بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
جماعةُ الإخوان المسلمين..
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
18 من رجب 1433 هـ الموافق 08- 06 -2012 م
التفريغ
للتحميل بصيغة PDF = اضغط هنـــا
أو
للتحميل بصيغة DOC = اضغط هنـــا
صورة من ملف التفريغ
القراءة
إِنَّ الحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإنه إذا كانت دعوة الساعين إلى الحكم دعوةَ دين وعقيدة، فقد تَوجَّب على المحكومين الذين يختارون حاكميهم أن يعرفوا حقيقة دينهم وحقيقة دعواهم؛ وذلك لأن ما سيحكم به أولئك الحاكمون بعدُ سيكون باسم الدين وعلى دعائم الملة.
فتوجَّب على مَن يختار حاكمه كما هو المعمول به أخذًا من النظم الديمقراطية التي غزت العالم الإسلاميّ من العالم الغربيّ بفجوره وشركه وبُعده عن الدين الحق.. إذا كان المحكوم سيختار حاكمه وقد توجب أن يعرف حقيقة دعواه وَكُنْهَ دعوته إذا كان سيحكم باسم الله.
وهذا التقليد من أسس الاختيار الديمقراطيّ للحكام في المجتمع الغربّي؛ فإنّ الحاكم يكون مكشوفًا أمام المحكومين ظهرًا لبطن، ولا تخفى من سيرته ربما منذ كان جنينًا في بطن أمه إلى حين اختياره لا تخفى منه على منتخبينه خافية.
فإذا انتقل الأمر إلى المجتمع المسلم وصار الاختيار باسم الدين وباسم الإسلام، وقد توجب على المحكومين أن يختاروا على حسب عقيدة الحكام وعلى حسب دينهم فيما يعلنونه ويظهرونه.
والإخوان المسلمون يقولون: إنهم يسعون إلى الحكم؛ لإقامة منهج الله في أرض الله على خلق الله.. هكذا يقولون.
فما حقيقة منهج الله عندهم؟!
منهج الله عندهم هو منهج الإخوان المسلمين، وهو مبادئ الإخوان المسلمين، قال الشيخ (البنا) في رسائله، في الصفحة الثمانين بعد المائة مخاطبًا الإخوان: [ على أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم ولا إنتاج إلا في خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون ].
فهم يحتكرون الصواب! فكل مَن خالفهم يكون مخطئًا على أحسن تقدير وخاطئًا على التقدير العام.
يكون مخطئًا من الخطإ، ويكون خاطئًا من الخطيئة.
ولقد كان يعتقد أن كمال الدعوة الإسلامية هو الكمال الذي تتضمنه دعوة الإخوان على فهم قائدها وأنّ كل نقص في عقيدة الإخوان هو في الحقيقة نقص من الإسلام.
وقد راعى كبار عقيدة الإخوان رمزًا لهذا المنهج ثم قال كما في مذكراته في الصفحة الرابعة والخمسين بعد المائتين: [ وعلى كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج كله من الإسلام، وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة] .
بل أوجب في الرسائل في الصفحة التسعين بعد الثلاثمائة على الشباب أن يفهموا الإسلام كما فهمه هو.
فأوجب في الرسائل في ذلك الموضع على الشباب أن يفهموا الإسلام كما فهمه هو؛ فقال في تفسير ركن الفهم الذي هو أحد أركان بيعته: [ إنما أُريد بالفهم أن تُوقن بأن فكرتنا إسلامية صحيحة وأن تفهمَ الإسلام كما نفهمه في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كلَّ الإيجاز ].
وأن تفهمَ الإسلام كما نفهمه!!
وهذا مرفوض، وإنما نفهم الإسلام كما فهمه أصحاب الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم هم الذين عاصروا نزول الوحي، وهم الذين عاصروا وقائع التنزيل، وهم الذين عاصروا أسباب الورود، وهم الذين كانوا مع الرسول في الحَلِّ والترحال، وكانوا مع الرسول في الحرب والسلم، والمنشط والمكره؛ فعرفوا الإسلام كما أنزله الله على رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -.
فقال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في بيان الناجين من النار الذين أسعدهم الله -رب العالمين- بالاتباع في الدنيا وبالجنة في الآخرة: [ مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ].
وقد وصف (البنا) هذا الفهم بالكمال؛ فقال في الرسائل في الصفحة السادسة والعشرين بعد الثلاثمائة: [ واذكروا جيدًا أيها الإخوان أن الله قد مَنَّ عليكم، ففهمتم الإسلام فهمًا نقيًا صافيًا شاملاً كافيًا وافيًا يساير العصور ويفي بحاجات الأمم ].
وردد المرشدون من بعد (البنا) وكذلك القياديون ما قاله، فقال (حَسَن الهُضَيْبِيّ) كما في (قافلة الإخوان) في الصفحة الثامنة والتسعين بعد المائتين: [ دعوة الإخوان هي لا غيرُها الملاذُ والإنقاذ والخلاص، وعلى الإخوان ألا يُشركوا بها شيئًا!! ].
وعلى الإخوان ألا يُشركوا بها شيئًا!!
وقال (محمد مَهْدِي عَاكِف) كما في (موقع الإخوان) في الثاني والعشرين من الشهر الرابع من السنة السادسة بعد الألفين: [ وليس هناك أحقُّ من أن يقول الحقَّ كما أُنزل على قلب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الإخوانُ المسلمون!! ].
صار الدينُ ما يعتقده الإخوان، وصار الإسلامُ ما يعرفه الإخوان، وما لا يعرفه الإخوان فليس بإسلامٍ، وليس هناك أحق من أن يقول الحق كما أُنزلَ على قلب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الإخوانُ المسلمون!!
وقال (سعيد حَوَّى) في (تربيتنا الروحية) في الصفحة الخامسة والأربعين بعد المائة: [ ونعتقد أنه لا جماعةَ كاملة للمسلمين إلا بفكر الأستاذ (البنا) وإلا بنظرياته وتوجيهاته].
وقال في (آفاق التعاليم) في الصفحة الثالثة والثلاثين: [ والبيتُ المسلم الكامل هو البيت الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمون ].
والبيتُ الملتزم بالكتاب والسنة؟!! ليس ببيت مسلم كامل، وإنما البيت المسلم الكامل هو البيت الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين!!
ما هي مبادئ الإخوان المسلمين؟!
وما هي عقيدة الإخوان المسلمين؟!
وما هو اتباع الإخوان المسلمين؟!
ما هو معرفة الإخوان المسلمين بحقيقة الدين الذي أنزله الله على النبي الأمين؛ حتى يتم هذا الحجر على هذا النحو.
وعليه فمن حق المسلم أن يعرف إذا حُكم بحكم الإخوان المسلمين ما هي العقيدة الصحيحة، وما هو الاتباع الحق، وما هو الدين الصراح، فكل ذلك فيما يقولونه فإنْ خالفت فقد خرجت!!
(سعيد حَوَّى) يعتقد هذا الكمال؛ لاعتقاده بأن اجتهاد (البنا) اجتهاد ولي من أولياء الله -عز وجل؛ قال في (تربيتنا الروحية) في الصفحة الخامسة والأربعين بعد المائة: [ إننا نملك بفضل الله البداية الصحيحة، وهي نقطة الانطلاق من اجتهاد إنسانٍ لا يشك عارفوه أنه وليٌّ من أولياء الله -عز وجل- وهو الأستاذ (حسن البنا).
ونحن أهلَّ السنة نملك البداية الصحيحة صحةً مطلقة؛ لأن نقطةَ الانطلاق هي من الوحي المنزل على خير الأنبياء - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وليست نقطةُ الانطلاق من اجتهاد إنسان لا يشك عارفوه أنه وليٌّ من أولياء الله -عز وجل- وهو الأستاذ (حسن البنا).
قال: [ وعلينا أن ننطلق بدفعة التجديد في هذه الأمة مهما كلفنا ذلك ].
ماذا يصنع أهل السنة -أهل الحق- إذا وضعوا كلام هؤلاء بإزاء كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في (مجموع الفتاوى) في المجلد الثالث في الصفحة الخامسة والأربعين بعد الثلاثمائة، قال: [ فَأَهْلُ الحَقِّ وَالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ مَتْبُوعُهُمْ إلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى؛ فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ المَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الأَئِمَّةِ، بَلْ كُلُّ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللهِ.
فَمَنْ جَعَلَ شَخْصًا مِنْ الأَشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَمَنْ خَالَفَهُ - (أي: خالف ذلك الشخص الذي هو سوى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)- كَانَ مِنْ أَهْلِ البِدْعَةِ وَالفُرْقَةِ - كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطَّوَائِفِ مِنْ اتِّبَاعِ أَئِمَّةٍ فِي الكَلَامِ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَانَ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ ]. اهـ
مَن نصب للأمة شخصًا يُوالى على كلامه ويُعادى سوى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فهو من أهل البدع والضلال والأهواء والتفرق.
ليس سوى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُوالى على كلامه ويُعادى، ويُوالى عليه ويُعادى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وليس ذلك لأحد من الخلق سواه.
لقد كان من آثار اعتقاد الإخوان بأن المرشد لا يخطئ!! وأن الجماعة كاملة تمثِّل الإسلام تمثيلاً كاملاً كان من آثار ذلك ما ذكره الدكتور (عبدالعزيز كامل) في (مذكراته الشخصية) في الصفحة السبعين، قال: [ ولقد كان من الأعراف الفكرية عند الإخوان أن يد الله التي ترعاهم قادرةٌ على أن تحوِّل خطأ تصرفهم إلى صواب، نسير في خطإ فإذا برحمة الله تتداركنا فنتحول إلى صواب، نقصد أمرًا فتوجهنا عناية الله إلى غيره ].
