الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد انتشر التهوين من شأن البدع العملية بحجة أنها ليست مكفرة ولا مفسقة أو أنها بدع فقهية ، وأنها في هذه الحال لا يهجر فاعلها ولا يشدد عليه النكير أو غير ذلك فأردت أن أجمع جمعاً أبين فيه خطورة البدع العملية وأنه لا ينبغي الاستهانة بها
وقبل الدخول في البحث ينبغي معرفة أن البدع ، إنما اكتسبت قبحها من كونها استدراك على الشارع وحكم بغير ما أنزل الله ، وتشريع من دونه فلو سألت أحداً ما وجه كون البدعة الفلانية مفسقة أو منكرة لذكر لك دليلاً يشمل جميع أنواع البدع ، وكل الكلام الذي جاء عن السلف في ذم البدع يشمل جميع أنواع البدع عملية وعقدية
قال الإمام مسلم في صحيحه 1960- [43-867] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ ، وَعَلاَ صَوْتُهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ : صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ ، وَيَقُولُ : بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ ، وَالْوُسْطَى ، وَيَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ، مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا ، أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ.
وقوله ( شر الأمور محدثاتها ) يشمل جميع البدع العقدية والعملية ، فكيف تكون ( شر الأمور ) غير مفسقة لمن تلبس بها بغير تأويل ، وحتى من تأول في ذلك فإنه ينكر عليه وتكشف عنه الشبهة ، وكيف لا تكون ( شر الأمور ) محل ولاءٍ وبراءٍ ومحبة وبغض
وقال البخاري في صحيحه 5063 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي
أقول : التعبد بقيام الليل كاملاً ، أو صيام الدهر لا شك أنه من البدع العملية وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم رغوباً عن سنته ، وقال ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ، والرغوب عن السنة منكرٌ عظيم واجب الإنكار ولا شك أن هذه من المنكرات المفسقة
وقال الدارمي في مسنده [ 204 ] : أخبرنا الحكم بن المبارك انا عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال :
كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد .
فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟
قلنا لا , فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا إليه جميعا
فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن اني رأيت في المسجد أنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله الا خيرا قال: فما هو ؟
فقال : ان عشت فستراه .
قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة .
قال: فماذا قلت لهم ؟
قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك
قال : أفلا أمرتهم ان يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم , ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم .
فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟
قالوا يا أبا عبد الله : حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح .
قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن ان لا يضيع من حسناتكم شيء .
ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم .
هؤلاء صحابة نبيكم - صلى الله عليه و سلم - متوافرون .
وهذه ثيابه لم تبل وأنيته لم تكسر والذي نفسي بيده انكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة .
قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا الا الخير .
قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه .
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .
وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج .
قلت : ولهذا الأثر شاهد عند عبد الرزاق في المصنف .
قال عبد الرزاق[ 5408] :
عن ابن عيينة عن بيان عن قيس بن أبي حازم قال : ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس قولوا كذا قولوا كذا فقال : إذا رأيتموه فأخبروني فأخبروه قال فجاء عبد الله متقنعا فقال من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون انكم لأهدى من محمد وأصحابه وإنكم لمتعلقين بذنب ضلالة
قلت : بيان هو ابن بشر البجلي الكوفي وهو ثقة ثبت وبقية رجال السند ثقاتٌ معروفون .
