بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصلت مجموعة من الأسئلة موجهة إلى الشيخ محمد أمان بن علي الجامي-حفظه الله-، نبدأ بقراءة رسالة وصلت من بعض الإخوة من هذه المدينة موجهة إلى الشيخ-حفظه الله-.
يقول فيها كاتبوها:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمد أمان الجامي-حفظك الله ورعاك وجعل الجنَّة مأواك-اللهم آمين، نرجو أن تصلك رسالتنا هذه وأنت في صحة جيدة، ونعمة سابغة، وراحة دائمة، نرجو ذلك.
نحن شباب من جدَّة ولا داعي لذكر الحي الذي نحن فيه، استبان لنا الحق ووضح لنا الصواب-ولله الحمد-، وعرفنا بفضل الله ثمَّ بفضل علمائنا أهل الفتوى-والذين أنت منهم-عرفنا طريق النور بعد أن كنَّا نتخبط في دياجير الظُلَم، وأحببنا طريق السنَّة واتباع سلفنا الصالح، وأبغضنا كل مَن يهيِّج الشباب على ولاة الأمور حتى نشأ شباب عندنا تربُّوا على مثل هذه الأشرطة نشأة ثورية ملؤها الحقد على ولاة أمورنا-وفقهم الله لطريق الرشاد-.
ونحن نعيش في أوساط هؤلاء الشباب ونشعر بغربة عظيمة، ومرارة قاسية، فقد اتهمونا بأنَّنا نخطط على بعض الشباب لنُنَظِّمهم معنا ونعلِّمَهم أفكارنا الخبيثة-كما زعموا-، إلى غير ذلك مِمَّا لا تتسع له هذه الورقة الصغيرة.
ونحن الآن في أمس الحاجة إلى نصائحكم الغالية الثمينة الحبيبة إلى القلوب، ماذا نفعل هؤلاء المتعصِّبين؟، ولا تنسونا من صالح دعائكم-بارك الله فيكم-.
ونريد الآن أن نأخذ من وقتكم الغالي بعضًا منه لتجيبونا-حفظكم الله-على بعض الاستفسارات المشكلة.
السؤال الأول: سمعنا لك في شريط-النصح بترك الجماعات-تقسيم التجديد إلى:
أولًا: تجديد اجتهادي.
ثانيًا: تجديد شرعي، أو على الكتاب والسنَّة، أو كلمة نحوها.
فما هو الدليل على التجديد الأول-الاجتهادي-؟، وهل هو مفخرة لصاحبه ومدح له؟، لأنَّك ضربت مثالًا في الشريط بحسن البنَّا في معرض الثناء عليه.
السؤال الثاني: هل الرجل الذي عنده بدعة إذا أخبرته بها وأقمت الحجة عليه بأنَّها بدعة وأصرَّ على فعلها يكون بذلك كافرًا؟.
السؤال الثالث: ما هي أول بدعة؟، أهي بدعة الخوارج، أم بدعة القدر، أم بدعة القول بخلق القرآن؟، ونرجو تفصيل هذه المسألة.
الشيخ العلَّامة محمد بن أمان بن علي الجامي-رحمه الله-:
الحمد لله رب العالمين، وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على ذاك النبي الكريم، والرسول الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،
سمعتم أيها الإخوة نصَّ الرسالة، التي بعثها إليَّ شاب من شباب مدينة جدَّة، وأشار في الرسالة أنَّ معه شباب، ولم يستحسن أن يذكر الحي الذي هو منه، فيصف الشاب ما وصلوا إليه كما سمعتم من تلك الأشرطة التي تربوا عليها-على حسب تعبيره-تربية ثورية، ملؤها الحقد على ولاة الأمور –وفَّقهم الله لطريق الرشاد-.
يَذْكُر الشاب نوعًا من المضايقة بعد رجوعهم إلى الحق من الذين لم يرجعوا وتعصَّبوا على ما وصلوا إليه من تلك الثورية التي وصفها، يتَّهمونهم أنَّهم ينظِّمون ضدَّهم تنظيمات، ويلقِّبونهم بألقاب، فيطلب النصيحة بالنسبة للذين تعصَّبوا ولم يرجعوا إلى الحق كيف يعاملونهم.
