فهذا لقاء جمْع من المشايخ الفضلاء حفظهم الله تعالى:
أحمد السبيعي - أحمد بازمول - عادل بن منصور - محمد العنجري
ليلة السبت 28 من ذي الحجّة 1434هـ/1-11-2013
بِسْمِ اللَّهِ و الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و على آلهِ وصحبِه وَسَلَّمَ
السُنّيّ السلَفيّ الثابت على الحقِ ،صاحِبُ صبرٍ، ومُصابرةٍ، واصطبارٍ، فهو لا يَعْرِفُ الكِبْر، لأنّه مُتواضِع ،ولا يعْرِف الفضاضة ، لأنّه لطيفٌ، ولا يَعْرِف الفُحْش لأنّهُ عَفِيْفٌ طاهِرٌ ،ويَتمَثِل بذلك قولُ النبيّ – صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحْبِهِ وسَلّم -:( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)، ومع هذا فالسَلَفِيّ السُنّيّ ثابتٌ على نَفْي أقوالِ المُحَرِفَةِ ، وانْتِحَالِ المُبْطِلَةِ، وتأوِيلِ الجاهِلةِ، وَعَبَثِ المُخَاذِلَةِ، وتَلونِ المُتَذبذِبةِ ، هكذا السَلَفِيّ فهوَ على نَهْجِ النبيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – لذَلِك كان اخْتِيارُ هذا العنوان مِن حديثِ النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – حيثُ قَال : ((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ))، وسَيَكون هذا اللقاء على طَرِيقةِ أسئلةٍ مُوَجِهَةٍ للمشايخ – حَفِظَهُم الله – :الشيخِ السبيعيّ والشيخ ِ أحمدَ بازمول و الشيخِ أبي العباس - حَفِظَهُم الله تَعَالى – وسيكُون الجواب في ثلاث دقائق بحدّ أقصى للوصول إلى عَدد أكثر مِنَ الأسئلة التي تخْدم هذا المَوضُوع : وهو حَديث النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – في بَيَانِه وشَرْحِه ونبْدَأُ – إنْ شَاءَ الله
بالشَيْخِ أبي العبْاس –حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى – لبيان تَخْريجِ هذا الحَدِيث وطُرُقِ هذا الحَدِيثِ – جَزاه اللهُ خيرًا – باخْتِصار يا شيخ، أرجو أنْ يكونَ ذَلك باختِصار يا شيخ .
أحمد السبيعي - أحمد بازمول - عادل بن منصور - محمد العنجري
ليلة السبت 28 من ذي الحجّة 1434هـ/1-11-2013
"تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ
الصــــــــــــــوتـــــــيــــــــــــة
الشَيْخُ أبو العَبْاس عادل بن منصور – حَفِظَهُ اللهُ-: ولفظ الإمامِ أحمدَ – رَحِمَهُ اللهُ تعالى –بإسنَادِهِ قال :
الصــــــــــــــوتـــــــيــــــــــــة
التفريغ
الشيخ محمد العنجريبِسْمِ اللَّهِ و الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و على آلهِ وصحبِه وَسَلَّمَ
السُنّيّ السلَفيّ الثابت على الحقِ ،صاحِبُ صبرٍ، ومُصابرةٍ، واصطبارٍ، فهو لا يَعْرِفُ الكِبْر، لأنّه مُتواضِع ،ولا يعْرِف الفضاضة ، لأنّه لطيفٌ، ولا يَعْرِف الفُحْش لأنّهُ عَفِيْفٌ طاهِرٌ ،ويَتمَثِل بذلك قولُ النبيّ – صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحْبِهِ وسَلّم -:( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)، ومع هذا فالسَلَفِيّ السُنّيّ ثابتٌ على نَفْي أقوالِ المُحَرِفَةِ ، وانْتِحَالِ المُبْطِلَةِ، وتأوِيلِ الجاهِلةِ، وَعَبَثِ المُخَاذِلَةِ، وتَلونِ المُتَذبذِبةِ ، هكذا السَلَفِيّ فهوَ على نَهْجِ النبيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – لذَلِك كان اخْتِيارُ هذا العنوان مِن حديثِ النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – حيثُ قَال : ((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ))، وسَيَكون هذا اللقاء على طَرِيقةِ أسئلةٍ مُوَجِهَةٍ للمشايخ – حَفِظَهُم الله – :الشيخِ السبيعيّ والشيخ ِ أحمدَ بازمول و الشيخِ أبي العباس - حَفِظَهُم الله تَعَالى – وسيكُون الجواب في ثلاث دقائق بحدّ أقصى للوصول إلى عَدد أكثر مِنَ الأسئلة التي تخْدم هذا المَوضُوع : وهو حَديث النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – في بَيَانِه وشَرْحِه ونبْدَأُ – إنْ شَاءَ الله
بالشَيْخِ أبي العبْاس –حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى – لبيان تَخْريجِ هذا الحَدِيث وطُرُقِ هذا الحَدِيثِ – جَزاه اللهُ خيرًا – باخْتِصار يا شيخ، أرجو أنْ يكونَ ذَلك باختِصار يا شيخ .
الشَيْخُ أبو العَبْاس عادل بن منصور – حَفِظَهُ اللهُ-:
الْحَمْدُ للهِ ربِ العاَلَمِين وَصَلى اللهُ وسَلّمَ وبَارَكَ عَلَى عَبْدِه و رَسُولِه مُحَمَّدٍ و على آلهِ وصحبِه أجمَعِين، اللَهُمّ لا حَوْلَ لنَا ولا قُوَة إلَا بِكَ ، اللهُمّ ((لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم))
أما بعدُ
فهذا الحَدِيثُ رَواهُ أَئِمَةُ الإسْلامِ في دَواَوِينَ كثِيرةٍ، مِنْ دَواَوِينِ السُنَّةِ، أذْكُرُ مِنْهم على وَجْهِ الاخْتِصَار، أنّ هذا الحَدِيث قدْ رَواه الإمامُ أحمدُ – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى– في مُسْنَدِهِ ، وعَنه ومِن طَرِيقِه روَاه الإمامُ أبو داود - رَحِمَهُ اللهُ تَعالى – في سُنَنِه ، وكذَلِكَ رَوَاه الإمامُ الدراميّ في مُسْنَدِهِ المَعْرُوفِ بالسُنَنّ، والأَئِمة : الآجُرْيّ واللالكَائِيّ ، وابن بطَةِ، ومُحَمَد بن نصْرٍ المَرْوازيّ ، كُلهم في كُتُبِهم في الاعتقاد والسُنّة، وكذلك الحاكم في مُسْتَدركِه ، والطَبَرانيّ في المُعْجَم الكَبِير ، وكذلك في مُسْنَد الشَّامِيّينَ لهُ ، وكُلُهم يروونَه –رَحِمَهم اللهُ تعَالى – ما بينَ مُطَوَلٍ ومَا بينَ مُخْتَصرٍ، يرْوونَه مطَوَلًا ومُخْتَصرًا .