قال: [ هكذا كنتُ أسمع وسَمِعَ كثيرون غيري من الأستاذ (البنا)، فإذا كان كلُّ ذلك كذلك فلا داعي لتضييع كثير من الوقت والجهد في تقييم القرار والدراسة العميقة المتأنية لملابساته؛ فإننا إذا أخطأنا تكفلت عناية الله بإصلاح هذا الخطإ ].
الإمام (البنا) هو المعيار -كذا يعقولون-!!
يقولون: الإمامُ هو المعيار!! وفِكره هو المِسْبَار!!؛ فيعتقدون أن فِكر (البنا) هو المعيار الذي تُقاس به الأمور فيما يتعلق بالدين والحياة؛ فـ (البنا) الوحيد بين خلق الله الذي هُدي لما هُدي إليه.
قال (سعيد حَوَّى) في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) في الصفحة السادسة والثلاثين: [ ولا نعلم أنه من بين خلق الله مَن فطن لهذا كله ولغيره من شروط جماعة الإخوان المسلمين كما فطن إلى مجموع ما يلزم لتحقيق الجماعة الإسلامية لأهدافها على كل مستوى من: صياغة للمسلم، إلى إقامة للدولة المسلمة في كل قُطب، إلى الوصول إلى الدولة الإسلامية العالمية كـ (حسن البنا)!! ].
إذا حَكَمَ القوم ففِكر (البنا) هو المعيار؛ لأنه الوحيد بين خلق الله الذي هُدي إلى الخلاص!!
وأما مَن قال: قال الله، قال رسوله، قال الصحابةُ ، والتزم منهاج النبوة، فهذا مُلْقًا بمبعدة؛ لأن الوحيد من بين خلق الله -جل وعلا- الذي هُدي إلى ما هُدي إليه من صياغة المسلم..
مع أن قادة الإخوان المتقدمين قد قرروا أن صياغة الجماعة إنما كانت على أُسُسٍ من أُسُس الماسونية والمنظمات الباطنية.
فهكذا يُصاغ الفرد المسلم؟!!، وهكذا تُقام دولة الإسلام في أرض الله لخلق الله؟!!
(البنا) أول مَن وضع قدم المسلمين على الطريق الصحيح!! قال (سعيد حَوَّى): [ وفي هذه السلسلة أثبتنا بما لا يقبل جدلاً عند المنصفين أن أحدًا لم يضع قدم المسلمين في هذا العصر في طريق تحرير الإسلام من الوهن ثم في الطريق إلى جماعة المسلمين وإمامٍ تتوفر فيه الخصائص كـ (حسن البنا) ].
وليس أمام المسلمين تبعًا سوى فكر (البنا)!! قال (سعيد حَوَّى) كما في (آفاق التعاليم) في الصفحة الخامسة: [ خاصةً وأن المسلمين ليس أمامهم إلا فِكرَ الأستاذ (البنا) إذا ما أرادوا الانطلاق الصحيح ].
فلو لم يكن قد خُلق، ضاع الإسلامُ!! وضاع المسلمون!!
فأين حفظُ الله لدينه؟! وأين حفظ الله -رب العالمين- لأمة محمد؟! كما وعد الله -رب العالمين- محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - به، ولو تكالب عليه مَن بأقطارها فلا يهلكون بمجاعةٍ عامة، ولا بعدو يستأصل شأفتهم ويجتاح خضراءهم، وإنما يظلون باقين منصورين، وفيهم طائفة منصورة كما قال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
والله -جل وعلا- قد حفظ الوحي الذي أنزله على رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وفيه العصمة.. ليست العصمة في الأشخاص -بعد رسول الله-، وإنما العصمة في الوحي المعصوم.
فهذا الكلام كله من حق المسلم أن يعرفه؛ لأنه هو الذي سيختار، فإذا ما اختار فقد اختار -أي اختار هذا الذي يعرفه-.
ولا ينبغي مطلقًا أن يُقتاد المسلم من أجل تأسيس حُكمٍ يُقال له: حكمٌ دينيٌّ إسلامي!! على مبادئَ لا يعرفها.. وإنما المقادة في يد جُوَالٍ من البطاطس!! أو في رشوة انتخابية!!، ثم يجد نفسه أمام مثل هذه المعتقدات، أما إذا دخل وهو لها عارف، وبها مُلِم.. هذا شأنه!
هم يعتقدون أن البعد عن فكر (البنا) تفريط في نصرة الإسلام!!
قال أيضًا: [ إننا لا نرضى لأنفسنا أن ننطلق بعيدًا عن سير الأستاذ (البنا)؛ لأن التفريط في ذلك تفريط في السير الصحيح لنصرة الإسلام في هذا العصر ].
وأهل السنة يقولون: ونحن لا نرضى لأنفسنا أن ننطلق بعيدًا عن سير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن سير أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإذا كان أئمتنا من أهل السنة قد قرروا أن الخلاف بين أهل السنة والإخوان المسلمين خلاف عقديّ، ليس بخلاف فروعيّ، فعلى أي شيء ينطبق هذا الكلام؟!!
إذا كان معتقدُ القوم أنه لا فلاح للمسلمين إلا بفكر (البنا) فما حُكْمُ مَن خالفه -ولو كان المخالف متبعًا للكتاب والسنة-؟!
قال (سعيد حَوَّى) كما في (آفاق التعاليم) في الصفحة الثالثة عشرة : [ ولكن الأيام ستكشف -والله أعلم- أنه لن تستطيع الحركة الإسلامية ولا في طور من أطوارها سواءٌ قبل الدولة أو بعدها أو في السياسة الداخلية أو في السياسة الخارجية للدولة الإسلامية أو في التربية أو في التكوين أو في الإستراتيجية والحركة أن تستغني عن فكر الأستاذ (البنا).
ولإن كان (البنا) بمجموع ما حباه الله -عز وجل- هو المرشح الوحيد لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيبٌ ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النِّسب حدث الفساد!! ].
هذا غلو صارخ!! في اعتقاد العصمة في منهج لا تقوم دعائمه على كتاب الله ولا على سنة رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -.
وهذا الذي أدّاهم إلى اعتقاد أنه لا جماعة كاملة للمسلمين إلا بفكر (البنا)!!، قال: [ ولا شك أن دور الجماعة قبل السلطة وبعدها هو المنظم لهذا كله، ونقصد بالجماعة هنا جماعة المسلمين.
ونعتقد أنه لا جماعةَ كاملة للمسلمين إلا بفكر الأستاذ (البنا) وإلا بنظرياته وتوجيهاته التي في جملتها الحب لكل العاملين المخلصين ].
وهذا الكلام ينطوي على معنى خطير؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين إذا قال قائلهم: نحن جماعة من المسلمين، فمعنى ذلك أنهم لم يكفِّروا سائر المسلمين -عاداهم-.
وأما إذا قالوا: نحن جماعةُ المسلمين، فكل غير منضم إليهم هو خارج جماعة المسلمين، والذي يكون خارج جماعة المسلمين يكون في جماعة المشركين الكافرين!!
والقوم قد وضعوا أسوارًا من حديدٍ، فإذا عاش المرء في ظلال الحكم الإخوانيّ فعليه ألا ينتقد فكر (البنا) لأن انتقادَ فِكر (البنا) مرضٌ في القلب!!
انتقادُ فِكر (البنا) نفاق!! نفاق أكبر!!
قال (سعيد حَوَّى) كما في (آفاق التعاليم) في الصفحة الخامسة : [ ثم إنه نبتت ها هنا وهناك أفكار مريضة تريد أن تتخلص من دعوة (حسن البنا) ومن أفكاره.
فكان لابد أن يعرف هؤلاء وغيرهم أن الانطلاقة على غير فكر الأستاذ (البنا) في عصرنا قاصرةٌ أو مستحيلةٌ أو عمياء إذا ما أردنا عملاً كاملاً متكاملاً في خدمة الإسلام والمسلمين ].
قال: [ وإذ هو في حُكم الثابت أنه لم تتوافر في إنسان معاصر مجموعة الصفات التي تحققت في (حسن البنا)؛ فإنه يكاد يكون وحده المرشح لطرح نظريات العمل الإسلامي المعاصر.. إن هذا ينبغي أن يأخذ عندنا طابعَ البديهة، على أن ذلك لا يعني العصمة لـ (حسن البنا) ].
وهذا من التقية، وأما الكلامُ الذي سبق فيعني العصمة؛ لأن مَن خالفه، فهو منافق، وكذا مَن انتقد، ومَن خالف فكر (البنا) فليس بعامل للإسلام -ولو كان آخذًا بكتاب الله وسنة رسول الله على فهم أصحاب رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
وقد مَرَّ أنه يرى أن البيت المسلم الكامل إنما هو البيت الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين!! : فيه الأناشيد الإسلامية!!، وفيه المسرحيات الإسلامية!!، وفيه الأغاني الإسلامية!!، وفيه ما شئت من كل ما أَلصقتَ به إسلامية!!
وهذا هو البيت المسلم الكامل هو الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين؛ لأن ذلك هو الكمال الإسلامي المعاصر!! كما يقول في (آفاق التعاليم): [ ولذلك جعل الأستاذ (البنا) يقول: من واجبات الأخ العامل إلزام المنزل بمبادئ الإخوان المسلمين ].
