فَضْحُ الفِرْقَةِ الحَدَّادِيَّةِ
لفضيلة الشيخ:
أحمد بن حُسَيْن السّبيعي -حفظه الله-
طبعًا لا مزيد لما ذكره المشايخ، ولكن إعادةً لترتيب –يعني- ما ذُكِر.
وممّا ينبغي أن يُعلَم أنّ كُلّ الغُلاة في كُلّ زمانٍ ابتداءً بالجهيمانيِّين ثُمّ الحدّاديّة في طورها الأوّل ثُمّ أتباع فالح ثُمّ الحدّاديّة في طورها الثّاني الآن، فمن المعلوم تأريخيًّا أنّ أهلَ العلم والسُّنّة هُمُ المُتصدِّينَ لهذا الغُلُوّ حقيقةً مُكافحةً ومُحاربةً بالحُجّة والمُحاصَرة.
وعلى الضّدّ من ذلك أنّ استثمار أهل الغُلُوّ في الطّعن على أهل السُّنّة أيضًا سُنّة قديمةٌ في أهل البدع قديمًا وحديثًا.
فابتدأها عبد الخالق حين كان يتّخذ من الجهيمانيِّين قنطرةً لضرب أهل السُّنّة ومُحاربتهم.
ثُمّ كذلك سلمان العودة كان يتّخذ من أهل الخُبَيْبِيَّة أيضًا قنطرةً لضرب أهل السُّنّة لما فيهم من الغُلُوّ والشّدّة ومجاوزة أحكام العدل والسُّنّة.
وكذلك لمّا نبغت نابغةُ أتباع فالح اتّخذ التُّراثيُّونَ وغيرهم أيضًا ذلك قنطرةً لضرب وللتّحذير من أهل السُّنّة ومُجاهدتهم.
والحدّاديّة اليوم في طورها الثّاني أيضًا أخذت بطانة الجماعات نفس أنفاس من سبقها من أهل البدع في محاربة أهل السُّنّة عن طريق وصمهم بالحدّاديّة.
بطانة الجماعات التي تريد أن تمسحَ من التّأريخ أمرًا مفروضًا لا يُمكِن أن يُمسَح بجرّة قلمٍ وهُوَ: أنّ جهاد الشّيخ مُحمّد أمان الجامي –رحمه الله تعالى- الذي بدأ به ثمار دعوة الأئمّة أئمّة السُّنّة الثّلاثة الكبار؛ ثمار أئمّة السُّنّة الثّلاثة الكبار تجلّت في دعوة الشّيخ مُحمّد أمان والشّيخ ربيع، فبطانة الجماعات تُريد أن تسمح مسحًا تامًّا من التّاريخ مسألة الشّيخ ربيع! فلا تجدهم إلاّ جاميّة جاميّة! وأين الشّيخ ربيع؟! وهُوَ قد امتدّ عمره وجهودُهُ وجهادُهُ أكثر بكثير؛ بل إنّ دعوة الشّيخ مُحمّد أمان الجامي –رحمه الله- لم تستَوِ على سُوقِهَا ولم يحصُل النّفع بها إلاّ بجهاد الشّيخ ربيع، فاليوم تُعيد بطانة الجماعات الكرّة.
ولذلك أيُّها الإخوة: قد أحسَن القائمون على هذه الكلمَة إحسانًا بالغًا حكيمًا فيه معنًى شرعي عميق وعظيم انتبهوا له، فإنّ القرآن الكريم وسُنّة النّبيّ –صلّى الله عليه وآلِهِ وسلّم- في فضحِهما للباطل وللشّرّ وظلماتِهِ يجريَان مجرى ذكر الأوصاف والمعاني حتّى يستفيدَ المُسلِم المُتلقّي الحذَر على نفسه من مسالك الشّرّ التي وُصفَت، وكذلك في الوقت ذاته يستطيع أن يُنزِّل هذه المعاني العامّة على الأعيان.
فطريقُ بيان الحقِّ لابُدّ فيه من المسلكين معًا:
• مسلك: بيان المعاني حتّى يكون المُسلِم وصاحب السُّنّة على بصيرة.