ولفظ الإمامِ أحمدَ – رَحِمَهُ اللهُ تعالى –بإسنَادِهِ قال : حَدثنا أبو المُغِيرةِ قال: حدثنا صَفْوان قال :حدثني أزْهَر بن عَبْد الله الهَوزنيّ، وعن أبي عامر عبدِ الله بن لُحَيّ قال :((حَجَجْنا معَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيان -رضيَ اللهُ تعالَى عنهما- فَلمّا قَدِمْنا مَكَةَ قامَ حين صلى صَلاةَ الظهرِ ، فقال: إنّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: إن أهلَ الكتابين افترقوا في دِيِّنِهم على ثنتين وسبعين مِلَّة، وإنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين مِلَّة - يعني الأهواء- وكُلُّها في النار إلا واحدة، "وهي الجماعة"وإنه سيخرجُ من أمتي أقوامٌ تَتَجَارَى بهمُ الأهْوَاءُ كما يتَجَارَى الكَلَبُ بصاحِبِه، فلا يَبقَى مِنه عِرق ولا مفصلٌ إلا دَخَله)).
ثُم قالَ مُعَاوِيةُ – رَضِي اللهُ عَنه)):- والله يا معشرَ العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نَبِيّكم - صَلى اللهُ عَليه وعلى آلِهِ وسلّم-؛ لغَيْرُكم مِن الناسِ أَحْرَى أن لا يقومَ به((
وهذَه الزيادة في آخِر الحديثِ مِن وَصِيّةِ مُعَاوِيةِ – رَضِي اللهُ عَنه – للعَربِ للقيامِ بالدِّيِن .
وكذلك زِيادَة في أولِهِ:
(( بأنّه استدْعَى قَاصًا مِنَ القُصَاصِ كَانَ يَقُصُّ بمكةَ مِن غَيرِ إذنٍ ، فنَهَاهُ ألا يَقص وألا يَعِظ إلا بعد أنْ يأذنَ لهُ الأميرُ)).
ثُم قال رضي الله عَنه هذه المَقولة ،هاتان الزِيادَتان ليستْ في كُلِ مصادِرِ التَخْرِيج والحديثُ كما صَحَحَه الحاكم – رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – في مُسْتَدْرَكِه ، وحَسّنَه الإمامُ الألبانيّ – رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – في تعْلِيقِه على سُنَنِ أبي داود وكذلك في صحيحِ الترغِيب والترْهِيب ، كما أنّهُ صَحَحهُ - رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – في تَعْلِيقِه على السُنّةِ لابنِ أبي عاصِم
لأنّ ابنَ أبي عاصِم أيضًا خِرّجَهُ في كِتَابِ السُنّة وابْتَدأ بِهِ كتابَه في السُنّة وصَحَحَهُ الإمام الألبانيّ هناك - رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – ، فهذا لَفْظهُ مُخْتَصَرًا وهذا ذِكْرُ بَعْض مَنْ خَرْجَه مِنْ أئِمةِ الإسْلامِ في دَوَاوِينِهم ،والله تَعَالى أعْلَم .
الشَيْخُ محمد العنجري– حَفِظَهُ اللهُ–: جزاكَ اللهُ خيْرًا –، الشيخ أحمد السبيعيّ ممكن بيان يعْني مُجْمَل معْنى الحًدِيثِ.
الشَيْخُ أحمدُ السبيعيّ-حَفِظَهُ اللهُ–:
الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى المَبْعُوث رَحْمَةً للعَالَمِينَ و على آلهِ وَسَلَّمَ
أما بعْدُ
فهذا حَديثٌ عَظِيمٌ جَلِيل ٌ، وحَسْبُكَ أنْ النَبِيّ – صلْى اللهُ عَليه وسَلّم – ذَكَرهُ حالَ ذِكْر التَفَرْق الذي يَحْصُلُ في الأُمُمِ فهو شَبِيهٌ بالأحاديث التي يُضيفُ النَبِيّ – صلْى اللهُ عَليه وسَلّم – حال ذِكْر التَفَرْق إلى أكثرَ مِنْ ثلاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةٍ ، فَيضِيفُ النبِيّ - صلْى اللهُ عَليه وسَلّم – بيَانَاتٍ ، وإشاراتٍ ، وكلماتٍ جوامعَ ، حَتى تُعِينَ المُسْلِمَ على أنْ يتقِيَ شَرَ هذِهِ الفِرَق ، وحتى نَفْهَمَ هذا الحَديثِ ، لابُد لنا مِنْ شيءٍ مِنَ الوقوفِ على بَعْضِ مُفْرَداتِه ، مُفْرَداته مِن جِهَةِ اللغةِ ، حتى نُحْسِنَ فَهْمَهُ.
فقولهُ – صلْى اللهُ عَليه وسَلّم –: (( سَيَكُونُ أقْوامٌ ))أقْوَامٌ أي :جماعاتٍ
((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ))تَجَارى : تَفَاعَل ، مِنَ الجَرَيان ، قَالَ أهلُ العِلمِ أي : إنّه يجْري فِيهم كَــ جَرْي الفَرَسِ
والأهْوَاءُ جَمْعُ الهَوى والهوى في الأصلِ في اللغَةِ هو مَيْلُ النَفْسِ ، ولكنْ لمّا غَلَبَ أنْ يكُونَ سَبَبًا في الشَرِ والباطلِ ، جَرَى دَمُهُ مُطْلَقًا كما أفاد ابنُ القَيّمِ – رَحِمَه اللهُ –في آخِرِ رَوْضَةِ المُحِبْين .
