ,لأنّهم إذا وقفوا لم يعرِف النّاسُ مذهبهم فيستميلون العامّة بهذا القول فيقولون: القرآن كلام الله , لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق;, يستميلون العامّة وأمّا الجهميّة الّذين يقولون بخلق القرآن فهؤلاء قد بان أمرهم وعرفهم النّاس فاجتنبوهم فهم شرٌّ من الجهميّة الّذين يقولون بخلق القرآن .
نسأل الله عزّ وجلّ أن يعفوَ عنّا أجمعين ....