الصلة بين البدع وبين الديانات المحرَّفة و المناهج الضالة و الملل الفاسدة
ما وقعت بدعة فى هذه الأمة إلا و هى مثل أو شبيهة لما وقع فى الأمم السابقة و قد تكون الصلة بين البدع و الديانات المحرفة و الملل الفاسدة قد وجدت من قبيل وقوع الحافر على الحافر ، لما تتشاكل فيه أهواء أهل الباطل و قد تقع استمدادا و تلقيا.
وقد تكون المشابهة من جميع الجوانب ، و قد تكون فى بعض الأمور دون بعض.
عن أبى واقد الليثىِّ رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مرَّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواطٍ يعلّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط (1) فقال النبى صلى الله عليه وسلم :
"سبحان الله !! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، و الذى نفسى بيده لتركبن سنة من كان قبلكم".
رواه الترمذى و قال : حديث حسن صحيح (2).
فالأمة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم ""تتبع السنن" ، و هذا يدل على إنها تأخذ بمثل ما أخذوا به ، إلا أنه يتعين فى الاتباع لهم أعيان بدعهم ، بل قد تتبعها فى أعيانعا و قد تتبعها فى أشباهها.
فالذى يدل على الأول - وهو الاتباع فى الأعيان- قوله : " لتتبعن سنن من كان قبلكم ، شبرا بشبر، و ذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" (3)
و الذى يدل على الثانى -وهو الاتباع فى الأشباه- قوله :"فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط ، فقال عليه السلام : "هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها..." (4)، فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله ، لا إنه هو نفسه، فلذلك لا يلزم فى الاعتبار بالمنصوص عليه أن يكون مالم ينص عليه مثله من كل وجه".(5)
والبدع الاعتقادية الكبرى التى طرأت على عقيدة الإسلام الصافية تعود إلى أصول تاريخية قديمة أدركها العلماء و بينوها.
قال الشعبى (6) رحمه الله عن الرافضة (7) " يريدون أن يغمضوا دين الإسلام كما غمض بولس بن يوشع -ملك اليهود- دين النصرانية....منهم عبد الله بن سبأ يهودى من يهود صنعاء....محنتهم محنة اليهود ، قالت اليهود : لا يصلح الملك إلا فى آل داود، و كذلك قالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا فى ولد علىّ..."(
وذكر الشعبى رحمه الله كثيرا من المشابه التى شابهت فيها الرافضة ضلال اليهود.
وقال ابن تيمية فى الروافض : "بينهم و بين اليهود من المشابهة فى الخبث و اتباع الهوى و غير ذلك من أخلاق اليهود ، وبينهم و بين النصارى من المشابهة فى الغلو و الجهل و غير ذلك من أخلاق النصارى، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه، و مازال الناس يصفونهم بذلك".(9)
وعبد الله بن سبأ هو ابن السوداء (10) ،"قال المحققون من أهل السنة: إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود، و أراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته فى علىِّ و أولاده لكى يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى فى عيسى عليه السلام، فانتسب إلى الرافضة السبئية حين وجدهم أعرق أهل الأهواء فى الكفر و دلس ضلالته فى تأويلاته" (11).
وهذه بدعة القدرية يقول الأوزاعى (12) رحمه الله فى منبعها: "أول من نطق فى القدر سوسن بالعراق، وكان نصرانيا فأسلم ثم تنصر ، فأخذ عنه معبد الجهنى ، و أخذ غيلان القدرى عن معبد".(13).
ومعبد الذى استقى من النصرانى بدعته هو : " معبد بن عبد الله بن عويمر بن عكيم الجهنى ، نزيل البصرة، وأول من تكلم بالقدر فى زمن الصحابة" (14)
والجد بن درهم (15) أول من قال بخلق القرآن ، أخذ بدعته عن بيان بن سمعان (16) و أخذها بيان عن طالوت (17) ابن أخت لبيد بن أعصم (1 ، زوج ابنته و أخذها لبيد بن أعصم الساحر عن يهودى باليمن ، و أخذ عن الجعد الجهم بن صفوان (19)، وهو الذى تنسب إليه الجهمية نفاة الصفات و أصحاب البدع (20).
