بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
المطارق على رأس السويدان طارق
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الضلالة كل الضلالة؛ أن يتكلم المرء في كتاب الله تعالى ويفسره من تلقاء نفسه ، من غير علم بالقرآن وتفسيره والسنة وشروحاتها، وأقوال السلف وفي مقدمتهم الصحابة رضي الله عنهم .
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه كتاب "أصول الإيمان" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
"رجل لا علم له باللغة ولا علم عنده بالشريعة وبقواعد الشريعة وبالسنة ، فيقول بالقرآن برأيه وليس عنده علم، نظر فقال : إن تفسير الآية كذا، وليس عنده علم بذلك؛ فهذا ولو أصاب في الحقيقة فقد أخطأ لأن القرآن لا يجوز أن يتكلم الإنسان فيه ويفسره بغير علم بالقرآن بحفظ القرآن ومعرفة الآيات التي في الموضوع ، كذلك بغير علم بالسنة التي جاءت في تفسير القرآن ، بغير علم بمنهج السلف في التفسير ، كيف كانوا يفسرون ، وأقوال العلماء في ذلك ، ونحو هذه الضوابط".
جاء في الحديث عَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ ).
أخرجه الترمذي (2952)، والنسائي في "الكبرى" (8086)، و أبو يعلى (3/90)، والروياني (2/145 ـ 146) في مسنديهما، والطبراني في "الكبير" (2/163)، و"الأوسط" (5/ 20، والبيهقي في "الشعب" (2/ 423) وقال: "هذا أصح"، والبغوي في "شرح السنة" (1/258 ـ 259). وضعفه الألباني.
وفي الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ).
أخرجه: أحمد (1/233، 269)، والترمذي (2950، 2951)، و النسائي عن ابن عباس وعن مخلد في "الكبرى" (8084، 8085) و"فضائل القرآن" (1/134)، والبيهقي في "الشعب" (2/423)، والبغوي في "شرح السنة" (1/257 ـ 25 وقال: حديث حسن. وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وضعفه الألباني.
والحديثان وإن ضعفهما الألباني إلا أن معناهما صحيح، ولهذا جاءت أقول أهل العلم من السلف رحمهم الله تعالى في المنع بالقول في كتاب الله عز وجل بغير علم؛ متواترة.
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي عقب حديث جُنْدُبٍ رضي الله عنه:
"هَكَذَا رُوِىَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذَا فِي أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ".
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 511 ـ 512) باب من كره أن يفسر القرآن:
عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن آية في كتاب الله فقال : عليك بتقوى الله والسداد ، فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أُنزل القرآن.
وعن عمرو بن مرة قال:
سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شئ - يعني عكرمة.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعدة من النار.
وعن مغيرة قال:
كان إبراهيم يكره أن يتكلم في القرآن.
وعن الشعبي قال:
أدركت أصحاب عبد الله وأصحاب علي وليس هو لشئ من العلم أكره منهم لتفسير القرآن ، قال : وكان أبو بكر يقول : "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".
فهذا أبو بكر الصديق أعلم الصحابة وأفضلهم يقول ما قال ورعاً وتقوى وخوفاً من الله تعالى.
¤¤¤¤¤
ثم يأتي الضال المضل الهالك - إن لم يتغمده الله بتوبة قبل الموت - طارق السويدان فيقول في صفحته على "تويتر" الخميس 10/ 5/2012 الموافق 19/ 6/ 1433هـ.:
"إذا كان لا يجوز إجبار أي إنسان على الإسلام؛ إذاك من حق الإنسان أن يكفر، { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ".
قد تكلم طارق السويدان في كتاب الله تعالى هنا بغير علم ولا هدى، إنما هوىً واتباعاً للشيطان، وقد خالف جمهور العلماء من الصحابة إلى عصرنا هذا، ولست أقرانه بالعلماء فهو جاهل، بل هو أجهل من حمار أهله، متسلق على العلم، وسنُعرِّج على بعض أقول الأئمة من غير إسهاب حتى لا يغتر بكلام السويدان العوام ويلبس عليهم دينهم بهذه الآية المحكمة.