وكل هذا يؤدي إلى وجوب العمل تحت راية الإخوان المسلمين؛ لذلك فإنهم ما وصلوا إلى حكم قوم من المسلمين إلا وَأَقْصَوا كلَّ مخالف، ومَن انتقد أو خَطَّأَ أو بيّن الصواب في غير ما جاءوا به، فله من ذلك مقدارٌ من العقوبة على قدر ما جاء به أو يزيد.
كما هو الشأن مع أهل السنة في غزة، وكما وقع قبلُ في السودان، وكما هو واقع في كل مكان؛ لأن المخالف -عندهم- مخالف لحقيقة الإسلام!!
ولقد أعطى (سعيد حَوَّى) جماعة الإخوان كل أحكام جماعة المسلمين، وَقَلَّدَ مرشِدها خصائص إمام المسلمين، ولذلك أوجب على كل مسلم الانضواء تحت لوائها، والانضمام إلى صفوفها، وأوجب على كل مسلم عقد البيعة لـ (حسن البنا) أو لخليفته.
قال: [ وبسبب ما ذكرنا نقول: إن جماعة الإخوان -لا سواها- هي التي ينبغي أن يضع المسلم يده في يدها ].
وقال -أيضًا-: [ مما مَرَّ ندرك أن السير مع الإخوان شيء لابد منه للمسلم المعاصر ]. وضيّق واسعَ رحمة الله -عز وجل- عندما قال: [ وبهذا لا يسع مسلمًا أن يتخلف عن هذه الدعوى ].
مَن خالف جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان المسلمين فقد خلع رِبْقَةَ الإسلام من عنقه، قال: [ وإذا كانت الجماعة هذا شأنها، فلا يجوز الخروج منها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن فارق الجماعة قِيدَ شبرٍ؛ فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه) ].
لا أوضحَ من هذا البينان في أن القوم يرون أن الجماعة هي الإسلام، وأن الإسلام هو الجماعة، فيا وَيْحَ مَن يخالف!!
قال: وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة؛ لأن الطاعة لا تجوز إلى لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختيار، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [ آل عمران: 100].
كلامُه في كتابه من أجل خطوة إلى الأمام في الصفحة الأربعين.
اعتقاد العصمة في الرجل، واعتقاد الكمال في المنهج أَثَّرَ تأثيرًا عميقًا في نظرة الإخوان إلى الإصلاح العام وحل مشكلات المجتمع.
قال الدكتور (عبد العزيز) كامل في مذكراته الشخصية في الصفحة التاسعة والستين: [ ولقد كنتُ دائمًا أدعو إخواني وأبنائي إلى العناية بالعلم والمنهجية والتخطيط الطويل حتى أصبحت هذه واأسفاه أقولها مثار دُعابة قد تصل أحيانًا إلى شيء يقرب من السخرية المهذبة -إن كان في السخرية تهذيب-، وأخذتُ أستعيد الخطب العريضة الرنانة والقوالب المحفوظة التي يستطيع الخطيب أن يحدد أماكن الهتاف والتكبير فيها كأنها تمثيلية معادة أخذتُ أستعيد التبسيط والتسطيح لقضايا الحياة وقضايا الإسلام حتى كأن الأخوان يمتلكون المفاتيح السحرية لحل قضايا العصر: قضايا الاقتصاد تُحل في كلمات، وقضايا الاجتماع تُحل في كلمات، المشكلات السياسية في كلمات، الشورى في كلمات.. هكذا بكل بساطة تُحل قضايا الحياة، واستطاع هذا التبسيط أن يجتذب الكثير من الشباب ].
انتهى كلام الدكتور (عبد العزيز كامل).
وقال (القرضاوي) في كتابه (الإخوان سبعون عامًا) في الصفحة الثالثة والثمانين بعد المائتين: [ فإن عقيدتهم -يعني الإخوان- وفكرتهم من حيث النقاء والأصالة لا تشوبها شائبة!! ].
قال (أحمد رائف) في (صفحاته)، في الصفحة السادسة والثلاثين بعد المائتين، وكأنه يصف الحال اليوم: [ كان جسم الإخوان المسلمين أو البنية الأساسية لهم تعتمد على مدرس المدارس الإلزامية وَصْفٌ ناعم بمختلف تخصصاتهم، لهذا كان الإدراك السياسي العام ضعيفًا مع انعدام القدرة على تكوين الكوادر السياسية وقيادة الشارع المصري من خلال تبني مشاكله الرئيسة، وبوجه عام لم تمنحهم الأحداث الفرصة الكافية العادلة للتفكير والتخطيط.
وتصوَّروا -خطئًا- أن طبيعة المرحلة تقتضي الحشد، والجمع، ورصَّ الصوف لجندٍ قد لا يتبينون الخطة الكلية، وقادةٍ لا يعرفون غاية هذا الحشد على وجهٍ واضح مبين.
كل هذا ترك أثره على الجماعة عندما دخلتْ حربًا من نوع جديد لم تعهده من قبل واستغرقتها تفصيلات لم تكن ببالها ].
وأما التناقضات بين المبادئ والواقع، فلا تُحصى ويكفي النظرُ إلى ما يتعلق بالتوراة، قال (البنا) في (الرسائل) في الصفحة التسعين بعد المائة: [ وأما الثورة فلا يُفكِّر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها ].
إذا كان القوم يقولون لا ينبغي أن يُخرجَ عن فكر (البنا) فماذا يقولون في هذا النص المعصوم؟!!
إن مجرد النقد نفاقٌ في القلب، ولا يجوز بحال أن يُعترض على المسار، فالرجل يقول: الثورة لا يفكِّر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.
وقال (التِّلْمِسَانِيُّ) في كتابه (ذكريات لا مذكرات) في الصفحة الحادية والتسعين بعد المائة: [ والعجيب في أفهام الكثيرين تصورهم أن دعوتنا تدعو إلى قلب نظام الأوضاع القائمة، ونحن بهذه الصورة متآمرون وليس لهذا ظل من الحقيقة ].
وقال في الصفحة السابعة والثمانين بعد المائة: [ الإخوانُ ما فكروا يومًا في القوة كسلاحٍ لتغيير أو انقلابٍ أو ثورة ].
وقال (مهدي عاكف) في (جريدة الشرق الأوسط) في اليوم الثاني عشر من شهر مايو من السنة الخامسة بعد الألفين: [ لسنا أهلَ ثورة، ونحن ندعو للحق والسلام، والثورةُ ليست من مفرداتنا ].
ولكن التناقضات التي تدعو إليها التقية في الخفاء، فتبدو تناقضًا في الظاهر، أما هذه التناقضات فإنها -بتفسيرها الباطني- من التقية: أن تقول شيئًا وتعني غيره، وأن تتكلم بكلامٍ وتقصد سواه، فهذا -وهو من دين الروافض- مما يعتقده الإخوان المسلمون.
فليس عجيبًا أن يركبوا الثورة إذا قربتهم من أهدافهم، وأن يُعارضوها إذا عارضت أهدافهم.
وهم في هذا وشيوخُ الثورة سواء، فإن هؤلاء وهؤلاء لو أنهم -وهم يدَّعون أنهم أهلُ العلم والدعوة- لو أنهم قالوا -أولَ الأمر- إنّ ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، وذكّروا الناس بمنهج الأنبياء في الدعوة والإصلاح والتغيير، وأنّ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد بُعث في وقتٍ عَمَّ فيه الفساد السياسي أرجاءَ المعمورة، وما ركّز على الإصلاح السياسيّ على الرغم من أن السياسة الشرعية للدنيا بالدين من الدين..
ولقد دُعي -صلى الله عليه وسلم- للمشاركة في المُلكِ من قِبل كبراء قريش، فأبى ورفض كما في الرواية التي حسنها الألباني في التعليق على فقه السنة؛ إذ قالوا له -صلى الله عليه وسلم-: [ وإنْ كنتَ تريد به شرفًا سَوَّدْنَاكَ علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإنْ كنتَ تريد مُلكًا ملكناك علينا ].
فرفض -صلى الله عليه وسلم- وذلك لأن الشعوب إنْ لم تكن مقتنعةً بالإسلام، معتنقةً لعقيدته فلا ينفعها كثيرًا تحصيلُ سلطانه.
لا ينفع الشعوبُ تحصيلَ سلطان الإسلام ما لم تكن معتنقةً لعقيدته، مقتنعةً بشريعته؛ لأن البذورَ لا يُمْكِنُ أن تستنبت في الهواء، ولأن الشريعة لا تقوم إلى على العقيدة الصحيحة الثابتة.
ولهذا كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يذهب إلى الناس في نواديهم وأسواقهم وبيوتهم ويناديهم فُرادى وقبائل حتى بلغ به الحزن عليهم مبلغًا، قال له فيه ربه: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر: 8].
بل كاد يُهْلِكُ نفسه من أجلهم، فقال له ربه: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا) [ الكهف: 6].
قارِن هذا مع صنيع الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الملوك والرؤساء، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يتكلف الذهاب إليهم، بل أرسل إليهم رُسله وسفراءه كما في رسالته إلى هرقل، وهي في الصحيحين، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، ويُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ "، وَ ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾).
هذه رسالة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، فأين هذا من أعمارٍ أفناها أصحابها وبددها أربابها في الخطب السياسية والحماسات الثورية، ولم تحصِّل منها الشعوب سوى الهباء!!
