(المهدي) والتحذير من تلبيس أهل الأهواء
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
إن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً يقتضي أن يصدق المسلم بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الغيب سواء فيما يتعلق بالحوادث الماضية أو ما يتعلق بالأمور المستقبلة.
لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى) والله عز وجل هو وحدَه عالمُ الغيب لا شريك له في علم الغيب ولكنه يطلع من يشاء من رسله على بعض الغيب حتى يكون دليلاً على صدق نبوته ورسالته.
قال تعالى مقرراً تفرده بعلم الغيب (قل لا يعلم من في السموات والأرضِ الغيبَ إلا الله) وقال تعالى (عالم الغيب والشهادة) وقال تعالى في بيان أنه يطلع رسله على ما يشاء أن يطلعهم عليه من أمر الغيب (عالمُ الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)
فإذا ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه الإخبار بشيء من أمر الغيب فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يصدق به تصديقاً جازما ولا يكون في نفسه حرج منه ولا تردد ولا معارضة لسنته صلى الله عليه وسلم بالآراء والخيالات والأوهام والشكوك.
وإن مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما سيكون في آخر الزمان قبل قيام الساعة خروج رجل من أهل بيته يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم ويوافق اسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم أي أن اسمه محمد بن عبد الله يلقب بالمهدي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا .
ومما جاء في شأنه في السنة النبوية حديث أبي سعيد الخدري قال : (قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : أبشركم بالمهدي . يبعث على اختلاف من الناس ، وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحاً . قال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال : بالسوية ) الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات .
و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع تنعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها ترسل السماء عليهم مدراراً ولا تدخر الأرض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل يقول يا مهدي أعطني فيقول خذ. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات
وعن عبد اللّه بن مسعود ، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول اللّه ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» الحديث أشار إلى صحته ابن القيم في المنار المنيف ، وصححه ابن تيمية وحسنه الألباني
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ( المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين) .قال ابن القيم في المنار المنيف : رواه أبو داود بإسناد جيد. وحسنه الألباني
و عن أم سلمة قالت : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : "المهدي من عترتي من ولد فاطمة" أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه السيوطي والألباني
وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة) . رواه ابن ماجه وصححه الألباني
وعن علي رضي الله عنه أنه نظر إلى ابنه الحسن فقال (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخَلْق ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا .. ) أخرجه أبو داود وصححه ابن تيمية في منهاج السنة.
وسيكون خروجه في آخر الزمان وجاء في الصحيح الإشارة إلى أنه يصلي بعيسى بن مريم عند نزوله إلى الأرض روى البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال : (قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم؟ ). وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الأمة) . وقد نص جمع من أهل العلم على أن المقصود به المهدي تفسيراً للسنة بعضها ببعض.
ومما يجدر التنبيه عليه في مسألة المهدي ما يلي:
أولاً: وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة منها الصحيح ومنها الضعيف ومنها الموضوع المكذوب والمرجع في التمييز بين ما يثبت وما لا يثبت إلى أهل العلم بالحديث.
ثانيا: طعن بعض مرضى القلوب في أحاديث المهدي وأنكروا ثبوتها فخالفوا علماء السنة الذين أثبتوا أحاديث المهدي وآمنوا بمقتضاها على ضوء ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في شأنه فمن سلك سبيل أهل العلم فقد اهتدى ومن سلك سبيل أهل البدع في إنكاره فقد ضل عن سواء السبيل.
ثالثاً: اتخذ بعض الناس أحاديث المهدي حيلة يلبسون بها على سفهاء العقول ناقصي العلم فإذا صار لأحد منهم مطمع سياسي ادعى أنه المهدي وجمع حوله الرعاع وأصحاب الأهواء وخرج على الناس يضربهم بسيفه طلباً للدنيا ورئاستها وقد حصل هذا كثيراً في تاريخ الإسلام قديماً وحديثاً وما حادثة الحرم التي وقعت في مطلع عام ألف وأربعمائة عنكم ببعيد.
إن أحاديث المهدي من أمر الغيب ولا تنزل على أحد بعينه إلا إذا تحققت فيه الصفات التي جاءت بها النصوص ومنها أن يكون من آل البيت من ولد فاطمة من ولد الحسن بن علي اسمه محمد بن عبد الله يمن الله به على الأمة بعد أن تملأَ الأرضُ جوراً وظلما فيملأها عدلاً وقسطاً ويفيض في زمانه الرخاء والغنى والنعيم وعلى قول من فسر أحاديث الصحيحين في أنه الإمام الذي يصلي بعيسى فإنه يخرج في زمانه الدجال وينزل في زمانه عيسى بن مريم عليه السلام فإذا تحققت هذه الصفات فيه علم أنه المهدي المبشر به وإلا فلا.
