حدادية أم خارجية جديدة
كتبه / الشيخ أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن اتبع هداه، أما بعد :
فقد قام شيخنا العلامة المحدِّث ربيع بن هادي –حفظه الله- بتفنيد أوجه الشبه بين الحدادية والرافضة في مقال له ماتع أثلج صدور السلفيين وأوضح لهم بجلاء خطورة هذه الفرقة الماكرة.
فأحببت في هذا المقال أن أبين -إن شاء الله- شيئًا من من أوجه الشبه بين الحدادية والخوارج، حيث إنه مَنْ يتتبع بعض مواقف الحدادية يكاد يقول في نفسه.
حدادية أم خارجيةجديدة؟!!
أولاً: التظاهر الشديد بالحرص على إقامة الحق، ونبذ الباطل من كفروبدعة ومعصية، كما كان الخوراج يظهرون هذا حتى وقعوا في تكفير بعض الصحابة، ومنثَمَّ لا تقبل طائفة الحدادية البتَّة أن تصدر البدعة من عالم سلفي على سبيل الخطأ الذي يخلو من التعمُّد، حيث إن العالم قد يجتهد في مسألة ما، قاصدًا إتباع السنة سائرًا في اجتهاده على أصول أهل السنة، إلا أنه قد لا يوفق في إصابة الحق في هذه المسألة بعينها، هذا مع ظهور سلفيته في عشرات من المسائل الأخرى الكبار، ثم إذا بُيِّن الحق لهذا العالم سرعان ما يرجع إلى الصواب (1)، ولكن الحدادية تعتبر صدور هذا الخطأ من هذا العالم أو ذاك دليلاً وحده كافيًا للحكم عليه بالبدعة، مثلما صنع الخوارج مع الصحابة رضي الله عنهم، حيث رأوا في نظرهم الضيق أن عليًّا رضي الله عنهأ خطأ حكم الله، ومن ثَمَّ أخرجوه عن الإسلام، وكذلك الحدادية يخرجون العالم عن السلفية بل يخرجونه من عداد العلماء إلى عداد الجهَّال بالخطأ الواحد –صغيرًا كانأم كبيرًا-، وتناسوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"، أخرجه البخاري في صحيحه (باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب وأخطأ) من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، ومسلم (1716) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.
ومن يتتبع كلام الحداد في ابن تيمية، وابن القيم، وابن أبي العز، وطعنه الفاجر فيهم، ثم كلام باشميل وفالح الحربي يدرك وجه تشابه هؤلاء مع الخوارج.
ولما يكون ابن تيمية وابن القيم وابن أبي العز عند هؤلاء بهذه المثابة، فكيف بابن حجر، والنووي، والقرطبي؟!! بلا شك هم عندهم من كبار المبتدعة.
بل وصل الحال بطائفة من هؤلاء إلى إسقاط السلفيين بتوافه الأخطاء، نحو الأخطاء اللُّغوية والإملائية التي لا يخلو منها عالم أو كاتب،كما قال العلامة ربيع حفظه الله :
وهم لا يفرقون بين الأخطاء الصادرة عن هفوة أو خطأ في النظر، والأخطاء الصادرة عن جهل، فمن الجائز أن ينتقل نظر الكاتب حين كتابته من سطر إلى آخر فيقع دون أن يشعر في رفع منصوب أو نصب مرفوع، ولا يكون هذا منه عن جهل بوجوب نصب هذا المنصوب أو رفع هذا المرفوع لكن اختلف نظره، أو أصابته الغفلة البشرية فأخطأ.
