بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
يرد على أتباع منهج التكفير
يرد على أتباع منهج التكفير
السائل: فضيلة الشيخ، ظهر عند بعض الشباب الملتزم ظاهرة نريد فيها فصلاً، وهي أنَّ بعضهم يقول بأنَّ أيَّ كاتب صار في كتابه بدعة أو صار هو ممن يتكلم في شيء من البدع أو عليه ملاحظات في عقيدته، فإنه لا يُقبلُ قولُه بل يُرَد، وأنه لا يُتَرَحَمُ عليه. وكذلك ظهر عندهم تكفير الناس بأيِّ معصية يرونها أو بأي تقصير فيهم. نرجو تبيين ذلك، وَفَّقكم اللهُ.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين: السؤال الآن من شقين. الشق الأول: إذا تكلم أحد من العلماء ببدعة أو سَلَكَ منهج قوم مبتدعة في مسألة من المسائل، فهل يُعَدُّ منهم؟ الجواب: لا، لا يُعدُّ منهم ولا يُنسبُ إليهم. إذا وافقهم في مسألة من المسائل فإنه وافقهم في هذه المسألة، ولا يَصْلُحُ أن يُنسب إليهم نسبة مُطْلَقة. ولهذا مثلاً نحن الآن نَتْبَعُ في فقهياتنا ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ولكن هل إذا أخذنا برأيٍ يراه الشافعي نكون شافعية مثلاً؟ أو يراه مالك، هل نكون مالكية؟ أو يراه أبو حنيفة، هل نكون أحنافاً؟ وكذلك هم أيضاً، إذا أخذوا بمسألة يقول بها الإمام أحمد، هل يكونون حنابلة؟ لا. فإذا رأينا شخصاً من العلماء المُعْتَبَرين المعروفين بالنصيحة، أخذ بشيء مما ذهب إليه أهل البدع، لا يصح أن نقول: هو منهم وهو على مذهبهم. نقول: هذا بما نرى له من النصيحة لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعباد الله، إذا أخطأ في هذه المسألة فإن ذلك الخطأ صادر عن اجتهاد، ومن اجتهد من هذه الأمة فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد. ومن رَدَّ جميع الحق بكلمة أخطأ فيها من قالوا بالحق، فإنه غالٍ، خصوصاً إذا كان هذا الخطأ الذي ظَنَّهُ خطأ ليس بخطأ، لأنَّ بعض الناس إذا خالفه أحدٌ قال هو على خطأ، وخطَّأهُ أو ضلله أو ربما كَفَّره والعياذ بالله، وهذا مذهب سيء للغاية. الشق الثاني، اقرأ.
السائل: يقول: بعض الناس ربما يُكَفِّر الناس لأقل سبب أو لأي معصية كانت.
الشيخ: هذا أيضاً الذي يُكَفِّرُ الناسَ لأي سبب أو لأي معصية - إذا صدق هذا التعبير: لأي معصية كانت - صار مذهبه أشد من مذهب الخوارج، لأن مذهب الخوارج يُكَفِّرون فاعل الكبيرة وليس المعصية. فإذا وُجِدَ الآن من يُكَفِّرُ المسلمين بأي معصية، فإنه ضال وخارق للكتاب والسنة، زائد على مذهب الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب، واختلف المسلمون في تكفيرهم، فمنهم من كَفَّرهم ومنهم من فَسَّقهم وجعلهم من البغاة الظَّلَمَة. أوليس الله يقول {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [سورة النساء:31]، فالإنسان باجتنابه الكبائر يُكَفِّرُ الله عنه الصغائر إذا لم يُصِرَّ على الصغيرة. أما إذا أصرَّ فقد قال العلماء: "إنَّ الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة". فهذا القول لا شكَّ أنه ضلال، ثم ليعلم هذا القائل بتكفير المسلمين بالمعاصي، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "من دعا أخاه بالكفر وهو ليس كذلك، فإنه يرجع إليه"، يكون هو الكافر، وهذا قاله الرسول عليه الصلاة والسلام. وإذا لم يكن كافراً في الدنيا، كان كافراً عند الله، لأن الرسول قال إنَّه لا بدَّ أن يكون أحدهم كافراً.
تمَّ ولله الحمد
تنبيه 1 : قمت بتعديل طفيف على بعض الكلمات والضمائر، مما يقتضيه السياق.
تنبيه 2 : الحديث الذي ذكره الشيخ بلفظ "من دعا أخاه بالكفر وهو ليس كذلك، فإنه يرجع إليه"، لم أجده. ولكني وجدت لفظاً آخراً رواه الامام مسلم في صحيحه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أيَّما امرئٍ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه" (وهناك رواية في صحيح البخاري قريبة أيضاً).
(الصوتية والتفريغ: في المرفقات)