الجواب:
أولًا: نُهَنِّئ هذا الشاب وزملاءه على هذا التوفيق، لا يقال: لماذا أخطئوا؟، وهذه الكلمة غير واردة، والعتاب لماذا أخطأ فلان غير وارد، ولكنَّ السؤال الذي يرد: إذا تبيَّن الحق للإنسان وتعصَّب وبقي على ضلاله وخطئه هنا يقال: لماذا تعصَّب لماذا لم يرجع؟.
كما ثبت عن النبي-عليه الصلاة والسلام-: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)[1]، فنحن نُهَنِّئ هؤلاء الشباب وأمثالهم من الذين تبيَّن لهم الهدى والحق والصواب فرجعوا وتابوا.
لعل قائلًا يقول: هل ارتكبوا ذنبًا؟، هل كانوا عصاة حتَّى نقول إنَّهم تابوا ونهنِّئهم بالتوبة؟.
الجواب: كل مَن يدعو إلى تفرُّق الأمة وتشتُّتها، وكل مَن يدعو إلى تفرُّق الشباب وإساءة الظن إلى علماء المسلمين، وكل مَن يدعو إلى التمرد على ولاة الأمور قد عصى الله ورسوله، لأن الله-سبحانه وتعالى-أمر بالاعتصام ونهى عن التفرُّق.
إذ يقول الرب-سبحانه وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا...)(آل عمران/ 103)، هذه الآية العظيمة فيها الأمر وفيها النهي، فيها الأمر بالاعتصام والاجتماع والبقاء تحت الوحدة-الوحدة الإسلامية-، وفيها النهي عن التفرُّق.
ومَن دعا على خلاف ما دلَّت عليه هذه الآية الكريمة من تفرُّق المسلمين وتشتُّتِهم وإيجاد جماعات متنافسة-جماعات سياسية متنافسة-وإن ادعت أنَّها جماعات الدعوة، ثمَّ دعا الناس إلى نوع من التمرد على السلطة ونال من علماء المسلمين واستخفَّ بهم، مَن فعل هذا قد عصى، فهو عاصٍ لمخالفته لمضمون هذه الآية، ولمخالفته لقوله-تعالى-: (...أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ...)(النساء/59).
لذلك نعتبر هؤلاء الراجعون إلى الصواب وإلى الجادَّة تاركين لبنيَّات الطريق ليرجعوا إلى الجادَّة نعتبرهم تائبين، ونسأل الله-تعالى-أن يوفقوا للإخلاص والصدق في توبتهم حتَّى يفرح الله بتوبتهم كما قال النبي-عليه الصلاة والسلام-: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤمِنْ إِذَا تَابَ إِلَيْهِ)[2].
الموقف الذي تابوا منه ورجعوا ليس بالموقف الْهَيِّن موقف خطير، الإسلام جاء بالوحدة وبالتوحيد، وكل من يخالف وحدة المسلمين ويدعو إلى تفرُّق المسلمين وتشتُّتِهم، ووجود جماعات متنافسة في المجتمع الإسلامي المسلم، ويدعو إلى إيجاد جماعة سياسية منافسة للسلطة الإسلامية القائمة وقف موقفًا خطيرًا جدًا.
لذلك أكرر: أنَّنَا نُهَنِّئ شبابنا هؤلاء ونرجو لغيرهم أن يتأسوا بهم ليرجع شبابنا جميعًا إلى ما كانوا عليه قبل حدوث هذه الفتنة التي ظهرت جليًّا حسب ما يظهر لنا من أيام حرب الخليج إلى يومنا هذا، وإن كانت قبل ذلك قد بدأت ولكنَّها ظهرت جليًّا كما قلت في ذلك التاريخ، ولكنَّها بحمد الله-تعالى-إنَّها في إدبار وليست في إقبال.