¤¤¤¤¤
اخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره":
"عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }، قَالَ: "هَذَا تهديد ووعيد".
وعَنْ رباح بن زَيْدٍ، قَالَ: سألت عمر بن حبيب عَنْ قوله: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }، قَالَ: حَدَّثَنِي داود بن رافع إِنَّ مجاهداً، كَانَ يَقُولُ: فليس بمعجزي وعيد مِنَ الله". (9/ 200).
¤¤¤¤¤
قال ابن جرير الطبري في تفسيره:
"حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد.
كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن عمر بن حبيب، عن داود، عن مجاهد، في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )، قال: وعيد من الله، فليس بمعجزي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) وقوله: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) قال: هذا كله وعيد ليس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضا". (15/ 217).
¤¤¤¤¤
وقال في موضع آخر:
" العرب تُخرِج الكلام بلفظ الأمر ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد، كما قال جل ثناؤه: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )، وكما قال: ( لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )، فخرج ذلك مخرج الأمر، والمقصود به التهديد والوعيدُ والزجر والنهي". (4/580).
¤¤¤¤¤
قال ابن كثير في "تفسيره" :
" { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } هذا من باب التهديد والوعيد الشديد؛ ولهذا قال: { إِنَّا أَعْتَدْنَا } أي: أرصدنا { لِلظَّالِمِينَ } وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه". (5/ 150).
¤¤¤¤¤
قال البغوي في "تفسيره" :
" { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله: { اعملوا ما شئتم }". (5/167).
¤¤¤¤¤
قال الشنقيطي في "أضواء البيان":
" قوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } .
ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي - التخيير بين الكفر والإيمان - ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير ، وإنما المراد بها التهديد والتخويف . والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية .
والدليل من القرآن العظيم على أن المراد في الآية التهديد والتخويف؛ أنه أتبع ذلك بقوله: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } [ الكهف29 ] هذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف . إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم . وهذا واضح كما ترى" . (4/ 92).
¤¤¤¤¤
قال ابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" (3/272):
"وقد سمعناه تعالى يقول: { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا }، سمعناه تعالى يقول: { قل كونوا حجارة أو حديدا } وجدنا الدليل البرهاني قد قام على خروج هاتين الآيتين عن التخيير إلى معنى آخر، فيلزم على دليلهم الفاسد ألا يحملوا لفظة (أو) ولا لفظة (إن شئت) أبدا على التخيير، لأنه يقال لهم كما قالوا: لو كانت لفظتا (أو) و (إن شئت) على التخيير؛ لكانت متى وجدت لم تكن إلا للتخيير، فلما وجدت لغير التخيير في عدة مواضع؛ بطل أن تكون للتخيير ".
¤¤¤¤¤
أخرج البيهقي بسنده "عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن آخر ما يبقى من النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).
قال أبو أسامة: يقول: استكثر من الخير ما استطعت،
قال أحمد: وقرأت في كتاب العرنيين في معنى هذا الحديث،
قال: هذا أمر معناه الخبر كأنه قال: من لم يستح صنع ما شاء ومثله.
قوله: " مقعده من النار"
قال: وقال ثعلبة: هذا على الوعيد معناه: إذا لم تستح فاصنع ما شئت فإن الله مجازيك.
ومثله قوله تعالى: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}". "شعب الإيمان" (6/144).
¤¤¤¤¤
قال القاضي عياض في " قوله: ( إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)
وأكثر روات يحيى في الموطأ يقولون: ( افعل ما شئت )
قيل: هو أمر معناه؛ الخبر أي: من لم يستحيي صنع ما شاء
وقيل: هو على الوعيد أي افعل ما شئت تجازي به كما قال { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
وقيل: هو على طريق المبالغة في الذم". "مشارق الأنوار" (2/46).
