بسم الله الرّحمن الرّحيم
كلمة
للشّيخ الدُّكتور
أبي عمر أحمد بن عمر بازمول
-حفظه الله تعالى-
ألقاها عبر الهاتف ليلة الاثنين التّاسع من ذي الحجّة لسنة 1434هـ
على الأخوة السّلفيِّين بمدينة -سرت اللِّيبيّة-
وكانت بعنوان
"توجيهات سَلفيّة ونصائح تربويّة"
التّحميل مِن المُرفقات
ــــــــــ
التّفريغ
ــــــــــ
كلمة
للشّيخ الدُّكتور
أبي عمر أحمد بن عمر بازمول
-حفظه الله تعالى-
ألقاها عبر الهاتف ليلة الاثنين التّاسع من ذي الحجّة لسنة 1434هـ
على الأخوة السّلفيِّين بمدينة -سرت اللِّيبيّة-
وكانت بعنوان
"توجيهات سَلفيّة ونصائح تربويّة"
التّحميل مِن المُرفقات
ــــــــــ
التّفريغ
ــــــــــ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شُرور أنفُسِنا، ومِن سيّئات أعمالِنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، ألا وإنّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهُدى هُدى محمّد، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلّ مُحدثة بدعة، وكُلّ بدعة ضلالة، وكُلّ ضلالة في النّار؛ أمّا بعد:
فمِن نعم الله عزّ وجلّ عليّ وعليكم جميعًا أنْ جعلنا مِن المُنتسِبِين لهذا الدِّين الإسلاميّ العظيم، دين الإسلام الّذي ختم الله ُ عزّ وجلّ به الرِسالات، وختم به نبيِّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الرُّسل والنُّبوّة، فلا نبيَّ بعده صلّى الله عليه وسلّم، وهو الخاتم عليه الصّلاة والسّلام، وهذا الدِّين العظيم بجميع شرائعه وبجميع أحكامه اشتمل على ما فيه السّعادة للنّاس في الدُّنيا والآخرة؛ لو هم طبّقوه، وقاموا بما فيه، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا زواجره ونواهيه.
◄ وإنّي إذْ أتكلّم معكم -بارك الله فيكم- مُنطلِقًا مِن التّوجيهات الإسلاميّة، والوصايا النّبويّة، فإنّي أُوصِيكم بأوّل أمرٍ هو الإخلاص لله عزّ وجلّ: أنْ يكون مقصودك بالعمل وجهَ الله عزّ وجلّ، لا فُلان مِن النّاس رِياءً أو سُمعةً، ولا لمنصبٍ دُنيويّ.
وإخلاص العمل لله عزّ وجلّ أدلّته كثيرة، "إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرءٍ ما نوى"[مُتّفق عليه]، ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاً يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾[الكهف: 110].
فإذًا إخلاص العمل -كما مرّ معنا- أدلّته كثيرة وكثيرة جدًا، ولكن كما يُنبّه أهل العلم إلى ثمرة هذا الإخلاص، وهو أنّ الإنسانَ يحتسب الأجرَ عند اللهِ عزّ وجلّ، فيصبر على ما يلقاه مِن أذى في سبيل الدّعوة إلى الله، وفي سبيل حفظ الصّف السّلفيّ مِن التّفرّق والإختِلاف، وكم يُعاني السّلفيّون مِن بعض إخوانِهم الّذين لا يصبرون، وينتقِمون لأنفُسِهم، ولا يحتسِبون الأجر عند الله عزّ وجلّ.
أنا أُوصي نفسي وأُوصيكم جميعًا أنْ نُقدِّم مصلحةَ هذا الدِّين ومصلحة هذا المنهج السّلفيّ، ومصلحة إخواننا السّلفيِّين على مصالح أنفُسِنا؛ فلا ننتقم لأنفُسِنا مِمّا يُثير الشّحناء والبغضاء فيما بين إخواننا السّلفيِّين، وأنا كلامي عن الشّحناء والبغضاء في أُمور الدُّنيا، وعن الشّحناء والبغضاء بين الإخوة السّلفيِّين، لا أعني عُمومًا؛ فيختلط الحابل بالنّابل.
وإذا وقع بعضُ إخواننا في مُخالفات؛ فهذا أمرٌ سيأتينا -إنْ شاء الله- فيما يتعلّق به، إذا وقعوا في مُخالَفات شرعيّة؛ فإنّ هذا أمرٌ سيأتينا -بإذن الله عزّ وجلّ- ما يتعلّق به.
فإذًا أوّلاً الإخلاص، الإخلاص الّذي يشمل الصّبر ويشمل الصّدق ويشمل أُمورًا كثيرةً.
◄ الأمر الثّاني الّذي أُوصي نفسي به وإيّاكم بعد الإخلاص تقوى الله عزّ وجلّ، تقوى الله في مُراقبته سُبحانه وتعالى، فإنّ الواحد مِنّا قد يقول قولاً أو يعمل عملاً يُظهر خِلاف ما يُبطن، فإنّ الّذي أظهر خِلاف ما أبطن، لو استطاع أنْ يخدع النّاس، فلن يستطيع أنْ يخدع الله، فإنّ اللهَ يعلم السِّرَّ وأخفى.
