هذا مبحث من رسالة " أسس منهج السلف في الدعوة إلى الله " إعداد: فوّاز بن هليل بن رباح السّحيمِّي، والتي نال بها درجة الماجستير من كلية الدعوة بالمدينة النبوية والتابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود.
قدم له سماحة العلامة: صالح بن فوزان الفوزان - فضيلة الشيخ: عُبيد بن عبدالله الجابري - فضيلة الشيخ: علي بن عبدالرحمن الحذيفي - فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله الحذيفي.
• المعنى اللغوي:
يقال في الرجل: إنه لَجدِلٌ: إذا كان شديدَ الخصام، وإنه لَمِجْدَلٌ(1).
والجدل: مقابلة الحجة بالحجّة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة؛ والمراد به في الحديث الجدل على الباطل، وطلب المغالبة به لإظهار الحق؛ فإنّ ذلك ممدوح(2).
• معنى الجدل اصطلاحا، ومن يُستخدم في حقه:
الجدل هو: مقابلة الحجة بالحجّة، وكشف الشبه لدى المدعو؛ وهذا واضحٌ في قوله -تعالى-: " وجادِلهم بالَّتي هي أحْسَنُ"(3)، وقوله: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالَّتي هي أحْسَنُ"(4)؛ وهذا الكشف للشبه وبيان الأدّلة على اطّراحها والاحتجاج بالأدلة المقنعة للخصم والمقرِّبة للحقِّ له هي مادّة الجدل، يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: " فإن كان المدعو يرى أنّ ما هو عليه حقٌّ أو كان داعيةً إلى الباطل فَيُجادَلُ بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً؛ ومن ذلك: الاحتجاج عليه بالأدّلة التي يعتقدها، فإنه أقربُ إلى حصول المقصود"(5).
فيقف الداعيةُ مع هذا الصنف من الناس موقف المجادل والمُقنع على حسب ما يرى من شبهةٍ عارضةٍ للمدعو.
يقول الشيخ العلاّمة ابن باز -رحمه الله-:
ــــــــــــــــــــ
(1) "تهذيب اللغة": (649/6).
(2) "لسان العرب": (212/2).
(3) النحل، آية: 125.
(4) العنكبوت، آية: 46.
(5) "تيسير الكريم الرحمن": (255/4).
"فإن كان عنده شبهةٌ جادلته بالتي هي أحسن ولا تغلّظ عليه، بل تصبر، ولا تعجل ولا تعنّف، بل تجتهد في كشف الشبهة وإيضاح الأدلّة بالأسلوب الحسن"(1).فمن حكمة الداعية وبصيرته، أنه يقف أمام المدعو وهو عارفٌ بنوعيّة المدعو الذي يقف أمامَه، من أيِّ صنفٍ هو؟؛ فإن كان من أصحاب الحكمة والعلم والمعرفة أعطاه منها ما يكونُ رافعا لجهلِه، وإن كان عارفا ولكنه ترك العمل لنوعِ غفلةٍ فيه وَعظه وذكّره، وإن كان صاحب شبهة عارضة منعته من العمل أو الاقتناع فليستخدم معه أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن، موضّحا له مواقع الحقّ ومعائب الباطل.
