هذا مبحث من رسالة " أسس منهج السلف في الدعوة إلى الله " إعداد: فوّاز بن هليل بن رباح السّحيمِّي، والتي نال بها درجة الماجستير من كلية الدعوة بالمدينة النبوية والتابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود.
قدم له سماحة العلامة: صالح بن فوزان الفوزان - فضيلة الشيخ: عُبيد بن عبدالله الجابري - فضيلة الشيخ: علي بن عبدالرحمن الحذيفي - فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله الحذيفي.
قدم له سماحة العلامة: صالح بن فوزان الفوزان - فضيلة الشيخ: عُبيد بن عبدالله الجابري - فضيلة الشيخ: علي بن عبدالرحمن الحذيفي - فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله الحذيفي.
أسس منهج السلف في الدعوة إلى الله
دار ابن القيم – دار ابن عفان: الطبعة الأولى 1423هـ
ص(163-165)
الفصل الثاني: في الوسائل الشرعية للدعوة على ضوء الأسس السلفية، وبيان وجه المخالفة فيها
المبحث السابع
أسلوب الأمر بالمعروف
وضوابطه
وقال تعالى في وصف نبيِّه صلى الله عليه وسلم: " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" (2)، وقال-تعالى-: "كنتم خير أمّة أُخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"
فإذا كان هذا أمرها فيجب على كلِّ مسلم -خاصّة الدعاة منهم- أن تكون تلك الوسيلةُ طريقا لهم لتحقيق عبادة الله في الأرض تنبيها للغافلين، وذكرى للمُتعظين، وردعا للمعتدين، ومعذرة لرب العالمين، ولتحقيق الأمن والأمان في أراضي المسلمين، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-: "وتحقيق ذلك: أن الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها" (4).
ويقول: "بل ذلك مقرونٌ بتبليغ الرسالة؛ فإنه أوّل ما أُرسل أُنزلت عليه سورة "ياأيّها المدثر"(5) "(6).
ـــــــــــــ
(1) النحل، آية: 9.
(2) الأعراف، آية: 157.
(3) آل عمران، آية: 110.
(4) "الفتاوى"(134/2).
(5) المدّثر: آية: 1.
(6) "الفتاوى"(136/2).
وهذه الشعيرة العظيمة قد جاء الذمّ العظيم والوعيد الشديد جزاءً لمن تركها ولم يقم بحقِّها، فقال -عزّ وجل-:" لُعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون "(1)
ولهذه الوسيلة معالم، مَن سارَ عليها كان سائرًا على هدى ونور، ومن لم يسر عليها كان إفسادُه أكثر من إصلاحه:
منها: الصبر والاحتساب؛ فلا بدّ أن يكونَ صاحبُها صابرًا على ما يلاقيه من الأذى في سبيل الأمر بالمعروف، لا يجزع ولا يغضب غضبا يُخرجه إلى طور غير شرعي.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله- في سياق حديثه عن الأمر بالمعروف، وما ينبغي أن يتوفر فيمن يقوم به:
"ولا بدّ أيضا أن يكون حليما صبورًا على الأذى؛ فإنه لا بدّ أن يحصل له الأذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يُفسد أكثرَ ممّا يُصلح"(2).
ومنها: العلمُ بالمعرف والمنكر، حتى لا يُنكرَ شيئا معروفا يظنُّه منكرًا والعكس.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-: "فلا بدّ من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بدّ من العلم بحال المأمور والمنهي... وهو أقرب الطرق إلى المقصود"(3).
ومنها: تقديرُ المصالح و المفاسد في هذا الباب، والترجيح بينهما عند التعارُض؛ فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح، وذلك أن تغيير المنكر إذا كان يجلبُ شرًا وفتنةً أعظم من فتنة المنكر نفسه فإن المصلحة الشرعية تقتضي تركه لتحصيل المصلحة ودرء المفسدة، نجد هذا منهجًا واضحًا عند أهل العلم أتباع سلف الأمّة حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-:
ــــــــــــــ
(1) المائدة، آية: 78-79.
(2) "الفتاوى"(136/2).
(3) "الفتاوى"(136/2).
"ولهذا لا يجوز إنكارُ المنكر بما هو أنكرُ منه؛ ولهذا حرم الخروج على وُلاة الأمر بالسيف لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وإذا كان قومٌ على بدعة أو فجور ولو نُهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شرٌّ أعظم ممّا هم عليه من ذلك، ولم يمكن منعهم منه، ولم يحصل بالنهي مصلحةٌ راجحةٌ، لم ينهوا عنه"(1).
فعلى الداعية المسلم أن يعيَ هذه المعالم الرئيسية في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسلك بهذه الوسيلة الطريقة المرعية الشرعية التي يحصُل من خلالها المقصود الشرعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-:
"فلا بدّ من هذه الثلاثة العلم، والرفق، والصبر. العلم قبل الأمر و النهي، والرفق معه، والصبر بعده"(2).
ـــــــــــ
(1) "الفتاوى"(472/14).
(2) "الفتاوى"(137/2).