((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ كما يَتَجَارى الكَلَبُ بِصَاحبِه ))الكَلَبُ: داءٌ يُصِيبُ الإنسَانَ ، كما قال ابنُ الأثير مِن عَضَةِ الكَلْبِ الكَلِبِ ، الكَلْبِ الكَلِبِ ، الكَلِب وصْفٌ للكَلْبِ الذي يُصابُ بهذا الداءِ ، فالكَلْبُ يُصابُ بداءٍ، وقدْ قِيل في سبَبِه أشياء في كُتُبِ اللغةِ، فقِيل :إنّه يأكُلُ مِنَ النّوقِ التي تَرْعى في الليلِ فتأكُلُ مِنْ نباتٍ في أثناء الليلِ يَدُبُّ فيه مرضٌ ، فإذا أكل مِنْها صارَ فيه هذا المَرَضُ، وقِيل: إنّ السَبَبَ ذلك فيه أنّه يأكُلُ لَحْم الإنْسانِ ، فيَصيرُ كما وصَفَه النبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم – في بَعْضِ الأحاديثِ الأُخْرى(( مَسْعُورًا)) أي : يُصِيبَه السُعَار، فيَكُونُ هذا الكَلْبُ فيه هذا المَرَض فإذا عَضَ الإنْسانَ جَرى فيه هذا المرضُ الذي هو الكَلَبُ ، وهذا المرضُ إذَا أصابَ الإنْسانَ، فإنّه يَجْعَلهُ فيه كَثيرٌ مِنَ الأعْراضِ ، وقد ذَكَرَ أهْلُ العِلّمِ : إنّه يَجْعَله كــ "المَجْنونِ" ويَكونُ بِه عَطَشٌ شدِيدٌ ولا يستَطِيعُ شُرْبَ الماءِ(1) ، وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلّمِ :إنّه تصِيبُه الملخوليا: وهي داءٌ يكُونُ في العَقْلِ فيه دَاءٌ شدِيدٌ ، شديدُ العَطَبِ ، وشَدِيدُ الشَّرِّ إذا أصابَ الإنْسانِ ، وكانَ يُعْتَبَرُ مِنْ أشَدِ الأدواءِ التي تَعْرِفُها العَرَبُ ، وفي هذا الزمانِ ظهرَ ، يعني مِنْ أعراضِهِ الكثيرِ حتى وصَفُوه أنّه يُصِيبُ الإنْسانَ بشَدّ في العضلات وتَقَلُصات مع ضيقٍ في التنَفُسِ، ويُصيبُ الجهازَ العصبيّ ويَجْعَلُ الإنْسانَ يعْني في الغالبِ كان يموتُ، حتى كانتِ العربُ لا تعْرِفُ دواءً لهُ إلا دواءً مُحَرْمًا ، ومع الأسف أنّ بعْضَ هذا الدواءِ المحرمِ قدْ يُسْتَعْملُ إلى الآن في بعْضِ الأصقاعِ فكانتِ العربُ تَظنُ أنّ الشِفاءَ مِنْه يكونُ بِشُرْبِ شيءٍ مِن دمِ رَجُلٍ شَرِيفٍ، وفي هذا قالّ الكُمَيث:
والمقْصود أنّ هذا هو الكَلَبُ ، فهو يُصِيبُ الكَلْبَ ويَجْعَلُهُ على صِفَةٍ مَسْعُرة وكذلك يدبُّ في هذا الإنْسانِ فيَجْعَلُهُ كـــ "المجْنونِ" ، إذًا فَوصف الإنْسان هنا على لسانِ النبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وآلِهِ وسَلّم –ووصفُ النبِيُّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –حقٌ، فليس هوَ تصْويِرٌ فَنّيكما يقولُ سيْدُ[ هم ]قطب أو أهلِ البِدَعِ بالمجازِ وغَيْرهِ، يعْني ما يقُولُه النَبيّ - صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –تَشْبِيهًا ووصْفًا هو كـــ" القُرآنِ " يكُونُ حَقًا ومُطَابِقًا للواقِعِ تمَامًا وصِدْقًا، فالنَبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –هنا شَبَه أهْلَ البِدَعِ والأهْواءِ بالكِلابِ، وهذا له أصلُهُ في القــــــــرآنِ لما قال اللهُ – تباركَ وتعَالى –: ((فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْأَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون(( والشيءُ بالشيءِ يُذْكَر أنّ المُشْرِكِينَ لما رأوا القُــــــــرآنَ ينْزِلُ وفيهِ وصْف الكفْارِ بالكِلابِ وبالحَمِيرِ وبغّيرِ ذلكَ قال تعَالى: ((كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا((قالوا ما هذا يذْكُرُ هذه الدَوابَ على سَبِيلِ العَيبِ فأنّزلَ اللهُ – تباركَ وتعَالَى - : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا(( فهذا يَدُلُكَ على أنّ مِيزانَ الأخْلاقِ والآدابِ وأنَّ مِيزانَ التعَابيرِ والأساليبِ لا يرْجِعُ إلى أهْواءِ النّاسِ والنّفُوسِ وإنّما لهُ مِقياس" الكِتاب والسُنّة، وما كان عليْه السَلَفُ الصالحُ " وفي هذا ضَرْبَةٌ قاصِمَةٌ لبطَانَةِ الجَماَعَاتِ التي تًرِيدُ إعادة خِطَابِ أهْلِ السُنّة وكَلامِهم في حَقِ أهْلِ البِدَعِ بالصِيَغِ التي يُرِيِدونَ مِنْها إضعَاف السُنّة ، وذا يعْني مِنْ بَابِ الفائدَةِ الاستطراديةِ(2) .
الحَدِيثُ: يقولُ النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم –: ((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ ،كما يَتَجَارى الكَلَبُ بِصَاحبِه ، فما يَبْقى مِنْهُ مِفْصَلٌ ولا عَظْمٍ إلا دَخَلَهُ )) هذا الحَدِيث يَجْري على وصْفِ أهلَ البِدَعِ مِنْ حَيثُ العُمومِ أي : الذين صِفَتُهم مُنْطَبِقَةٌ لمَنْ كان ذو قصدٍ سيئٍ، وكان مُرِيدًا للباطِلِ بِحيثُ أنْ تكونَ صِفَتُهُ مُبْتَدِعًا خالصًا، فهذا يكونُ مآلُه ونهايةُ أمْرهِ وحقِيقَةُ وصْفِهِ، مِنْ حَيثُ أنّه يَسْتَسْلِمُ لهَواهُ ، ويَكُونُ هَواهُ كما قال الشاطِبيّ :هو الأصلُ الذي يَرْجِعُ إليه ، وهو الذي يَحْتَجُ لهُ ، فلا يَنْتَفِعُ بِقـــُرآنَ ولا بالسُنّة ، ولا يَلْتَفِتُ إلى دَليلٍ ، إلا إلى هذا الهوى المُعَظَمُ في نَفْسِهِ هو الذي يُريدُ خِدمَتَهُ فهذا الوَصْفُ ((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ ،كما يَتَجَارى الكَلَبُ بِصَاحبِه)) وفي الحَقِيقةِ يَعْني وهذهِ يعْني الشيءُ بالشيءِ يُذْكَرُ ، أحِبُ أنْ أذْكُرَها أنّ الانتفاعَ بدِّينِ اللهِ – تباركَ وتعالى – عُموُمًا،وبالسُنّة خُصُوصًا يُنْتَفَعُ بِها أكْمل الانْتِفاَعِ مَنْ يكُونُ صادِقًا في التَمَسُكِ بالسُنّةِ والجِهادِ عليْها ، فإنّ هذا الحَديثَ حينَ يسْمَعهُ يرى فِيه مِنَ المعاني الدالةِ على نُبُوَةِ النَبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –في واقِعِ أهلِ البِدَعِ الشيء الكثيرِ ، الذي يَعْلَمُ مَعَه أنّ ذلِك مِنْ آياتِ الله- تباركَ وتعالى – الباهِرةِ، فمَنْ يُكابِدُ أهْلَ البِدَعِ ، ومَنْ يَعْلمُ أساليِبَهم ، ومَنْ يرى أحْوالَهم فيما يَنْصُرُونَهُ مِنْ أهْوائهم ويرى تواطأهم مُجْتمِعِين فيما يُريِدَهُ يَعْلَمُ أنّ هذا الوَصْفَ مُنْطَبِقٌ عليهم تمامًا واقِعًا كما أخْبرَ النَبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –قَبْل طُرُوئهم وحُدوُثِهم غَيْبًا– صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –فيَبْلغُ بِهمُ الأهْواء شيئًا بِحيثُ أنّه يناَلُهم العَطَبُ التام ، فلا يَشْفَونَ مِنْهُ، كما جاء في الحدِيثِ الآخَر الذي جاء في وَصْفِ الخوارجِ لما ذَكَرَ النبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –الخوارج قالَ- في آخِرِ الحدِيث بعدَ أنْ وصَفَهم - صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –قال : ((ثُمّ لا يعُودُونَ فيهِ))، ما يرجِعون إلى الإسلامِ ، ولذلك قال بعْضُ أئِمةِ السَلفِ: ((آخِرُ الحديثِ أشدُّ عَليْهم مِنْ أولِهِ أي في حديثِ وصفِ الخوارجِ ، فهذا الحديث يدُلُّ على أنّ الأهواءَ تَبْلُغُ بالإنْسانِ أنْ تكونَ صِفَتهُ كـــ " صِفَةِ هذا الكَلْب المسْعُور " الذي لايَفْتَأُ (4) يصِيحُ ويَنْبَحُ ويَعْطشُ للماءِ ولا يسْتَطِيعُ أنْ يَنْتَفِعَ به ، حَتى يمُوتَ ويهْلكَ .