فتقوى الله عزّ وجلّ تعني مُراقبته سُبحانه وتعالى، وتعني أنْ يعلم العبد ما يُتَّقى؛ فيتَّقِي، وتقوى الله أيضًا تقود إلى الصّبر، وتقود إلى مُراعاة مصلحة المنهج السّلفيّ، ومصلحة إخواننا السّلفيِّين، والصّبر عليهم، وعدم إحداث أو فعل أمرٍ يُؤدِّي إلى التّفرّق والاختِلاف، لا لمصلحة المنهج الشّرعي السّلفيّ، وإنّما لمصالح أنفُسِنا في صُورة الدِّفاع عن المنهج، وهذا أيضًا سيأتي -إنْ شاء الله-.
◄ الأمر الثّالث الّذي أُوصي نفسي به، وأُوصي به إخواني بعد الإخلاص، وبعد التّقوى، أُوصيهم بالصِّدق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾[التوبة: 119]، الصِّدق أنْ يُوافق الظّاهر الباطن، وأنْ يكون المُسلِم ناصحًا لإخوانه، صادقًا معهم في التّعامل، لا يُخادعهم، لا يُظهر لهم أمرًا خِلاف ما يُبطنه؛ فإنّ الصِّدقَ مِن أبرز علامة السّلفيِّين الصّادقِين، ما عِندهم خديعة، ولا خبيئة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المُنكر، ويصدُقون النّاس في أقوالِهم وأفعالهم.
◄ الأمر الرّابع الّذي أُوصيكم به ونفسي لُزوم العُلماء الكبار السّلفيِّين، والرُّجوع إلى فتاواهم، وإلى أشرطتِهم، وإلى كُتبهم، وقراءتِها، ومُدارستِها، والاستِفادة مِنها؛ فإنّ الرُّجوع إلى العُلماء الكبار السّلفيِّين مِن أُسس السّلفيّة المُهمّة، وأيضًا مع الرُّجوع إلى العُلماء السّلفيِّين فإنّه يجب مُراعاة احتِرامهم، وتقديرهم، ومحبَّتهم، وتجنّب سوء الأدب معهم.
والعلماء الكبار معروفون عند كلّ سلفيّ، مِن أمثال: الشّيخ ابن باز، وابن عثيمين، والألبانيّ -رحمة الله عليهم جميعًا-، ومِن أمثال: أيضّا الشّيخ النَّجمي -رحمة الله عليه-، ومحمّد أمان الجاميّ -رحمة الله عليه-، وأيضًا مثلاً مِن أمثال: الشّيخ ربيع المدخليّ، ومِن أمثال الشّيخ الفوزان، ومِن أمثال الشّيخ زيد المدخليّ، ومِن أمثال الشّيخ عبيد الجابريّ -حفظهم الله تعالى-، وغيرهم مِن العُلماء السَّلفيِّين المعروفين؛ فإنّ الرُّجوع إلى هؤلاء العُلماء السّلفيِّين والاهتداء بهديهم، وسُنَّتهم، والصُّدور عن رأيهم وقولهم فيما يُوجِّهون به الشَّباب أمرٌ مهم.
◄ وأيضًا مِمَّا أُوصي به طلب العلم، والتّعلُّم ما يحتاجه الواحد مِنّا في يومه وليلته وأهمّه التّوحيد وما يتعلّق به، ومعرفة الشِّرك المُضادّ للتّوحيد، فيتعلّم الواحد مِنّا هذه الأمور، ويتعلّم ما يتعلّق بطهارته، وصلاته، وصيامه، وحجّه إنْ أراد أنْ يحجّ، وزكاته إنْ كان عنده مال.
فطلبُ العلم مِنه ما هو فرض عيْن، ومِنه ما هو فرض كفاية.
ففرضُه عيْن هو العلْم الّذي يحتاجه المُسلِم أو المُسلِمة في عبادته لربِّه، وأمّا فرضُ الكفاية فما زاد عن ذلك.
والعلمُ يُهذِّبُ الأخلاق، ويجعل صاحبَه يتصرّف التّصرّف السّليم، ويُدرك عواقب الأُمور؛ ولذلك ما نُعانيه مِن بعض الشّباب السّلفيّين مِن سوء تصرّفهم في بعض الأحيان؛ نجدُ أنّ سببه ومَرجعه غالِبه الجهل، وعدم البصيرة في دين الله عزّ وجلّ.
فلذا لَمّا نُوصي بالعلم، نعني بهذه الوصيّة أوّلاً العلم الّذي يحتاجه المُسلِم في عبادته لربِّه.
والعلم .... يُهذِّبُ أخلاقه؛ فإنّ المنهج السّلفيّ مَن التزمه وتعلّمه لا بُدّ أنْ تكون أخلاقه مُهذَّبة. ولا يعني كلامي هذا الفصل بيْن الأخلاق والمنهج؛ لأنّ مَن ساء تصرّفه مِن السّلفيِّين سببه الجهل لا المنهج السّلفيّ نفسه؛ فالمنهج السّلفيّ مَن امتثله؛ حسُنتْ أخلاقُه.
أمّا مَن يُحاول الفصل بيْن المنهج وبيْن الأخلاق! فكأنّ المنهج شيء والأخلاق شيء آخر؛ فهذا لا يفهم حقيقة المنهج السّلفيّ، فإنّه لو أدرك حقيقة المنهج السّلفيّ لَعلِم أنّ هذا المنهج يقُوم على الأخلاق.
فإذًا إذا ظهر لكم هذا وتبيّن لكم؛ علِمتُم -بارك اللهُ فيكم- أنّ المنهج السّلفيّ يُهذِّبُ أخلاقَ أتباعه، ويقودهم للّتي أحسن؛ فإذًا المنهج -كما سبق معنا- مَن تعلّمه وطبّقه؛ حسُنتْ أخلاقُه.