وقد أخرج أبو نعيم في الحِلية، وابن أبي الدنيا في التوبة وفي العقوبات وقوام السنة في الترغيب والترهيب، عن مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله أن اللهَ مالك الملك قلوبُ الملوك بيدي فمَن أطاعني جعلتُهم عليه رحمة، ومَن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا أُعَطِّفْهُم عليكم.
لو أنّ الإخوانَ -وهم يدَّعون أنهم أهل دعوة وعلم-، ولو أن الشيوخ والدعاة -وهم يدَّعون أنهم أهل الدعوة وأهل العلم- لو أن هؤلاء وهؤلاء لما بدأ المد الثوري الماسوني يعمل عملَه في أرض الكنانة تصدوا له بقال الله، قال رسوله لانحسر ذلك المد حسيرًا.
ولكنهم رَكِبُوا متن أولئك الثوار، ومنهم مَن أَزَّهُم على الاستمرار، ومنهم مَن وصف الثورة وهي معصية وجريرة، وليس في الإسلام ثورة!!
وأولُّ ثورة في الإسلام قام بها عبدالله بن سبإ اليهوديّ!! وكان من جرائها قتلُ الخليفة الراشد عثمان، وبزوغُ نجم الروافض الذين أَلَّهُوا وقتها عليًا حتى حرَّقهم بالنار بعدما خَدَّ لهم الأخاديد..
زعيمُ الثوار في أمة الإسلام هو عبدالله بن سبإ اليهوديّ، كان يهوديًا فأعلن إسلامه كما أعلن بولس -وكان يهوديًا- كما أعلن بولس نصرانية من أجل أن يُفْسِدَ على النصارى دينهم -وقد كان-، فكذلك فعل ابن سبإ اليهوديّ.
فتجد من الشيوخ مَن يقول: هي الثورة المباركة!!
مباركةٌ في أي شيء؟!!
في الخراب؟!!
في انتهاك الأعراض؟!!
في تبديد الأموال والثروات؟!!
في ضياع الوطن وتقسيمه؟!!
في علو كفة الروافض في ديار الكنانة الطاهرة الطيبة؟!!
في ارتفاع أسهم اليهود؟!!
في محاولة النُّوبيين الانفصال؟!!
مباركةٌ في أي شيء؟!!
وتجد بعضهم يقول -وصفًا لمَن تربوا في محاضن الغرب على افتعال الثورات والفوضى في ديار الإسلام من أجل تفكيك المجتمع المسلم وإعادة تركيبه على الأجندة الغربية الكافرة الفاجرة، وإزالة النظام الإسلامي من الوجود-، فتجده يصف القوم بقوله: [ الشبابُ، التقي، النقي، الأبي، الذكي، البهي ] إلى آخر سجع الكهان!!
وآخرُ يكذب مدعيًا الإجماع!! وينزل بنفسه يخطب في القوم ويؤيدهم.
ومنهم مَن يأخذ امرأته إلى الميدان!!
ومنهم مَن يزعم أنّ الله -جل جلاله- قد تجلى على الميدان ومَن فيه ثلاث مرات!! إلى غير ذلك مما قالوا وفعلوا.
ومعلومٌ من قواعد الإسلام أن المتسبب كالمباشرِ، وهما في الوِزرِ سواء؛ فكلُّ مَن كان سببًا بطريقة ما عليه كِفلٌ من أوزار الدماء، وهتك الأعراض والخراب وسلب الأموال وقطع الطرقات وانهيار وتفكيك المنظومة الأخلاقية في المجتمع المصريّ، إلى غير ذلك من المآسي التي ربما ظل المجتمع المصري عقودًا في محاولة الترميم لمَن هدم والرَّتْقِ لمَن فَتَق، فاللهُ حسيبهم، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له هو يتولَّى الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَلَّى اللـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
فمن حق المحكوم على حاكمه إذا كان له باختياره مختارًا أن يعرف ما لديه.
ولدى الإخوان جهازٌ خاص لترويج الأكاذيب والشائعات، ولهم في ذلك طُرق خاصة وخُطط مرسومة.
قال (أحمد رائد) في (صفحاته) في الصفحة الخامسة والأربعين بعد المائتين: [ وكان لابد من عمل إعلامي مضاد لإعلام الحكومة، وبدأت الشائعات تخرج من الصفوف الإخوانية بعضُها من غير قصد، والآخرُ وَفق خطةٍ مرسومة ].
هذه شعبة خاصة وظيفتها تشويه سمعة كل مخالف من رميه بالعمالة، ومن الطعن في أخلاقه، إلى السوءة الأخلاقية والفاحشة والرذيلة التي نهت عنها الديانة، إلى غير ذلك من تلك الأمور التي تجعله مسخًا مشوهًا ينفر منه الناس وعنه يصدفون.
وكذلك قرر طريقتهم في إثارة البلبلة في المجتمع وتوزيع المنشورات المثيرة (محمود عبدالحليم) في كتابه (أحداثٌ صنعت التاريخ) في الجزء الأول في الصفحة التسعين بعد المائتين: [ الإخوان المسلمون لا يرون فرقًا بين أهل السنة والروافض، ويرون أنه لا خلاف في العقيدة بين أهل السنة والروافض ].
والروافض يقولون: إن القرآن الذي بين أيدينا ناقصٌ، وأنه حُرِّف على أيدي أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم-!!
الروافض يرون أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- قد كفروا بعد مماته إلا ثُلةً قليلةً هم الذين شايعوا عليًا!!
الروافض يرون أن الأمين قد خان!! ويعنون بالأمين جبريل -عليه السلام-؛ فيقولون: إن الله كلفه بأن ينزل بالرسالة إلى علي فذهب بها إلى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم-!!
وتسأل -متعجبًا- وما هي الفائدة التي تعود على جبريل من هذه المخالفة لأمر الله -عز وجل-؟!!
ثم تسأل -متعجبًا- وكيف لم يصحح الله -رب العالمين- هذا الخطأ الذي وقع فيه جبريل أو هذه الخيانة التي وقع فيها جبريل؟!!
الروافض يرون أن أمهات المؤمنين لم يكنّ زوجات لرسول الله، وإنما هُنّ من السراري!!
وهم يتهمون عائشة -رضي الله عنها- وقد برَّأها الله -رب العالمين- من الإفك الذي ائتفكه المنافقون وشايعهم عليه بعض المؤمنين، برأها الله -رب العالمين- منه في القرآن المجيد؛ فمَن اتهمها بعد ذلك فقد كفر لمخالفته لما أنزل الله في كتابه.
ومع ذلك فإنهم يقولون في عائشة قولاً عظيمًا، ويقولون في الشيخين إنهما (جِبْتَا قريش!!) و(طاغوتا قريش!!)، وإنهما (صنما قريش!!) بدَّلا الديانة وحرّفا الملة.
الروافض يسعون إلى نبش قبر رسول الله لاستخراج جسده الشريف، وحمله إلى حيث مقدساتهم هم!! -في ديار المجوس-، ونبش قبر الشيخين لحرق جسديهما!!
الروافض يعتقدون ذلك وأكثرَ منه، ومع ذلك فالإخوان المسلمون لا يرون خلافًا بيننا وبينهم في العقيدة!!
يفتحون لهم الأبواب ويقول (مهدي عاكف) في أثناء (حرب لبنان) إذا أذن لنا الأخ (حسن نَصْر) أرسلنا إليه عشرة آلاف جندي من شباب الإخوان، وتبقى مشكلة النقل والانتقال؛ ليحاربوا تحت لواء الروافض، وما حارب الروافض اليهود، وإنما كانت مسرحية من أجل تدمير أهل السنة، ومن أجل تدمير لبنان وإعادتها إلى العصر الحجري.
فالمسلمُ عليه أن يعرف عقيدة حاكمه: سيدخلون الروافض علينا، سيعلون كفتهم عندنا، سيذوِّبون الفوارق بين عقيدة الروافض وعقيدة أهل السنة، إلى غير ذلك مما نسأل الله -رب العالمين- أن ينجي ديار أهل الكنانة منه، إنه على كل شيءٍ قدير.
عقيدتهم -أي عقيدة الإخوان المسلمين- يُسألون عنها.. ما هي عقيدتهم؟!
ليس لهم منهج اعتقادي يمكن أن يُعرف أو يُدل عليه، وما كذلك فعل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-!! وإنما أمضى ثلاثة عشر عامًا قبل أن تُفرض الأحكام على الوجه الذي انتهت إليه.
فإن الصلاة التي فُرضت في السنة العاشرة من البعثة خمس صلوات في اليوم والليلة إنما فُرضت بعد عشر سنوات من البعثة على النحو المعروف.
وما كان يُؤذَّن للصلاة بمكة، ولا كانوا يجمِّعُون بها، ولا يصلُّون فيها جماعة، وإنما كانوا يستخفون بعبادتهم -رضوان الله عليه-.
ولم تُفرض الزكاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا القتال، إلى سائر الفروض إلا بعد الهجرة إلى المدينة وتأسيس الدولة.
وإنما أمضى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أمضى من عمره يدعو إلى التوحيد وإلى العقيدة الصحيحة التي لا يقوم بنيان المرء المسلم إلا عليها ولا يصلح قلبه إلا بها.
فهذه دعوة الإسلام العظيم، ودعوة النبي الكريم، وهذا هو الصراط المستقيم.
فنسأل الله أن يُرشدنا إلى الصواب، وأن يحفظنا من الخلل، والزلل، والخطل، والخطإ، والخطيئة، إنه على كل شيءٍ قديرٍ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
20 من رجب 1433هـ، الموافق 10/6/2012 م
فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا = جل مَن لا عيبَ فيه وعلا
السلام عليكم ورحمة الله
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
جماعةُ الإخوان المسلمين..