وقدماء الفلاسفة الصابئة اشتهر عنهم عبادة الكواكب و سلب الصفات عن البارى - تبارك و تعالى- و هذا ما فعله الجهمية، فقد أخذوا هذا الضلال عنهم بالتلقى لا بالاتفاق.
قال الإمام أحمد (21) رحمه الله فى الجعد بن درهم : "وكان يقال إنه من أهل حرّان و عنه أخذ الجهم بن صفوان مذهب نفاة الصفات، و كان بحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة بقايا من أهل هذا الدين ، أهل الشرك و نفى الصفات و الأفعال و لهم مصنفات فى دعة الكواكب".(22)
بل أرجع العلماء -رحمهم الله- الأمر إلى أصله ، فعقدوا الصلة بين أهل البدع و الزَّيغ و رئيس الضلالة و أصل الفساد إبليس اللعين ، فقال ابن القيم (23) رحمه الله عن المعطلة و المؤولة: "فهذا من شؤم جناية التأويل....فلا إله إلا الله و الله أكبر، كم لهذا اللعين من أتباع من العالمين ، و انت إذا تأملت عامّة شبه المتأولين رأيتها من جنس شبهته".(24)
لقد كان وعى علمائنا بالصلة بين البدعة الحادثة فى الأمة و أصولها القديمة و عيا تاما ، فهذا سفيان بن عيينة(25) رحمه الله ، لما سمع مقالة بشر المريسى (26) التى ينادى فيها بخلق القرآن قال : "ما أشبه هذا بكلام النصارى فلا تجالسوهم "(27).
حتى مذهب فرعون وجد له صدى عند أهل الحلول ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "حدثنى بهاء الدين عبد السيد الذى كان قاضى اليهود ، و أسلم و حسن إسلامه رحمه الله و كان اجتمع بالشيرازى أحد شيوخ هؤلاء ، ودعاه إلى هذا القول ، فقال له بهاء الدين: قولكم هذا يشبه قول فرعون ، فقال : نعم و نحن على قول فرعون".
فما من بدعة حدثت إلا و لها أصل قديم و بين الحادث المبتدع و الديانات المحرفة و المناهج الضالة صلة، موافقة كانت أم مشابهة.
------------------------------------------------------------------
1- ذات أنواط شجرة تعاليق تعلق بها سيوفهم و يعكفون عليها كما كان يفعل المشركون.
2- سنن الترمذى، كتاب الفتن، باب ما جاء : لتركبن سنن من كان قبلكم (2180) و صححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى (1771) ، و أخرجه ابن ابى عاصم فى كتاب السنة و صححه الألبانى فى "ظلال الجنة"(76).
3-أخرجه البخارى فى صحيحه ، فى كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة باب قول النبى صلى اللله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم" (6889) و فى كتاب الانبياء ، باب ما ذكر عن بنى اسرائيل (3269).
4- التخريج قبل السابق نفسه.
5- "الاعتصام" للشاطبى (751/2).
6- علاّمة التابعين أبو عمرو عامر بن شراحيل الهمدانى الكوفى ، كان إماما حافظا ، فقيها ، متقنا ‘ آية فى الحفظ و الذكاء، مات بعد المئة، وله نحو ثمانين. "تذكرة الحفاظ" للذهبى (79/1) و "تقريب التهذيب" (ص287).
7- سموا بالروافض لأن زيد بن على بن الحسين بن على رضى الله عنهم خرج على هشام بن عبد الملك فطعن عسكره فى أبى بكر رضى الله عنه ، فمنعهم من ذلك فرفضوه، و لم يبق معه إلا مئتا فارس فقال لهم زيد بن على : رفضتمونى؟ قالوا: نعم ، فبقى عليهم هذا الاسم. "اعتقادات فرق المسلمين و المشركين" لفخر الدين الرازى (ص77).
8- "منهاج السنة النبوية" لابن تيمية ، تحقيق د.محمد رشاد سالم (29/1) ، و غمِصه: حقره و عابه . و بابه : "فَهِمَ".
9-"منهاج السنة" (22/1).