لِذا أنا أكرِّرُ و أُؤكّد أنّ ما يُحاول بعضهم مِن وصف السّلفيِّين بسوء الخُلٌق؛ فهذه مُحاولة فاشلة.
◄ ثمّ الوصيّة الّتي تليها: أُوصي نفسي وإيّاكم بالأخُوَّة، والمحافظة على الإخوان السّلفيِّين، والصّبر عليهم، ونصيحتهم؛ فإنّ الدِّين النّصيحة: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمّة المُسلمين وعامّتهم. فإخواننا السّلفيُّون هم مِن عامّة المُسلمين، والنّصيحة معناها النُّصح، الصِّدق في التّعامل، أنْ تُحبّ له الخير كما تُحبّه لنفسك، أنْ تُوجّهه للّتي هي أحسن إذا أخطأ، أنْ تحرص على هدايته، أنْ لا يصدر منك فعلٌ يدلُّ على مكر أو خديعة أو خبيئة، أنْ لا تتربّص به، أنْ تحرص على نُصحه، وتنبيهه للخير مادام أنّه أخوك السَّلفي ووقع في هذه الأمور خطأً دون قصد، أو وقع فيها قصدًا بسبب إغواء الشّيطان؛ فلا مانع مِن نُصحه، ومُحاولة هدايته.
.
هذا بابٌ مُهمّ أنْ يفقهه السّلفيّ؛ لأنّنا نجد مِن بعض إخواننا السّلفيِّين، يظنّ أنّ كلّ مَن وقع في مخالفة منهجيّة مِن إخوانه السّلفيِّين فهو ضالّ مُضلّ، وهو يستحقّ الرَّدّ، ويستحقّ التّحذير مِنه؛ وهذا هو عيْن منهج الحدّاديّة الّذي حذّر مِنه العُلماء. وفَرْقٌ بيْن تحذير العُلماء مِن المُخالِفين وبين هذا الفعل، والفرق ... إذا علمنا أنّ العُلماء يُناصحونهم ويُبيِّنون لهم، ويصبرون عليهم حتى إذا وصلوا إلى مرتبة رأوا أنَّهم لا يُريدون الحقّ؛ حذّروا مِنهم، أو وصلوا إلى مرتبة انتشر فيها شرّهم؛ بيّنوا ضررهم، أمّا ابتِداءً فلا، لا يحصل مثل هذا.
فربّما بعض إخواننا السّلفيِّين رأى بعض هذه التّصرّفات فظنّ أنّهم يُحذِّرون مُطلقًا، وأنّهم لا يصْبرون على المخالف؛ وهذا خطأ.
فإذا وقع بعض إخواننا في الخطأ؛ فإنّنا ننصحه، ونوجّهه، ونحاول في هدايته؛ علّ الله أنْ ينفعه، ونصبر عليه بقدر ما نُوضِّح له الحقّ، وهذا ما رأينا عليه مشايخنا: الشّيخ ربيع، والشّيخ عبيد، والشّيخ النّجميّ، وغيرهم. فلا تظنّوا -بارك الله فيكم- أنّ العُلماء حين يردُّون على المُخالفِين، أنّهم ردُّوا مباشرة، وما انتظروهم وبِمُجرّد المُخالفة ..لا لا هذا ظنّ خاطئ.
فوالله ما مِن شخص حذّر مِنه العُلماء إلاّ وقد ظهر لهم سوء حاله، وعدم قبوله للحقّ، ومُعاندته، ولا أحتاج أنْ أضرب لكم مثالاً في هذه القضيّة، فشيخُنا الإمام حامل راية الجرح والتّعديل ربيع المدخليّ -حفظه الله تعالى- مِن أبرز المشايخ في هذا العصر صبرًا على المخالف، ومحُاولة في هدايته، بل لو قُلتُ لكم أمرًا مِن منهجه -حفظه الله تعالى- فيما لاحظته، أنّه أحيانًا يتغاضى ويتعامى عن المخالف إذا أظهر التّوبة؛ فيُمْهله عَلَّه أنْ يصدق في هذا الأمر، إذْ يَظهر له أنّه مُعاندٌ، ولكن يقول عَلَّه ينتفع، يصبر لهذه الدّرجة.
فجزاه الله خيرًا، لَمّا يتكلّم بعد ذلك في المُخالف -كما تعلمون- يسقط تمامًا، ولا يحتاج أنْ يُسقط مرةً أخرى؛ لأنّ الشّيخ -سبحان الله بصبره عليه- قد قطع عُذره.
فإخواني -بارك الله فيكم- كُلّنا نخطئ، وكُلّنا قد نقع في الخطأ، ولا يعني نُطيع بعضنا في مثل هذه الأخطاء، أنّنا نحمل عليه أو أنْ نَصِفَهُ بالحدّاديّة أو أنْ نّصِفَهُ بمثلِ هذه الأمور، وإنّما نُسدّدُ ونُقارب فيما بيننا، ونُحاول الإصلاح، ونُحاول الإحسان لإخوانِنا.
.
الشّيخ ربيع -أيضًا- مِن كلماته الجميلة في هذا الباب، أنّه يقول أنّ بعض السّلفيِّين يفرح بسقوط إخوانه، ولا يصبر عليه، ويُجْهز عليه مباشرة، فقال: هذه شدّة كشدّة الحدّاديّة، فعلاً هذا الأمر يقع.