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
18 من رجب 1433 هـ الموافق 08- 06 -2012 م
التفريغ
للتحميل بصيغة PDF = اضغط هنـــا
أو
للتحميل بصيغة DOC = اضغط هنـــا
صورة من ملف التفريغ
القراءة
إِنَّ الحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإنه إذا كانت دعوة الساعين إلى الحكم دعوةَ دين وعقيدة، فقد تَوجَّب على المحكومين الذين يختارون حاكميهم أن يعرفوا حقيقة دينهم وحقيقة دعواهم؛ وذلك لأن ما سيحكم به أولئك الحاكمون بعدُ سيكون باسم الدين وعلى دعائم الملة.
فتوجَّب على مَن يختار حاكمه كما هو المعمول به أخذًا من النظم الديمقراطية التي غزت العالم الإسلاميّ من العالم الغربيّ بفجوره وشركه وبُعده عن الدين الحق.. إذا كان المحكوم سيختار حاكمه وقد توجب أن يعرف حقيقة دعواه وَكُنْهَ دعوته إذا كان سيحكم باسم الله.
وهذا التقليد من أسس الاختيار الديمقراطيّ للحكام في المجتمع الغربّي؛ فإنّ الحاكم يكون مكشوفًا أمام المحكومين ظهرًا لبطن، ولا تخفى من سيرته ربما منذ كان جنينًا في بطن أمه إلى حين اختياره لا تخفى منه على منتخبينه خافية.
فإذا انتقل الأمر إلى المجتمع المسلم وصار الاختيار باسم الدين وباسم الإسلام، وقد توجب على المحكومين أن يختاروا على حسب عقيدة الحكام وعلى حسب دينهم فيما يعلنونه ويظهرونه.
والإخوان المسلمون يقولون: إنهم يسعون إلى الحكم؛ لإقامة منهج الله في أرض الله على خلق الله.. هكذا يقولون.
فما حقيقة منهج الله عندهم؟!
منهج الله عندهم هو منهج الإخوان المسلمين، وهو مبادئ الإخوان المسلمين، قال الشيخ (البنا) في رسائله، في الصفحة الثمانين بعد المائة مخاطبًا الإخوان: [ على أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم ولا إنتاج إلا في خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون ].
فهم يحتكرون الصواب! فكل مَن خالفهم يكون مخطئًا على أحسن تقدير وخاطئًا على التقدير العام.
يكون مخطئًا من الخطإ، ويكون خاطئًا من الخطيئة.
ولقد كان يعتقد أن كمال الدعوة الإسلامية هو الكمال الذي تتضمنه دعوة الإخوان على فهم قائدها وأنّ كل نقص في عقيدة الإخوان هو في الحقيقة نقص من الإسلام.
وقد راعى كبار عقيدة الإخوان رمزًا لهذا المنهج ثم قال كما في مذكراته في الصفحة الرابعة والخمسين بعد المائتين: [ وعلى كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج كله من الإسلام، وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة] .
بل أوجب في الرسائل في الصفحة التسعين بعد الثلاثمائة على الشباب أن يفهموا الإسلام كما فهمه هو.
فأوجب في الرسائل في ذلك الموضع على الشباب أن يفهموا الإسلام كما فهمه هو؛ فقال في تفسير ركن الفهم الذي هو أحد أركان بيعته: [ إنما أُريد بالفهم أن تُوقن بأن فكرتنا إسلامية صحيحة وأن تفهمَ الإسلام كما نفهمه في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كلَّ الإيجاز ].
وأن تفهمَ الإسلام كما نفهمه!!
وهذا مرفوض، وإنما نفهم الإسلام كما فهمه أصحاب الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم هم الذين عاصروا نزول الوحي، وهم الذين عاصروا وقائع التنزيل، وهم الذين عاصروا أسباب الورود، وهم الذين كانوا مع الرسول في الحَلِّ والترحال، وكانوا مع الرسول في الحرب والسلم، والمنشط والمكره؛ فعرفوا الإسلام كما أنزله الله على رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -.
فقال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في بيان الناجين من النار الذين أسعدهم الله -رب العالمين- بالاتباع في الدنيا وبالجنة في الآخرة: [ مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ].
وقد وصف (البنا) هذا الفهم بالكمال؛ فقال في الرسائل في الصفحة السادسة والعشرين بعد الثلاثمائة: [ واذكروا جيدًا أيها الإخوان أن الله قد مَنَّ عليكم، ففهمتم الإسلام فهمًا نقيًا صافيًا شاملاً كافيًا وافيًا يساير العصور ويفي بحاجات الأمم ].
وردد المرشدون من بعد (البنا) وكذلك القياديون ما قاله، فقال (حَسَن الهُضَيْبِيّ) كما في (قافلة الإخوان) في الصفحة الثامنة والتسعين بعد المائتين: [ دعوة الإخوان هي لا غيرُها الملاذُ والإنقاذ والخلاص، وعلى الإخوان ألا يُشركوا بها شيئًا!! ].
وعلى الإخوان ألا يُشركوا بها شيئًا!!
وقال (محمد مَهْدِي عَاكِف) كما في (موقع الإخوان) في الثاني والعشرين من الشهر الرابع من السنة السادسة بعد الألفين: [ وليس هناك أحقُّ من أن يقول الحقَّ كما أُنزل على قلب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الإخوانُ المسلمون!! ].
صار الدينُ ما يعتقده الإخوان، وصار الإسلامُ ما يعرفه الإخوان، وما لا يعرفه الإخوان فليس بإسلامٍ، وليس هناك أحق من أن يقول الحق كما أُنزلَ على قلب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الإخوانُ المسلمون!!
وقال (سعيد حَوَّى) في (تربيتنا الروحية) في الصفحة الخامسة والأربعين بعد المائة: [ ونعتقد أنه لا جماعةَ كاملة للمسلمين إلا بفكر الأستاذ (البنا) وإلا بنظرياته وتوجيهاته].
وقال في (آفاق التعاليم) في الصفحة الثالثة والثلاثين: [ والبيتُ المسلم الكامل هو البيت الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمون ].
والبيتُ الملتزم بالكتاب والسنة؟!! ليس ببيت مسلم كامل، وإنما البيت المسلم الكامل هو البيت الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين!!
ما هي مبادئ الإخوان المسلمين؟!
وما هي عقيدة الإخوان المسلمين؟!
وما هو اتباع الإخوان المسلمين؟!
ما هو معرفة الإخوان المسلمين بحقيقة الدين الذي أنزله الله على النبي الأمين؛ حتى يتم هذا الحجر على هذا النحو.
وعليه فمن حق المسلم أن يعرف إذا حُكم بحكم الإخوان المسلمين ما هي العقيدة الصحيحة، وما هو الاتباع الحق، وما هو الدين الصراح، فكل ذلك فيما يقولونه فإنْ خالفت فقد خرجت!!
(سعيد حَوَّى) يعتقد هذا الكمال؛ لاعتقاده بأن اجتهاد (البنا) اجتهاد ولي من أولياء الله -عز وجل؛ قال في (تربيتنا الروحية) في الصفحة الخامسة والأربعين بعد المائة: [ إننا نملك بفضل الله البداية الصحيحة، وهي نقطة الانطلاق من اجتهاد إنسانٍ لا يشك عارفوه أنه وليٌّ من أولياء الله -عز وجل- وهو الأستاذ (حسن البنا).
ونحن أهلَّ السنة نملك البداية الصحيحة صحةً مطلقة؛ لأن نقطةَ الانطلاق هي من الوحي المنزل على خير الأنبياء - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وليست نقطةُ الانطلاق من اجتهاد إنسان لا يشك عارفوه أنه وليٌّ من أولياء الله -عز وجل- وهو الأستاذ (حسن البنا).
قال: [ وعلينا أن ننطلق بدفعة التجديد في هذه الأمة مهما كلفنا ذلك ].
ماذا يصنع أهل السنة -أهل الحق- إذا وضعوا كلام هؤلاء بإزاء كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في (مجموع الفتاوى) في المجلد الثالث في الصفحة الخامسة والأربعين بعد الثلاثمائة، قال: [ فَأَهْلُ الحَقِّ وَالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ مَتْبُوعُهُمْ إلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى؛ فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ المَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الأَئِمَّةِ، بَلْ كُلُّ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللهِ.
فَمَنْ جَعَلَ شَخْصًا مِنْ الأَشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَمَنْ خَالَفَهُ - (أي: خالف ذلك الشخص الذي هو سوى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)- كَانَ مِنْ أَهْلِ البِدْعَةِ وَالفُرْقَةِ - كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطَّوَائِفِ مِنْ اتِّبَاعِ أَئِمَّةٍ فِي الكَلَامِ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَانَ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ ]. اهـ
مَن نصب للأمة شخصًا يُوالى على كلامه ويُعادى سوى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فهو من أهل البدع والضلال والأهواء والتفرق.
ليس سوى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُوالى على كلامه ويُعادى، ويُوالى عليه ويُعادى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وليس ذلك لأحد من الخلق سواه.
لقد كان من آثار اعتقاد الإخوان بأن المرشد لا يخطئ!! وأن الجماعة كاملة تمثِّل الإسلام تمثيلاً كاملاً كان من آثار ذلك ما ذكره الدكتور (عبدالعزيز كامل) في (مذكراته الشخصية) في الصفحة السبعين، قال: [ ولقد كان من الأعراف الفكرية عند الإخوان أن يد الله التي ترعاهم قادرةٌ على أن تحوِّل خطأ تصرفهم إلى صواب، نسير في خطإ فإذا برحمة الله تتداركنا فنتحول إلى صواب، نقصد أمرًا فتوجهنا عناية الله إلى غيره ].