وقد قلت غير مرَّة: إن هذه الحركات المشوِّشة أشبه ما تكون بالثور المذبوح، الثور المذبوح ربما يرفع رأسه أحيانًا كأنَّه يقوم فيجري فيخيف الناس، وهو إنَّما يضطرب ويتحرك ليموت لا ليحيا، لذلك هذه الحركات وهذه الجماعات وهذه الثورة التي وصفها الشاب-صاحب الرسالة-بأنَّها ثورةإنَّما هي حركة الثور المذبوح فستموت بإذن الله، إذ لا يبقى إلَّا الحق، هذه سنَّة الله في خلقه، الباطل قد تطول مدَّته حتَّى تكاد الناس تيأس ولكنَّ العاقبة للمتقين والباطل ينتهي.
وبعد، ثمَّ نجيب سؤال الشاب الذي يسأل فيقول:
سمعنا لك في شريط-النصح بترك الجماعات-تقسيم التجديد إلى:
أولًا: تجديد اجتهادي.
ثانيًا: تجديد شرعي، أو على الكتاب والسنَّة، أو كلمة نحوها.
فما هو الدليل على التجديد الأول-الاجتهادي-؟، وهل هو مفخرة لصاحبه ومدح له؟، لأنَّك ضربت مثالًا في الشريط بحسن البنَّا في معرض الثناء عليه.
الجواب:
الشاب لم يهضم ما جاء في الشريط، ذكرت في الشريط: إن التجديد ينقسم إلى قسمين:
تجديد شرعي، معناه: دعوة الناس إلى العودة إلى الكتاب والسنَّة إذا ابتعدوا عن الكتاب والسنَّة، هذا هو التجديد الذي قام به المجدِّدون المصلحون الذين منهم: الإمام أحمد بن حنبل، ومنهم: الإمام أحمد بن تيمية، ومنهم-هذا التجديد الذي نعيش أثره-: الإمام محمد بن عبد الوهَّاب.
هذا التجديد معناه: ليس الإتيان بشيء جديد، ولكنَّه تجديد لمفاهيم الناس لَمَّا ابتعد الناس عن الحق وجهلوا ما جاء به الكتاب والسنَّة أو تجاهلوا، فأعرضوا عن الكتاب والسنَّة في العقيدة والشريعة
وغيرهما، أيَّد الله للأمَّة ما يجدِّد لها دينها فجدَّدوا الدين بأن دعوا الناس إلى الرجوع إلى ما كان عليه سلف هذه الأمة، هذا هو التجديد الذي تحدَّثت عنه بتوسُّع في الشريط المشار إليه.
وأشرت إلى تجديد آخر وهو: التجديد الاجتهادي بأن يجتهد شخص في زعمه يريد الإصلاح ولكن في تجديده لم يتقيد بالكتاب والسنَّة، وضع لوائح وشروط لجماعته فدعاهم إلى ما رأى باجتهاده بأنَّه فيه الصلاح وعليه تجتمع الأمَّة.
سمَّيت هذا التجديد الاجتهادي لأنَّه في زعمه يريد أن يجتهد، وقلت: إن مثل هذا التجديد لا يبقى، بعد ذهاب المجدِّد سيذهب لأنَّه لا أساس له، وضربت مثلًا-كما قال-: بحسن البنَّا، وفي الواقع في تلك اللحظة نظري إلى حسن البنَّا مخالف النظر إلى حسن البنَّا اليوم، لأن في تلك اللحظة لا أزال أنظر إليه أنَّه يريد الإصلاح وأنَّ حركته حركة إسلامية إصلاحية اجتهادية-وإن لم يوفق-.
لكن تبين لي فيما بعد إنها حركة سياسية قومية لا تفرق بين المسلم وغير المسلم في التكوين، إذ يوجد في تكوين تلك الجماعة المسلمون وغير المسلمين.
إذن: هي جماعة تهدف إلى إيجاد جماعة قومية سياسية منافسة للجماعات والحركات السياسية الأخرى، هذا ما انتهيت إليه، ولذلك فهم الطالب منِّي لأنِّي ذكرته في معرض المدح، وله بعض الحق فيما قال-وفَّقه الله-.