لقد ادعى المهدوية دجالون كثير ولا زال الادعاء قائماً إلى وقتنا هذا ومما يؤسف له أن كل كذاب منهم يجد له أتباعاً وأنصاراً إما بجهل وإما بسوء قصد.
وقضية المهدي في هذه الأزمان صار لها حضور كثير في أذهان كثير من الناس فهذا أحد مفسري الرؤى والأحلام يبشر الناس بأن المهدي قد ولد، وهذا ينشر الإشاعات بأن فلاناً هو المهدي، وذاك يلمح بأن الحركة الفلانية هي التي ستنصر المهدي وأمثال هذه الدعايات الكاذبة التي لا يراد من ورائها إلا اللعبُ بالمشاعر والعواطف وتكثير الأنصار والتحايل على الهمج الرعاع حتى يستخدمونهم لتحقيق مآربهم والتي تهدف إلى الانقلابات والثورات وسفك الدماء والوصول إلى الحكم تحت ستار الدين.
أيها الإخوة في الله:
إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المهدي لا يخرج إلا بعد أن تملأَ الأرضُ جوراً وظلماً فهل هذا الزمان ينطبق عليه هذا الوصف تماماً نعم يوجد في الأرض جور وظلم كثر ولكن هل امتلأت به الأرض حتى لم يعد فيها مكان للعدل أبداً إنك إذا قلت امتلأ الإناء فمعناه أنه لم يبق فيه مكان فارغ هذا معنى الامتلاء ونحن لا نزال نرى في الأرض خيراً كثيرا والحمد لله وانظروا إلى بلدنا هذا فالدين فيه ظاهر والشعائر مقامة والحدود منفذة وانظر إلى العالم الإسلامي تجد تعلق كثير من المسلمين بدينهم وحفاظهم على شعائره مع وجود كثير من المغريات والفتن والصوارف.
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم (يصلحه الله في ليلة) أي أن الله تعالى يتولى إصلاح شأن هذا الرجل في ليلة وهؤلاء المدعون أنهم هم أو الذين يدعى لهم تجدهم يمضون السنين في فتن ومحن يتجرعها المسلمون منهم ثم لا يستتب لهم أمر ولا يصلح لهم حال.
ثم إن المهدي لا يكون مهدياً إلا إذا استقام على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهل من ادعى أنه المهدي وهو يكفر أهل التوحيد ويستحل دماء المسلمين ويسفك دماء المعصومين ويكذب ويخون ويخرج على ولاة أمر المسلمين هل يصلح مَنْ هذا حاله أن يكون مهدياً لا والله ولكنه خارجي يستحق القتل في شريعة الله عن عرفجة قال سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول « من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه » رواه مسلم.
عباد الله: إن الله عز وجل لم يكلفنا بأن نبحث وننقب عن المهدي ونتخرص الظنون أن فلاناً هو المهدي ولكن كلفنا بالاستقامة على شرعه والدعوة إلى سبيله تعالى على بصيرة وأن نثبت على ذلك إلى يوم نلقاه فاستقيموا على السنة وجانبوا أهل البدعة واحذروا مضلات الفتن
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
اتقوا الله عباد الله واعلموا أن عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي تختلف عن عقيدة الرافضة فيه فهم يعتقدون أن اسمه محمد بن الحسن العسكري ويعتقدون أنه قد ولد وأنه موجود ولكنه اختفى في السرداب قبل ألف ومائتي سنة تقريباً ولا زالوا ينتظرونه إلى يومنا هذا ولهذا يسمونه المهدي المنتظر أي الذي ينتظرون خروجه من السرداب وإذا ذكروه في كتبهم قالوا (عج) أي عجل الله فرجه ومخرجه وليس في الأحاديث وصفه بالمنتظر فلا ينبغي لأهل السنة أن يشابهوا الرافضة في وصف المهدي بالمنتظر وقد نبه على هذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ أحمد النجمي شفاه الله
ويعتقدون أنه إذا خرج فإنه سيقتل أهل السنة بل سيقتل أبا بكر وعمر ويقيم على عائشة الحد وأنه يحكم بالزبور إلى غير ذلك من الأكاذيب والترهات التي اخترعوها واختلقوها من عند أنفسهم.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يبصرهم بدينهم وأن يصرف عنهم دعاة السوء والضلالة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...