¤¤¤¤¤
قال ابن حجر ـ وهو يتحدث عن حديث أبي هريرة:
"فائذن لي اختصي"، قال: ( فاختص على ذلك أو ذر ) ـ:
" ليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد وهو كقوله تعالى: { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }" "الفتح" (9/ 119).
¤¤¤¤¤
وقال في موضع آخر ـ عن حديث:
"فانما أقطع له قطعة من النار" ـ:
الأمر فيه للتهديد لا لحقيقة التخيير، بل هو كقوله: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ". "الفتح" (13/ 174).
¤¤¤¤¤
قال العيني في حديث :
( قطعة من النار ) أي هو حرام مآله النار.
قوله: ( فليأخذها ) أمر تهديد لا تخيير كقوله تعالى: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، وكقوله {اعملوا ما شئتم } "عمدة القارئ" (13/ 6).
¤¤¤¤¤
وفي الختام أقول:
لقد أتى طارق السويدان بكلامٍ كله كفر وردة في غير هذا الموضع وبعباراة أخر، سأعرض بعضها باختصارحتى تنكشف سوءته للعالم، فيقول:
"الاعتراض .. حتى على الإسلام ما عندي مشكلة فيه، حتى الاعتراض على الله تعالى وعلى رسوله".
وقال: "من حق الإنسان أن يختار الدين الذي يراه".
وقال: " ومن حق كل إنسان أن يعبد الرب الذي يختاره بالطريقة التي يختارها ".
وقد تكلم شيخنا العلامة الفوزان فيه على بعض ما تلفظ به السويدان أعلاه عندما عُرض عليه فقال حفظه الله:
" ما وراء هذا ردة، ما بعد هذا ردة، هذا أشد أنواع الردة ".
وكذلك رد عليه سماحة المفتى عبد العزيز آل الشيخ بنحوكلام الشيخ الفوزان.
كان ذلك في 29/5/1433هـ.
هذا والله أعلم .
¤¤¤¤¤
كتبه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
الجمعة 20/ 6 / 1433هـ.
المصدر: منتديات نور اليقين
وفقكم الله
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
المطارق على رأس السويدان طارق
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الضلالة كل الضلالة؛ أن يتكلم المرء في كتاب الله تعالى ويفسره من تلقاء نفسه ، من غير علم بالقرآن وتفسيره والسنة وشروحاتها، وأقوال السلف وفي مقدمتهم الصحابة رضي الله عنهم .
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه كتاب "أصول الإيمان" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
"رجل لا علم له باللغة ولا علم عنده بالشريعة وبقواعد الشريعة وبالسنة ، فيقول بالقرآن برأيه وليس عنده علم، نظر فقال : إن تفسير الآية كذا، وليس عنده علم بذلك؛ فهذا ولو أصاب في الحقيقة فقد أخطأ لأن القرآن لا يجوز أن يتكلم الإنسان فيه ويفسره بغير علم بالقرآن بحفظ القرآن ومعرفة الآيات التي في الموضوع ، كذلك بغير علم بالسنة التي جاءت في تفسير القرآن ، بغير علم بمنهج السلف في التفسير ، كيف كانوا يفسرون ، وأقوال العلماء في ذلك ، ونحو هذه الضوابط".
جاء في الحديث عَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ ).
أخرجه الترمذي (2952)، والنسائي في "الكبرى" (8086)، و أبو يعلى (3/90)، والروياني (2/145 ـ 146) في مسنديهما، والطبراني في "الكبير" (2/163)، و"الأوسط" (5/ 20، والبيهقي في "الشعب" (2/ 423) وقال: "هذا أصح"، والبغوي في "شرح السنة" (1/258 ـ 259). وضعفه الألباني.
وفي الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ).
أخرجه: أحمد (1/233، 269)، والترمذي (2950، 2951)، و النسائي عن ابن عباس وعن مخلد في "الكبرى" (8084، 8085) و"فضائل القرآن" (1/134)، والبيهقي في "الشعب" (2/423)، والبغوي في "شرح السنة" (1/257 ـ 25 وقال: حديث حسن. وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وضعفه الألباني.
