التفريغ
أقول هذا سؤال الأخ من تونس الّذي سأل عن مسألةِ طاعة وليِّ الأمر إذا كان من الإخوان المسلمين بعدما وصلوا إلى الحكم في تونس، فهل يا تُرى نُحذِّر من منهجِهم بعد أن صاروا -مثلاً-من ولاّة الأمور أم لا؟
الجواب عن ذلك لابدّ من الفصل بين أمرين:
أمّا الأمر الأولّ: فهو طاعة وليِّ الأمر في المعروف ما لم يأمر بمعصيّة لقوله صلى الله عليه وسلم : "إنّماالطّاعة في المعروف"، وطاعة وليِّ الأمر منوطة عندنا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إلاّ أن تَرَوا كُفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان" ففي ما يتعلّق بالطاعة: فالطاعة تكون واجبة لوليِّ الأمر طالما أنّه حقّق شرطَ الإسلام، ولو كان ظالماً أو جائراً أو مبتدعاً بدعة لا توصله إلى الكفر، فطالما أنّ فيه قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلاّ أن تَرَوا كُفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان"؛ فإنّه وليُّ أمر شرعيّ ولا يجوز الخروج عليه.
أمّا الأمر الثاني: فهو التّحذير من مناهج الانحراف والتّحذير مماّ يُخالف طريقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا -بارك الله فيكم- هذا واجب، فلابد أن نُحذّر من مناهج الانحراف حتى ولو كان وليُّ الأمر على هذا المنهج المنحرف ولا يُعدُّ ذلك من الخروج عليه.
الدليل على ذلك أحوال كثيرة، منها: ما قام به الإمام أحمد رحمه الله تعالى حينما ألزم وأجبر المأمونُ النّاسَ على القول بخلق القرآن، وتبع على ذلك الواثق والمعتصم، ولكن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كيف تصرّف معهم؟ الإمام أحمد من جهة ما يتعلّق بوليِّ الأمر في السمع والطاعة له في المعروف لم يخرج عليه، وأنتم تعلمون هذا جيّدا أنّ الأمام أحمد رحمه الله تعالى لم يخرج عليهم، ولمّا جاءه فقهاء بغداد يطلبون منه الخروج على هؤلاء؛ رفض أحمد رحمه الله تعالى. أمّا في ما يتعلّق بالإنكار في مسألة خلق القرآن، هل وجدنا الإمام أحمد رحمه الله تعالى ترك هذه المسألة؟ -أبداً! بل بقي الإمام أحمد رحمه الله تعالى يُفصِّل ويُبيِّن ويُؤصِّل بمنهج أهل السنّة والجماعة، وتحمّل في سبيل ذلك السِّجن وتحمّل الضرب وتحمّل كذا وكذا وكذا.
فنَفْصِل بين مسألتَين: بين مسألة وليِّ الأمر ووجوب الطاعة له وعدم الخروج عليه إلاّ أن تَرَوا كُفراً بواحاً؛ هذا مرتبط بشرطٍ واحدٍ وهو"إلا أن تروا كُفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان" إذا وُجد الكُفر البواح فليس وليَّ أمر؛ وبالتالي يُخرج عليه مع القُدرة.
أمّا إذا لم يكن كذلك ولو كان عاصياً ولو كان مبتدعاً بدعة غير مكفِّرة فإنّه وليُّ أمرٍ له السّمع والطّاعة في المعروف.
أما مسألة النّهي عن المنكر ومسألة بيان مناهج الانحراف فهذه واجبة علينا جميعا، وهذه لا تتصادم مع وليِّ الأمر حينما يُقرّر ما يقرّر من هذه المسائل، كما فعل الإمام أحمد رحمه الله تعالى فإنّه أنكر على المأمون وأنكر على الواثق والمعتصم القولَ بخلق القرآن ولم يكن الإمام رحمه الله تعالى من الخارجين على السُّلطان ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى، وهكذا كان الصّحابة يُنكرون على الحجّاج ويُنكرون على أئمة الظُلم والجور ويُبيِّنون أيضا ويُفتون النّاس بما يدلّ عليه كتاب ربِّهم وبما تدل عليه سنّة نبيِّهم عليه الصلاة والسّلام صلى الله عليه وسلم ولم يكُن هذا خروجاً؛ لأنّ الخروج هو نزع اليدِّ من الطّاعة، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ليس نزعَ يدٍّ من الطّاعة بل هو بيان للحقِّ ولهذا جاء في الصّحيح: أنّ أبا سعيد الخدريّ رضي الله عنه قد أنكر على مَن قدّم الخُطبة قبل الصلاة في العيدَيْن ولم يُعدّ هذا خروجاً، نعم.
الصوتية مستفادة من مشاركة أحد الأعضاء في منتدى الآجري
حملها من المرفقات
حملها من المرفقات