أما بعد:
إن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً يقتضي أن يصدق المسلم بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الغيب سواء فيما يتعلق بالحوادث الماضية أو ما يتعلق بالأمور المستقبلة.
لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى) والله عز وجل هو وحدَه عالمُ الغيب لا شريك له في علم الغيب ولكنه يطلع من يشاء من رسله على بعض الغيب حتى يكون دليلاً على صدق نبوته ورسالته.
قال تعالى مقرراً تفرده بعلم الغيب (قل لا يعلم من في السموات والأرضِ الغيبَ إلا الله) وقال تعالى (عالم الغيب والشهادة) وقال تعالى في بيان أنه يطلع رسله على ما يشاء أن يطلعهم عليه من أمر الغيب (عالمُ الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)
فإذا ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه الإخبار بشيء من أمر الغيب فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يصدق به تصديقاً جازما ولا يكون في نفسه حرج منه ولا تردد ولا معارضة لسنته صلى الله عليه وسلم بالآراء والخيالات والأوهام والشكوك.
وإن مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما سيكون في آخر الزمان قبل قيام الساعة خروج رجل من أهل بيته يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم ويوافق اسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم أي أن اسمه محمد بن عبد الله يلقب بالمهدي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا .
ومما جاء في شأنه في السنة النبوية حديث أبي سعيد الخدري قال : (قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : أبشركم بالمهدي . يبعث على اختلاف من الناس ، وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحاً . قال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال : بالسوية ) الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات .
و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع تنعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها ترسل السماء عليهم مدراراً ولا تدخر الأرض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل يقول يا مهدي أعطني فيقول خذ. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات
وعن عبد اللّه بن مسعود ، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول اللّه ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» الحديث أشار إلى صحته ابن القيم في المنار المنيف ، وصححه ابن تيمية وحسنه الألباني
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ( المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين) .قال ابن القيم في المنار المنيف : رواه أبو داود بإسناد جيد. وحسنه الألباني
و عن أم سلمة قالت : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : "المهدي من عترتي من ولد فاطمة" أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه السيوطي والألباني
وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة) . رواه ابن ماجه وصححه الألباني
وعن علي رضي الله عنه أنه نظر إلى ابنه الحسن فقال (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخَلْق ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا .. ) أخرجه أبو داود وصححه ابن تيمية في منهاج السنة.
وسيكون خروجه في آخر الزمان وجاء في الصحيح الإشارة إلى أنه يصلي بعيسى بن مريم عند نزوله إلى الأرض روى البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال : (قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم؟ ). وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الأمة) . وقد نص جمع من أهل العلم على أن المقصود به المهدي تفسيراً للسنة بعضها ببعض.
ومما يجدر التنبيه عليه في مسألة المهدي ما يلي:
أولاً: وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة منها الصحيح ومنها الضعيف ومنها الموضوع المكذوب والمرجع في التمييز بين ما يثبت وما لا يثبت إلى أهل العلم بالحديث.
ثانيا: طعن بعض مرضى القلوب في أحاديث المهدي وأنكروا ثبوتها فخالفوا علماء السنة الذين أثبتوا أحاديث المهدي وآمنوا بمقتضاها على ضوء ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في شأنه فمن سلك سبيل أهل العلم فقد اهتدى ومن سلك سبيل أهل البدع في إنكاره فقد ضل عن سواء السبيل.
ثالثاً: اتخذ بعض الناس أحاديث المهدي حيلة يلبسون بها على سفهاء العقول ناقصي العلم فإذا صار لأحد منهم مطمع سياسي ادعى أنه المهدي وجمع حوله الرعاع وأصحاب الأهواء وخرج على الناس يضربهم بسيفه طلباً للدنيا ورئاستها وقد حصل هذا كثيراً في تاريخ الإسلام قديماً وحديثاً وما حادثة الحرم التي وقعت في مطلع عام ألف وأربعمائة عنكم ببعيد.
إن أحاديث المهدي من أمر الغيب ولا تنزل على أحد بعينه إلا إذا تحققت فيه الصفات التي جاءت بها النصوص ومنها أن يكون من آل البيت من ولد فاطمة من ولد الحسن بن علي اسمه محمد بن عبد الله يمن الله به على الأمة بعد أن تملأَ الأرضُ جوراً وظلما فيملأها عدلاً وقسطاً ويفيض في زمانه الرخاء والغنى والنعيم وعلى قول من فسر أحاديث الصحيحين في أنه الإمام الذي يصلي بعيسى فإنه يخرج في زمانه الدجال وينزل في زمانه عيسى بن مريم عليه السلام فإذا تحققت هذه الصفات فيه علم أنه المهدي المبشر به وإلا فلا.
