بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُئل فضيلة الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – : الدعوة السلفية نسبة إلى ماذا ؟
فأجاب رحمه الله : السلفية نسبة إلى السلف ، فيجب أن نعرف من هم السلف إذا أطلق عند علماء المسلمين ” السلف ” ، وبالتالي تفهم هذه النسبة ، وما وزنها في معناها وفي دلالتها ، السلف هم أهل القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية ، في الحديث الصحيح المتواتر المخرّج في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ” هؤلاء القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية ، فالسلفية تنتمي إلى هذا السلف ، والسلفيون ينتمون إلى هؤلاء السلف ، إذا عرفنا معنى السلف والسلفية ، حينئذٍ أقول أمرين اثنين :
الأمر الأول : أن هذه النسبة ليست نسبة إلى شخص أو أشخاص كما هي نسب جماعات أخرى موجودة اليوم على الأرض الإسلامية ، هذه ليست نسبة إلى شخص ولا إلى عشرات الأشخاص ، بل هذه النسبة هي نسبة إلى العصمة ، ذلك لأن السلف الصالح يستحيل أن يجمعوا على ضلالة ، وبخلاف ذلك الخلف ، الخلف لم يأت في الشرع ثناء عليهم ، بل جاء الذم في جماهيرهم ، وذلك في تمام الحديث السابق ، حيث قال النبي عليه السلام : ثم يأتي من بعدهم أقوام يشهدون ولا يستشهدون إلى آخر الحديث ” ، كما أشار عليه السلام إلى ذلك في حديث آخر ، فيه مدح لطائفة من المسلمين وذم لجماهيرهم بمفهوم الحديث ، حيث قال عليه السلام : “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله – أو حتى تقوم الساعة -” هذا الحديث خص المدح في آخر الزمان بطائفة ، والطائفة هي الجماعة القليلة ، فهي في اللغة تطلق على الفرد فما فوق ، فإذن إذا عرفنا هذا المعنى للسلفية ، وأنها تنتمي إلى جماعة السلف الصالح ، وأنهم العصمة فيما إذا تمسك المسلم بما كان عليه هؤلاء السلف الصالح ، حينئذٍ يأتيالأمر الثاني ، الذي أشرت إليه آنفاً . ألا وهو : أن كل مسلم يعرف حينذاك هذه النسبة ، وما ترمي إليه من العصمة ، فيستحيل عليه بعد هذا العلم والبيان أن – لا أقول : ” أن يتبرأ ” هذا أمر بدهي – لكني أقول : يستحيل عليه إلا أن يكون سلفياً ، لأننا فهمنا أن الانتساب إلى السلفية يعني الانتساب إلى العصمة ، من أين أخذنا هذه العصمة ، نحن نأخذها من حديث يستدل به بعض الخلف على خلاف الحق ، يستدلون به على الاحتجاج بالأخذ بالآخرية مما عليه جماهير الخلف ، حينما يأتون بقوله عليه السلام : ” لا تجتمع أمتي على ضلالة ” لا يمكن تطبيقها على واقع المسلمين اليوم ، وهذا أمر يعرفه كل دارس لهذا الواقع السيء ، يضاف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة التي جاءت مبينة لما وقع فيمن قبلنا من اليهود والنصارى ، وفيما سيقع للمسلمين بعد الرسول عليه السلام من التفرق ، فقال عليه السلام : ” افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستختلف – أو ستتفرق – أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ” قالوا : ” من هي يا رسول الله ؟ ” قال : ” هي الجماعة ” ، هذه الجماعة هي جماعة الرسول عليه السلام هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق لأبي هريرة ، أن المقصود في هذا الحديث هم الصحابة أو الذين حكم رسول الله عليه السلام بأنهم هم الفرقة الناجية ، ومن سلك سبيلهم ومن نحا نحوهم ، وهؤلاء السلف الصالح هم الذين حذّرنا ربنا عز وجل في القرآن الكريم من مخالفتهم ، ومن سلوك سبيل غير سبيلهم ، لقوله عز وجل ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً﴾ .. أنا لفتُّ نظر إخواننا في كثير من المناسبات إلى حكمة عطف ربنا عز وجل في قوله في الآية ﴿ ويتبع غير سبيل المؤمنين ﴾ على مشاققة الرسول عليه السلام ، ما الحكمة من ذلك ؟ مع أن الآية لو كانت بحذف هذه الجملة ، لو كانت كما يأتي : ” ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ” لكانت كافية في التحذير وتأنيب من يشاقق الرسول عليه السلام ، والحكم عليه بمصيره السيء ، لم تكن الآية هكذا ، وإنما أضافت إلى ذلك قوله عز وجل ” ويتبع غير سبيل المؤمنين ” هل هذا عبث ؟ حاشى لكلام الله عز وجل ، أي من سلك غير سبيل الصحابة الذين هم العصمة في تعبيرنا السابق ، وهم الجماعة التي شهد لهم رسول الله عليه السلام بأنها الفرقة الناجية ، ومن سلك سبيلهم ، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن أراد أن ينجو من العذاب يوم القيامة أن يخالف سبيلهم ، ولذلك قال الله تعالى : ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً﴾ ، إذن على المسلمين اليوم في آخر الزمان أن يعرفوا أمرين اثنين :
أولا : من هم المسلمون المذكورون في هذه الآية ؟
ثم : ما الحكمة من سماع القرآن وأحاديث الرسول عليه السلام منه مباشرة ، ثم سبق لهم فضل في الاطلاع على تطبيق الرسول عليه السلام لنصوص الكتاب والسنة تطبيقاً عملياً ، ومن الحكمة التي جاء النص عليها في السنة ، قوله عليه السلام ” ليس الخبر كالمعاينة ” ، ومنه أخذ الشاعر قوله:
وما راءٍ كمن سمع .
فإذن الذين لم يشهدوا الرسول عليه السلام ، ليسوا كأصحابه الذين شاهدوا ، وسمعوا منه الكلام مباشرة ، ورأوه منه تطبيقاً عملياً ، اليوم توجد كلمة عصرية نفخ بها بعض الدعاة الإسلاميين ، وهي كلمة جميلة جداً ، ولكن أجمل منها أن نجعلها حقيقة واقعة ، يقولون في محاضراتهم وفي مواعظهم وإرشاداتهم أنه يجب أن نجعل الإسلام واقعاً يمشي على الأرض ، كلام جميل ، لكن إذا لم نفهم الإسلام في ضوء فهم السلف الصالح كما نقول ، لا يمكن أن نحقق هذا الكلام الشامل الجميل ، أن نجعل الإسلام حقيقة واقعية تمشي على الأرض ، الذين استطاعوا ذلك هم أصحاب الرسول عليه السلام ، للسببين المذكورين آنفاً ، سمعوا الكلام منه مباشرة فوعوه خيراً من وعي ، ثم هناك أمور تحتاج إلى بيان فعلي رأوا الرسول عليه السلام يبين لهم ذلك فعلاً ، وأنا أضرب لكم مثلاً واضحاً جداً ، هناك آيات في القرآن الكريم لا يمكن المسلم أن يفهمها إلا إذا كان عارفاً للسنة ، التي تبين القرآن الكريم ، كما قال عز وجل ﴿ وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزّل إليهم …﴾ هاتوا سيبويه هذا الزمان في اللغة العربية ، فيفسر لنا هذه الآية الكريمة ، والسارق من هو ؟ لغةً لا يستطيع أن يحدد السارق ، واليد ما اليد؟ لا يستطيع سيبويه آخر الزمان أن يعطي الجواب عن هذين السؤالين ، من هو السارق الذي يستحق قطع اليد ؟ وما هي اليد التي ينبغي أن تقطع لإثم هذا السارق ؟ اللغة السارق من سرق بيضة فهو سارق ،واليد هي هذه لو قطعت هنا أو هنا أو في أي مكان فهي يد ، لكن الجواب هو .. فلنتذكر الآية السابقة: ﴿وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزّل إليهم …﴾ ، الجواب في البيان ، فهناك بيان من الرسول عليه السلام للقرآن ، هذا البيان طبقه الإسلام فعلاً ، في خصوص هذه الآية كمثل ، وفي خصوص الآيات الأخرى ، وما أكثرها . لأن من قرأ علم الأصول ، يقرأ في علم الأصول أن هناك عام وخاص ، مطلق ومقيد ، ناسخ ومنسوخ ، كلمات مجملة يدخل تحتها عشرات الأصول ، إن لم نقل : مئات الأصول ، نصوص عامة قيدتها السنة.”
جزى الله خيرا من فرغه .