ولا يخفى أن ما أنكره هذا الصحابي الفقيه عبد الله بن مسعود هو من البدع الإضافية فأصل الذكر ثابتٌ في الشرع وكذلك أصل التذكير ولكن هذه الهيئة مبتدعةٌ مخترعة ، وبتلكم الحجة التي قمع بها ابن مسعود هؤلاء المحدثين يقمع كل مبتدع فيقال له : [ لأنت أهدى من محمد وأصحابه أو أنك متعلقٌ بذنب ضلالة ]
فتأمل أخي كيف أنها بدعة عملية ، ومع ذلك وصفها ابن مسعود بأنها ( ضلالة ) والضلالة لا تكون إلا مفسقة في أقل أحوالها
والبدعة تشريع من دون الله وطعن في كمال فكيف تكون غير مفسقة أو بدعة فقهية لا ينكر فيها كما يقول بعضهم ، ثم تأمل كيف فهم ابن مسعود أن البدعة العملية بريد البدعة العقدية فنزل على القوم أخبار الخوارج ، وانتقاص النبي صلى الله عليه وسام والصحابة لازمٌ لكل مبتدع
قال عبد الرزاق في المصنف 18660 - عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً قَطُّ , إِلَّا اسْتَحَلُّوا بِهَا السَّيْفَ»
وهذا يشمل البدع العملية
وقال الشاطبي في الاعتصام :" وَأَمَّا أَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ. فَلِمَا حَكَى عِيَاضٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَمَّنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، فَقَالَ: "هَذَا مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، أَخْشَى عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِي الآخرة. أما سمعت قوله تعالى: {الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وَقَدْ أَمْرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهَلَّ مِنَ الْمَوَاقِيتِ"
أقول : فنزل الإمام مالك هذه الآية التي فيها الوعيد العظيم ، على صاحب بدعة عملية وهي تشمل كل من أحدث في الدين ، وكل بدعة عملية أخرى
وقال عبد الرزاق في المصنف 3226 - عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: إِنَّ عُبَيْدَةَ لَآخِذٌ بِيَدِي إِذْ سَمِعَ صَوْتَ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَمَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ عُبَيْدَةُ: «مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ نَعَّارٌ بِالْبِدَعِ»
وعبيدة هذا هو السلماني وهو تابعي مخضرم ، ينكر بدعة رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة في حال استقبال القبلة من الإمام ، وهذه بدعة عملية ( على قوله ) ، ومع ذلك اشتد في إنكارها
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 5537- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : رَفَعَ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَدَيْهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ : مَا لَهُمْ ، قَطَعَ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ.
فهذا مسروق يدعو عليهم ويشتد في بدعة عملية ، وهو تابعي مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وأدرك الصديق وصلى خلفه
ولو فرضنا أن هناك بدعاً كالصغائر لا تكفر ولا تفسق
أفليست الصغائر تصير من الكبائر بالمجاهرة كما في حديث ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) ؟
والصغائر أيضاً تصير من الكبائر بالإصرار
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 5217 - حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، ثنا أَبِي، ثنا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَمِ الْكَبَائِرُ؟ سَبْعاً هِيَ؟ قَالَ:
هِيَ إِلَى سَبْعمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ، وَأَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ
وعامة أهل البدع يصرون على بدعهم ويجاهرون بها لأنهم يرونها طاعةً
ثم إن الفصل بين البدع العملية والبدع الاعتقادية بهذا الشكل أصلاً فيه نظر ، لأن المبتدع إذا فعل البدعة العملية فإنه يعتقد بقلبه أن هذا مشروع فكانت بدعة عقدية أيضاً
قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى (2/142) :" وَالْبِدَعُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ فِي الْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَنَوْعٌ فِي الْأَفْعَالِ وَالْعِبَادَاتِ.
وَهَذَا الثَّانِي يَتَضَمَّنُ الْأَوَّلَ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَدْعُو إلَى الثَّانِي.
فَالْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
وَالْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْعِبَادَةِ وَالنَّظَرِ وَالْإِرَادَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي.
وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} آمِينَ.
وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ}.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُبَّادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى، وَكَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ: احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ، وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ؛ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ، فَطَالِبُ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِطَلَبِهِ فِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الضَّلَالِ"
فتأمل قوله ( وهذا الثاني [ يعني البدع العملية ] يتضمن الأول [ يعني البدع الاعتقادية ]
وقوله (كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَدْعُو إلَى الثَّانِي) وهذا ظاهر فإن الذي يبتدع بدعة عملية أو يعمل بها لا يصنع ذلك وهو معظم للكتاب والسنة ، بل لا بد أن تجد عنده خللاً في التأصيل في باب الاتباع
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
فقد انتشر التهوين من شأن البدع العملية بحجة أنها ليست مكفرة ولا مفسقة أو أنها بدع فقهية ، وأنها في هذه الحال لا يهجر فاعلها ولا يشدد عليه النكير أو غير ذلك فأردت أن أجمع جمعاً أبين فيه خطورة البدع العملية وأنه لا ينبغي الاستهانة بها
وقبل الدخول في البحث ينبغي معرفة أن البدع ، إنما اكتسبت قبحها من كونها استدراك على الشارع وحكم بغير ما أنزل الله ، وتشريع من دونه فلو سألت أحداً ما وجه كون البدعة الفلانية مفسقة أو منكرة لذكر لك دليلاً يشمل جميع أنواع البدع ، وكل الكلام الذي جاء عن السلف في ذم البدع يشمل جميع أنواع البدع عملية وعقدية
قال الإمام مسلم في صحيحه 1960- [43-867] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ ، وَعَلاَ صَوْتُهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ : صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ ، وَيَقُولُ : بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ ، وَالْوُسْطَى ، وَيَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ، مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا ، أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ.
وقوله ( شر الأمور محدثاتها ) يشمل جميع البدع العقدية والعملية ، فكيف تكون ( شر الأمور ) غير مفسقة لمن تلبس بها بغير تأويل ، وحتى من تأول في ذلك فإنه ينكر عليه وتكشف عنه الشبهة ، وكيف لا تكون ( شر الأمور ) محل ولاءٍ وبراءٍ ومحبة وبغض
وقال البخاري في صحيحه 5063 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي
أقول : التعبد بقيام الليل كاملاً ، أو صيام الدهر لا شك أنه من البدع العملية وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم رغوباً عن سنته ، وقال ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ، والرغوب عن السنة منكرٌ عظيم واجب الإنكار ولا شك أن هذه من المنكرات المفسقة
وقال الدارمي في مسنده [ 204 ] : أخبرنا الحكم بن المبارك انا عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال :
كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد .
فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟
قلنا لا , فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا إليه جميعا
فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن اني رأيت في المسجد أنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله الا خيرا قال: فما هو ؟
فقال : ان عشت فستراه .
قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة .
قال: فماذا قلت لهم ؟
قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك
قال : أفلا أمرتهم ان يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم , ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم .
فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟
قالوا يا أبا عبد الله : حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح .
قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن ان لا يضيع من حسناتكم شيء .
ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم .
هؤلاء صحابة نبيكم - صلى الله عليه و سلم - متوافرون .
وهذه ثيابه لم تبل وأنيته لم تكسر والذي نفسي بيده انكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة .
قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا الا الخير .
قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه .
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .
وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج .
قلت : ولهذا الأثر شاهد عند عبد الرزاق في المصنف .
قال عبد الرزاق[ 5408] :
عن ابن عيينة عن بيان عن قيس بن أبي حازم قال : ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس قولوا كذا قولوا كذا فقال : إذا رأيتموه فأخبروني فأخبروه قال فجاء عبد الله متقنعا فقال من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون انكم لأهدى من محمد وأصحابه وإنكم لمتعلقين بذنب ضلالة
قلت : بيان هو ابن بشر البجلي الكوفي وهو ثقة ثبت وبقية رجال السند ثقاتٌ معروفون .
