هذا مبحث من رسالة " أسس منهج السلف في الدعوة إلى الله " إعداد: فوّاز بن هليل بن رباح السّحيمِّي، والتي نال بها درجة الماجستير من كلية الدعوة بالمدينة النبوية والتابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود.
قدم له سماحة العلامة: صالح بن فوزان الفوزان - فضيلة الشيخ: عُبيد بن عبدالله الجابري - فضيلة الشيخ: علي بن عبدالرحمن الحذيفي - فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله الحذيفي.
يُقال: العظة والموعظة، وكذلك الوعظ، والرجل يتّعظ، إذا قبِل الموعظة حين يُذكَّر الخير ونحوه مما يرقُّ لذلك قلبُه(1).
وهي النصح والتذكير بالعواقب، وتذكير الإنسان بما يُليِّن قلبَه من ثواب وعقاب(2).
فظهر من التعريف اللغوي: أن المعنى الاصطلاحي للموعظة هو: أن الموعظة هي الإرشاد والنصح والتوجيه بما يرقّق القلبَ من التذكير بالعواقب وذكر الثواب والعقاب.
والتعريف الاصطلاحي له ارتباطٌ قويٌّ بالتعريف اللغوي، من حيث دلالة الأوّل على الثاني، كما هو واضحٌ في تعريف الوعظ.
من يستخدم في حقه؟:
الأصل في هذا الموضوع، هو ما سبق ذكرُه من قوله -تعالى-: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
يقول الإمام ابن القيّم -رحمه الله- في بيان معنى الموعظة، قال:" هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب"(4).
وذكر مثلَه الشيخ السعدي -رحمه الله- في "تفسيره"(5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ) "تهذيب اللغة": (164/3).
(2) "لسان العرب": (345/15).
(3) النحل، آية: 125.
(4) "التفسير القيّم": (ص344).
(5) "تيسير الكريم الرحمن": (254/4).
والمتأمّل في هذه الآية يجد ترتيباً لطرق الدعوة تجاه المدعوّين، فمن المدعوّين من هو جاهل لا يعرف الحق؛ فهذا -كما سبق- يُدعى بالحكمة، وهي بيان الحق له من الكتاب والسنّة وتوضيحُه له.
وأما من كان عارفا بالحق واضحا له، ولكنه ترك العمل به لنوع غفلةٍ أصابته؛ فحقُّه العِظَة، والتذكير بالثواب والعقاب؛ حتى يلين قلبُه للعمل بالحق والاستمرار عليه.
يقول العلاّمة الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "فإذا كان المدعو عنده بعض الجفاء والاعتراض؛ دعوته بالموعظة الحسنة بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب"(1).
والموعظة تكون بذكر الآيات والأحاديث، وضرب الأمثال الواردة في القرآن، وذكر الثواب والعقاب، وذكر عواقب الأمور مما يدعو صاحب الموعظة ويرقِّق قلبَه ، وأن لا يغفل عن ذكر ربِّه.
ومَن تأمّل القرآن الكريم والسنّة النبويّة رآهما مملوءَين من الوعظ لتذكير القلوب الغافلة؛ ومِن ذلك ذكرُ قصص الأقوام السالفين، وذكر المواعظ المشاهدة عيانا؛ كالمخلوقات الكونية، والمشاهد الأرضيّة والسماوية.
وها هو الصديق رضي الله عنه صاحب القلب الصدوق السليم أقسم أن لا يُنفق على مسطح بن أُثَاثه لسبب ما قالَه مسطح من أمر الإفك؛ ولمّا نزلت الآية العظيمة، وهي قولُه -تعالى-: "ولا يأْتلِ أولوا الفضل منكم والسَّعة أن يُؤتوا أُولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ولْيعفوا ولْيصفحوا ألاَ تُحبُّون أن يغفر الله لكم"(2) بكى رضي الله عنه وقال: "بلى إني لأحبُّ أن يغفر الله -عزّ وجل- لي"(3).
فالموعظة لها أثرها في النفوس الآمنة المطمئنّة التي عرفت الحق وأذعنت للعمل به.
من هذا يظهر أن الموعظة تُوجّه لمن كان عارفا بالحق ولكن أصابه ما أصابه من أسباب عدم العمل كغفلةٍ ونحوها.