واحذروا -بارك الله - أنْ تُنَزِّلوا هذا الكلام على بعض إخواننا السّلفيِّين عندكم في ليبيا، مثل أخينا الفاضل أبي الفضل اللِّيبيّ، فهو رجل سلفيّ صاحب منهج سليم فيما أعلم. وقد رأيتُ مِنه، وسمعتُ مِن شيخنا العلاّمة ربيع المدخليّ مِن الثّناء عليه والله ما لم أسمعه على كثير مِن المُتصدِّرين، فكان وصفه بأنّه جبل، وأنّه ثابت في الفتنّ، وأنّه سلفيّ... إلى آخره.
وأمّا كلام الشّيخ عبيد -حفظه الله تعالى- في عدم الأخذ بكلام أخينا أبي الفضل في بعض أهل ليبيا ليس طعنًا في أبي الفضل. انتبهوا لمثل هذا الأمر؛ لأنّه كما تعلمون أنّ عُلماء الجرح والتّعديل يختلفون في الرَّجل، فأحيانًا يقول فُلان جرحه فلان، لا تأخذوا بجرحه، هو ثقة عندنا، هذا يحصل. ولا يعني هذا الجرح كما هو مُقرّر في علم الحديث وفي المصطلح الطّعن في الجارح، أبدًا، انتبهوا لمثل هذا الأمر. ومَن يستغلّ كلامَ الشّيخ عبيد في الطّعن في أخينا أبي الفضل هو مِن الصّنف الّذي أنا الآن أُحذّر منه، الّذي يُحاول أنْ يُفرِّق الصّفّ السّلفيّ، والّذي يستغلّ بعض المواقف لمصالحه الشّخصيّة في صورة الدِّفاع عن المنهج السّلفيّ.
فلا والله ما عرفنا عن أخينا أبي الفضل إلاّ الخير والسُّنّة، ولزومها. ونسأل اللهَ عزّ وجلّ أنْ يُصلح أحوال هؤلاء الّذين تابوا وأعلنوا رُجوعهم عن بعض الأخطاء، فوالله رُجوعهم أحبّ إلينا -والله- مِن شيء كثير، ومِن الطّعن فيهم.
فنسأل اللهَ أنْ يُثبِّتهم وأنْ يهديهم للحقِّ، وكُلٌّ يُؤخذ مِن قوله ويُردّ.
فإذًا بارك الله فيكم هذه الأخُوّة الإسلاميّة، وهذا التّلاحم بين الإخوان السَّلفيِّين أمر مُهمّ، وأُكرِّرُ مُنبِّهًا لا أَعني بكلِمَتِي هذه التّلاحم مع المُخالِفين اللعّابِين، ولا أَعني بكلِمَتِي هذه الطّعن في إخواننا السّلفيِّين أصحاب المنهج السّلفيّ الواضح، أبدًا والله؛ وإنّما كما هو معلوم أنّ المنهج السّلفيّ وسط بين التّمييع والتّضييع وبين الغُلوّ والشِّدَّة.
فأسأل اللهَ عزّ وجلّ أنْ يُؤلِّف بين قلوبكم، وأنْ يُصلح أحوالَكم، وأنْ يرزقني وإيّاكم الإخلاص في القول والعمل.
◄ أيضًا مِن الأمور الّتي أُحبُّ أنْ أنبِّهَ عليها -بارك الله فيكم-، أُنبِّهَ نفسي وأُنبِّهَ إخواني في ليبيا بالبُعد عن المُصادمات، والبُعد عن المهاترات، والبُعد عن التّدخّل فيما لا يعنيكم فإنّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: "مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"[رواه التِّرمذيّ مِن حديث أبي هريرة، وحسّنه].
فكثيرٌ مِن المشاكل لو تأمّلنا فيها؛ لوجدنا أنّ مِن أسبابها تدخّل البعض في أمرٍ لا يعنيه، ولا يُحسنه؛ فإنّ هذا يُفسد مِن حيث يظنّ نفسَه يُصلح.
فابتعدوا -بارك الله فيكم- عن مثل هذه الأُمور، وتأدّبوا بالآداب الإسلاميّة.
◄ أيضًا مِمّا أُوصي نفسي وإيّاكم به -بارك الله فيكم- الزِّيادة مِن الأعمال الطيِّبة: مِن قراءة القُرآن، والمُحافظة على الصّلوات في أوقاتها، ومِن برِّ الوالديْن، ومِن الإحسان إلى الفُقراء والأيتام والمساكين والأرامل. فإنّ السَّلفيّة يجب أنْ تظهر للنّاس بمثل هذه المظاهر؛ لأنّ هذا ما كان عليه النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، كانوا مُتمسِّكين بالمنهج، وكانوا يُطبِّقون الإسلامَ، وكانوا يزدادون مِن الخير والطّاعات.
◄ وأيضًا أنصحكم وأنصح نفسي بالبُعد عن الأمور المحرّمة الّتي تُؤّدي إلى قسوة القلب، ووحشة وظلمة في الوجه، ورِقّة في الطّبع، وبعد عن الحقِّ: مِن عقوق للوالديْن، أو ظلم الآخرين، أو الغيبة والنميمة، أو إيذاء الزّوجة والأولاد، أو إيذاء الجيران، أو سوء التّعامل مع العُلماء، مع الإخوان السَّلفيِّين.