ومّما ينبغي أن يُعرف في هذا الباب: أنه قد ترد شبهة عليه، وهي ورود النهي عن الجدل في كثيرٍ من الآيات والأحاديث حتى ما إذا جاء صاحبُ الحقّ ليبيّنه للناس عارضه المبطِلون بدعوى المجادلة؛ وهي كلمة حقّ أُريد بها باطل، ولكي تقف على بطلان هذه الشُّبهة؛ إليك كلاماً لابن القيِّم -رحمه الله- عند قوله -تعالى-: " لا حُجّةَ بيننا وبينَكم"(2)، يقول فيه:" وليس المُراد نفي الاحتجاج من الطرفين كما يظنُّه بعض من لا يدري ما يقول وأن الدِّين لا احتجاجَ فيه، كيف والقرآن من أوَّله إلى آخره حجج وبراهين على أهل الباطل قطعيَّة يقينيَّة، وأجوبة لمعارضتهم وإفسادٌ لأقوالهم بأنواع الحجج والبراهين،؛ وهل تكون المجادلة إلاَّ بالاحتجاج وإفساد حجج الخصم"(3). يقول الإمام ابن بطّة -رحمه الله- في هذا الشأن: "فالذي يلزم المسلمين في مجالسهم ومناظراتهم في أبواب الفقه والأحكام تصحيح النيَّة بالنصيحة واستعمال الإنصاف والعدل ومراد الحق الذي قامت به السماوات والأرض"(4).
فهذا الكلام المتين العظيم فيه بيانٌ جليٌّ لمشروعيّة الجدل الحق الذي يُقصد من ورائه إظهار الحق ودعوة الناس إليه وإفحام المبطلين الساعين لردّه وقطع
ــــــــــــــــــ
(1) "فضل الدعوة": (ص23).
(2) الشورى، آية: 15.
(3) "مفتاح دار السعادة" لابن القيِّم: (241/2-242).
(4) "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية" لإمام ابن بطّة: (546/2).
طريقه الموصل إلى الجنّة؛ إذ القرآن كلُّه مجادلةٌ لأهل الباطل وإقامةٌ للحجج والبراهين النيِّرة في إقناع الناس؛ وما ورد من أحاديث وآيات في النهي عن الجدل محمولٌ على الجدل بالباطل والضلال، أو على ما كان المقصود من ورائه ردّ الحق؛ فهذا النوع من الجدل -وهو الجدل لردّ الحق- مذموم مردود، وكذلك الجدل الذي يخرج مخرج المغالبة لا مخرج النصح والإفادة.
قدم له سماحة العلامة: صالح بن فوزان الفوزان - فضيلة الشيخ: عُبيد بن عبدالله الجابري - فضيلة الشيخ: علي بن عبدالرحمن الحذيفي - فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله الحذيفي.
أسس منهج السلف في الدعوة إلى الله
دار ابن القيم – دار ابن عفان: الطبعة الأولى 1423هـ
ص(146-148)
دار ابن القيم – دار ابن عفان: الطبعة الأولى 1423هـ
ص(146-148)
الفصل الثاني: في الوسائل الشرعية للدعوة على ضوء الأسس السلفية، وبيان وجه المخالفة فيها
المبحث الثالث
أسلوب المجادلةتقريره، ومن يُستخدم في حقه
يقال في الرجل: إنه لَجدِلٌ: إذا كان شديدَ الخصام، وإنه لَمِجْدَلٌ(1).
والجدل: مقابلة الحجة بالحجّة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة؛ والمراد به في الحديث الجدل على الباطل، وطلب المغالبة به لإظهار الحق؛ فإنّ ذلك ممدوح(2).
• معنى الجدل اصطلاحا، ومن يُستخدم في حقه:
الجدل هو: مقابلة الحجة بالحجّة، وكشف الشبه لدى المدعو؛ وهذا واضحٌ في قوله -تعالى-: " وجادِلهم بالَّتي هي أحْسَنُ"(3)، وقوله: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالَّتي هي أحْسَنُ"(4)؛ وهذا الكشف للشبه وبيان الأدّلة على اطّراحها والاحتجاج بالأدلة المقنعة للخصم والمقرِّبة للحقِّ له هي مادّة الجدل، يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: " فإن كان المدعو يرى أنّ ما هو عليه حقٌّ أو كان داعيةً إلى الباطل فَيُجادَلُ بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً؛ ومن ذلك: الاحتجاج عليه بالأدّلة التي يعتقدها، فإنه أقربُ إلى حصول المقصود"(5).