والحَدِيث، أقول : والحدِيث قدْ شَرَحَهُ – يعْني – بَعْضُ الشُرّاحِ ،وحَمَلوه على هذا المَعْنى الذي ذَكَرْتُ ، وحَمَلُوه على معْنىً آخَر ، وهوَ أنّ المَقْصُودَ بِهِ ، عُمُوم المُنّتَسِبينَ إلى البِدَعِ ، مِمَّن يمكن أنْ يَتُوبَ مِنْ بِدَعِه ،فقالوا:أنّ هذا الحديثَ قدْ يَحْتَمِلُ مَعْناه ما سبق وذكَرْته ،وقدْ يَحْتَمِلُ مَعْناه معْنًى آخَر وهو أنّه في وَصْفِ أهْلِ البِدَعِ على سَبِيلِ العُمُومِ مِمَّن قدْ يَتُوبُ مِنْهم ومِمَّن قدْ لا يَتُوبُ، وفي الحَقِيقَةِ أنّ الأمرَ مِثْلما قَدَمْتُ أنّ هذا وصْفٌ عامٌ لِمَنْ انطَبَقَ عَليه وصف البَدْعَةِ بتمامه، أما كون بَعْضُ أهْلِ البِدَعِ حَسَنُ القَصْدِ، أو يكونُ جاهلًا ، أو لا يَعْلَمُ أنّ هذا القولَ يَبْلغُ بِه هذا المَبْلَغ ، أو يَكونُ مجاهِدًا في الوصُلِ إلى اللهِ - جَلّ وعلا –وإلى الحق ِ، فقدْ ينْجو، ولكنْ غالبِ أحوالِ أهْلِ البِدعِ كما قال سُفْيانُ الثَوْريّ – رَحِمَه اللهُ -، وغَيْرُهُ: " إنّهم لا يَتوبُونَ مِنْ بِدَعِهم" .
كذلك مِنَ المعْنى الأكيدِ الذي يَدُلُّ عليهِ هذا الحديثِ أنّ هذا في وصْفِ المُبْتَدِعِ ، وصَاحِبِ الهوى في نَفْسِهِ ، وكذلكَ في أثرِه على مَن يُخَالِطهم ، فإنّ هذا الكلْبَ المسْعورَ يَعَضُّ النّاسَ ،فإذا عَضّهم سَرى إليهم هذا الّمَرَضُ الذي يَحْمِله ، فكذلكَ صاحِبُ الهوى ، صاحِبُ الهوى إذا جُلِسَ مَعَهُ فإنّه أيضًا يَضُّرُّ مَن يُجَالِسَهُ كضَرَرِ هذا الكَلْبِ الكَلَب المَكْلُوب على مَنْ – يَعْني - يَفْتِكُ بِه أو يَعَّضُّه، فكذلك صَاحِبُ الهوى يَضُّرُّ ، ولذلكَ السَلَف الصاَلِح – رَحِمَهم اللهُ تعالى – لهم في ذلكَ مِنَ الأقْوالِ والآثار، ما اللهُ به عليمٌ، مِنْ خشْيَتِهم مِنَ الاستِماعِ إلى كلامِ أهْل البِدَع، وأشهر ذلك كلامُ ابنِ سِيرينَ حينَ امْتَنَع أن يَسْمَعَ آية فلما راجَعَهُ بَعْضُ أصْحَابه في ذلكَ قالَ خَشِيْتُ أنْ يَقْذِفَ شَيْئًا فيَعْلِقَ في قَلْبي ، أو مَعْنى كَلامهُ – رَحِمَه اللهُ تَعَالى .
وكما قالَ الشَافعِيُّ – رَحِمهُ الله –: (( مَنْ نَظَرَ في الرأي ففي قَلْبِه شيٌ مِنَ الدَغَلِ ، حتى إذَا ظَنَنْتَ أنّه قَدْ شُفِي ، هَاجَ بِه))،ولذلكَ مُجالِسة أهْل الأهْواء و مجَلسة أهْل البِدَعِ فيها خَطَرٌ عَظيم إذ أنّه يَنْهَشُ مَنْ يُجَلِسهُ كما يَنْهَشُ هذا الكَلْبُ – يعْني – مَنْ يَتَسَلّطُ عليه . ولَعَل في هذا القَدَرِ كِفَايةً.
الشَيْخُ محمد العنجريّ– حَفِظَهُ اللهُ–: جزاكَ اللهُ خيْرًا أبا مُحَمْدٍ ، فِعْلًا هذا ظَاهِر كــ – يعْني – رُجُوع أبي الحَسَنِ الأشْعَريّ ثُمّ رَفَعَ لواءَ السُىنّة و تَاب وخَرَجَ مِنْ هذا الانْحِرّافِ والاعْتِقادِ الأشْعَريّ – وللهِ الحَمْدِ – إلى دائِرةِ السُنّيَةِ ، وأيْضًا هنا سؤال شيخ أحمد : كيفَ تَتَجَارَى الْأَهْوَاءُ بالمُنحَرفِ عَن جادَةِ أهْلِ السُىنّةِ ؟.