فهذه -بارك الله فيكم ونفع بكم وألّف بين قلوبكم-، هذه الأمور، وهذه الوصايا هي والله مِن أخ مُحبٍّ لكم وأخ حريص عليكم بإذن الله تعالى، وما أردتُ بها إلاَّ وجه الله تعالى.
أسأل اللهَ عزّ وجلّ أنْ لا يحرمني وإيّاكم الأجر، وأنْ يُثبِّتني وإيّاكم على الحقِّ، ويُبعدني وإيّاكم عن البدعة، وعن الفرقة والإختلاف، وأنْ يجعلنا مِن أهل المودّة والرّحمة والإئتلاف.
أسأل اللهّ عزّ وجلّ أنْ يجعلها حُجّة لنا لا حُجّة علينا.
فمِن نعم الله عزّ وجلّ عليّ وعليكم جميعًا أنْ جعلنا مِن المُنتسِبِين لهذا الدِّين الإسلاميّ العظيم، دين الإسلام الّذي ختم الله ُ عزّ وجلّ به الرِسالات، وختم به نبيِّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الرُّسل والنُّبوّة، فلا نبيَّ بعده صلّى الله عليه وسلّم، وهو الخاتم عليه الصّلاة والسّلام، وهذا الدِّين العظيم بجميع شرائعه وبجميع أحكامه اشتمل على ما فيه السّعادة للنّاس في الدُّنيا والآخرة؛ لو هم طبّقوه، وقاموا بما فيه، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا زواجره ونواهيه.
◄ وإنّي إذْ أتكلّم معكم -بارك الله فيكم- مُنطلِقًا مِن التّوجيهات الإسلاميّة، والوصايا النّبويّة، فإنّي أُوصِيكم بأوّل أمرٍ هو الإخلاص لله عزّ وجلّ: أنْ يكون مقصودك بالعمل وجهَ الله عزّ وجلّ، لا فُلان مِن النّاس رِياءً أو سُمعةً، ولا لمنصبٍ دُنيويّ.
وإخلاص العمل لله عزّ وجلّ أدلّته كثيرة، "إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرءٍ ما نوى"[مُتّفق عليه]، ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاً يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾[الكهف: 110].
فإذًا إخلاص العمل -كما مرّ معنا- أدلّته كثيرة وكثيرة جدًا، ولكن كما يُنبّه أهل العلم إلى ثمرة هذا الإخلاص، وهو أنّ الإنسانَ يحتسب الأجرَ عند اللهِ عزّ وجلّ، فيصبر على ما يلقاه مِن أذى في سبيل الدّعوة إلى الله، وفي سبيل حفظ الصّف السّلفيّ مِن التّفرّق والإختِلاف، وكم يُعاني السّلفيّون مِن بعض إخوانِهم الّذين لا يصبرون، وينتقِمون لأنفُسِهم، ولا يحتسِبون الأجر عند الله عزّ وجلّ.
أنا أُوصي نفسي وأُوصيكم جميعًا أنْ نُقدِّم مصلحةَ هذا الدِّين ومصلحة هذا المنهج السّلفيّ، ومصلحة إخواننا السّلفيِّين على مصالح أنفُسِنا؛ فلا ننتقم لأنفُسِنا مِمّا يُثير الشّحناء والبغضاء فيما بين إخواننا السّلفيِّين، وأنا كلامي عن الشّحناء والبغضاء في أُمور الدُّنيا، وعن الشّحناء والبغضاء بين الإخوة السّلفيِّين، لا أعني عُمومًا؛ فيختلط الحابل بالنّابل.
وإذا وقع بعضُ إخواننا في مُخالفات؛ فهذا أمرٌ سيأتينا -إنْ شاء الله- فيما يتعلّق به، إذا وقعوا في مُخالَفات شرعيّة؛ فإنّ هذا أمرٌ سيأتينا -بإذن الله عزّ وجلّ- ما يتعلّق به.
فإذًا أوّلاً الإخلاص، الإخلاص الّذي يشمل الصّبر ويشمل الصّدق ويشمل أُمورًا كثيرةً.
◄ الأمر الثّاني الّذي أُوصي نفسي به وإيّاكم بعد الإخلاص تقوى الله عزّ وجلّ، تقوى الله في مُراقبته سُبحانه وتعالى، فإنّ الواحد مِنّا قد يقول قولاً أو يعمل عملاً يُظهر خِلاف ما يُبطن، فإنّ الّذي أظهر خِلاف ما أبطن، لو استطاع أنْ يخدع النّاس، فلن يستطيع أنْ يخدع الله، فإنّ اللهَ يعلم السِّرَّ وأخفى.
فتقوى الله عزّ وجلّ تعني مُراقبته سُبحانه وتعالى، وتعني أنْ يعلم العبد ما يُتَّقى؛ فيتَّقِي، وتقوى الله أيضًا تقود إلى الصّبر، وتقود إلى مُراعاة مصلحة المنهج السّلفيّ، ومصلحة إخواننا السّلفيِّين، والصّبر عليهم، وعدم إحداث أو فعل أمرٍ يُؤدِّي إلى التّفرّق والاختِلاف، لا لمصلحة المنهج الشّرعي السّلفيّ، وإنّما لمصالح أنفُسِنا في صُورة الدِّفاع عن المنهج، وهذا أيضًا سيأتي -إنْ شاء الله-.
