الحمد لله الذي أكمل لهذه الأمة الدين وأتم عليها النعمة ورضي لها الإسلام دينا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد المبعوث للثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فإن من المعلوم أن دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله الكريم محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم متصف بثلاث صفات: الكمال والشمول والبقاء، فهو كامل لا نقص فيه، وشامل للثقلين الجن والإنس، وباق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن الناس من أدركهم الخذلان ولم يحالفهم التوفيق فزعموا أن الدين لا يشمل السياسة وهو زعم باطل ومقالة شنيعة فظيعة فيها اتهام له بالنقصان؛ وقد قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، وقال : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، فإن السياسة داخلة تحت عموم الدين الذي أكمله الله، وداخلة تحت عموم كل شيء في قوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.
وما كان من الأحكام منصوصاً عليه في الكتاب والسنة فأمره واضح، وما لم يأت به نص خاص فإن شريعة الإسلام مستوعبة له بقواعدها وأقيستها وعموم أدلتها، ولهذا لما سُئل عبدالله بن عباس عن الباذق، وهو نوع من الأشربة لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم استدل على بيان حكمه بالدليل العام الذي يشمله ويشمل غيره فقال رضي الله عنه: «سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، فما أسكر فهو حرام، قال: الشراب الحلال الطيب، فقال: ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث» رواه البخاري (559، فهذا الحديث يدل بعمومه على أن كل مسكر مما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم أو وُجد بعد زمنه سواء كان جامداً أو سائلاً فهو حرام، وأن ما لم يكن كذلك فهو حلال.
قال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين (4/375ـ376) في بيان كمال الشريعة؛ قال: «وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها، وهو مبني على حرف واحد، وهو عموم رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنه لم يُحْوج أمته إلى أحد بعده، وإنما حاجتهم إلى من يبلِّغهم عنه ما جاء به، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرق إليهما تخصيص، عموم بالنسبة إلى المرسَل إليهم، وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه مَن بُعث إليه في أصول الدين وفروعه، فرسالته كافية شافية عامة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتم الإيمان به إلاَّ بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلّب جناحيه في السماء إلاَّ ذكر للأمة منه علماً، وعلَّمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحّة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت» إلى أن قال: «وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمَّته، ولم يُحْوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يُظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالَم شريعةٌ أكمل منها ناقصة، تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها؟! ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده».
وقد اطلعت على كلمة صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح ملتقى الجنادرية التي نشرتها صحيفة الرياض في 26/5/1434هـ، وفيها قوله عن والده خادم الحرمين حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه: «وما كان يسعى إليه ـ حفظه الله ـ بأن لا يدخل الدين في السياسة»، وهذه الجملة من كلمة سموه لا يثبت بها كونها من كلام والده حفظه الله، وكلمته مرتجلة كما ذكر في أولها، فقد تكون منه سبق لسان أو فهماً خاطئاً منه عن والده، والمأمول من سموه إيضاح الحقيقة بما يزيل اللبس وتحصل به السلامة من التهمة؛ لأنها جملة في غاية الخطورة.
وأسأل الله أن يوفق خادم الحرمين لما فيه الخير والسعادة وأن يحفظ هذه البلاد حكومةً وشعباً من كل شر وأن يوفقها لكل خير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.