الشَيْخُ أحمدُ السبيعيّ-حَفِظَهُ اللهُ–:تَتَجَارَى الْأَهْوَاءُ بِمَنْ يَقَعُ فيها إذَا اسْتَمَرَ في إتِبَاعِ هَواه ، ولم يُجَاهِدْ نَفْسَهُ في اتِّقَاءِ الهوى وإتِّبَاعِ السُنّةِ ، فإنّ هذه الأهْواءَ تَتَجَارَى بِهِ حتى يَكونَ مثل ما وصَف رَبُّنا – تَبَارَكَ وتَعَالى -: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ))وكما قال رَبُّنَا- تَبَارَكَ وتَعَالى -: ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)) فَينْقَلِبُ عِنْدَهُ كما أهْل البِدَعِ السُنَّةُ بِدْعَة ، والبِدْعَةُ سُنّة ،تنْقَلِبُ عِنْدَه حَقَائقُ الأشْيَاءِ ، وَصُوَرِهَا ، يَنْقَلِبُ عِنْدَهُ أحْكامُ الدّينِ إلا ما أشْرِبَ ، وخَيْرُ ما يشْرَحُ ذلك أيْضًا- يَعْني – مما جَاءَ في حَدِيثِ رَسُولِ الله -صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلّم –:حَدِيثُ حُذَيْفةُ المَشْهُور في الصَحِيح ، لما ذَكَرَ النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – : أنَّ الفِتَنَ تُعْرَضُ ..الحديث (( تُعْرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ كعَرْض الحَصِير عُودًا ،عُودًا فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا ، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعروفًا ، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا ، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه)) فهذا يُبَيّن مُقْدَار تَجَارِي الأهْواءِ، الأهْواءُ خَطَرٌ في الدِّينِ ،المَعَاصِي شأنُها أهْون وإنْ كَانَتْ شَرّ، لكِنّ الأهْواء في الدِيَانة إذَا الرَجُل اتَّبَعَ هَوَاه في أمْرِ الدِيَانَةِ في شيءٍ فهذا خَطَرٌ عَظِيمٌ ، ولذلكَ لا يُسْتَسْمَحُ في شيءٍ أنّ للإنْسانِ أنْ يَتَبِعَ هَواه لا لِنُصْرَةِ قَوْلِهِ أو اعْتِقادِه أو الدِفَاعِ – يَعْني - أهْلِ العِلمِ، عَليه أنْ يَتَحَرى العَدْل ، وتَقْوى اللهَ- تَعَالى – حتى لو ظُلِمَ مِنْ أهْلِ الأهْواءِ واُفْتُرِي عليه - وهذه عَادَتُهِم - ، حتى لو حَصَلَ ذلك فَإنّه يَنْبَغِي أنْ يَعْدِلَ مَعَهم لأنّ صَاحِبَ السُنّة إنّما يَنْصُرَه اللهُ بالعَدْل .تفريغ بنت عمر
(1)لأنّه قيلَ هنا:مَنْ يشَرِبْ الماء يمتْ"والله أعْلَم
(2) الاستطرادُ : هو أنْ يذكرَ المتكلمُ غرضًا و ينتقل منه إلى غرضٍ آخَر يناسبُ الغرض الأول , ثم يرجع إلى إتمام الغرض الأول
(3) ما بين [...] زائد عن النص
(4)وقد يُحذَف حرف النفي لفظًا وهو مُقَدَّر مع فتئ إذا كانت بلفظ الفعل ،الفعل المضارع ومسبوقة بِقَسَم كما في قوله تعالى: ((قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ))أي: لا تفتؤا هذا رسم المُصحف.
____________________________________________
الْحَمْدُ للهِ ربِ العاَلَمِين وَصَلى اللهُ وسَلّمَ وبَارَكَ عَلَى عَبْدِه و رَسُولِه مُحَمَّدٍ و على آلهِ وصحبِه أجمَعِين، اللَهُمّ لا حَوْلَ لنَا ولا قُوَة إلَا بِكَ ، اللهُمّ ((لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم))
أما بعدُ
فهذا الحَدِيثُ رَواهُ أَئِمَةُ الإسْلامِ في دَواَوِينَ كثِيرةٍ، مِنْ دَواَوِينِ السُنَّةِ، أذْكُرُ مِنْهم على وَجْهِ الاخْتِصَار، أنّ هذا الحَدِيث قدْ رَواه الإمامُ أحمدُ – رَحِمَهُ اللهُ تَعالى– في مُسْنَدِهِ ، وعَنه ومِن طَرِيقِه روَاه الإمامُ أبو داود - رَحِمَهُ اللهُ تَعالى – في سُنَنِه ، وكذَلِكَ رَوَاه الإمامُ الدراميّ في مُسْنَدِهِ المَعْرُوفِ بالسُنَنّ، والأَئِمة : الآجُرْيّ واللالكَائِيّ ، وابن بطَةِ، ومُحَمَد بن نصْرٍ المَرْوازيّ ، كُلهم في كُتُبِهم في الاعتقاد والسُنّة، وكذلك الحاكم في مُسْتَدركِه ، والطَبَرانيّ في المُعْجَم الكَبِير ، وكذلك في مُسْنَد الشَّامِيّينَ لهُ ، وكُلُهم يروونَه –رَحِمَهم اللهُ تعَالى – ما بينَ مُطَوَلٍ ومَا بينَ مُخْتَصرٍ، يرْوونَه مطَوَلًا ومُخْتَصرًا .
ولفظ الإمامِ أحمدَ – رَحِمَهُ اللهُ تعالى –بإسنَادِهِ قال : حَدثنا أبو المُغِيرةِ قال: حدثنا صَفْوان قال :حدثني أزْهَر بن عَبْد الله الهَوزنيّ، وعن أبي عامر عبدِ الله بن لُحَيّ قال :((حَجَجْنا معَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيان -رضيَ اللهُ تعالَى عنهما- فَلمّا قَدِمْنا مَكَةَ قامَ حين صلى صَلاةَ الظهرِ ، فقال: إنّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: إن أهلَ الكتابين افترقوا في دِيِّنِهم على ثنتين وسبعين مِلَّة، وإنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين مِلَّة - يعني الأهواء- وكُلُّها في النار إلا واحدة، "وهي الجماعة"وإنه سيخرجُ من أمتي أقوامٌ تَتَجَارَى بهمُ الأهْوَاءُ كما يتَجَارَى الكَلَبُ بصاحِبِه، فلا يَبقَى مِنه عِرق ولا مفصلٌ إلا دَخَله)).
ثُم قالَ مُعَاوِيةُ – رَضِي اللهُ عَنه)):- والله يا معشرَ العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نَبِيّكم - صَلى اللهُ عَليه وعلى آلِهِ وسلّم-؛ لغَيْرُكم مِن الناسِ أَحْرَى أن لا يقومَ به((
وهذَه الزيادة في آخِر الحديثِ مِن وَصِيّةِ مُعَاوِيةِ – رَضِي اللهُ عَنه – للعَربِ للقيامِ بالدِّيِن .
وكذلك زِيادَة في أولِهِ:
(( بأنّه استدْعَى قَاصًا مِنَ القُصَاصِ كَانَ يَقُصُّ بمكةَ مِن غَيرِ إذنٍ ، فنَهَاهُ ألا يَقص وألا يَعِظ إلا بعد أنْ يأذنَ لهُ الأميرُ)).
ثُم قال رضي الله عَنه هذه المَقولة ،هاتان الزِيادَتان ليستْ في كُلِ مصادِرِ التَخْرِيج والحديثُ كما صَحَحَه الحاكم – رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – في مُسْتَدْرَكِه ، وحَسّنَه الإمامُ الألبانيّ – رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – في تعْلِيقِه على سُنَنِ أبي داود وكذلك في صحيحِ الترغِيب والترْهِيب ، كما أنّهُ صَحَحهُ - رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – في تَعْلِيقِه على السُنّةِ لابنِ أبي عاصِم
لأنّ ابنَ أبي عاصِم أيضًا خِرّجَهُ في كِتَابِ السُنّة وابْتَدأ بِهِ كتابَه في السُنّة وصَحَحَهُ الإمام الألبانيّ هناك - رَحِمَهُ اللهُ تعَالى – ، فهذا لَفْظهُ مُخْتَصَرًا وهذا ذِكْرُ بَعْض مَنْ خَرْجَه مِنْ أئِمةِ الإسْلامِ في دَوَاوِينِهم ،والله تَعَالى أعْلَم .