وللأسف بعض الشباب السلفيين في الظاهر-الصغار سنًّا وخبرة وعلمًا- بات يتأثر بهذا الاتجاه، وصار ينحى شيئًا من هذا المنحى في تعامله مع أهل العلم السلفيين -علماء وطلبة علم-، حيث صار أحدهم ضيِّق الصدر مع أخطاء السلفيين لا يقبل منهم هفوة وكأنه أرادهم أنبياء، وهذا يجرنا إلى السمة الثانية التي شابه فيها هؤلاء الخوارج، وهي :
ثانيًا: إخراج السلفي عن سلفيته أو إخراجه عن عداد العلماء واتهامه بالجهل الفادح لخطأ أو هفوة كما أن الخوارج يُخرجون المؤمن عن إيمانه ، والمسلم عن إسلامه بالكبائر والذنوب.
وهذا نذير شر ينبغي على إخواننا أن ينتبهوا إلى خطورته، وأن يلزموا غرز علمائهم، فلا يخرجون عنهم بأفهام خاصة بحجة الاجتهاد وعدم التقليد، فإنك تعجب من شاب لم يتجاوز العشرين أو الخامسة والعشرين من عمره، يظهر السلفية، قد صدَّر نفسه حَكَمًا على طلبة العلم السلفيين في بلده، حتى وصل به الأمر إلى أنه صار يستدرك على العلماء الكبار تزكيتهم لفلان أو علان من طلبة العلم، ويدعو إلى إيقاف هؤلاء الطلبة عن التصدر للدعوة أو الكتابة، ويقول بلا تورية: "إنه لا يوجد في بلده سلفي يؤخذ عنه العلم"، وذلك لأنه وقف لبعض هؤلاء على أخطاء تافهة وهفوات غير متعمَّدة، وهذا لا يصدر إلا من شخص قد أعجبته نفسه فأصدر هذا الحكمالخطير دون أي مرجعية للعلماء الكبار، فكان من الواجب عليه أن يناصح إخوانه هؤلاء،فإن أبوا قبول النُّصح فليعرض على العلماء هذه الأخطاء والهفوات ثم ينتظر حكمالعلماء وتوجيهاتهم المبنية على الحكمة وعلى مراعاة المصالح والمفاسد.
وقد يكون هؤلاء السلفيون ليسوا في مرتبة العلماء الكبار، وما ادعى أحدهم لنفسه هذه المرتبة أو دعا الشباب إلى أن يرحلوا إليه دون العلماء، ولكن في الوقت نفسه لهم مؤلفات وكتابات وجهود واضحة في الانتصار للمنهج السلفي قد أجازها العلماء وأثنوا عليهاخيرًا، حتى أتى هذا الشاب -حديث السن والعلم- فنصَّب نفسه راعيًا على الشباب فيبلده، وافتأت على العلماء بهذا الحكم وكأنه أعلم وأثبت قدمًا في المنهج وأحرص على الحق من كبار العلماء الذين أثنوا على هؤلاء السلفيين الذين لا يروقون له.
ونحن نسأل هذا الشاب: إذا سقط هؤلاء السلفيون الذين تزدري جهودهم، ولا يروق لك جهادهم؟ فمن يبقى إذن من السلفيين في بلدك يدل الشباب على المنهج الحق، ويرشدهم إلى العلماء؟
والجواب واضح جلي: لن يبقى إلا أنت، فتصير أنت السلفي الوحيد الذي يُرجع إليه في هذه البلد، خصوصًا أنك قد صدَّرت نفسك للتدريس، فأبحت لنفسك التصدرللتدريس، وضيَّقت المنطق على إخوانك الذين أجازهم العلماء، وهذا نتاج منهجك الشديدفي الحكم على أخطاء السلفيين.
إنها روح حدادية هدَّامة تدعو إلى وأد جهودالسلفيين في مهدها، وإلى كبت طموح أي طالب علم سلفي يجاهد في تحصيل العلم في وسطمحيط قد عششت فيه أفراخ الحزبية حيث لا تجد السلفيين إلا قليلاً.
ولا يعني كلامي هذا أني أحكم على هذا الشاب أنه من الحدادية، ولكن كما بينت فإن شنشنة الحدادية تظهر في صنيعه، فعليه أن يَحذر وأن يراجع العلماء الكبار، وأن يتقي الله عز وجل فيإخوانه ولا يتتبع عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته.