• ومسلك: التّعيين.
لكنّ التّعيين قد لا يُتَاح في كُلّ حالٍ؛ لماذا؟ لأنّك أمام طوائف تتلوّن وتكذب وتُظهِر السُّنّة، وأهل السُّنّة حريصين كُلّ الحرص على تحقيق العدل وعلى الحُكمِ المُوافق للعدل فلا يُريدون أن يكون في ذمّتهم شيء، فقد يمتنعون عن تعيين شخصٍ ما بالحدّاديّة لأنّ الحدّاديّة فرقة فيها نوعٌ من الغموض فيها نوع من التّقية؛ لكن هُنَاك سِمَةٌ عامّة هُناك صفات؛ فبمعرفة هذه الصّفات من الممكن على المُسلِم صاحب السُّنّة أن يتوقّى الشّرّ ومن المُمكِن أيضًا أن ينظُر في وجود هذه المعاني المُعيّنة في الأشخاص المُعيّنين فيحذَروا منهم وهكذا ينبغي أن يكون صاحب السُّنّة لا ينبغي أن يكون صاحب السُّنّة بليدَ ذهنٍ وبليد قلبٍ كشأن الخوارج ومن تبعهُم من أجناس الغُلاَة.
فالنّبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- حين ذكر الخوارج –صلّى الله عليه وآله وسلّم- ذكرهم بأوصاف منها: أوصافٌ سلوكيّة من الشّدّة ومنها أوصاف علميّة من قراءة ظاهر القرآن بألسنتهم دون أن يتعقّلوه بقلوبهم، ومنها: أنّه –صلّى الله عليه وسلّم- يذكرهم أيضًا بأوصاف وهي: حداثَةُ السِّنّ.
ولذلك كان السّلف الصّالح –رحمهم الله تعالى-؛ كيف كانوا يتعاملون وينتفعون بما جاء من أوصاف أهل البدع في كلام الله أو كلام النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-؟ كانوا ينتفعون أنّهم يأخذون ما جاء في كلام الله وكلام النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم؛ فبخبرتهم فيمن يعالجونه من أهل البدع في زمانهم يجدون أوصاف فيُطلقون تلكم الكلمات الخالدة التي تجدها مبثوثةً في كُتب السُّنّة من أوصاف السّلف الصّالح لأهل البدع من مثل مثلاً قولهم -رحمهم الله تعالى-:(إذا أبدى لكَ صاحبُ البدعة شيئًا فاعلم أنّ ما أخفى عنكَ أعظَم) هذه من أين أتى بها السّلف الصّالح؟ أتوا بها تفقّهًا في معاني القرآن والسُّنّة ممّا وجدوه في أوصاف هؤلاء أهل البدع الذينَ خبروهم وسبروهم وعاشروهم.
ولذلك لمّا جاء صبيغ بن عِسل لمّا جيء به إلى عُمَر وكان قد تكلّم فيما تكلّم فيه من متشابه القرآن عمد عُمَر حرفيًّا وظاهريًّا -كما يُقال يعني- أعني: عمد إلى حديث رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- في وصف الخوارج بأنّهم محلوقين فكشف عن وفرة شعره حتّى يراه محلوقًا أو ليس بمحلوق، فلمّا لم يره محلوقًا أخذه الورع كأهل السُّنّة والجماعة دائمًا وأبدًا مع مخالفيهِم من حكمهم بالعدل فيهم، فلمّا رأى في رأسه شعرا خلافًا لوصف النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- من أنّهم محلوقين قال:(لو وجدتُّ هذا الذي...لضربت عنقك) أو كما قال –رضي الله عنهُ وأرضاه-.
فالمقصود: أنّ طُرق بيان الباطل طريقان:
• طريق عام: يتضمّن المعاني فيجبُ عليكَ يا صاحب السُّنّة أن تسأل الله تبارك وتعالى أن يُنيرَ قلبك وبصيرتك وهذا لا يتأتَّى إلاّ بأن تكون مُخلصًا صادقًا سائلاً مُتمسِّكًا بأصول السُّنّة.