الشَيْخُ محمد العنجري– حَفِظَهُ اللهُ–: جزاكَ اللهُ خيْرًا –، الشيخ أحمد السبيعيّ ممكن بيان يعْني مُجْمَل معْنى الحًدِيثِ.
الشَيْخُ أحمدُ السبيعيّ-حَفِظَهُ اللهُ–:
الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى المَبْعُوث رَحْمَةً للعَالَمِينَ و على آلهِ وَسَلَّمَ
أما بعْدُ
فهذا حَديثٌ عَظِيمٌ جَلِيل ٌ، وحَسْبُكَ أنْ النَبِيّ – صلْى اللهُ عَليه وسَلّم – ذَكَرهُ حالَ ذِكْر التَفَرْق الذي يَحْصُلُ في الأُمُمِ فهو شَبِيهٌ بالأحاديث التي يُضيفُ النَبِيّ – صلْى اللهُ عَليه وسَلّم – حال ذِكْر التَفَرْق إلى أكثرَ مِنْ ثلاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةٍ ، فَيضِيفُ النبِيّ - صلْى اللهُ عَليه وسَلّم – بيَانَاتٍ ، وإشاراتٍ ، وكلماتٍ جوامعَ ، حَتى تُعِينَ المُسْلِمَ على أنْ يتقِيَ شَرَ هذِهِ الفِرَق ، وحتى نَفْهَمَ هذا الحَديثِ ، لابُد لنا مِنْ شيءٍ مِنَ الوقوفِ على بَعْضِ مُفْرَداتِه ، مُفْرَداته مِن جِهَةِ اللغةِ ، حتى نُحْسِنَ فَهْمَهُ.
فقولهُ – صلْى اللهُ عَليه وسَلّم –: (( سَيَكُونُ أقْوامٌ ))أقْوَامٌ أي :جماعاتٍ
((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ))تَجَارى : تَفَاعَل ، مِنَ الجَرَيان ، قَالَ أهلُ العِلمِ أي : إنّه يجْري فِيهم كَــ جَرْي الفَرَسِ
والأهْوَاءُ جَمْعُ الهَوى والهوى في الأصلِ في اللغَةِ هو مَيْلُ النَفْسِ ، ولكنْ لمّا غَلَبَ أنْ يكُونَ سَبَبًا في الشَرِ والباطلِ ، جَرَى دَمُهُ مُطْلَقًا كما أفاد ابنُ القَيّمِ – رَحِمَه اللهُ –في آخِرِ رَوْضَةِ المُحِبْين .
((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ كما يَتَجَارى الكَلَبُ بِصَاحبِه ))الكَلَبُ: داءٌ يُصِيبُ الإنسَانَ ، كما قال ابنُ الأثير مِن عَضَةِ الكَلْبِ الكَلِبِ ، الكَلْبِ الكَلِبِ ، الكَلِب وصْفٌ للكَلْبِ الذي يُصابُ بهذا الداءِ ، فالكَلْبُ يُصابُ بداءٍ، وقدْ قِيل في سبَبِه أشياء في كُتُبِ اللغةِ، فقِيل :إنّه يأكُلُ مِنَ النّوقِ التي تَرْعى في الليلِ فتأكُلُ مِنْ نباتٍ في أثناء الليلِ يَدُبُّ فيه مرضٌ ، فإذا أكل مِنْها صارَ فيه هذا المَرَضُ، وقِيل: إنّ السَبَبَ ذلك فيه أنّه يأكُلُ لَحْم الإنْسانِ ، فيَصيرُ كما وصَفَه النبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم – في بَعْضِ الأحاديثِ الأُخْرى(( مَسْعُورًا)) أي : يُصِيبَه السُعَار، فيَكُونُ هذا الكَلْبُ فيه هذا المَرَض فإذا عَضَ الإنْسانَ جَرى فيه هذا المرضُ الذي هو الكَلَبُ ، وهذا المرضُ إذَا أصابَ الإنْسانَ، فإنّه يَجْعَلهُ فيه كَثيرٌ مِنَ الأعْراضِ ، وقد ذَكَرَ أهْلُ العِلّمِ : إنّه يَجْعَله كــ "المَجْنونِ" ويَكونُ بِه عَطَشٌ شدِيدٌ ولا يستَطِيعُ شُرْبَ الماءِ(1) ، وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلّمِ :إنّه تصِيبُه الملخوليا: وهي داءٌ يكُونُ في العَقْلِ فيه دَاءٌ شدِيدٌ ، شديدُ العَطَبِ ، وشَدِيدُ الشَّرِّ إذا أصابَ الإنْسانِ ، وكانَ يُعْتَبَرُ مِنْ أشَدِ الأدواءِ التي تَعْرِفُها العَرَبُ ، وفي هذا الزمانِ ظهرَ ، يعني مِنْ أعراضِهِ الكثيرِ حتى وصَفُوه أنّه يُصِيبُ الإنْسانَ بشَدّ في العضلات وتَقَلُصات مع ضيقٍ في التنَفُسِ، ويُصيبُ الجهازَ العصبيّ ويَجْعَلُ الإنْسانَ يعْني في الغالبِ كان يموتُ، حتى كانتِ العربُ لا تعْرِفُ دواءً لهُ إلا دواءً مُحَرْمًا ، ومع الأسف أنّ بعْضَ هذا الدواءِ المحرمِ قدْ يُسْتَعْملُ إلى الآن في بعْضِ الأصقاعِ فكانتِ العربُ تَظنُ أنّ الشِفاءَ مِنْه يكونُ بِشُرْبِ شيءٍ مِن دمِ رَجُلٍ شَرِيفٍ، وفي هذا قالّ الكُمَيث:
أحْلَامُكُمْ لِسَقَامِ الْجَهْلِ شَافِيَة................كَمَا دِمَاؤُكُمُ يُشْفَى بِهَا الْكَلَبُ
والمقْصود أنّ هذا هو الكَلَبُ ، فهو يُصِيبُ الكَلْبَ ويَجْعَلُهُ على صِفَةٍ مَسْعُرة وكذلك يدبُّ في هذا الإنْسانِ فيَجْعَلُهُ كـــ "المجْنونِ" ، إذًا فَوصف الإنْسان هنا على لسانِ النبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وآلِهِ وسَلّم –ووصفُ النبِيُّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –حقٌ، فليس هوَ تصْويِرٌ فَنّيكما يقولُ سيْدُ[ هم ]قطب أو أهلِ البِدَعِ بالمجازِ وغَيْرهِ، يعْني ما يقُولُه النَبيّ - صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –تَشْبِيهًا ووصْفًا هو كـــ" القُرآنِ " يكُونُ حَقًا ومُطَابِقًا للواقِعِ تمَامًا وصِدْقًا، فالنَبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –هنا شَبَه أهْلَ البِدَعِ والأهْواءِ بالكِلابِ، وهذا له أصلُهُ في القــــــــرآنِ لما قال اللهُ – تباركَ وتعَالى –: ((فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْأَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون(( والشيءُ بالشيءِ يُذْكَر أنّ المُشْرِكِينَ لما رأوا القُــــــــرآنَ ينْزِلُ وفيهِ وصْف الكفْارِ بالكِلابِ وبالحَمِيرِ وبغّيرِ ذلكَ قال تعَالى: ((كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا((قالوا ما هذا يذْكُرُ هذه الدَوابَ على سَبِيلِ العَيبِ فأنّزلَ اللهُ – تباركَ وتعَالَى - : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا(( فهذا يَدُلُكَ على أنّ مِيزانَ الأخْلاقِ والآدابِ وأنَّ مِيزانَ التعَابيرِ والأساليبِ لا يرْجِعُ إلى أهْواءِ النّاسِ والنّفُوسِ وإنّما لهُ مِقياس" الكِتاب والسُنّة، وما كان عليْه السَلَفُ الصالحُ " وفي هذا ضَرْبَةٌ قاصِمَةٌ لبطَانَةِ الجَماَعَاتِ التي تًرِيدُ إعادة خِطَابِ أهْلِ السُنّة وكَلامِهم في حَقِ أهْلِ البِدَعِ بالصِيَغِ التي يُرِيِدونَ مِنْها إضعَاف السُنّة ، وذا يعْني مِنْ بَابِ الفائدَةِ الاستطراديةِ(2) .