10-عبد الله بن سبأ اليهودى قيل : أصله من صنعاء، و قيل غير ذلك ، رأس الطائفة البئية التى كانت تقول بألوهية على ، كانت له مصائب عظيمة بين المسلمين. "البداية و النهاية" (174/7)، "الكامل" (72،57/3).
11-" الفرق بين الفرق" للبغدادى (ص235).
12-عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أبو عمرو ، من الأوزاع و هو بطن من همدان كان إمام أهل الشام فقيها جليلا ، مات سنة 157ه. تذكرة الحفاظ (178/1).
13- " سير أعلام النبلاء" 185/4).
14- الجعد بن درهم ، ضال مبتدع ، من موالى بنى مروان ، زعم أن الله لم يتخذ ابراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى ، و هو من أهل حران، سكن دمشق ، قتل بعد عام 118ه. "ميزان الاعتدال" (125/2) ، "البداية و النهاية" (364/9).
15-بيان بن سمعان النهدى من بتى تميم ، ظهر بالعراق بعد المئة ، و قال بإلهية على ، ثم من بعده فى ابنه محمد بن الحنفية ، ثم فى أبى هاشم ولد ابن الحنفية ، ثم فى بيان هذا، قتله خالد بن عبد الله القسرى و أحرقه بالنار ، قبل عام 126ه. "ميزان الاعتدال" 75/1)
16- طالوت ابن اخت لبيد بن الاعصم الساحر ، كان زنديقا يظهر زندقته و يفشيها ، أخذ عن خاله القول بخلق القرآن ، فصنف فى ذلك و زعم أن القرآن مخلوق ، و تلقى عنه بيان بن سمعان ذلك فعله الجعد بن درهم شيخ جهم بن صفوان و أخذ بشر المريسى عن جهم ذلك "الكامل"(294/5)
17- لبيد بن اعصم اليهودى الساحر ، كان يقول بخلق التوراة فألقى ذلك على ابن اخته و ختنه طالوت فألف فى ذلك و أفشاه. "البداية و النهاية" (236/3) (364/9) ، " الكامل" (294/5).
18- الجهم بن صفوان من أهل خراسان ، مولى بنى راسب ، و تلميذ الجعد بن درهم ، قتله سلم ابن أحوز ، أمير الشرطة فى خلافة مروان بن محمد سنة 128 ه. " الملل و النحل" (73/1) ، "سير الأعلام " (26/6)
19-"البداية و النهاية" لأبن كثير (364/9).
20-الإمام الراسخ أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانى المروزى ثم البغدادى، كان قبل المحنة إمام أهل العراق ، وصار بعد المحنة إمام أهل الدنيا ، إذ أجمعت الأمة على إمامته و فضله ، مات سنة 241 ه "سير أعلام النبلاء" (77/11).
21- " موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" (234/1) . ط دار الكتب العلمية
22- الإمام الكبير شمس الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب الزرعى إمام الجوزية ، و ابن قيمها برع فى علوم متعددة لاسيما علم التفسير و الحديث و الأصلين ، كان كثير العبادة ، حسن المعاشرة ، مكثرا من التصنيف مع الإجادة و البراعة و الإتقان مات سنة 751 ه "البداية و النهاية " (246/14).
23- "مختصر الصواعق المرسلة" لأبن القيم ص43.
24-الحافظ الإمام الحجة سفيان بن عيينة يكنى أبا محمد ، الهلالى الكوفى و لد سنة 107ه، ثقة حافظ ، كان محدث الحرم ، اتفقت الأئمة على الاحتجاج به مات سنة 198 ه "تذكرة الحفاظ" (262/1).
25- بشر بن غياث بن أبى كريمة المريسى العدوى بالولاء ، فقيه معتزلى عارف بالفلسفة رمى بالذندقة و هو رأس طائفة المريسية من المرجئة ، أخذ آراء جهم و احتج لها و دعا إليها ، توفى سنة 218ه. "سير الأعلام" (299/10) ، "ميزان الاعتدال" (35/2).
26-"سير أعلام النبلاء" (468/.
27- "مجموع الفتاوى" (359/2).