ثالثًا: ترفع الحدادية راية العدل التي رفعها ذو الخويصرة التميمي من قبل حينما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله اعدل"، وفي رواية: "اتق الله يا محمد"، وفي أخرى: "لم أرك عدلت"، وكذلك الحدادية ترفع الراية نفسها في وجه العلماء الذين ورثوا ميراث النبوة، فهم يتهمون العلماء بالجور في أحكامهم كما قال أحد غلاة هؤلاء طاعنًا في علماء المنهج السلفي :
"شيوخ يكذبون, ويفترون, و يظلمون, ويصغون للنمامين الغشَّاشين الأفاكين ويبنون حكمهم على حكم هؤلاء وهم والله الذي أقسم به لا شريك له لا يعرفون في أي وادٍ سارت فتواهم أو أحكامهم الجائرة"(2).
وقال آخر: "لقد جاء هؤلاء العلماء بمنهج جديد غريب على الإسلام".
قلت: هكذا يرفعون عقيرتهم بلا حياء على ورثة الأنبياء.
رابعًا: التعمق في الدين والتشديد الغالي على النفس في تطبيق بعض السُّنن الظاهرة أو المستحبات، والإنكار الشديد المبالغ فيه على من يترك أحيانًا بعض هذه المستحبات، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما استأذنه عمر في قتل ذي الخويصرة: "لا دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية" .
وقال البخاري في صحيحه: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- : "إن الدين يسرٌ ولن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة".
خامسًا: الاعتداد الزائد بالنفس والعجب بها لدرجة أوصلتهم إلى التفرد عن كبار علماء الأمة بفتاوى وأحكام جائرة خُيِّل إليهم أنها الحق المبين، وهم يدأبون في الدفاع عن أقوالهم الباطلة بشتى الطرق الملتوية، وهم يعجبون الناس -من أتباع كل ناعق- بهذه الأقوال الشاذة الغريبة، وقد قال أحمد في مسنده (3/189): ثنا إسماعيل أنا سليمان التيمي ثنا أنس بن مالك قال: ذُكر لي أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال ولم أسمعه منه: "إن فيكم قومًا يعبدون ويدأبون حتى يعجبون الناس وتعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (945) من طريق سليمان به، وإسناده صحيح.
سادسًا: يتميز أغلبهم بحداثة السن وبتقعر العلم، وإن كان يُخيل للسامع إذا ابتُلي بسماع أحدهم أنه هو الفقيه المفوَّه، ولكن هذه الطنطنة البلاغية سرعان ما تذهب أدراج الرياح لأنها لا تعدو ألسنتهم، فهم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولونمن قول خير البرية، وإني أقول ما قاله علي رضي الله عنه لما خرجت الحرورية، وقالوا "لا حكم إلا لله": "كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصف ناسًا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منه –وأشار إلى حلقه-...."، أخرجه مسلم (1066).
هذه نصيحة وجيزة أسأل الله سبحانه أن تقع موقع القبول في القلوب، وأن يتدارك إخواننا هؤلاء الأمر قبل فوات الأوان، والله المستعان.
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
ـــــــــــ
(1) انظر المقال الذي كتبته تحت عنوان: "الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"، حيث ذكرت فيه أمثلة مشرقة من مواقف علماء السلف في التراجع عن بعض الأخطاء.
(2)وهذا في مقال في مقال سمَّاه صاحبه : (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين)بتاريخ 8/4/2005م ، وقال عنه العلامة ربيع في مقاله "خطورة الحدادية الجديدة" : "ضمَّنه -أي ضمَّن المقال- كلامًا قبيحًا لا يصدُرُ إلاَّ من أحطِّ البشر أخلاقاً ويصعبُ حكايته على النفوس الحيَّة".
(3)كتاب /باب الدين يسر، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة.
تعليق