السؤال الثاني، يقول السائل: هل الرجل الذي عنده بدعة إذا أخبرته بها وأقمت الحجة عليه بأنَّها بدعة وأصرَّ على فعلها يكون بذلك كافرًا؟.
الجواب:
حاشا، قول الإنسان يكفر بالبدعة!، وهذا الإطلاق خطأ، كما سيأتي البدع أقسام:
- بدعة مكفِّرة، كبدعة الجهمية، وبدعة غلاة الروافض.
- أمَّا ما دون ذلك لو ارتكب الإنسان بدعة في عبادته في صيامه في صلاته في بعض تصرُّفاته وبيَّنت له بأن هذا العمل مُبْـتَدَع، صيام النصف من شعبان وإحياء تلك الليلة بدعة، والاحتفال باسم المولد النبوي بدعة.
بينت له وأصرّ على ذلك لا يكون بذلك كافرًا، بل اسأل عن موقفك أنت منه، إذا نصحت العاصي والمبتدع وأصرّ عليك أن تقاطعه-تهجره-هنا محل الهجران، أمَّا التكفير فلا، المسلم لا يكفر بارتكاب بدعة غير البدع المكفِّرة التي أشرنا إليها وبارتكابه للمعصية ما لم يستحلها-كما سبق بيان ذلك-، لذلك الإطلاق أن مَن ارتكب بدعة ونصح وبُيِّن له الحق ثمَّ أصرّ على ذلك أنَّه يكفر هذا خطأ، لا يكفر.
السؤال الثالث: ما هي أول بدعة؟، أهي بدعة الخوارج، أم بدعة القدر، أم بدعة القول بخلق القرآن؟، ونرجو تفصيل هذه المسألة.
الجواب:
أول بدعة ظهرت في الإسلام، وأول فرقة سياسية ظهرت وتمرَّدت على السلطة الإسلامية القائمة هي الخوارج، الخوارج ظهروا في عهد علي-رضي الله عنه-، واجتمع عدد منهم اختلف
علماء التاريخ في تحديد هذا العدد، وآخر ما وقفت عليه ستة آلاف مقاتل اجتمعوا في مكان يقال له حروراء، فأراد عبد الله بن عبَّاس [رضي الله عنه] أن يذهب إليهم ليستتيبهم وينصحهم ويحاورهم، فقال عليٌّ [رضي الله عنه]: إني أخاف عليك، فقال: لا تخف، وبالاختصار ذهب إليهم وناقشهم فتاب من ستَّة آلاف مقاتل ألفين مقاتل، تاب ألفان، فقاتل عليٌّ [رضي الله عنه] البقية الباقية.
هذه قصة ظهورهم بالاختصار، ظهروا واستحلوا قتال علي [رضي الله عنه] ومن معه حتَّى بَيَّن لهم عبد الله بن عبَّاس [رضي الله عنه] بأنَّهم على الباطل وبأنَّ عليًّا ومن معه [رضي الله عنهم] هم الذين حضروا الوحي ومن أصحاب رسول الله-عليه الصلاة والسلام-ولستم أنتم منهم، إلى آخر النقاش الطويل حتَّى هدى الله منهم ألفين مقاتل، فهنيئًا لابن عبَّاس وقد هدى الله علي يده هذا العدد الضخم.
ثمَّ بعد ذلك قوتلوا قاتلهم علي [رضي الله عنه]، هذه أول فرقة سياسية متمردة خرجت على السلطة في تاريخ الإسلام.
بعد ذلك الشيعة-ظهرت الشيعة-، والشيعة بالغوا في علي [رضي الله عنه] فقالوا: أنت إلاهنا، فلم تنفع فيهم النصيحة والتوجيه، فاضطر علي [رضي الله عنه] أن يحرِّق كبارهم حيث قال: (لَمَّا رأيت الأمر أمرًا منكرًا أجَّجت ناري ودعوت قنبرا)، قنبرا خادمه، فحرَّقهم.
لأن الخوارج وإن ضلُّوا يتعلَّقون بالنصوص ويأوِّلون النصوص ويحرفون، في إمكان الإنسان أن يناقشهم لكنَّ الروافض ابتعدوا عن النصوص، لا يقبلون النصوص إلَّا الأدلة العقلية حتَّى الآن، لذلك هم أشَرّ، واضطر علي-رضي الله عنه-إلى أن حرَّق كبارهم.