_________________________________________
المصدر : كتاب دراسات فى البدعة و المبتدعين للشيخ محمد سعيد رسلان
المصدر: منتديات نور اليقين
ما وقعت بدعة فى هذه الأمة إلا و هى مثل أو شبيهة لما وقع فى الأمم السابقة و قد تكون الصلة بين البدع و الديانات المحرفة و الملل الفاسدة قد وجدت من قبيل وقوع الحافر على الحافر ، لما تتشاكل فيه أهواء أهل الباطل و قد تقع استمدادا و تلقيا.
وقد تكون المشابهة من جميع الجوانب ، و قد تكون فى بعض الأمور دون بعض.
عن أبى واقد الليثىِّ رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مرَّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواطٍ يعلّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط (1) فقال النبى صلى الله عليه وسلم :
"سبحان الله !! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، و الذى نفسى بيده لتركبن سنة من كان قبلكم".
رواه الترمذى و قال : حديث حسن صحيح (2).
فالأمة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم ""تتبع السنن" ، و هذا يدل على إنها تأخذ بمثل ما أخذوا به ، إلا أنه يتعين فى الاتباع لهم أعيان بدعهم ، بل قد تتبعها فى أعيانعا و قد تتبعها فى أشباهها.
فالذى يدل على الأول - وهو الاتباع فى الأعيان- قوله : " لتتبعن سنن من كان قبلكم ، شبرا بشبر، و ذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" (3)
و الذى يدل على الثانى -وهو الاتباع فى الأشباه- قوله :"فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط ، فقال عليه السلام : "هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها..." (4)، فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله ، لا إنه هو نفسه، فلذلك لا يلزم فى الاعتبار بالمنصوص عليه أن يكون مالم ينص عليه مثله من كل وجه".(5)
والبدع الاعتقادية الكبرى التى طرأت على عقيدة الإسلام الصافية تعود إلى أصول تاريخية قديمة أدركها العلماء و بينوها.
قال الشعبى (6) رحمه الله عن الرافضة (7) " يريدون أن يغمضوا دين الإسلام كما غمض بولس بن يوشع -ملك اليهود- دين النصرانية....منهم عبد الله بن سبأ يهودى من يهود صنعاء....محنتهم محنة اليهود ، قالت اليهود : لا يصلح الملك إلا فى آل داود، و كذلك قالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا فى ولد علىّ..."(
وذكر الشعبى رحمه الله كثيرا من المشابه التى شابهت فيها الرافضة ضلال اليهود.
وقال ابن تيمية فى الروافض : "بينهم و بين اليهود من المشابهة فى الخبث و اتباع الهوى و غير ذلك من أخلاق اليهود ، وبينهم و بين النصارى من المشابهة فى الغلو و الجهل و غير ذلك من أخلاق النصارى، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه، و مازال الناس يصفونهم بذلك".(9)
وعبد الله بن سبأ هو ابن السوداء (10) ،"قال المحققون من أهل السنة: إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود، و أراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته فى علىِّ و أولاده لكى يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى فى عيسى عليه السلام، فانتسب إلى الرافضة السبئية حين وجدهم أعرق أهل الأهواء فى الكفر و دلس ضلالته فى تأويلاته" (11).
وهذه بدعة القدرية يقول الأوزاعى (12) رحمه الله فى منبعها: "أول من نطق فى القدر سوسن بالعراق، وكان نصرانيا فأسلم ثم تنصر ، فأخذ عنه معبد الجهنى ، و أخذ غيلان القدرى عن معبد".(13).
ومعبد الذى استقى من النصرانى بدعته هو : " معبد بن عبد الله بن عويمر بن عكيم الجهنى ، نزيل البصرة، وأول من تكلم بالقدر فى زمن الصحابة" (14)
والجد بن درهم (15) أول من قال بخلق القرآن ، أخذ بدعته عن بيان بن سمعان (16) و أخذها بيان عن طالوت (17) ابن أخت لبيد بن أعصم (1 ، زوج ابنته و أخذها لبيد بن أعصم الساحر عن يهودى باليمن ، و أخذ عن الجعد الجهم بن صفوان (19)، وهو الذى تنسب إليه الجهمية نفاة الصفات و أصحاب البدع (20).