والحديثان وإن ضعفهما الألباني إلا أن معناهما صحيح، ولهذا جاءت أقول أهل العلم من السلف رحمهم الله تعالى في المنع بالقول في كتاب الله عز وجل بغير علم؛ متواترة.
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي عقب حديث جُنْدُبٍ رضي الله عنه:
"هَكَذَا رُوِىَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذَا فِي أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ".
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 511 ـ 512) باب من كره أن يفسر القرآن:
عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن آية في كتاب الله فقال : عليك بتقوى الله والسداد ، فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أُنزل القرآن.
وعن عمرو بن مرة قال:
سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شئ - يعني عكرمة.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعدة من النار.
وعن مغيرة قال:
كان إبراهيم يكره أن يتكلم في القرآن.
وعن الشعبي قال:
أدركت أصحاب عبد الله وأصحاب علي وليس هو لشئ من العلم أكره منهم لتفسير القرآن ، قال : وكان أبو بكر يقول : "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".
فهذا أبو بكر الصديق أعلم الصحابة وأفضلهم يقول ما قال ورعاً وتقوى وخوفاً من الله تعالى.
¤¤¤¤¤
ثم يأتي الضال المضل الهالك - إن لم يتغمده الله بتوبة قبل الموت - طارق السويدان فيقول في صفحته على "تويتر" الخميس 10/ 5/2012 الموافق 19/ 6/ 1433هـ.:
"إذا كان لا يجوز إجبار أي إنسان على الإسلام؛ إذاك من حق الإنسان أن يكفر، { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ".
قد تكلم طارق السويدان في كتاب الله تعالى هنا بغير علم ولا هدى، إنما هوىً واتباعاً للشيطان، وقد خالف جمهور العلماء من الصحابة إلى عصرنا هذا، ولست أقرانه بالعلماء فهو جاهل، بل هو أجهل من حمار أهله، متسلق على العلم، وسنُعرِّج على بعض أقول الأئمة من غير إسهاب حتى لا يغتر بكلام السويدان العوام ويلبس عليهم دينهم بهذه الآية المحكمة.
¤¤¤¤¤
اخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره":
"عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }، قَالَ: "هَذَا تهديد ووعيد".
وعَنْ رباح بن زَيْدٍ، قَالَ: سألت عمر بن حبيب عَنْ قوله: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }، قَالَ: حَدَّثَنِي داود بن رافع إِنَّ مجاهداً، كَانَ يَقُولُ: فليس بمعجزي وعيد مِنَ الله". (9/ 200).
¤¤¤¤¤
قال ابن جرير الطبري في تفسيره:
"حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد.
كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن عمر بن حبيب، عن داود، عن مجاهد، في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )، قال: وعيد من الله، فليس بمعجزي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) وقوله: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) قال: هذا كله وعيد ليس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضا". (15/ 217).
¤¤¤¤¤
وقال في موضع آخر:
" العرب تُخرِج الكلام بلفظ الأمر ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد، كما قال جل ثناؤه: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )، وكما قال: ( لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )، فخرج ذلك مخرج الأمر، والمقصود به التهديد والوعيدُ والزجر والنهي". (4/580).
¤¤¤¤¤
قال ابن كثير في "تفسيره" :
" { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } هذا من باب التهديد والوعيد الشديد؛ ولهذا قال: { إِنَّا أَعْتَدْنَا } أي: أرصدنا { لِلظَّالِمِينَ } وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه". (5/ 150).
¤¤¤¤¤
قال البغوي في "تفسيره" :
" { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله: { اعملوا ما شئتم }". (5/167).
¤¤¤¤¤
قال الشنقيطي في "أضواء البيان":
" قوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } .
ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي - التخيير بين الكفر والإيمان - ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير ، وإنما المراد بها التهديد والتخويف . والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية .
والدليل من القرآن العظيم على أن المراد في الآية التهديد والتخويف؛ أنه أتبع ذلك بقوله: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } [ الكهف29 ] هذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف . إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم . وهذا واضح كما ترى" . (4/ 92).