بعد ذلك القدرية، القدريَّة جاءت متأخرة بدليل أن ابن عبَّاس [رضي الله عنه] قد كفَّ بصره عندما جاءت القدريَّة، لذلك كان يتمنَّى وهو لا يبصر أن تقع رقبة أحد منهم في يده حتَّى يكسرها، هكذا كان يتمنَّى-رضي الله عنه-لأنَّه قد كُفَّ بصره في ذلك الوقت.
هذه الفرق الثلاثة من الفرق المنتسبة إلى الإسلام، وتعتبر الفرق السياسية التي ظهرت في عهد علي-رضي الله عنه-.
وأمَّا قوله: (...أو بدعة القول بخلق القرآن...)، السؤال يحتاج إلى تصحيح، بدعة القول بخلق القرآن ليست بدعة مستقلة قائمة بنفسها، هي بدعة المعتزلة، المعتزلة ظهرت كما يعلم الجميع في عهد المأمون العبَّاسي-في عهد العبَّاسيين-، هم الذين قالوا بخلق القرآن، ودعوا إلى خلق القرآن، وشجَّع المأمون في بداية حياته إلَّا أنَّه هلك قبل أن يلتقي بالإمام أحمد [رحمه الله] لَمَّا تمكَّنت منه المعتزلة وهي بطانته-بطانة سوء-، أثَّرت فيه بمسألة خلق القرآن ونفي الصفات.
أراد المأمون أن يستغلَّ سلطانه ليحمل الناس جميعًا على القول بخلق القرآن ونفي الصفات، وكان الإمام أحمد [رحمه الله] مشهور بإمامته-إمام أهل الحديث-، طلبه فحمل إليه، وفي طريقه إليه-وهو كان المأمون خارج بغداد-هلك المأمون، فرد الإمام إلى بغداد، فتولى تعذيبه المعتصم بالله والواثق بالله، هؤلاء الخلفاء الثلاثة يعتبرون من خلفاء المعتزلة، هكذا ظهرت مسألة خلق القرآن أي: من المعتزلة ليست هي مستقلَّة بعينها ولكنَّها عقيدة من عقائد المعتزلة، ولعل هذا التفصيل يكفي.
لننتقل إلى السؤال الرابع، يقول: ما معنى تسلسل الحوادث؟، وماذا يلزم من هذه القولة؟.
الجواب:
تسلسل الحوادث هذا الأسلوب أسلوب أهل الكلام بل في الأصل أسلوب الفلاسفة، لأن الحوادث متسلسلة في الماضي وفي المستقبل، أي: ما من حادث إلَّا وقبله حادث، هذا معنى تسلسل الحوادث.
تسلسل الحوادث قد يفهم منه بعض الناس قدم الحوادث وهذا باطل ومتناقض، لأن الحادث هو ما حدث ووجد بعد أن لم يكن، القول بأنَّه حادث ثمَّ القول بأنَّه قديم متناقض، لا يقال الحوادث قديمة لأنَّها حوادث حدثت بعد أن لم تكن، بل الواجب الذي يجب أن يقال وقاله الإمام ابن تيمية [رحمه الله] وأخطأ الناس في كلامه، يقول: (...كل ما عدا الله محدث موجود بعد أن لم يكن...).
ويختلف أهل العلم كما تقدَّم في أوَّل المخلوقات هل القلم أو العرش؟، لذلك نسبة القول إلى الإمام ابن تيمية [رحمه الله] بانَّه يقول بقِدَم الحوادث نسبة باطلة والكلام غير صحيح ومتناقض.
أولًا: القول بقدم الحوادث كما قلت وصفها بالحوادث ثمَّ وصفها بالقِدَم متناقض، لأن الحوادث كل ما حدث بعد أن لم يكن.