وقدماء الفلاسفة الصابئة اشتهر عنهم عبادة الكواكب و سلب الصفات عن البارى - تبارك و تعالى- و هذا ما فعله الجهمية، فقد أخذوا هذا الضلال عنهم بالتلقى لا بالاتفاق.
قال الإمام أحمد (21) رحمه الله فى الجعد بن درهم : "وكان يقال إنه من أهل حرّان و عنه أخذ الجهم بن صفوان مذهب نفاة الصفات، و كان بحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة بقايا من أهل هذا الدين ، أهل الشرك و نفى الصفات و الأفعال و لهم مصنفات فى دعة الكواكب".(22)
بل أرجع العلماء -رحمهم الله- الأمر إلى أصله ، فعقدوا الصلة بين أهل البدع و الزَّيغ و رئيس الضلالة و أصل الفساد إبليس اللعين ، فقال ابن القيم (23) رحمه الله عن المعطلة و المؤولة: "فهذا من شؤم جناية التأويل....فلا إله إلا الله و الله أكبر، كم لهذا اللعين من أتباع من العالمين ، و انت إذا تأملت عامّة شبه المتأولين رأيتها من جنس شبهته".(24)
لقد كان وعى علمائنا بالصلة بين البدعة الحادثة فى الأمة و أصولها القديمة و عيا تاما ، فهذا سفيان بن عيينة(25) رحمه الله ، لما سمع مقالة بشر المريسى (26) التى ينادى فيها بخلق القرآن قال : "ما أشبه هذا بكلام النصارى فلا تجالسوهم "(27).
حتى مذهب فرعون وجد له صدى عند أهل الحلول ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "حدثنى بهاء الدين عبد السيد الذى كان قاضى اليهود ، و أسلم و حسن إسلامه رحمه الله و كان اجتمع بالشيرازى أحد شيوخ هؤلاء ، ودعاه إلى هذا القول ، فقال له بهاء الدين: قولكم هذا يشبه قول فرعون ، فقال : نعم و نحن على قول فرعون".
فما من بدعة حدثت إلا و لها أصل قديم و بين الحادث المبتدع و الديانات المحرفة و المناهج الضالة صلة، موافقة كانت أم مشابهة.
------------------------------------------------------------------
1- ذات أنواط شجرة تعاليق تعلق بها سيوفهم و يعكفون عليها كما كان يفعل المشركون.
2- سنن الترمذى، كتاب الفتن، باب ما جاء : لتركبن سنن من كان قبلكم (2180) و صححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى (1771) ، و أخرجه ابن ابى عاصم فى كتاب السنة و صححه الألبانى فى "ظلال الجنة"(76).
3-أخرجه البخارى فى صحيحه ، فى كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة باب قول النبى صلى اللله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم" (6889) و فى كتاب الانبياء ، باب ما ذكر عن بنى اسرائيل (3269).
4- التخريج قبل السابق نفسه.
5- "الاعتصام" للشاطبى (751/2).
6- علاّمة التابعين أبو عمرو عامر بن شراحيل الهمدانى الكوفى ، كان إماما حافظا ، فقيها ، متقنا ‘ آية فى الحفظ و الذكاء، مات بعد المئة، وله نحو ثمانين. "تذكرة الحفاظ" للذهبى (79/1) و "تقريب التهذيب" (ص287).
7- سموا بالروافض لأن زيد بن على بن الحسين بن على رضى الله عنهم خرج على هشام بن عبد الملك فطعن عسكره فى أبى بكر رضى الله عنه ، فمنعهم من ذلك فرفضوه، و لم يبق معه إلا مئتا فارس فقال لهم زيد بن على : رفضتمونى؟ قالوا: نعم ، فبقى عليهم هذا الاسم. "اعتقادات فرق المسلمين و المشركين" لفخر الدين الرازى (ص77).
8- "منهاج السنة النبوية" لابن تيمية ، تحقيق د.محمد رشاد سالم (29/1) ، و غمِصه: حقره و عابه . و بابه : "فَهِمَ".
9-"منهاج السنة" (22/1).