◄ الأمر الثّالث الّذي أُوصي نفسي به، وأُوصي به إخواني بعد الإخلاص، وبعد التّقوى، أُوصيهم بالصِّدق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾[التوبة: 119]، الصِّدق أنْ يُوافق الظّاهر الباطن، وأنْ يكون المُسلِم ناصحًا لإخوانه، صادقًا معهم في التّعامل، لا يُخادعهم، لا يُظهر لهم أمرًا خِلاف ما يُبطنه؛ فإنّ الصِّدقَ مِن أبرز علامة السّلفيِّين الصّادقِين، ما عِندهم خديعة، ولا خبيئة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المُنكر، ويصدُقون النّاس في أقوالِهم وأفعالهم.
◄ الأمر الرّابع الّذي أُوصيكم به ونفسي لُزوم العُلماء الكبار السّلفيِّين، والرُّجوع إلى فتاواهم، وإلى أشرطتِهم، وإلى كُتبهم، وقراءتِها، ومُدارستِها، والاستِفادة مِنها؛ فإنّ الرُّجوع إلى العُلماء الكبار السّلفيِّين مِن أُسس السّلفيّة المُهمّة، وأيضًا مع الرُّجوع إلى العُلماء السّلفيِّين فإنّه يجب مُراعاة احتِرامهم، وتقديرهم، ومحبَّتهم، وتجنّب سوء الأدب معهم.
والعلماء الكبار معروفون عند كلّ سلفيّ، مِن أمثال: الشّيخ ابن باز، وابن عثيمين، والألبانيّ -رحمة الله عليهم جميعًا-، ومِن أمثال: أيضّا الشّيخ النَّجمي -رحمة الله عليه-، ومحمّد أمان الجاميّ -رحمة الله عليه-، وأيضًا مثلاً مِن أمثال: الشّيخ ربيع المدخليّ، ومِن أمثال الشّيخ الفوزان، ومِن أمثال الشّيخ زيد المدخليّ، ومِن أمثال الشّيخ عبيد الجابريّ -حفظهم الله تعالى-، وغيرهم مِن العُلماء السَّلفيِّين المعروفين؛ فإنّ الرُّجوع إلى هؤلاء العُلماء السّلفيِّين والاهتداء بهديهم، وسُنَّتهم، والصُّدور عن رأيهم وقولهم فيما يُوجِّهون به الشَّباب أمرٌ مهم.
◄ وأيضًا مِمَّا أُوصي به طلب العلم، والتّعلُّم ما يحتاجه الواحد مِنّا في يومه وليلته وأهمّه التّوحيد وما يتعلّق به، ومعرفة الشِّرك المُضادّ للتّوحيد، فيتعلّم الواحد مِنّا هذه الأمور، ويتعلّم ما يتعلّق بطهارته، وصلاته، وصيامه، وحجّه إنْ أراد أنْ يحجّ، وزكاته إنْ كان عنده مال.
فطلبُ العلم مِنه ما هو فرض عيْن، ومِنه ما هو فرض كفاية.
ففرضُه عيْن هو العلْم الّذي يحتاجه المُسلِم أو المُسلِمة في عبادته لربِّه، وأمّا فرضُ الكفاية فما زاد عن ذلك.
والعلمُ يُهذِّبُ الأخلاق، ويجعل صاحبَه يتصرّف التّصرّف السّليم، ويُدرك عواقب الأُمور؛ ولذلك ما نُعانيه مِن بعض الشّباب السّلفيّين مِن سوء تصرّفهم في بعض الأحيان؛ نجدُ أنّ سببه ومَرجعه غالِبه الجهل، وعدم البصيرة في دين الله عزّ وجلّ.
فلذا لَمّا نُوصي بالعلم، نعني بهذه الوصيّة أوّلاً العلم الّذي يحتاجه المُسلِم في عبادته لربِّه.
والعلم .... يُهذِّبُ أخلاقه؛ فإنّ المنهج السّلفيّ مَن التزمه وتعلّمه لا بُدّ أنْ تكون أخلاقه مُهذَّبة. ولا يعني كلامي هذا الفصل بيْن الأخلاق والمنهج؛ لأنّ مَن ساء تصرّفه مِن السّلفيِّين سببه الجهل لا المنهج السّلفيّ نفسه؛ فالمنهج السّلفيّ مَن امتثله؛ حسُنتْ أخلاقُه.
أمّا مَن يُحاول الفصل بيْن المنهج وبيْن الأخلاق! فكأنّ المنهج شيء والأخلاق شيء آخر؛ فهذا لا يفهم حقيقة المنهج السّلفيّ، فإنّه لو أدرك حقيقة المنهج السّلفيّ لَعلِم أنّ هذا المنهج يقُوم على الأخلاق.
فإذًا إذا ظهر لكم هذا وتبيّن لكم؛ علِمتُم -بارك اللهُ فيكم- أنّ المنهج السّلفيّ يُهذِّبُ أخلاقَ أتباعه، ويقودهم للّتي أحسن؛ فإذًا المنهج -كما سبق معنا- مَن تعلّمه وطبّقه؛ حسُنتْ أخلاقُه.
لِذا أنا أكرِّرُ و أُؤكّد أنّ ما يُحاول بعضهم مِن وصف السّلفيِّين بسوء الخُلٌق؛ فهذه مُحاولة فاشلة.