ثمَّ الذي قالته الفلاسفة وكفَّر الإمام ابن تيمية [رحمه الله] الفلاسفة من أجله ذلك القول هو: قِدَم العالم، وهذا باطل عقلًا وشرعًا، والإمام ابن تيمية [رحمه الله] صرَّح بتكفيره للفلاسفة لأجل هذا القول.
وقد ينسب خصومه إليه هذا القول الذي هو كفَّر فيه قائله ينسبونه إليه، وهذا إمَّا سوء قصد أو سوء فهم، أو هما معًا، وهو غير صحيح، هذا تسلسل الحوادث بالنسبة للماضي.
وتسلسل الحوادث بالنسبة للمستقبل، أن الحوادث متسلسلة في المستقبل ولكنَّها لا تبقى، البقاء لله وحده، إلَّا ما أبقاه الله، البقاء الذاتي لله، من أسماء الله-تعالى-الباقي-الوارث الباقي-، لكنَّ الله قد يبقي بعض المخلوقات بقاءً سرمديًّا دائمًا كالجنَّة ونعيمها وسكَّانها، والنار وعذابها وسكَّانها، هذا إبقاء من الله حكمة منه، وليس البقاء وصفًا ذاتيًا لا للجنَّة وأهلها ولا للنار وأهلها وعذابها، إنَّما بإبقاء الله-تعالى-إيَّاها.
إذن: الحوادث مهما تسلسلت في المستقبل إنَّها تنتهي، البقاء لله وحده.
السؤال الخامس، يسأل السائل عن كتاب سمَّاه (الموسوعـة الميسَّرة للأديــان والمذاهـب المعاصرة)؟.
الجواب:
رأي فيها أنصح الشباب بعدم قراءتها، إذ فيها خلط وخبط، ذكر نبذة صغيرة من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب [رحمه الله]-صاحب هذه الموسوعة-وجعلوا هذه الدعوة ضمن المذاهب المعاصرة، هذا عين الخطأ قبل أن يقرأ الكتاب، عندما يذكر أهل العلم الفرق والأديان يعنون ما عدا الإسلام، أي: الفرق المنتسبة إلى الإسلام كالمعتزلة والخوارج والقدرية والمرجئة والأشاعرة، لا يدخلون الإسلام في تعداد هذه الفرق وهذه المذاهب المعاصرة.
إدخاله دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب [رحمه الله] بين هذه المذاهب المعاصرة هذا خطأ وخلط من المؤلف وإن كان الموسوعة ليس لها مؤلف معيَّن.
وهي دعوة فيها دعوة مريبة والمنظَّمة من حيث هي-منظَّمة الشباب-كما حدَّثني غير واحد من الثقات الذين يخرجون معهم خارج هذه البلاد أكثر مَن فيها من المنتسبين أو المنظِّمين لهذه الندوة من الذين لا ينطقون اللغة العربية، واللغة الرسميَّة للندوة إذا حصل الاجتماع والندوات والمؤتمرات والاجتماعات في خارج هذا البلد لغتهم الرسمية اللغة الإنجليزية.
لذلك كثير من الناس ما يدرون ماذا يتحدَّثون وماذا يريدون، ولكن كما قال زهير:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْــرِئٍ مَنْ خَلِيقَـةٍ......وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّــاسِ تُعْلَـمِ
إن من الشعر لحكمة، ظهرت نواياهم-نوايا سيئة جدًا-نحو هذا البلد وعقيدة هذا البلد وسلطة هذا البلد، على الرغم بأنَّ هذا البلد هو الذي ينفق على تلك الندوة نفقة سخيَّة لا مثيل لها.
وعلى كلٍّ من يريد أن يعرف عن هذه الندوة والموسوعة عليه أن يتَّصل بالشباب المثقَّفين الذين كانوا معهم ثمَّ تابوا فرجعوا وبيَّنوا حقائق كنَّا نجهلها، فنسأل الله السلامة والعافية.
لسماع المادة الصوتية:
لتحميل وقراءة الملف منسقًا:
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الثلاثاء الموافق: 27/ شعبان/ 1433 للهجرة النبوية الشريفة.
[1] (سنن الترمذي)
[2] (6309/ صحيح البخاري) : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ح وحَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ).
تعليق