¤¤¤¤¤
قال ابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" (3/272):
"وقد سمعناه تعالى يقول: { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا }، سمعناه تعالى يقول: { قل كونوا حجارة أو حديدا } وجدنا الدليل البرهاني قد قام على خروج هاتين الآيتين عن التخيير إلى معنى آخر، فيلزم على دليلهم الفاسد ألا يحملوا لفظة (أو) ولا لفظة (إن شئت) أبدا على التخيير، لأنه يقال لهم كما قالوا: لو كانت لفظتا (أو) و (إن شئت) على التخيير؛ لكانت متى وجدت لم تكن إلا للتخيير، فلما وجدت لغير التخيير في عدة مواضع؛ بطل أن تكون للتخيير ".
¤¤¤¤¤
أخرج البيهقي بسنده "عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن آخر ما يبقى من النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).
قال أبو أسامة: يقول: استكثر من الخير ما استطعت،
قال أحمد: وقرأت في كتاب العرنيين في معنى هذا الحديث،
قال: هذا أمر معناه الخبر كأنه قال: من لم يستح صنع ما شاء ومثله.
قوله: " مقعده من النار"
قال: وقال ثعلبة: هذا على الوعيد معناه: إذا لم تستح فاصنع ما شئت فإن الله مجازيك.
ومثله قوله تعالى: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}". "شعب الإيمان" (6/144).
¤¤¤¤¤
قال القاضي عياض في " قوله: ( إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)
وأكثر روات يحيى في الموطأ يقولون: ( افعل ما شئت )
قيل: هو أمر معناه؛ الخبر أي: من لم يستحيي صنع ما شاء
وقيل: هو على الوعيد أي افعل ما شئت تجازي به كما قال { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
وقيل: هو على طريق المبالغة في الذم". "مشارق الأنوار" (2/46).
¤¤¤¤¤
قال ابن حجر ـ وهو يتحدث عن حديث أبي هريرة:
"فائذن لي اختصي"، قال: ( فاختص على ذلك أو ذر ) ـ:
" ليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد وهو كقوله تعالى: { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }" "الفتح" (9/ 119).
¤¤¤¤¤
وقال في موضع آخر ـ عن حديث:
"فانما أقطع له قطعة من النار" ـ:
الأمر فيه للتهديد لا لحقيقة التخيير، بل هو كقوله: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ". "الفتح" (13/ 174).
¤¤¤¤¤
قال العيني في حديث :
( قطعة من النار ) أي هو حرام مآله النار.
قوله: ( فليأخذها ) أمر تهديد لا تخيير كقوله تعالى: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، وكقوله {اعملوا ما شئتم } "عمدة القارئ" (13/ 6).
¤¤¤¤¤
وفي الختام أقول:
لقد أتى طارق السويدان بكلامٍ كله كفر وردة في غير هذا الموضع وبعباراة أخر، سأعرض بعضها باختصارحتى تنكشف سوءته للعالم، فيقول:
"الاعتراض .. حتى على الإسلام ما عندي مشكلة فيه، حتى الاعتراض على الله تعالى وعلى رسوله".
وقال: "من حق الإنسان أن يختار الدين الذي يراه".
وقال: " ومن حق كل إنسان أن يعبد الرب الذي يختاره بالطريقة التي يختارها ".
وقد تكلم شيخنا العلامة الفوزان فيه على بعض ما تلفظ به السويدان أعلاه عندما عُرض عليه فقال حفظه الله:
" ما وراء هذا ردة، ما بعد هذا ردة، هذا أشد أنواع الردة ".
وكذلك رد عليه سماحة المفتى عبد العزيز آل الشيخ بنحوكلام الشيخ الفوزان.
كان ذلك في 29/5/1433هـ.
هذا والله أعلم .
¤¤¤¤¤
كتبه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
الجمعة 20/ 6 / 1433هـ.
المصدر: منتديات نور اليقين
وفقكم الله