◄ ثمّ الوصيّة الّتي تليها: أُوصي نفسي وإيّاكم بالأخُوَّة، والمحافظة على الإخوان السّلفيِّين، والصّبر عليهم، ونصيحتهم؛ فإنّ الدِّين النّصيحة: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمّة المُسلمين وعامّتهم. فإخواننا السّلفيُّون هم مِن عامّة المُسلمين، والنّصيحة معناها النُّصح، الصِّدق في التّعامل، أنْ تُحبّ له الخير كما تُحبّه لنفسك، أنْ تُوجّهه للّتي هي أحسن إذا أخطأ، أنْ تحرص على هدايته، أنْ لا يصدر منك فعلٌ يدلُّ على مكر أو خديعة أو خبيئة، أنْ لا تتربّص به، أنْ تحرص على نُصحه، وتنبيهه للخير مادام أنّه أخوك السَّلفي ووقع في هذه الأمور خطأً دون قصد، أو وقع فيها قصدًا بسبب إغواء الشّيطان؛ فلا مانع مِن نُصحه، ومُحاولة هدايته.
.
هذا بابٌ مُهمّ أنْ يفقهه السّلفيّ؛ لأنّنا نجد مِن بعض إخواننا السّلفيِّين، يظنّ أنّ كلّ مَن وقع في مخالفة منهجيّة مِن إخوانه السّلفيِّين فهو ضالّ مُضلّ، وهو يستحقّ الرَّدّ، ويستحقّ التّحذير مِنه؛ وهذا هو عيْن منهج الحدّاديّة الّذي حذّر مِنه العُلماء. وفَرْقٌ بيْن تحذير العُلماء مِن المُخالِفين وبين هذا الفعل، والفرق ... إذا علمنا أنّ العُلماء يُناصحونهم ويُبيِّنون لهم، ويصبرون عليهم حتى إذا وصلوا إلى مرتبة رأوا أنَّهم لا يُريدون الحقّ؛ حذّروا مِنهم، أو وصلوا إلى مرتبة انتشر فيها شرّهم؛ بيّنوا ضررهم، أمّا ابتِداءً فلا، لا يحصل مثل هذا.
فربّما بعض إخواننا السّلفيِّين رأى بعض هذه التّصرّفات فظنّ أنّهم يُحذِّرون مُطلقًا، وأنّهم لا يصْبرون على المخالف؛ وهذا خطأ.
فإذا وقع بعض إخواننا في الخطأ؛ فإنّنا ننصحه، ونوجّهه، ونحاول في هدايته؛ علّ الله أنْ ينفعه، ونصبر عليه بقدر ما نُوضِّح له الحقّ، وهذا ما رأينا عليه مشايخنا: الشّيخ ربيع، والشّيخ عبيد، والشّيخ النّجميّ، وغيرهم. فلا تظنّوا -بارك الله فيكم- أنّ العُلماء حين يردُّون على المُخالفِين، أنّهم ردُّوا مباشرة، وما انتظروهم وبِمُجرّد المُخالفة ..لا لا هذا ظنّ خاطئ.
فوالله ما مِن شخص حذّر مِنه العُلماء إلاّ وقد ظهر لهم سوء حاله، وعدم قبوله للحقّ، ومُعاندته، ولا أحتاج أنْ أضرب لكم مثالاً في هذه القضيّة، فشيخُنا الإمام حامل راية الجرح والتّعديل ربيع المدخليّ -حفظه الله تعالى- مِن أبرز المشايخ في هذا العصر صبرًا على المخالف، ومحُاولة في هدايته، بل لو قُلتُ لكم أمرًا مِن منهجه -حفظه الله تعالى- فيما لاحظته، أنّه أحيانًا يتغاضى ويتعامى عن المخالف إذا أظهر التّوبة؛ فيُمْهله عَلَّه أنْ يصدق في هذا الأمر، إذْ يَظهر له أنّه مُعاندٌ، ولكن يقول عَلَّه ينتفع، يصبر لهذه الدّرجة.
فجزاه الله خيرًا، لَمّا يتكلّم بعد ذلك في المُخالف -كما تعلمون- يسقط تمامًا، ولا يحتاج أنْ يُسقط مرةً أخرى؛ لأنّ الشّيخ -سبحان الله بصبره عليه- قد قطع عُذره.
فإخواني -بارك الله فيكم- كُلّنا نخطئ، وكُلّنا قد نقع في الخطأ، ولا يعني نُطيع بعضنا في مثل هذه الأخطاء، أنّنا نحمل عليه أو أنْ نَصِفَهُ بالحدّاديّة أو أنْ نّصِفَهُ بمثلِ هذه الأمور، وإنّما نُسدّدُ ونُقارب فيما بيننا، ونُحاول الإصلاح، ونُحاول الإحسان لإخوانِنا.
.
الشّيخ ربيع -أيضًا- مِن كلماته الجميلة في هذا الباب، أنّه يقول أنّ بعض السّلفيِّين يفرح بسقوط إخوانه، ولا يصبر عليه، ويُجْهز عليه مباشرة، فقال: هذه شدّة كشدّة الحدّاديّة، فعلاً هذا الأمر يقع.
واحذروا -بارك الله - أنْ تُنَزِّلوا هذا الكلام على بعض إخواننا السّلفيِّين عندكم في ليبيا، مثل أخينا الفاضل أبي الفضل اللِّيبيّ، فهو رجل سلفيّ صاحب منهج سليم فيما أعلم. وقد رأيتُ مِنه، وسمعتُ مِن شيخنا العلاّمة ربيع المدخليّ مِن الثّناء عليه والله ما لم أسمعه على كثير مِن المُتصدِّرين، فكان وصفه بأنّه جبل، وأنّه ثابت في الفتنّ، وأنّه سلفيّ... إلى آخره.