10-عبد الله بن سبأ اليهودى قيل : أصله من صنعاء، و قيل غير ذلك ، رأس الطائفة البئية التى كانت تقول بألوهية على ، كانت له مصائب عظيمة بين المسلمين. "البداية و النهاية" (174/7)، "الكامل" (72،57/3).
11-" الفرق بين الفرق" للبغدادى (ص235).
12-عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أبو عمرو ، من الأوزاع و هو بطن من همدان كان إمام أهل الشام فقيها جليلا ، مات سنة 157ه. تذكرة الحفاظ (178/1).
13- " سير أعلام النبلاء" 185/4).
14- الجعد بن درهم ، ضال مبتدع ، من موالى بنى مروان ، زعم أن الله لم يتخذ ابراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى ، و هو من أهل حران، سكن دمشق ، قتل بعد عام 118ه. "ميزان الاعتدال" (125/2) ، "البداية و النهاية" (364/9).
15-بيان بن سمعان النهدى من بتى تميم ، ظهر بالعراق بعد المئة ، و قال بإلهية على ، ثم من بعده فى ابنه محمد بن الحنفية ، ثم فى أبى هاشم ولد ابن الحنفية ، ثم فى بيان هذا، قتله خالد بن عبد الله القسرى و أحرقه بالنار ، قبل عام 126ه. "ميزان الاعتدال" 75/1)
16- طالوت ابن اخت لبيد بن الاعصم الساحر ، كان زنديقا يظهر زندقته و يفشيها ، أخذ عن خاله القول بخلق القرآن ، فصنف فى ذلك و زعم أن القرآن مخلوق ، و تلقى عنه بيان بن سمعان ذلك فعله الجعد بن درهم شيخ جهم بن صفوان و أخذ بشر المريسى عن جهم ذلك "الكامل"(294/5)
17- لبيد بن اعصم اليهودى الساحر ، كان يقول بخلق التوراة فألقى ذلك على ابن اخته و ختنه طالوت فألف فى ذلك و أفشاه. "البداية و النهاية" (236/3) (364/9) ، " الكامل" (294/5).
18- الجهم بن صفوان من أهل خراسان ، مولى بنى راسب ، و تلميذ الجعد بن درهم ، قتله سلم ابن أحوز ، أمير الشرطة فى خلافة مروان بن محمد سنة 128 ه. " الملل و النحل" (73/1) ، "سير الأعلام " (26/6)
19-"البداية و النهاية" لأبن كثير (364/9).
20-الإمام الراسخ أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانى المروزى ثم البغدادى، كان قبل المحنة إمام أهل العراق ، وصار بعد المحنة إمام أهل الدنيا ، إذ أجمعت الأمة على إمامته و فضله ، مات سنة 241 ه "سير أعلام النبلاء" (77/11).
21- " موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" (234/1) . ط دار الكتب العلمية
22- الإمام الكبير شمس الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب الزرعى إمام الجوزية ، و ابن قيمها برع فى علوم متعددة لاسيما علم التفسير و الحديث و الأصلين ، كان كثير العبادة ، حسن المعاشرة ، مكثرا من التصنيف مع الإجادة و البراعة و الإتقان مات سنة 751 ه "البداية و النهاية " (246/14).
23- "مختصر الصواعق المرسلة" لأبن القيم ص43.
24-الحافظ الإمام الحجة سفيان بن عيينة يكنى أبا محمد ، الهلالى الكوفى و لد سنة 107ه، ثقة حافظ ، كان محدث الحرم ، اتفقت الأئمة على الاحتجاج به مات سنة 198 ه "تذكرة الحفاظ" (262/1).
25- بشر بن غياث بن أبى كريمة المريسى العدوى بالولاء ، فقيه معتزلى عارف بالفلسفة رمى بالذندقة و هو رأس طائفة المريسية من المرجئة ، أخذ آراء جهم و احتج لها و دعا إليها ، توفى سنة 218ه. "سير الأعلام" (299/10) ، "ميزان الاعتدال" (35/2).
26-"سير أعلام النبلاء" (468/.
27- "مجموع الفتاوى" (359/2).
_________________________________________
المصدر : كتاب دراسات فى البدعة و المبتدعين للشيخ محمد سعيد رسلان
المصدر: منتديات نور اليقين