ولا يخفى أن ما أنكره هذا الصحابي الفقيه عبد الله بن مسعود هو من البدع الإضافية فأصل الذكر ثابتٌ في الشرع وكذلك أصل التذكير ولكن هذه الهيئة مبتدعةٌ مخترعة ، وبتلكم الحجة التي قمع بها ابن مسعود هؤلاء المحدثين يقمع كل مبتدع فيقال له : [ لأنت أهدى من محمد وأصحابه أو أنك متعلقٌ بذنب ضلالة ]
فتأمل أخي كيف أنها بدعة عملية ، ومع ذلك وصفها ابن مسعود بأنها ( ضلالة ) والضلالة لا تكون إلا مفسقة في أقل أحوالها
والبدعة تشريع من دون الله وطعن في كمال فكيف تكون غير مفسقة أو بدعة فقهية لا ينكر فيها كما يقول بعضهم ، ثم تأمل كيف فهم ابن مسعود أن البدعة العملية بريد البدعة العقدية فنزل على القوم أخبار الخوارج ، وانتقاص النبي صلى الله عليه وسام والصحابة لازمٌ لكل مبتدع
قال عبد الرزاق في المصنف 18660 - عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً قَطُّ , إِلَّا اسْتَحَلُّوا بِهَا السَّيْفَ»
وهذا يشمل البدع العملية
وقال الشاطبي في الاعتصام :" وَأَمَّا أَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ. فَلِمَا حَكَى عِيَاضٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَمَّنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، فَقَالَ: "هَذَا مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، أَخْشَى عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِي الآخرة. أما سمعت قوله تعالى: {الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وَقَدْ أَمْرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهَلَّ مِنَ الْمَوَاقِيتِ"
أقول : فنزل الإمام مالك هذه الآية التي فيها الوعيد العظيم ، على صاحب بدعة عملية وهي تشمل كل من أحدث في الدين ، وكل بدعة عملية أخرى
وقال عبد الرزاق في المصنف 3226 - عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: إِنَّ عُبَيْدَةَ لَآخِذٌ بِيَدِي إِذْ سَمِعَ صَوْتَ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَمَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ عُبَيْدَةُ: «مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ نَعَّارٌ بِالْبِدَعِ»
وعبيدة هذا هو السلماني وهو تابعي مخضرم ، ينكر بدعة رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة في حال استقبال القبلة من الإمام ، وهذه بدعة عملية ( على قوله ) ، ومع ذلك اشتد في إنكارها
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 5537- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : رَفَعَ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَدَيْهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ : مَا لَهُمْ ، قَطَعَ اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ.
فهذا مسروق يدعو عليهم ويشتد في بدعة عملية ، وهو تابعي مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وأدرك الصديق وصلى خلفه
ولو فرضنا أن هناك بدعاً كالصغائر لا تكفر ولا تفسق
أفليست الصغائر تصير من الكبائر بالمجاهرة كما في حديث ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) ؟
والصغائر أيضاً تصير من الكبائر بالإصرار
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 5217 - حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، ثنا أَبِي، ثنا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَمِ الْكَبَائِرُ؟ سَبْعاً هِيَ؟ قَالَ:
هِيَ إِلَى سَبْعمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ، وَأَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ
وعامة أهل البدع يصرون على بدعهم ويجاهرون بها لأنهم يرونها طاعةً
ثم إن الفصل بين البدع العملية والبدع الاعتقادية بهذا الشكل أصلاً فيه نظر ، لأن المبتدع إذا فعل البدعة العملية فإنه يعتقد بقلبه أن هذا مشروع فكانت بدعة عقدية أيضاً
قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى (2/142) :" وَالْبِدَعُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ فِي الْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَنَوْعٌ فِي الْأَفْعَالِ وَالْعِبَادَاتِ.
وَهَذَا الثَّانِي يَتَضَمَّنُ الْأَوَّلَ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَدْعُو إلَى الثَّانِي.
فَالْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
وَالْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْعِبَادَةِ وَالنَّظَرِ وَالْإِرَادَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي.
وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} آمِينَ.
وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ}.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُبَّادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى، وَكَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ: احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ، وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ؛ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ، فَطَالِبُ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِطَلَبِهِ فِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الضَّلَالِ"
فتأمل قوله ( وهذا الثاني [ يعني البدع العملية ] يتضمن الأول [ يعني البدع الاعتقادية ]
وقوله (كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَدْعُو إلَى الثَّانِي) وهذا ظاهر فإن الذي يبتدع بدعة عملية أو يعمل بها لا يصنع ذلك وهو معظم للكتاب والسنة ، بل لا بد أن تجد عنده خللاً في التأصيل في باب الاتباع
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تعليق