قال: [ هكذا كنتُ أسمع وسَمِعَ كثيرون غيري من الأستاذ (البنا)، فإذا كان كلُّ ذلك كذلك فلا داعي لتضييع كثير من الوقت والجهد في تقييم القرار والدراسة العميقة المتأنية لملابساته؛ فإننا إذا أخطأنا تكفلت عناية الله بإصلاح هذا الخطإ ].
الإمام (البنا) هو المعيار -كذا يعقولون-!!
يقولون: الإمامُ هو المعيار!! وفِكره هو المِسْبَار!!؛ فيعتقدون أن فِكر (البنا) هو المعيار الذي تُقاس به الأمور فيما يتعلق بالدين والحياة؛ فـ (البنا) الوحيد بين خلق الله الذي هُدي لما هُدي إليه.
قال (سعيد حَوَّى) في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) في الصفحة السادسة والثلاثين: [ ولا نعلم أنه من بين خلق الله مَن فطن لهذا كله ولغيره من شروط جماعة الإخوان المسلمين كما فطن إلى مجموع ما يلزم لتحقيق الجماعة الإسلامية لأهدافها على كل مستوى من: صياغة للمسلم، إلى إقامة للدولة المسلمة في كل قُطب، إلى الوصول إلى الدولة الإسلامية العالمية كـ (حسن البنا)!! ].
إذا حَكَمَ القوم ففِكر (البنا) هو المعيار؛ لأنه الوحيد بين خلق الله الذي هُدي إلى الخلاص!!
وأما مَن قال: قال الله، قال رسوله، قال الصحابةُ ، والتزم منهاج النبوة، فهذا مُلْقًا بمبعدة؛ لأن الوحيد من بين خلق الله -جل وعلا- الذي هُدي إلى ما هُدي إليه من صياغة المسلم..
مع أن قادة الإخوان المتقدمين قد قرروا أن صياغة الجماعة إنما كانت على أُسُسٍ من أُسُس الماسونية والمنظمات الباطنية.
فهكذا يُصاغ الفرد المسلم؟!!، وهكذا تُقام دولة الإسلام في أرض الله لخلق الله؟!!
(البنا) أول مَن وضع قدم المسلمين على الطريق الصحيح!! قال (سعيد حَوَّى): [ وفي هذه السلسلة أثبتنا بما لا يقبل جدلاً عند المنصفين أن أحدًا لم يضع قدم المسلمين في هذا العصر في طريق تحرير الإسلام من الوهن ثم في الطريق إلى جماعة المسلمين وإمامٍ تتوفر فيه الخصائص كـ (حسن البنا) ].
وليس أمام المسلمين تبعًا سوى فكر (البنا)!! قال (سعيد حَوَّى) كما في (آفاق التعاليم) في الصفحة الخامسة: [ خاصةً وأن المسلمين ليس أمامهم إلا فِكرَ الأستاذ (البنا) إذا ما أرادوا الانطلاق الصحيح ].
فلو لم يكن قد خُلق، ضاع الإسلامُ!! وضاع المسلمون!!
فأين حفظُ الله لدينه؟! وأين حفظ الله -رب العالمين- لأمة محمد؟! كما وعد الله -رب العالمين- محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - به، ولو تكالب عليه مَن بأقطارها فلا يهلكون بمجاعةٍ عامة، ولا بعدو يستأصل شأفتهم ويجتاح خضراءهم، وإنما يظلون باقين منصورين، وفيهم طائفة منصورة كما قال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
والله -جل وعلا- قد حفظ الوحي الذي أنزله على رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وفيه العصمة.. ليست العصمة في الأشخاص -بعد رسول الله-، وإنما العصمة في الوحي المعصوم.
فهذا الكلام كله من حق المسلم أن يعرفه؛ لأنه هو الذي سيختار، فإذا ما اختار فقد اختار -أي اختار هذا الذي يعرفه-.
ولا ينبغي مطلقًا أن يُقتاد المسلم من أجل تأسيس حُكمٍ يُقال له: حكمٌ دينيٌّ إسلامي!! على مبادئَ لا يعرفها.. وإنما المقادة في يد جُوَالٍ من البطاطس!! أو في رشوة انتخابية!!، ثم يجد نفسه أمام مثل هذه المعتقدات، أما إذا دخل وهو لها عارف، وبها مُلِم.. هذا شأنه!
هم يعتقدون أن البعد عن فكر (البنا) تفريط في نصرة الإسلام!!
قال أيضًا: [ إننا لا نرضى لأنفسنا أن ننطلق بعيدًا عن سير الأستاذ (البنا)؛ لأن التفريط في ذلك تفريط في السير الصحيح لنصرة الإسلام في هذا العصر ].
وأهل السنة يقولون: ونحن لا نرضى لأنفسنا أن ننطلق بعيدًا عن سير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن سير أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإذا كان أئمتنا من أهل السنة قد قرروا أن الخلاف بين أهل السنة والإخوان المسلمين خلاف عقديّ، ليس بخلاف فروعيّ، فعلى أي شيء ينطبق هذا الكلام؟!!
إذا كان معتقدُ القوم أنه لا فلاح للمسلمين إلا بفكر (البنا) فما حُكْمُ مَن خالفه -ولو كان المخالف متبعًا للكتاب والسنة-؟!
قال (سعيد حَوَّى) كما في (آفاق التعاليم) في الصفحة الثالثة عشرة : [ ولكن الأيام ستكشف -والله أعلم- أنه لن تستطيع الحركة الإسلامية ولا في طور من أطوارها سواءٌ قبل الدولة أو بعدها أو في السياسة الداخلية أو في السياسة الخارجية للدولة الإسلامية أو في التربية أو في التكوين أو في الإستراتيجية والحركة أن تستغني عن فكر الأستاذ (البنا).
ولإن كان (البنا) بمجموع ما حباه الله -عز وجل- هو المرشح الوحيد لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيبٌ ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النِّسب حدث الفساد!! ].
هذا غلو صارخ!! في اعتقاد العصمة في منهج لا تقوم دعائمه على كتاب الله ولا على سنة رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -.
وهذا الذي أدّاهم إلى اعتقاد أنه لا جماعة كاملة للمسلمين إلا بفكر (البنا)!!، قال: [ ولا شك أن دور الجماعة قبل السلطة وبعدها هو المنظم لهذا كله، ونقصد بالجماعة هنا جماعة المسلمين.
ونعتقد أنه لا جماعةَ كاملة للمسلمين إلا بفكر الأستاذ (البنا) وإلا بنظرياته وتوجيهاته التي في جملتها الحب لكل العاملين المخلصين ].
وهذا الكلام ينطوي على معنى خطير؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين إذا قال قائلهم: نحن جماعة من المسلمين، فمعنى ذلك أنهم لم يكفِّروا سائر المسلمين -عاداهم-.
وأما إذا قالوا: نحن جماعةُ المسلمين، فكل غير منضم إليهم هو خارج جماعة المسلمين، والذي يكون خارج جماعة المسلمين يكون في جماعة المشركين الكافرين!!
والقوم قد وضعوا أسوارًا من حديدٍ، فإذا عاش المرء في ظلال الحكم الإخوانيّ فعليه ألا ينتقد فكر (البنا) لأن انتقادَ فِكر (البنا) مرضٌ في القلب!!
انتقادُ فِكر (البنا) نفاق!! نفاق أكبر!!
قال (سعيد حَوَّى) كما في (آفاق التعاليم) في الصفحة الخامسة : [ ثم إنه نبتت ها هنا وهناك أفكار مريضة تريد أن تتخلص من دعوة (حسن البنا) ومن أفكاره.
فكان لابد أن يعرف هؤلاء وغيرهم أن الانطلاقة على غير فكر الأستاذ (البنا) في عصرنا قاصرةٌ أو مستحيلةٌ أو عمياء إذا ما أردنا عملاً كاملاً متكاملاً في خدمة الإسلام والمسلمين ].
قال: [ وإذ هو في حُكم الثابت أنه لم تتوافر في إنسان معاصر مجموعة الصفات التي تحققت في (حسن البنا)؛ فإنه يكاد يكون وحده المرشح لطرح نظريات العمل الإسلامي المعاصر.. إن هذا ينبغي أن يأخذ عندنا طابعَ البديهة، على أن ذلك لا يعني العصمة لـ (حسن البنا) ].
وهذا من التقية، وأما الكلامُ الذي سبق فيعني العصمة؛ لأن مَن خالفه، فهو منافق، وكذا مَن انتقد، ومَن خالف فكر (البنا) فليس بعامل للإسلام -ولو كان آخذًا بكتاب الله وسنة رسول الله على فهم أصحاب رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
وقد مَرَّ أنه يرى أن البيت المسلم الكامل إنما هو البيت الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين!! : فيه الأناشيد الإسلامية!!، وفيه المسرحيات الإسلامية!!، وفيه الأغاني الإسلامية!!، وفيه ما شئت من كل ما أَلصقتَ به إسلامية!!
وهذا هو البيت المسلم الكامل هو الملتزم بمبادئ الإخوان المسلمين؛ لأن ذلك هو الكمال الإسلامي المعاصر!! كما يقول في (آفاق التعاليم): [ ولذلك جعل الأستاذ (البنا) يقول: من واجبات الأخ العامل إلزام المنزل بمبادئ الإخوان المسلمين ].