ـــــــــــــــــــ
(1) "فضل الدعوة": (23).
(2) النور، آية: 22.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات (ج5/604ح2661).
ومن الخطأ أن تأخذ الموعظة أسلوبا وطريقا لم يكن معهوداً أيّام السلف الصالح؛ ومن ذلك: قيام طائفة من الناس الذين لا يُعرفون بعلمٍ ولا فقه بولوج باب الموعظة والتخصُّص فيه؛ وذلك على حساب هدم معالم أخرى يجب أن تكون هي المسلوكة أولاً؛ فترى الواحدَ من هؤلاء يُعنى بفضائل الأعمال دعوةً وإرشاداً؛ ولكن لا على سنّة وتحقيق، بل على بدعة وتلفيق، فلا بدّ أن يكون الواعظ على علم بهدي الكتاب والسنّة، والفقه في الدين على نحو ما كان عليه الوعاظ من قبل؛ كما يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: " كان الوعّاظ في قديم الزمان علماء فقهاء"(1).
فتخصُّص طائفة من الناس بالسير على نهج القصّاص دون العلماء وطلاّب العلم، وقيامهم بامتهان هذه المهنة، وجعلِها عَلَما على أناسٍ معيّنين فهذا لم يكن معهوداً في عهد السلف الصالح، كما قال الطرطوشي -رحمه الله-: "
قال علماؤنا: لم يُقّص في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر، ولا زمن عمر"(2).
وهذا الأمرُ كافٍ في بطلان هذه الطريقة التي ينتهجها القُصّاص في وعظهم؛ فكيف إذا جُمع على ذلك كثيرٌ من الآفات الموجودة فيها، فإنه سيزيد بذلك بطلان ُالأمر وضوحا وجلاءً.
فهداية الناس وإرشادهم لا بد أن تكون على ضوء الكتاب والسنّة على فهم سلف الأمّة، ففيهما الكفاية والغُنية.
ــــــــــــــــ
(1) "تلبيس إبليس": (123).
(2) "الحوادث والبدع": (22).
قدم له سماحة العلامة: صالح بن فوزان الفوزان - فضيلة الشيخ: عُبيد بن عبدالله الجابري - فضيلة الشيخ: علي بن عبدالرحمن الحذيفي - فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله الحذيفي.
أسس منهج السلف في الدعوة إلى الله
دار ابن القيم – دار ابن عفان: الطبعة الأولى 1423هـ
ص(143 – 145)
الفصل الثاني: في الوسائل الشرعية للدعوة على ضوء الأسس السلفية، وبيان وجه المخالفة فيها
المبحث الثاني
أسلوب الموعظةتقريره، ومن يُستخدم في حقه
المعنى اللغوي والاصطلاحي:
وهي النصح والتذكير بالعواقب، وتذكير الإنسان بما يُليِّن قلبَه من ثواب وعقاب(2).
فظهر من التعريف اللغوي: أن المعنى الاصطلاحي للموعظة هو: أن الموعظة هي الإرشاد والنصح والتوجيه بما يرقّق القلبَ من التذكير بالعواقب وذكر الثواب والعقاب.
والتعريف الاصطلاحي له ارتباطٌ قويٌّ بالتعريف اللغوي، من حيث دلالة الأوّل على الثاني، كما هو واضحٌ في تعريف الوعظ.
من يستخدم في حقه؟:
الأصل في هذا الموضوع، هو ما سبق ذكرُه من قوله -تعالى-: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
يقول الإمام ابن القيّم -رحمه الله- في بيان معنى الموعظة، قال:" هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب"(4).
وذكر مثلَه الشيخ السعدي -رحمه الله- في "تفسيره"(5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ) "تهذيب اللغة": (164/3).
(2) "لسان العرب": (345/15).
(3) النحل، آية: 125.
(4) "التفسير القيّم": (ص344).
(5) "تيسير الكريم الرحمن": (254/4).
والمتأمّل في هذه الآية يجد ترتيباً لطرق الدعوة تجاه المدعوّين، فمن المدعوّين من هو جاهل لا يعرف الحق؛ فهذا -كما سبق- يُدعى بالحكمة، وهي بيان الحق له من الكتاب والسنّة وتوضيحُه له.