الحَدِيثُ: يقولُ النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم –: ((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ ،كما يَتَجَارى الكَلَبُ بِصَاحبِه ، فما يَبْقى مِنْهُ مِفْصَلٌ ولا عَظْمٍ إلا دَخَلَهُ )) هذا الحَدِيث يَجْري على وصْفِ أهلَ البِدَعِ مِنْ حَيثُ العُمومِ أي : الذين صِفَتُهم مُنْطَبِقَةٌ لمَنْ كان ذو قصدٍ سيئٍ، وكان مُرِيدًا للباطِلِ بِحيثُ أنْ تكونَ صِفَتُهُ مُبْتَدِعًا خالصًا، فهذا يكونُ مآلُه ونهايةُ أمْرهِ وحقِيقَةُ وصْفِهِ، مِنْ حَيثُ أنّه يَسْتَسْلِمُ لهَواهُ ، ويَكُونُ هَواهُ كما قال الشاطِبيّ :هو الأصلُ الذي يَرْجِعُ إليه ، وهو الذي يَحْتَجُ لهُ ، فلا يَنْتَفِعُ بِقـــُرآنَ ولا بالسُنّة ، ولا يَلْتَفِتُ إلى دَليلٍ ، إلا إلى هذا الهوى المُعَظَمُ في نَفْسِهِ هو الذي يُريدُ خِدمَتَهُ فهذا الوَصْفُ ((تَتَجَارَى بِهِمْ الْأَهْوَاءُ ،كما يَتَجَارى الكَلَبُ بِصَاحبِه)) وفي الحَقِيقةِ يَعْني وهذهِ يعْني الشيءُ بالشيءِ يُذْكَرُ ، أحِبُ أنْ أذْكُرَها أنّ الانتفاعَ بدِّينِ اللهِ – تباركَ وتعالى – عُموُمًا،وبالسُنّة خُصُوصًا يُنْتَفَعُ بِها أكْمل الانْتِفاَعِ مَنْ يكُونُ صادِقًا في التَمَسُكِ بالسُنّةِ والجِهادِ عليْها ، فإنّ هذا الحَديثَ حينَ يسْمَعهُ يرى فِيه مِنَ المعاني الدالةِ على نُبُوَةِ النَبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –في واقِعِ أهلِ البِدَعِ الشيء الكثيرِ ، الذي يَعْلَمُ مَعَه أنّ ذلِك مِنْ آياتِ الله- تباركَ وتعالى – الباهِرةِ، فمَنْ يُكابِدُ أهْلَ البِدَعِ ، ومَنْ يَعْلمُ أساليِبَهم ، ومَنْ يرى أحْوالَهم فيما يَنْصُرُونَهُ مِنْ أهْوائهم ويرى تواطأهم مُجْتمِعِين فيما يُريِدَهُ يَعْلَمُ أنّ هذا الوَصْفَ مُنْطَبِقٌ عليهم تمامًا واقِعًا كما أخْبرَ النَبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –قَبْل طُرُوئهم وحُدوُثِهم غَيْبًا– صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –فيَبْلغُ بِهمُ الأهْواء شيئًا بِحيثُ أنّه يناَلُهم العَطَبُ التام ، فلا يَشْفَونَ مِنْهُ، كما جاء في الحدِيثِ الآخَر الذي جاء في وَصْفِ الخوارجِ لما ذَكَرَ النبِيّ – صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –الخوارج قالَ- في آخِرِ الحدِيث بعدَ أنْ وصَفَهم - صَلى الله ُ عَليه وسَلّم –قال : ((ثُمّ لا يعُودُونَ فيهِ))، ما يرجِعون إلى الإسلامِ ، ولذلك قال بعْضُ أئِمةِ السَلفِ: ((آخِرُ الحديثِ أشدُّ عَليْهم مِنْ أولِهِ أي في حديثِ وصفِ الخوارجِ ، فهذا الحديث يدُلُّ على أنّ الأهواءَ تَبْلُغُ بالإنْسانِ أنْ تكونَ صِفَتهُ كـــ " صِفَةِ هذا الكَلْب المسْعُور " الذي لايَفْتَأُ (4) يصِيحُ ويَنْبَحُ ويَعْطشُ للماءِ ولا يسْتَطِيعُ أنْ يَنْتَفِعَ به ، حَتى يمُوتَ ويهْلكَ .
والحَدِيث، أقول : والحدِيث قدْ شَرَحَهُ – يعْني – بَعْضُ الشُرّاحِ ،وحَمَلوه على هذا المَعْنى الذي ذَكَرْتُ ، وحَمَلُوه على معْنىً آخَر ، وهوَ أنّ المَقْصُودَ بِهِ ، عُمُوم المُنّتَسِبينَ إلى البِدَعِ ، مِمَّن يمكن أنْ يَتُوبَ مِنْ بِدَعِه ،فقالوا:أنّ هذا الحديثَ قدْ يَحْتَمِلُ مَعْناه ما سبق وذكَرْته ،وقدْ يَحْتَمِلُ مَعْناه معْنًى آخَر وهو أنّه في وَصْفِ أهْلِ البِدَعِ على سَبِيلِ العُمُومِ مِمَّن قدْ يَتُوبُ مِنْهم ومِمَّن قدْ لا يَتُوبُ، وفي الحَقِيقَةِ أنّ الأمرَ مِثْلما قَدَمْتُ أنّ هذا وصْفٌ عامٌ لِمَنْ انطَبَقَ عَليه وصف البَدْعَةِ بتمامه، أما كون بَعْضُ أهْلِ البِدَعِ حَسَنُ القَصْدِ، أو يكونُ جاهلًا ، أو لا يَعْلَمُ أنّ هذا القولَ يَبْلغُ بِه هذا المَبْلَغ ، أو يَكونُ مجاهِدًا في الوصُلِ إلى اللهِ - جَلّ وعلا –وإلى الحق ِ، فقدْ ينْجو، ولكنْ غالبِ أحوالِ أهْلِ البِدعِ كما قال سُفْيانُ الثَوْريّ – رَحِمَه اللهُ -، وغَيْرُهُ: " إنّهم لا يَتوبُونَ مِنْ بِدَعِهم" .