لقد ادعى المهدوية دجالون كثير ولا زال الادعاء قائماً إلى وقتنا هذا ومما يؤسف له أن كل كذاب منهم يجد له أتباعاً وأنصاراً إما بجهل وإما بسوء قصد.
وقضية المهدي في هذه الأزمان صار لها حضور كثير في أذهان كثير من الناس فهذا أحد مفسري الرؤى والأحلام يبشر الناس بأن المهدي قد ولد، وهذا ينشر الإشاعات بأن فلاناً هو المهدي، وذاك يلمح بأن الحركة الفلانية هي التي ستنصر المهدي وأمثال هذه الدعايات الكاذبة التي لا يراد من ورائها إلا اللعبُ بالمشاعر والعواطف وتكثير الأنصار والتحايل على الهمج الرعاع حتى يستخدمونهم لتحقيق مآربهم والتي تهدف إلى الانقلابات والثورات وسفك الدماء والوصول إلى الحكم تحت ستار الدين.
أيها الإخوة في الله:
إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المهدي لا يخرج إلا بعد أن تملأَ الأرضُ جوراً وظلماً فهل هذا الزمان ينطبق عليه هذا الوصف تماماً نعم يوجد في الأرض جور وظلم كثر ولكن هل امتلأت به الأرض حتى لم يعد فيها مكان للعدل أبداً إنك إذا قلت امتلأ الإناء فمعناه أنه لم يبق فيه مكان فارغ هذا معنى الامتلاء ونحن لا نزال نرى في الأرض خيراً كثيرا والحمد لله وانظروا إلى بلدنا هذا فالدين فيه ظاهر والشعائر مقامة والحدود منفذة وانظر إلى العالم الإسلامي تجد تعلق كثير من المسلمين بدينهم وحفاظهم على شعائره مع وجود كثير من المغريات والفتن والصوارف.
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم (يصلحه الله في ليلة) أي أن الله تعالى يتولى إصلاح شأن هذا الرجل في ليلة وهؤلاء المدعون أنهم هم أو الذين يدعى لهم تجدهم يمضون السنين في فتن ومحن يتجرعها المسلمون منهم ثم لا يستتب لهم أمر ولا يصلح لهم حال.
ثم إن المهدي لا يكون مهدياً إلا إذا استقام على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهل من ادعى أنه المهدي وهو يكفر أهل التوحيد ويستحل دماء المسلمين ويسفك دماء المعصومين ويكذب ويخون ويخرج على ولاة أمر المسلمين هل يصلح مَنْ هذا حاله أن يكون مهدياً لا والله ولكنه خارجي يستحق القتل في شريعة الله عن عرفجة قال سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول « من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه » رواه مسلم.
عباد الله: إن الله عز وجل لم يكلفنا بأن نبحث وننقب عن المهدي ونتخرص الظنون أن فلاناً هو المهدي ولكن كلفنا بالاستقامة على شرعه والدعوة إلى سبيله تعالى على بصيرة وأن نثبت على ذلك إلى يوم نلقاه فاستقيموا على السنة وجانبوا أهل البدعة واحذروا مضلات الفتن
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
اتقوا الله عباد الله واعلموا أن عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي تختلف عن عقيدة الرافضة فيه فهم يعتقدون أن اسمه محمد بن الحسن العسكري ويعتقدون أنه قد ولد وأنه موجود ولكنه اختفى في السرداب قبل ألف ومائتي سنة تقريباً ولا زالوا ينتظرونه إلى يومنا هذا ولهذا يسمونه المهدي المنتظر أي الذي ينتظرون خروجه من السرداب وإذا ذكروه في كتبهم قالوا (عج) أي عجل الله فرجه ومخرجه وليس في الأحاديث وصفه بالمنتظر فلا ينبغي لأهل السنة أن يشابهوا الرافضة في وصف المهدي بالمنتظر وقد نبه على هذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ أحمد النجمي شفاه الله
ويعتقدون أنه إذا خرج فإنه سيقتل أهل السنة بل سيقتل أبا بكر وعمر ويقيم على عائشة الحد وأنه يحكم بالزبور إلى غير ذلك من الأكاذيب والترهات التي اخترعوها واختلقوها من عند أنفسهم.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يبصرهم بدينهم وأن يصرف عنهم دعاة السوء والضلالة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...