وكل هذا يؤدي إلى وجوب العمل تحت راية الإخوان المسلمين؛ لذلك فإنهم ما وصلوا إلى حكم قوم من المسلمين إلا وَأَقْصَوا كلَّ مخالف، ومَن انتقد أو خَطَّأَ أو بيّن الصواب في غير ما جاءوا به، فله من ذلك مقدارٌ من العقوبة على قدر ما جاء به أو يزيد.
كما هو الشأن مع أهل السنة في غزة، وكما وقع قبلُ في السودان، وكما هو واقع في كل مكان؛ لأن المخالف -عندهم- مخالف لحقيقة الإسلام!!
ولقد أعطى (سعيد حَوَّى) جماعة الإخوان كل أحكام جماعة المسلمين، وَقَلَّدَ مرشِدها خصائص إمام المسلمين، ولذلك أوجب على كل مسلم الانضواء تحت لوائها، والانضمام إلى صفوفها، وأوجب على كل مسلم عقد البيعة لـ (حسن البنا) أو لخليفته.
قال: [ وبسبب ما ذكرنا نقول: إن جماعة الإخوان -لا سواها- هي التي ينبغي أن يضع المسلم يده في يدها ].
وقال -أيضًا-: [ مما مَرَّ ندرك أن السير مع الإخوان شيء لابد منه للمسلم المعاصر ]. وضيّق واسعَ رحمة الله -عز وجل- عندما قال: [ وبهذا لا يسع مسلمًا أن يتخلف عن هذه الدعوى ].
مَن خالف جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان المسلمين فقد خلع رِبْقَةَ الإسلام من عنقه، قال: [ وإذا كانت الجماعة هذا شأنها، فلا يجوز الخروج منها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن فارق الجماعة قِيدَ شبرٍ؛ فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه) ].
لا أوضحَ من هذا البينان في أن القوم يرون أن الجماعة هي الإسلام، وأن الإسلام هو الجماعة، فيا وَيْحَ مَن يخالف!!
قال: وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة؛ لأن الطاعة لا تجوز إلى لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختيار، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [ آل عمران: 100].
كلامُه في كتابه من أجل خطوة إلى الأمام في الصفحة الأربعين.
اعتقاد العصمة في الرجل، واعتقاد الكمال في المنهج أَثَّرَ تأثيرًا عميقًا في نظرة الإخوان إلى الإصلاح العام وحل مشكلات المجتمع.
قال الدكتور (عبد العزيز) كامل في مذكراته الشخصية في الصفحة التاسعة والستين: [ ولقد كنتُ دائمًا أدعو إخواني وأبنائي إلى العناية بالعلم والمنهجية والتخطيط الطويل حتى أصبحت هذه واأسفاه أقولها مثار دُعابة قد تصل أحيانًا إلى شيء يقرب من السخرية المهذبة -إن كان في السخرية تهذيب-، وأخذتُ أستعيد الخطب العريضة الرنانة والقوالب المحفوظة التي يستطيع الخطيب أن يحدد أماكن الهتاف والتكبير فيها كأنها تمثيلية معادة أخذتُ أستعيد التبسيط والتسطيح لقضايا الحياة وقضايا الإسلام حتى كأن الأخوان يمتلكون المفاتيح السحرية لحل قضايا العصر: قضايا الاقتصاد تُحل في كلمات، وقضايا الاجتماع تُحل في كلمات، المشكلات السياسية في كلمات، الشورى في كلمات.. هكذا بكل بساطة تُحل قضايا الحياة، واستطاع هذا التبسيط أن يجتذب الكثير من الشباب ].
انتهى كلام الدكتور (عبد العزيز كامل).
وقال (القرضاوي) في كتابه (الإخوان سبعون عامًا) في الصفحة الثالثة والثمانين بعد المائتين: [ فإن عقيدتهم -يعني الإخوان- وفكرتهم من حيث النقاء والأصالة لا تشوبها شائبة!! ].
قال (أحمد رائف) في (صفحاته)، في الصفحة السادسة والثلاثين بعد المائتين، وكأنه يصف الحال اليوم: [ كان جسم الإخوان المسلمين أو البنية الأساسية لهم تعتمد على مدرس المدارس الإلزامية وَصْفٌ ناعم بمختلف تخصصاتهم، لهذا كان الإدراك السياسي العام ضعيفًا مع انعدام القدرة على تكوين الكوادر السياسية وقيادة الشارع المصري من خلال تبني مشاكله الرئيسة، وبوجه عام لم تمنحهم الأحداث الفرصة الكافية العادلة للتفكير والتخطيط.
وتصوَّروا -خطئًا- أن طبيعة المرحلة تقتضي الحشد، والجمع، ورصَّ الصوف لجندٍ قد لا يتبينون الخطة الكلية، وقادةٍ لا يعرفون غاية هذا الحشد على وجهٍ واضح مبين.
كل هذا ترك أثره على الجماعة عندما دخلتْ حربًا من نوع جديد لم تعهده من قبل واستغرقتها تفصيلات لم تكن ببالها ].
وأما التناقضات بين المبادئ والواقع، فلا تُحصى ويكفي النظرُ إلى ما يتعلق بالتوراة، قال (البنا) في (الرسائل) في الصفحة التسعين بعد المائة: [ وأما الثورة فلا يُفكِّر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها ].
إذا كان القوم يقولون لا ينبغي أن يُخرجَ عن فكر (البنا) فماذا يقولون في هذا النص المعصوم؟!!
إن مجرد النقد نفاقٌ في القلب، ولا يجوز بحال أن يُعترض على المسار، فالرجل يقول: الثورة لا يفكِّر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.
وقال (التِّلْمِسَانِيُّ) في كتابه (ذكريات لا مذكرات) في الصفحة الحادية والتسعين بعد المائة: [ والعجيب في أفهام الكثيرين تصورهم أن دعوتنا تدعو إلى قلب نظام الأوضاع القائمة، ونحن بهذه الصورة متآمرون وليس لهذا ظل من الحقيقة ].
وقال في الصفحة السابعة والثمانين بعد المائة: [ الإخوانُ ما فكروا يومًا في القوة كسلاحٍ لتغيير أو انقلابٍ أو ثورة ].
وقال (مهدي عاكف) في (جريدة الشرق الأوسط) في اليوم الثاني عشر من شهر مايو من السنة الخامسة بعد الألفين: [ لسنا أهلَ ثورة، ونحن ندعو للحق والسلام، والثورةُ ليست من مفرداتنا ].
ولكن التناقضات التي تدعو إليها التقية في الخفاء، فتبدو تناقضًا في الظاهر، أما هذه التناقضات فإنها -بتفسيرها الباطني- من التقية: أن تقول شيئًا وتعني غيره، وأن تتكلم بكلامٍ وتقصد سواه، فهذا -وهو من دين الروافض- مما يعتقده الإخوان المسلمون.
فليس عجيبًا أن يركبوا الثورة إذا قربتهم من أهدافهم، وأن يُعارضوها إذا عارضت أهدافهم.
وهم في هذا وشيوخُ الثورة سواء، فإن هؤلاء وهؤلاء لو أنهم -وهم يدَّعون أنهم أهلُ العلم والدعوة- لو أنهم قالوا -أولَ الأمر- إنّ ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، وذكّروا الناس بمنهج الأنبياء في الدعوة والإصلاح والتغيير، وأنّ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد بُعث في وقتٍ عَمَّ فيه الفساد السياسي أرجاءَ المعمورة، وما ركّز على الإصلاح السياسيّ على الرغم من أن السياسة الشرعية للدنيا بالدين من الدين..
ولقد دُعي -صلى الله عليه وسلم- للمشاركة في المُلكِ من قِبل كبراء قريش، فأبى ورفض كما في الرواية التي حسنها الألباني في التعليق على فقه السنة؛ إذ قالوا له -صلى الله عليه وسلم-: [ وإنْ كنتَ تريد به شرفًا سَوَّدْنَاكَ علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإنْ كنتَ تريد مُلكًا ملكناك علينا ].
فرفض -صلى الله عليه وسلم- وذلك لأن الشعوب إنْ لم تكن مقتنعةً بالإسلام، معتنقةً لعقيدته فلا ينفعها كثيرًا تحصيلُ سلطانه.
لا ينفع الشعوبُ تحصيلَ سلطان الإسلام ما لم تكن معتنقةً لعقيدته، مقتنعةً بشريعته؛ لأن البذورَ لا يُمْكِنُ أن تستنبت في الهواء، ولأن الشريعة لا تقوم إلى على العقيدة الصحيحة الثابتة.
ولهذا كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يذهب إلى الناس في نواديهم وأسواقهم وبيوتهم ويناديهم فُرادى وقبائل حتى بلغ به الحزن عليهم مبلغًا، قال له فيه ربه: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر: 8].
بل كاد يُهْلِكُ نفسه من أجلهم، فقال له ربه: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا) [ الكهف: 6].
قارِن هذا مع صنيع الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الملوك والرؤساء، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يتكلف الذهاب إليهم، بل أرسل إليهم رُسله وسفراءه كما في رسالته إلى هرقل، وهي في الصحيحين، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، ويُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ "، وَ ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾).
هذه رسالة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، فأين هذا من أعمارٍ أفناها أصحابها وبددها أربابها في الخطب السياسية والحماسات الثورية، ولم تحصِّل منها الشعوب سوى الهباء!!