كذلك مِنَ المعْنى الأكيدِ الذي يَدُلُّ عليهِ هذا الحديثِ أنّ هذا في وصْفِ المُبْتَدِعِ ، وصَاحِبِ الهوى في نَفْسِهِ ، وكذلكَ في أثرِه على مَن يُخَالِطهم ، فإنّ هذا الكلْبَ المسْعورَ يَعَضُّ النّاسَ ،فإذا عَضّهم سَرى إليهم هذا الّمَرَضُ الذي يَحْمِله ، فكذلكَ صاحِبُ الهوى ، صاحِبُ الهوى إذا جُلِسَ مَعَهُ فإنّه أيضًا يَضُّرُّ مَن يُجَالِسَهُ كضَرَرِ هذا الكَلْبِ الكَلَب المَكْلُوب على مَنْ – يَعْني - يَفْتِكُ بِه أو يَعَّضُّه، فكذلك صَاحِبُ الهوى يَضُّرُّ ، ولذلكَ السَلَف الصاَلِح – رَحِمَهم اللهُ تعالى – لهم في ذلكَ مِنَ الأقْوالِ والآثار، ما اللهُ به عليمٌ، مِنْ خشْيَتِهم مِنَ الاستِماعِ إلى كلامِ أهْل البِدَع، وأشهر ذلك كلامُ ابنِ سِيرينَ حينَ امْتَنَع أن يَسْمَعَ آية فلما راجَعَهُ بَعْضُ أصْحَابه في ذلكَ قالَ خَشِيْتُ أنْ يَقْذِفَ شَيْئًا فيَعْلِقَ في قَلْبي ، أو مَعْنى كَلامهُ – رَحِمَه اللهُ تَعَالى .
وكما قالَ الشَافعِيُّ – رَحِمهُ الله –: (( مَنْ نَظَرَ في الرأي ففي قَلْبِه شيٌ مِنَ الدَغَلِ ، حتى إذَا ظَنَنْتَ أنّه قَدْ شُفِي ، هَاجَ بِه))،ولذلكَ مُجالِسة أهْل الأهْواء و مجَلسة أهْل البِدَعِ فيها خَطَرٌ عَظيم إذ أنّه يَنْهَشُ مَنْ يُجَلِسهُ كما يَنْهَشُ هذا الكَلْبُ – يعْني – مَنْ يَتَسَلّطُ عليه . ولَعَل في هذا القَدَرِ كِفَايةً.
الشَيْخُ محمد العنجريّ– حَفِظَهُ اللهُ–: جزاكَ اللهُ خيْرًا أبا مُحَمْدٍ ، فِعْلًا هذا ظَاهِر كــ – يعْني – رُجُوع أبي الحَسَنِ الأشْعَريّ ثُمّ رَفَعَ لواءَ السُىنّة و تَاب وخَرَجَ مِنْ هذا الانْحِرّافِ والاعْتِقادِ الأشْعَريّ – وللهِ الحَمْدِ – إلى دائِرةِ السُنّيَةِ ، وأيْضًا هنا سؤال شيخ أحمد : كيفَ تَتَجَارَى الْأَهْوَاءُ بالمُنحَرفِ عَن جادَةِ أهْلِ السُىنّةِ ؟.
الشَيْخُ أحمدُ السبيعيّ-حَفِظَهُ اللهُ–:تَتَجَارَى الْأَهْوَاءُ بِمَنْ يَقَعُ فيها إذَا اسْتَمَرَ في إتِبَاعِ هَواه ، ولم يُجَاهِدْ نَفْسَهُ في اتِّقَاءِ الهوى وإتِّبَاعِ السُنّةِ ، فإنّ هذه الأهْواءَ تَتَجَارَى بِهِ حتى يَكونَ مثل ما وصَف رَبُّنا – تَبَارَكَ وتَعَالى -: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ))وكما قال رَبُّنَا- تَبَارَكَ وتَعَالى -: ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)) فَينْقَلِبُ عِنْدَهُ كما أهْل البِدَعِ السُنَّةُ بِدْعَة ، والبِدْعَةُ سُنّة ،تنْقَلِبُ عِنْدَه حَقَائقُ الأشْيَاءِ ، وَصُوَرِهَا ، يَنْقَلِبُ عِنْدَهُ أحْكامُ الدّينِ إلا ما أشْرِبَ ، وخَيْرُ ما يشْرَحُ ذلك أيْضًا- يَعْني – مما جَاءَ في حَدِيثِ رَسُولِ الله -صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلّم –:حَدِيثُ حُذَيْفةُ المَشْهُور في الصَحِيح ، لما ذَكَرَ النَبِيّ - صلى اللهُ عليهِ وسَلّم – : أنَّ الفِتَنَ تُعْرَضُ ..الحديث (( تُعْرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ كعَرْض الحَصِير عُودًا ،عُودًا فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا ، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعروفًا ، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا ، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه)) فهذا يُبَيّن مُقْدَار تَجَارِي الأهْواءِ، الأهْواءُ خَطَرٌ في الدِّينِ ،المَعَاصِي شأنُها أهْون وإنْ كَانَتْ شَرّ، لكِنّ الأهْواء في الدِيَانة إذَا الرَجُل اتَّبَعَ هَوَاه في أمْرِ الدِيَانَةِ في شيءٍ فهذا خَطَرٌ عَظِيمٌ ، ولذلكَ لا يُسْتَسْمَحُ في شيءٍ أنّ للإنْسانِ أنْ يَتَبِعَ هَواه لا لِنُصْرَةِ قَوْلِهِ أو اعْتِقادِه أو الدِفَاعِ – يَعْني - أهْلِ العِلمِ، عَليه أنْ يَتَحَرى العَدْل ، وتَقْوى اللهَ- تَعَالى – حتى لو ظُلِمَ مِنْ أهْلِ الأهْواءِ واُفْتُرِي عليه - وهذه عَادَتُهِم - ، حتى لو حَصَلَ ذلك فَإنّه يَنْبَغِي أنْ يَعْدِلَ مَعَهم لأنّ صَاحِبَ السُنّة إنّما يَنْصُرَه اللهُ بالعَدْل .تفريغ بنت عمر
(1)لأنّه قيلَ هنا:مَنْ يشَرِبْ الماء يمتْ"والله أعْلَم
(2) الاستطرادُ : هو أنْ يذكرَ المتكلمُ غرضًا و ينتقل منه إلى غرضٍ آخَر يناسبُ الغرض الأول , ثم يرجع إلى إتمام الغرض الأول
(3) ما بين [...] زائد عن النص
(4)وقد يُحذَف حرف النفي لفظًا وهو مُقَدَّر مع فتئ إذا كانت بلفظ الفعل ،الفعل المضارع ومسبوقة بِقَسَم كما في قوله تعالى: ((قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ))أي: لا تفتؤا هذا رسم المُصحف.
____________________________________________