فيقف الداعيةُ مع هذا الصنف من الناس موقف المجادل والمُقنع على حسب ما يرى من شبهةٍ عارضةٍ للمدعو.
يقول الشيخ العلاّمة ابن باز -رحمه الله-:
ــــــــــــــــــــ
(1) "تهذيب اللغة": (649/6).
(2) "لسان العرب": (212/2).
(3) النحل، آية: 125.
(4) العنكبوت، آية: 46.
(5) "تيسير الكريم الرحمن": (255/4).
"فإن كان عنده شبهةٌ جادلته بالتي هي أحسن ولا تغلّظ عليه، بل تصبر، ولا تعجل ولا تعنّف، بل تجتهد في كشف الشبهة وإيضاح الأدلّة بالأسلوب الحسن"(1).فمن حكمة الداعية وبصيرته، أنه يقف أمام المدعو وهو عارفٌ بنوعيّة المدعو الذي يقف أمامَه، من أيِّ صنفٍ هو؟؛ فإن كان من أصحاب الحكمة والعلم والمعرفة أعطاه منها ما يكونُ رافعا لجهلِه، وإن كان عارفا ولكنه ترك العمل لنوعِ غفلةٍ فيه وَعظه وذكّره، وإن كان صاحب شبهة عارضة منعته من العمل أو الاقتناع فليستخدم معه أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن، موضّحا له مواقع الحقّ ومعائب الباطل.
ومّما ينبغي أن يُعرف في هذا الباب: أنه قد ترد شبهة عليه، وهي ورود النهي عن الجدل في كثيرٍ من الآيات والأحاديث حتى ما إذا جاء صاحبُ الحقّ ليبيّنه للناس عارضه المبطِلون بدعوى المجادلة؛ وهي كلمة حقّ أُريد بها باطل، ولكي تقف على بطلان هذه الشُّبهة؛ إليك كلاماً لابن القيِّم -رحمه الله- عند قوله -تعالى-: " لا حُجّةَ بيننا وبينَكم"(2)، يقول فيه:" وليس المُراد نفي الاحتجاج من الطرفين كما يظنُّه بعض من لا يدري ما يقول وأن الدِّين لا احتجاجَ فيه، كيف والقرآن من أوَّله إلى آخره حجج وبراهين على أهل الباطل قطعيَّة يقينيَّة، وأجوبة لمعارضتهم وإفسادٌ لأقوالهم بأنواع الحجج والبراهين،؛ وهل تكون المجادلة إلاَّ بالاحتجاج وإفساد حجج الخصم"(3). يقول الإمام ابن بطّة -رحمه الله- في هذا الشأن: "فالذي يلزم المسلمين في مجالسهم ومناظراتهم في أبواب الفقه والأحكام تصحيح النيَّة بالنصيحة واستعمال الإنصاف والعدل ومراد الحق الذي قامت به السماوات والأرض"(4).
فهذا الكلام المتين العظيم فيه بيانٌ جليٌّ لمشروعيّة الجدل الحق الذي يُقصد من ورائه إظهار الحق ودعوة الناس إليه وإفحام المبطلين الساعين لردّه وقطع
ــــــــــــــــــ
(1) "فضل الدعوة": (ص23).
(2) الشورى، آية: 15.
(3) "مفتاح دار السعادة" لابن القيِّم: (241/2-242).
(4) "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية" لإمام ابن بطّة: (546/2).
طريقه الموصل إلى الجنّة؛ إذ القرآن كلُّه مجادلةٌ لأهل الباطل وإقامةٌ للحجج والبراهين النيِّرة في إقناع الناس؛ وما ورد من أحاديث وآيات في النهي عن الجدل محمولٌ على الجدل بالباطل والضلال، أو على ما كان المقصود من ورائه ردّ الحق؛ فهذا النوع من الجدل -وهو الجدل لردّ الحق- مذموم مردود، وكذلك الجدل الذي يخرج مخرج المغالبة لا مخرج النصح والإفادة.