• والأمر الثّاني: التّعيين؛ لكن التّعيين كما قلت قد يمتنِعُ منه أهل العلم لسببٍ أو لآخر؛ فهل معنى هذا أنّ أهل الأهواء من أهل الغُلُوّ يصولون ويجولون ويُفسِدون في دعوة أهل السُّنّة لأنّ أهل السُّنّة غافلين أو متغافلين؟! لاَ.
فالمقصود: أُحِبُّ –يعني- أن أسرُد ما ذكره –يعني- أهل العلم من قبلي –جزاهُمُ الله عنّا خيرًا- من بعض الصِّفات العامّة فيما يتعلّق بالحدّاديّة أُلخِّصُ فيها ما ذكره المشايخ قبلي حتّى يتّضح أمرهم –إن شاء الله تعالى- لِكُلِّ أحدٍ.
• الصِّفَةُ الأولى: تركُهُم الإحالَة والارتباط بأهل العلم المعروفين.
• الصِّفَة الثّانية: سُوء الأدَب وجفاء الأخلاق.
• الصِّفَة الثّالثة: استِسْهال المُبادَرة في الطّعن والنّقض.
• الصِّفَة الرّابعة: المُسَارعة للتّصنيف والإسراف في الكتابَة؛ حتّى أنّ أحدَهُم إذا كان يقرأ في اليوم ساعتين يكتُبُ ثلاث صفحات ينشرها في الأنترنت.
• المسألةُ الخامسة: إعجابُهُم برأيِهِم واعتدادهم بأنفسهم.
• الوصفُ السّادس: الشّذوذ في المسائل والإغراب في تتبُّعِهَا.
• الوصفُ السّابع: الإخلال بمراتب مسائل العِلم.
• الوصفُ الثّامن: أنّه ليسَ عندَهُم مسألة؛ يعني نحنُ نقرَأ للعُلَماء ونجدُ العُلَماء نجد مثلاً بعض العُلَماء في حُكمِ تحيّة المسجد عندَ الدّخول قبل الغروب؛ يُنقَل لنا عن عُلمائنا ومشايخنا أنّ بعضهُم أحجَم عشر سنين يتأمّل ويتدبّر في هذه المسألة، أمّا هؤلاء ما يعرفون مسألةً أحجمُوا عنهَا.
• المسألةُ التّاسعة أو الوصفُ التّاسع: أنّهم بينَهُم وشائج خاصّة بأصحابهم ولا يُحيلونَ إلاّ على أنفسهم.
• المسألةُ العاشرة: عدمُ اعتدادهِم تمامًا بالمصالحِ والمفاسِد وعدم رفع الرّأس بهذا الأصل العظيم الذي عليهِ أهل السُّنّة والذي ذكره النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-.
• الوصفُ الحادي عشر: اتّخاذ أصول السُّنّة والطّائفة النّاجية وسيلة قُوّةٍ لأنفسهم لا وسيلة تقييدٍ وديانةٍ واهتداءٍ.
• الوصفُ الثّاني عشر: أنّهُم يحُومونَ حول التّكفير وقد لا يُصرِّحُونَ بهِ.
• الوصفُ الثّالِث عشر: التّصحيحُ والتّضعيفُ للأحاديث بالمُحدَثات والتّكلّفات والاجتهادات الخارجة عن سنن الأوّلين.
فهذا بعضُ أوصافهم وجُلّها كما سبق وسمعتُم قد -يعني- جاءت في كلام -يعني- أهل العلم -جزاهُمُ الله خيرًا-.
هذا واللهُ أعلم، وصلّى الله وسلَّم على نبيِّنا مُحمّد.اهـ (1)
وفرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
20 / جمادى الأولى / 1434هـ
20 / جمادى الأولى / 1434هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(1) كلمَة للشّيخ الفاضل: أحمد بن حُسَيْن السّبيعي -حفظه الله- بعنوان:"فَضْحُ الفِرْقَةِ الحَدَّادِيَّةِ"، وذلك ضمن ندوةٍ علميّةٍ ليلة السّبت 10 / جمادى الأولى / 1434هـ بمشاركة مجموعةٍ من المشايخ الفُضلاء -وفّقهُمُ الله-.
تعليق