بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة بعنوان (ذم التعصب)
لفضيلة الشيخ علي بن يحيى الحدادي -حفظه الله تعالى-
المدة 12 دقيقة
للتحميل من هنا
خطبة جمعة بعنوان (ذم التعصب)
لفضيلة الشيخ علي بن يحيى الحدادي -حفظه الله تعالى-
المدة 12 دقيقة
للتحميل من هنا
التفريغ:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
عباد الله فاتقوا الله تعالى حق التقوى واعلموا أن التعصب والمحاماة والمدافعة عن الأقوال أو الأشخاص بالباطل هو من الآفات المهلكة والأمراض المردية سواء للأفراد أو للمجتمعات. ويكفي في تصوري مدى شناعة التعصب وأثره السيئ أنه كان من أعظم الموانع التي منعت كثيرا من المشركين قبول دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قناعتهم بأدلته وبراهينه وحججه ومعجزاته، لكنهم كان يكبر عليهم ويشق عليهم أن يفارقوا دين آبائهم وأسلافهم كما قال سبحانه وتعالى عن المشركين (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىظ° أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىظ° آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) (وَكَذَظ°لِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىظ° أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىظ° آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىظ° مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ غ– قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ) (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ غ– فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). كما أن التعصب المذموم من أسباب تمزق الأمة وتشرذمها وهوانها على الناس وجعل بأسها بينها لذا نهى الله عز وجل عن التفرق والتحزب والتعصب لغير الحق كما قال سبحانه (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا غ– كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
أيها الإخوة إن مجتمعنا كغيره يعاني من بعض مظاهر التعصب المذموم ومنها على سبيل المثال لا الحصر التعصب لبعض الأشخاص والجماعات المنتسبة للدعوة إلى الله عز وجل، فتجد من يتابع فلانا من الناس أو يتابع الجماعة الفلانية فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة ومعتقد السلف الصالح، لا يقبلون من أحد نقدهم بالحجة ولا بيان باطلهم بالأدلة، بل يجابهون من يرد باطلهم بالأوصاف الذميمة كالكذب والحسد والإقصاء والعمالة ونحو ذلك من الأوصاف والمجازفات، يرون باطل متبوعيهم ويرون الأدلة التي تدينهم ومع ذلك لا يقبلون من الحق شيئا، حتى يُخيل إليك أنهم يعتقدون في متبوعيهم أنهم معصومون لا يخطئون أبدا، وهذا من أسوأ صور الغلو والعياذ بالله. لا يا أخ الإسلام إنه ليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو معصوم من الأفراد مهما بلغ من الفضل والمنزلة فمن جاء بالحق الموافق للكتاب والسنة قبل منه ومن جاء بما يخالف الكتاب والسنة رد عليه وبين غلطه فإن أصر على الباطل وعاند وكابر فيجب التحذير منه ليُتقى شره وضرره.
ومن صور التعصب المذموم التعصب للقبائل والمناطق والدول، ومن يقرأ هذه الأيام في تعليقات القراء على بعض الأخبار والأحداث يهوله المستوى الذي وصل إليه بعض الناس من شدة العداوة والمقت والبغضاء على إخوانه المسلمين ممن ليس من أهل بلده أو ليس من قبيلته ونحو ذلك. عباد الله إن أخوة الدين والإسلام تفرض على المسلمين كلهم أن يكونوا إخوة يتراحمون ويتوادون ويتعاطفون ويكونوا كالجسد الواحد لا أن يكونوا أعداءا يتسابون ويتلاعنون ويتقاتلون حسا ومعنى على ما بينهم من الإختلاف في الإنتماء القبلي أو البلدي، وأن يتذكروا أن الله عز وجل جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا فيتعاونوا على البر والتقوى، لا أن يتفاخروا ويتناحروا، فالجميع ولد آدم وآدم من تراب، والكرم والمنزلة عند الله إنما هي بتقوى الله كما قال سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىظ° وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا غڑ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ غڑ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
إخوة الإيمان ومن صور التعصب المذموم التعصب الرياضي، الذي يحمل على التنابز بالألقاب والتراشق بالسباب والسخرية وتبادل الإتهامات، بل ربما وصل التعصب الرياضي بأصحابه إلى حد تطليق الزوج لزوجته، أو هجران الصديق لصديقه، أو ربما وصل إلى العدوان الجسدي بين أنصار فريق وفريق.
لقد حذر الله عز وجل من الخمر والميسر ونهى عنها وحرمها لما يترتب عليها من المفاسد ومنها أنها سبب للعداوة والبغضاء بين المسلمين كما قال سبحانه (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ غ– فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ). والله يريد منا أن نكون متآلفين متوادين متحابين في جلاله كما قال سبحانه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وكما قال صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) أخرجه مسلم.
فلا يصح أبدا عباد الله أن تكون الرياضة سببا للعداوة والبغضاء يوالى عليها ويعادى عليها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد إخوة الإيمان فإن السنة النبوية الكريمة مليئة بالأحاديث المحذرة من التعصب المذموم وهو التعصب للباطل ولأهله ورد الحق لأجل ذلك. ومما ورد في السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل عصبية وليس منا من مات على عصبية) أخرجه أبو داود. وعن بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال (أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها الناس رجلان بر تقي كريم على الله عز وجل وفاجر شقي هين على الله عز وجل، الناس كلهم بنو آدم وخلق الله آدم من تراب، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىظ° وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا غڑ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ غڑ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) أخرجه الترمذي. وأخرج الترمذي أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان الذي يدهده الخراء بأنفه ). إن الله تعالى قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب، وقال تعالى آمرا بقول الحق وبقبوله وبالحكم به (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىظ° أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ غ– وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىظ° أَلَّا تَعْدِلُوا غڑ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىظ° غ– وَاتَّقُوا اللَّهَ غڑ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وقال سبحانه ذاما لليهود والنصارى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)، وذلك أنهم كانوا يطيعونهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، وهكذا كل من تعصب لمتبوعه فرد كتاب الله ورد سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله فله نصيب من هذه الآية.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وخلفائه الراشدين وعامة أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم أمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم حال إخواننا المستضعفين في سوريا يا رب العالمين اللهم ارحم ضعفهم اللهم اجبر كسرهم اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم اللهم أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف اللهم عجل بفرجهم يا رب العالمين اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي لاآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.