وقد أخرج أبو نعيم في الحِلية، وابن أبي الدنيا في التوبة وفي العقوبات وقوام السنة في الترغيب والترهيب، عن مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله أن اللهَ مالك الملك قلوبُ الملوك بيدي فمَن أطاعني جعلتُهم عليه رحمة، ومَن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا أُعَطِّفْهُم عليكم.
لو أنّ الإخوانَ -وهم يدَّعون أنهم أهل دعوة وعلم-، ولو أن الشيوخ والدعاة -وهم يدَّعون أنهم أهل الدعوة وأهل العلم- لو أن هؤلاء وهؤلاء لما بدأ المد الثوري الماسوني يعمل عملَه في أرض الكنانة تصدوا له بقال الله، قال رسوله لانحسر ذلك المد حسيرًا.
ولكنهم رَكِبُوا متن أولئك الثوار، ومنهم مَن أَزَّهُم على الاستمرار، ومنهم مَن وصف الثورة وهي معصية وجريرة، وليس في الإسلام ثورة!!
وأولُّ ثورة في الإسلام قام بها عبدالله بن سبإ اليهوديّ!! وكان من جرائها قتلُ الخليفة الراشد عثمان، وبزوغُ نجم الروافض الذين أَلَّهُوا وقتها عليًا حتى حرَّقهم بالنار بعدما خَدَّ لهم الأخاديد..
زعيمُ الثوار في أمة الإسلام هو عبدالله بن سبإ اليهوديّ، كان يهوديًا فأعلن إسلامه كما أعلن بولس -وكان يهوديًا- كما أعلن بولس نصرانية من أجل أن يُفْسِدَ على النصارى دينهم -وقد كان-، فكذلك فعل ابن سبإ اليهوديّ.
فتجد من الشيوخ مَن يقول: هي الثورة المباركة!!
مباركةٌ في أي شيء؟!!
في الخراب؟!!
في انتهاك الأعراض؟!!
في تبديد الأموال والثروات؟!!
في ضياع الوطن وتقسيمه؟!!
في علو كفة الروافض في ديار الكنانة الطاهرة الطيبة؟!!
في ارتفاع أسهم اليهود؟!!
في محاولة النُّوبيين الانفصال؟!!
مباركةٌ في أي شيء؟!!
وتجد بعضهم يقول -وصفًا لمَن تربوا في محاضن الغرب على افتعال الثورات والفوضى في ديار الإسلام من أجل تفكيك المجتمع المسلم وإعادة تركيبه على الأجندة الغربية الكافرة الفاجرة، وإزالة النظام الإسلامي من الوجود-، فتجده يصف القوم بقوله: [ الشبابُ، التقي، النقي، الأبي، الذكي، البهي ] إلى آخر سجع الكهان!!
وآخرُ يكذب مدعيًا الإجماع!! وينزل بنفسه يخطب في القوم ويؤيدهم.
ومنهم مَن يأخذ امرأته إلى الميدان!!
ومنهم مَن يزعم أنّ الله -جل جلاله- قد تجلى على الميدان ومَن فيه ثلاث مرات!! إلى غير ذلك مما قالوا وفعلوا.
ومعلومٌ من قواعد الإسلام أن المتسبب كالمباشرِ، وهما في الوِزرِ سواء؛ فكلُّ مَن كان سببًا بطريقة ما عليه كِفلٌ من أوزار الدماء، وهتك الأعراض والخراب وسلب الأموال وقطع الطرقات وانهيار وتفكيك المنظومة الأخلاقية في المجتمع المصريّ، إلى غير ذلك من المآسي التي ربما ظل المجتمع المصري عقودًا في محاولة الترميم لمَن هدم والرَّتْقِ لمَن فَتَق، فاللهُ حسيبهم، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له هو يتولَّى الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَلَّى اللـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
فمن حق المحكوم على حاكمه إذا كان له باختياره مختارًا أن يعرف ما لديه.
ولدى الإخوان جهازٌ خاص لترويج الأكاذيب والشائعات، ولهم في ذلك طُرق خاصة وخُطط مرسومة.
قال (أحمد رائد) في (صفحاته) في الصفحة الخامسة والأربعين بعد المائتين: [ وكان لابد من عمل إعلامي مضاد لإعلام الحكومة، وبدأت الشائعات تخرج من الصفوف الإخوانية بعضُها من غير قصد، والآخرُ وَفق خطةٍ مرسومة ].
هذه شعبة خاصة وظيفتها تشويه سمعة كل مخالف من رميه بالعمالة، ومن الطعن في أخلاقه، إلى السوءة الأخلاقية والفاحشة والرذيلة التي نهت عنها الديانة، إلى غير ذلك من تلك الأمور التي تجعله مسخًا مشوهًا ينفر منه الناس وعنه يصدفون.
وكذلك قرر طريقتهم في إثارة البلبلة في المجتمع وتوزيع المنشورات المثيرة (محمود عبدالحليم) في كتابه (أحداثٌ صنعت التاريخ) في الجزء الأول في الصفحة التسعين بعد المائتين: [ الإخوان المسلمون لا يرون فرقًا بين أهل السنة والروافض، ويرون أنه لا خلاف في العقيدة بين أهل السنة والروافض ].
والروافض يقولون: إن القرآن الذي بين أيدينا ناقصٌ، وأنه حُرِّف على أيدي أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم-!!
الروافض يرون أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- قد كفروا بعد مماته إلا ثُلةً قليلةً هم الذين شايعوا عليًا!!
الروافض يرون أن الأمين قد خان!! ويعنون بالأمين جبريل -عليه السلام-؛ فيقولون: إن الله كلفه بأن ينزل بالرسالة إلى علي فذهب بها إلى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم-!!
وتسأل -متعجبًا- وما هي الفائدة التي تعود على جبريل من هذه المخالفة لأمر الله -عز وجل-؟!!
ثم تسأل -متعجبًا- وكيف لم يصحح الله -رب العالمين- هذا الخطأ الذي وقع فيه جبريل أو هذه الخيانة التي وقع فيها جبريل؟!!
الروافض يرون أن أمهات المؤمنين لم يكنّ زوجات لرسول الله، وإنما هُنّ من السراري!!
وهم يتهمون عائشة -رضي الله عنها- وقد برَّأها الله -رب العالمين- من الإفك الذي ائتفكه المنافقون وشايعهم عليه بعض المؤمنين، برأها الله -رب العالمين- منه في القرآن المجيد؛ فمَن اتهمها بعد ذلك فقد كفر لمخالفته لما أنزل الله في كتابه.
ومع ذلك فإنهم يقولون في عائشة قولاً عظيمًا، ويقولون في الشيخين إنهما (جِبْتَا قريش!!) و(طاغوتا قريش!!)، وإنهما (صنما قريش!!) بدَّلا الديانة وحرّفا الملة.
الروافض يسعون إلى نبش قبر رسول الله لاستخراج جسده الشريف، وحمله إلى حيث مقدساتهم هم!! -في ديار المجوس-، ونبش قبر الشيخين لحرق جسديهما!!
الروافض يعتقدون ذلك وأكثرَ منه، ومع ذلك فالإخوان المسلمون لا يرون خلافًا بيننا وبينهم في العقيدة!!
يفتحون لهم الأبواب ويقول (مهدي عاكف) في أثناء (حرب لبنان) إذا أذن لنا الأخ (حسن نَصْر) أرسلنا إليه عشرة آلاف جندي من شباب الإخوان، وتبقى مشكلة النقل والانتقال؛ ليحاربوا تحت لواء الروافض، وما حارب الروافض اليهود، وإنما كانت مسرحية من أجل تدمير أهل السنة، ومن أجل تدمير لبنان وإعادتها إلى العصر الحجري.
فالمسلمُ عليه أن يعرف عقيدة حاكمه: سيدخلون الروافض علينا، سيعلون كفتهم عندنا، سيذوِّبون الفوارق بين عقيدة الروافض وعقيدة أهل السنة، إلى غير ذلك مما نسأل الله -رب العالمين- أن ينجي ديار أهل الكنانة منه، إنه على كل شيءٍ قدير.
عقيدتهم -أي عقيدة الإخوان المسلمين- يُسألون عنها.. ما هي عقيدتهم؟!
ليس لهم منهج اعتقادي يمكن أن يُعرف أو يُدل عليه، وما كذلك فعل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-!! وإنما أمضى ثلاثة عشر عامًا قبل أن تُفرض الأحكام على الوجه الذي انتهت إليه.
فإن الصلاة التي فُرضت في السنة العاشرة من البعثة خمس صلوات في اليوم والليلة إنما فُرضت بعد عشر سنوات من البعثة على النحو المعروف.
وما كان يُؤذَّن للصلاة بمكة، ولا كانوا يجمِّعُون بها، ولا يصلُّون فيها جماعة، وإنما كانوا يستخفون بعبادتهم -رضوان الله عليه-.
ولم تُفرض الزكاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا القتال، إلى سائر الفروض إلا بعد الهجرة إلى المدينة وتأسيس الدولة.
وإنما أمضى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أمضى من عمره يدعو إلى التوحيد وإلى العقيدة الصحيحة التي لا يقوم بنيان المرء المسلم إلا عليها ولا يصلح قلبه إلا بها.
فهذه دعوة الإسلام العظيم، ودعوة النبي الكريم، وهذا هو الصراط المستقيم.
فنسأل الله أن يُرشدنا إلى الصواب، وأن يحفظنا من الخلل، والزلل، والخطل، والخطإ، والخطيئة، إنه على كل شيءٍ قديرٍ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
20 من رجب 1433هـ، الموافق 10/6/2012 م
فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا = جل مَن لا عيبَ فيه وعلا