وأما من كان عارفا بالحق واضحا له، ولكنه ترك العمل به لنوع غفلةٍ أصابته؛ فحقُّه العِظَة، والتذكير بالثواب والعقاب؛ حتى يلين قلبُه للعمل بالحق والاستمرار عليه.
يقول العلاّمة الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "فإذا كان المدعو عنده بعض الجفاء والاعتراض؛ دعوته بالموعظة الحسنة بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب"(1).
والموعظة تكون بذكر الآيات والأحاديث، وضرب الأمثال الواردة في القرآن، وذكر الثواب والعقاب، وذكر عواقب الأمور مما يدعو صاحب الموعظة ويرقِّق قلبَه ، وأن لا يغفل عن ذكر ربِّه.
ومَن تأمّل القرآن الكريم والسنّة النبويّة رآهما مملوءَين من الوعظ لتذكير القلوب الغافلة؛ ومِن ذلك ذكرُ قصص الأقوام السالفين، وذكر المواعظ المشاهدة عيانا؛ كالمخلوقات الكونية، والمشاهد الأرضيّة والسماوية.
وها هو الصديق رضي الله عنه صاحب القلب الصدوق السليم أقسم أن لا يُنفق على مسطح بن أُثَاثه لسبب ما قالَه مسطح من أمر الإفك؛ ولمّا نزلت الآية العظيمة، وهي قولُه -تعالى-: "ولا يأْتلِ أولوا الفضل منكم والسَّعة أن يُؤتوا أُولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ولْيعفوا ولْيصفحوا ألاَ تُحبُّون أن يغفر الله لكم"(2) بكى رضي الله عنه وقال: "بلى إني لأحبُّ أن يغفر الله -عزّ وجل- لي"(3).
فالموعظة لها أثرها في النفوس الآمنة المطمئنّة التي عرفت الحق وأذعنت للعمل به.
من هذا يظهر أن الموعظة تُوجّه لمن كان عارفا بالحق ولكن أصابه ما أصابه من أسباب عدم العمل كغفلةٍ ونحوها.
ـــــــــــــــــــ
(1) "فضل الدعوة": (23).
(2) النور، آية: 22.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات (ج5/604ح2661).
ومن الخطأ أن تأخذ الموعظة أسلوبا وطريقا لم يكن معهوداً أيّام السلف الصالح؛ ومن ذلك: قيام طائفة من الناس الذين لا يُعرفون بعلمٍ ولا فقه بولوج باب الموعظة والتخصُّص فيه؛ وذلك على حساب هدم معالم أخرى يجب أن تكون هي المسلوكة أولاً؛ فترى الواحدَ من هؤلاء يُعنى بفضائل الأعمال دعوةً وإرشاداً؛ ولكن لا على سنّة وتحقيق، بل على بدعة وتلفيق، فلا بدّ أن يكون الواعظ على علم بهدي الكتاب والسنّة، والفقه في الدين على نحو ما كان عليه الوعاظ من قبل؛ كما يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: " كان الوعّاظ في قديم الزمان علماء فقهاء"(1).
فتخصُّص طائفة من الناس بالسير على نهج القصّاص دون العلماء وطلاّب العلم، وقيامهم بامتهان هذه المهنة، وجعلِها عَلَما على أناسٍ معيّنين فهذا لم يكن معهوداً في عهد السلف الصالح، كما قال الطرطوشي -رحمه الله-: "
قال علماؤنا: لم يُقّص في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر، ولا زمن عمر"(2).
وهذا الأمرُ كافٍ في بطلان هذه الطريقة التي ينتهجها القُصّاص في وعظهم؛ فكيف إذا جُمع على ذلك كثيرٌ من الآفات الموجودة فيها، فإنه سيزيد بذلك بطلان ُالأمر وضوحا وجلاءً.
فهداية الناس وإرشادهم لا بد أن تكون على ضوء الكتاب والسنّة على فهم سلف الأمّة، ففيهما الكفاية والغُنية.
ــــــــــــــــ
(1) "تلبيس إبليس": (123).
(2) "الحوادث والبدع": (22).