هذا رد فضيلة الشيخ الدكتور على من افترى أنه طعن في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- حينما استدل في كتابه «تأملات في مسألة الهجر في ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة» بما جرى بين أبي الدرداء ومعاوية -رضي الله عنهما- على مشروعية إيقاع الهجر لتحقيق مصلحة العامة، وقد سجلت إجابة الشيخ هذه ليلة الخميس الموافق 12 جمادى الثانية عام 1433هـ عقب درس فضيلته في كتاب «عمدة الأحكام» الذي يلقيه أسبوعيا في مسجد ذي النورين بالمدينة.
ويمكنكم تحميل المادة الصوتية من موقع الشيخ الرسمي:
سائل يقول: ذكرت في مسألة الهجر ما حدث بين أبي ذَر ومعاوية-رضي الله عنهما-فطار بعض الطلبة واعتبروا أنَّ هذا طعنًا في معاوية، وأنَّ من أصول أهل السنَّة السكوت عمَّا شجر بين الصحابة؟.
الجواب:
هذا الكلام قد بيَّناه وأجبنا عنه وفتَّتناه وفصَّلناه، وإنَّمَا يتذرع بهذا الكلام أهل الأهواء.
أقول: أهل الأهواء الذين أعمى الهوى بصائرهم-نسأل الله العافية والسلامة-، وأمَّا المذكور في حديث ما شجر بين أبي ذَرٍ-رضي الله عنه-أو أبي الدرداء في الرواية الأخرى، وبين معاوية-رضي الله تعالى عنه-.
فأبو الدرداء أو أبو ذَرٍّ-رضي الله تعالى عنه-قال: (...مَن ينصفني من معاوية أحدِّثه عن رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-ويحدِّثني عن رأيه...)، هذا اولًا.
وليس المراد من هذا تنقُّص أحد من الصحابة ومقرَّرٌ مُبَيَّن، معاوية-رضي الله عنه-اجتهد في هذا الحكم، وتكلم الإمام ابن القيم في هذا في الصواعق، لأمثال هؤلاء الجهلة يجب أن يراجعوا قبل أن يتلفَّظوا.
اجتهد-رضي الله تعالى عنه-في هذا وهو دائر بين الأجر والأجرين، ولهذا عمر-رضي الله عنه-لمَّا رجع إليه أبو ذَر أو أبو الدرداء قال: (...ارجع إليه فلا حكم له عليك...) أي: على إمرة عليك، (...فلا خير في أرض لست بها...)، وأمره ألَّا يحكم برأيه-أمر معاوية رضي الله تعالى عنه-.
فهذا دليل على أنَّه-رضي الله تعالى عنه-اجتهد، وإن كان الصواب والصحة في خلاف رأيه-رضي الله تعالى عنه-، دائر بين الأجر وإيش؟، والأجرين، ولا نتجاوز، فهمت؟.
وهذا تقرير العلماء وعلماء السنَّة في هذا لَمَّا تكلموا عن فقه المسألة هذه.
ثمَّ تعال أيها المحب المجاهد فيما تزعم أنَّك تتحفظ ولا تتكلم في هذا الباب أبدًا لا من قريب ولا من بعيد، لو سألتك أيها المتحذلق: ما هو الدليل من السنَّة عل جواز هجر أهل الأهواء والبدع؟، أنا أسأل؟.
نحن نقول: الهجر جاء به الكتاب وجاءت به السنَّة، أليس كذلك؟، وله أدلَّته، ما هو الدليل من السنَّة؟، ما هو الحديث الأصل في الباب؟، حديث الصحيحين في الثلاثة الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوك كعب بن مالك وصاحبيه، أليس كذلك؟.
هذا الحديث قد نصَّ العلماء كابن جرير الطبري وغيره والإمام البغوي على أنَّ هذا الحديث أصل في هجر أهل الأهواء والبدع والمعاصي، أمَا قد تابوا؟، تابوا ولَّا ما تابوا؟، وأنزل الله توبتهم والناس تقرأ ذلك وتعتقد أنَّهم برآءاء وتابوا-رضي الله تعالى عنهم-من ذلك، أليس كذلك؟.
فهل قول أئمة السنَّة كالبخاري وابن جرير وأحمد وغيرهم هذا طعن في كعب بن مالك؟.
قال البغوي-رحمه الله-: (...هذا دليل على أنَّ هجر الأهواء والبدع على التأديب حتى يتوبوا...).
إذن: لا يجوز لك أن تحتج بهذا الحديث، ولا بغيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب، أليس كذلك؟، وهذا من الجهل الفاضح والهوى، في مثل يقولون: (من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة).
أرادوا تلميع أنفسهم وتلميع أصحابهم وأحبابهم وأشياخهم الذين فارقوا الحق وجانبوه فتلمَّسوا مثل هذا.
أقول لك وأرجع فأقول: ما هو الدليل من السنَّة؟، أمَا هجر ابن عمر ولده إلى أن مات؟، هل يجوز أن نقول هذا ولَّا نسكت؟، أما استدل به أحمد على الهجر؟، أما استدل بهذه الأحاديث وغيرها وهجر عائشة لابن الزبير أيضًا؟، ماذا نفعل بهذه النصوص؟، ما نتكلم؟.
هذه حذلقة، وتحذلق-بارك الله فيك-، وسفسطائية وكلام من لا يعقل ولا يعرف معنى العلم، هذا جوابي لهذا المفتون وأضرابه مِمَّن دسَّهم أهل الأهواء-بارك الله فيكم-.
وصلَّ الله على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلَّم
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الاثنين الموافق: 19/ شعبان/ 1433 للهجرة النبوية الشريفة.