وأمّا كلام الشّيخ عبيد -حفظه الله تعالى- في عدم الأخذ بكلام أخينا أبي الفضل في بعض أهل ليبيا ليس طعنًا في أبي الفضل. انتبهوا لمثل هذا الأمر؛ لأنّه كما تعلمون أنّ عُلماء الجرح والتّعديل يختلفون في الرَّجل، فأحيانًا يقول فُلان جرحه فلان، لا تأخذوا بجرحه، هو ثقة عندنا، هذا يحصل. ولا يعني هذا الجرح كما هو مُقرّر في علم الحديث وفي المصطلح الطّعن في الجارح، أبدًا، انتبهوا لمثل هذا الأمر. ومَن يستغلّ كلامَ الشّيخ عبيد في الطّعن في أخينا أبي الفضل هو مِن الصّنف الّذي أنا الآن أُحذّر منه، الّذي يُحاول أنْ يُفرِّق الصّفّ السّلفيّ، والّذي يستغلّ بعض المواقف لمصالحه الشّخصيّة في صورة الدِّفاع عن المنهج السّلفيّ.
فلا والله ما عرفنا عن أخينا أبي الفضل إلاّ الخير والسُّنّة، ولزومها. ونسأل اللهَ عزّ وجلّ أنْ يُصلح أحوال هؤلاء الّذين تابوا وأعلنوا رُجوعهم عن بعض الأخطاء، فوالله رُجوعهم أحبّ إلينا -والله- مِن شيء كثير، ومِن الطّعن فيهم.
فنسأل اللهَ أنْ يُثبِّتهم وأنْ يهديهم للحقِّ، وكُلٌّ يُؤخذ مِن قوله ويُردّ.
فإذًا بارك الله فيكم هذه الأخُوّة الإسلاميّة، وهذا التّلاحم بين الإخوان السَّلفيِّين أمر مُهمّ، وأُكرِّرُ مُنبِّهًا لا أَعني بكلِمَتِي هذه التّلاحم مع المُخالِفين اللعّابِين، ولا أَعني بكلِمَتِي هذه الطّعن في إخواننا السّلفيِّين أصحاب المنهج السّلفيّ الواضح، أبدًا والله؛ وإنّما كما هو معلوم أنّ المنهج السّلفيّ وسط بين التّمييع والتّضييع وبين الغُلوّ والشِّدَّة.
فأسأل اللهَ عزّ وجلّ أنْ يُؤلِّف بين قلوبكم، وأنْ يُصلح أحوالَكم، وأنْ يرزقني وإيّاكم الإخلاص في القول والعمل.
◄ أيضًا مِن الأمور الّتي أُحبُّ أنْ أنبِّهَ عليها -بارك الله فيكم-، أُنبِّهَ نفسي وأُنبِّهَ إخواني في ليبيا بالبُعد عن المُصادمات، والبُعد عن المهاترات، والبُعد عن التّدخّل فيما لا يعنيكم فإنّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: "مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"[رواه التِّرمذيّ مِن حديث أبي هريرة، وحسّنه].
فكثيرٌ مِن المشاكل لو تأمّلنا فيها؛ لوجدنا أنّ مِن أسبابها تدخّل البعض في أمرٍ لا يعنيه، ولا يُحسنه؛ فإنّ هذا يُفسد مِن حيث يظنّ نفسَه يُصلح.
فابتعدوا -بارك الله فيكم- عن مثل هذه الأُمور، وتأدّبوا بالآداب الإسلاميّة.
◄ أيضًا مِمّا أُوصي نفسي وإيّاكم به -بارك الله فيكم- الزِّيادة مِن الأعمال الطيِّبة: مِن قراءة القُرآن، والمُحافظة على الصّلوات في أوقاتها، ومِن برِّ الوالديْن، ومِن الإحسان إلى الفُقراء والأيتام والمساكين والأرامل. فإنّ السَّلفيّة يجب أنْ تظهر للنّاس بمثل هذه المظاهر؛ لأنّ هذا ما كان عليه النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، كانوا مُتمسِّكين بالمنهج، وكانوا يُطبِّقون الإسلامَ، وكانوا يزدادون مِن الخير والطّاعات.
◄ وأيضًا أنصحكم وأنصح نفسي بالبُعد عن الأمور المحرّمة الّتي تُؤّدي إلى قسوة القلب، ووحشة وظلمة في الوجه، ورِقّة في الطّبع، وبعد عن الحقِّ: مِن عقوق للوالديْن، أو ظلم الآخرين، أو الغيبة والنميمة، أو إيذاء الزّوجة والأولاد، أو إيذاء الجيران، أو سوء التّعامل مع العُلماء، مع الإخوان السَّلفيِّين.
فهذه -بارك الله فيكم ونفع بكم وألّف بين قلوبكم-، هذه الأمور، وهذه الوصايا هي والله مِن أخ مُحبٍّ لكم وأخ حريص عليكم بإذن الله تعالى، وما أردتُ بها إلاَّ وجه الله تعالى.
أسأل اللهَ عزّ وجلّ أنْ لا يحرمني وإيّاكم الأجر، وأنْ يُثبِّتني وإيّاكم على الحقِّ، ويُبعدني وإيّاكم عن البدعة، وعن الفرقة والإختلاف، وأنْ يجعلنا مِن أهل المودّة والرّحمة والإئتلاف.
أسأل اللهّ عزّ وجلّ أنْ يجعلها حُجّة لنا لا حُجّة علينا.
وصلّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم أجمعين.
تعليق