الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد انتشرت أطروحة بين طلبة العلم تقول ( من أكثر النظر في كتب الجرح والتعديل فإنه ينبغي له النظر في كتب الزهد والرقائق لئلا يقسو قلبه )
والحق أن هذه الكلمة فيها نظر من وجوه
أولها : أنه لا خصوصية لمن ينظر في كتب الجرح والتعديل في أهمية النظر في كتب الزهد والرقائق التي صنفها السلف ، بل كل طلبة العلم ينصحون بالنظر في كتب الزهد المسندة التي صنفها السلف ، وكتب ابن أبي الدنيا وكتب شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب وغيرهم ممن كان على الجادة ، من أجل الوقوف على هدي السلف في كافة أبواب العلم ، ومن أجل الاستغناء عن الطرق المحدثة في ترقيق القلوب والتي هي تقسية في حقيقة الأمر ، ومن أجل الاستغناء عن أكاذيب القصاص بالأحاديث النبوية والآثار السلفية الثابتة ، وهذا مهم لكافة طلبة العلم لا خصوصية لمن ينظر في كتب الجرح والتعديل في ذلك ، ومن أعظم ما ترقق به القلوب قراءة كتاب الله عز وجل ، والنظر في كتب العقيدة فإن فيها أصل الإيمان فمعرفة أسماء وصفاته تورث من الخشية ما لا تورثه المواعظ الطوال الخالية من ذلك ، وكذلك ما يذكر في كتب المعتقد من الإيمان بالقدر ، وتفصيل الإيمان باليوم الآخر بذكر الصراط والميزان والحوض وقبله عذاب القبر فإن هذه فيها من الموعظة الشيء العظيم ، وهذا موجود في كتب العقيدة الجامعة مثل الشريعة للآجري ، والإبانة لابن بطة ، والسنة للالكائي وغيرها
فإن قيل أن الخصوصية في أن كتب الجرح والتعديل فيها كلامٌ في الناس
فالجواب : أن هذا الكلام واجب شرعي ، ومن فعله بنية صالحة يؤجر على ذلك والعمل الصالح لا يجوز أن يقال عنه أنه يقسي القلب بل هو يزيد الإيمان ، فمن قال أن الكلام الواجب في الناس يقسي القلب لمن قاله أو اطلع عليه بنية الاستفادة منه على الوجه المشروع ، كان كمن قال أن التسبيح والتهليل والتكبير يقسي القلب ولا شك أن هذا كلامٌ خطير
وقد جاء عن عدد من السلف تفضيل الكلام في أهل البدع ( وهو من الجرح ) ، على العبادات غير المتعدية النفع
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 231) :" وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ "
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 24 :" حدثت عن أبي بكر الخلال عن المروزي عن محمد بن سهل البخاري قال كنا عند الفريابي فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل لو حدثتنا كان أعجب إلينا فغضب وقال كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة"
فكيف يفضلون ما يقسي القلب على ما يرقق القلب ؟
فإن قلتَ : أن الكلام في الناس فيه مدخلٌ للرياء
قلت : الرياء يدخل على عامة الأعمال الصالحة ، والمرائي ظاهره صالح أمام الناس وباطنه فاسد ، ولا ينهى عن الفعل المشروع خوفاً من الرياء
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (23/ 174) :" وَمَنْ نَهَى عَنْ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ رِيَاءٌ فَنَهْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا وَبِالْإِخْلَاصِ فِيهَا وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُهَا أَقْرَرْنَاهُ وَإِنْ جَزَمْنَا أَنَّهُ يَفْعَلُهَا رِيَاءً فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا } فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُقِرُّونَهُمْ عَلَى مَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الدِّينِ وَإِنْ كَانُوا مُرَائِينَ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي تَرْكِ إظْهَارِ
الْمَشْرُوعِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِهِ رِيَاءً كَمَا أَنَّ فَسَادَ تَرْكِ إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِيَاءً ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ .
الثَّانِي : لِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا أَنْكَرَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنِّي لَمْ أومر أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَنْ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ؟ } وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَحْبَبْنَاهُ وَوَالَيْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا أَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ سَرِيرَتَهُ صَالِحَةٌ . الثَّالِثُ : أَنَّ تَسْوِيغَ مِثْلِ هَذَا يُفْضِي إلَى أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ يُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ إذَا رَأَوْا مَنْ يُظْهِرُ أَمْرًا مَشْرُوعًا مَسْنُونًا قَالُوا : هَذَا مِرَاءٌ فَيَتْرُكُ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ إظْهَارَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ حَذَرًا مِنْ لَمْزِهِمْ وَذَمِّهِمْ فَيَتَعَطَّلُ الْخَيْرُ وَيَبْقَى لِأَهْلِ الشِّرْكِ شَوْكَةٌ يُظْهِرُونَ الشَّرَّ وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ شَعَائِرِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ يَطْعَنُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ"
ثانيها : أن كتب الجرح والتعديل لا تحتوي على جرح أهل البدع والرواة فقط ! ، بل تحتوي على تعديل أئمة أهل السنة وذكر مناقبهم وأخبارهم وطرف من أخبارهم كما يظهر ذلك لمن نظر في تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، وتهذيب الكمال وفروعه ، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي فهو كتاب جرح وتعديل ، وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها كثير
بل ربما وقفت على الكلمة من نكت القوم ، لا تجدها إلا في كتب الجرح والتعديل
نعم هناك كتب أفردت للضعفاء ككتاب العقيلي وابن عدي وابن حبان ، وهذه لا يوجد من يقرأها هي فقط من دون بقية كتب الجرح والتعديل ، إذ أنها لا تفي بالمقصود لوحدها ، ومع ذلك لا يجوز أن يقال أنها تقسي القلب فهي كتب عظيمة حفظ الله عز وجل بها الدين من وضع الوضاعين وغلط الغالطين وهذا مصداق لقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
والسنة مبينة للقرآن كما في قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )
ومن تمام حفظ القرآن ، حفظ السنة الشارحة للقرآن ، فمن وقف على هذه الجهود العظيمة في الذب عن السنة ، ازداد إيمانه وقوي يقينه
ثالثها : أن العبارة لو عكست لكان لها وجه فيقال ( من نظر في كتب الرقائق ينصح أن ينظر في كتب الجرح والتعديل ليميز الصحيح من السقيم ) ، فإن كثيراً من كتب المواعظ تحتوي على أباطيل ومناكير وإن كان هذا قليل في كتب الزهد المسندة التي صنفها الأئمة المتقدمون ، وكم حديث باطل انتشر بين الناس وتناقله الخطباء والوعاظ بسبب عدم معرفة كثير ممن ينظر في هذه الكتب بأمر الإسناد ، حتى صار الكذب في الحديث شعاراً للقصاص منذ أزمنة السلف
قال ابن الجوزي في كتابه القصاص والمذكرين ص309 :" وَفِي الْقُصَّاصِ مَنْ يَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْضُوعَةِ فَيَرْوِيهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا كَذِبٌ. فَيُؤْذِي بِهَا النَّاسَ. وَرُبَّمَا سَمِعَهَا مِنْ أَفْوَاهِ الْعَوَامِّ فَرَوَاهَا. وَرُبَّمَا سَمِعَ كَلَامَ الْحَسَنِ أَوْ سَرِيِّ السَّقَطِيِّ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. وَقَدْ صَنَّفَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنَّقْلِ كُتُبًا فِيهَا الْمَوْضُوعُ
وَالْمُحَالُ.
فَتَرَى الْقُصَّاصَ يُورِدُونَ مِنْهَا وَيَزِيدُونَ فِيهَا مَا يُوجِبُ تَحْسِينًا لَهَا. وَمِمَّنْ صَنَّفَ لَهُمْ فِي هَذَا، الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الطُّوسِيُّ. فَإِنَّهُمْ أَدْرَجُوا فِي كُتُبِهِمْ أَحَادِيثَ بَاطِلَةً وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا كذب"
والأئمة من أمثال هناد ووكيع وابن المبارك وأحمد وأبي داود وابن الأعرابي والبيهقي ما قصروا لما صنفوا في الزهد فأسندوا الأخبار وسموا رواتها ، فكان ينبغي على من ينظر في كتبهم أن ينظر في أحوال هؤلاء الرواة ، وإذا الناظر في كتب هؤلاء لا ينظر في أحوال الرواة ، بل الخبر الذي على شرط الشيخين والخبر الذي في سنده متروك عنده واحد والأمر متعلق عنده باستحسانه للمتن ، فما فائدة إسناد الأئمة للأخبار !
وهنا أود تبيين أمرٍ مهم ، وهو أن عامة من صنف في الزهد من السلف قد عرف عنه ذلك ، ولم يكن زهده باللسان فقط والله المستعان ، هذا مع أنهم لم يكونوا يكثرون الكلام والتنظير في هذا الباب بل غاية ما عند المرء نقل أخبار السلف في هذا الباب إذا صنف ، وتجد له كلمات في ذلك ينقلها عنه أصحابه ، وأحسن مواعظهم أحوالهم العلية
قال الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين ص80 قال يحيى: ورأيت وكيع بن الجراح أخذ في كتاب الزهد يقرؤه فلما بلغ حديثاً منه ترك الكتاب ثم قام فلم يحدث فلما كان الغد وأخذ فيه بلغ ذلك الحديث قام أيضاً ولم يحدث حتى صنع ذلك ثلاثة أيام.
قلت ليحيى: وأي حديث هو؟ قال: حديث مجاهد قال: أخذ عبد الله بن عمر ببعض جسدي قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: " يا عبد الله بن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ذكر الحديث.
وقال البيهقي في شعب الإيمان 987 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال : سمعت نعيم بن حماد يقول : كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء إلا دفعه
وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/10) :" وقال إسحاق بن هانىء بكرت يوما لأعارض أحمد بالزهد فبسطت له حصيرًا ومخدة فنظر إلى الحصير والمخدة فقال ما هذا قلت: لتجلس عليه فقال ارفعه الزهد لا يحسن إلا بالزهد فرفعته وجلس عَلَى التراب"
وأما اليوم فترى لأحدهم المواعظ ذوات العدد ، ثم هو متكبرٌ على الحق سريع الغضب ذلق اللسان بالسب لأهل السنة مع لين بين مع أهل البدع ، حتى إذا رأيته يتكلم في بعض الأمر ظننه يوبخ نفسه ، نعوذ بالله من الشقاء
وهنا تنبيه آخر : وهو أن بعض الناس يذكر أن فلاناً كان يتكلم في الجرح والتعديل ثم انتكس ! ، يقول هذا مرهباً لمن يتكلم في الجرح والتعديل بحق
والجواب من ثلاثة وجوه
أحدها : أنه ربما كان هذا من سوء طوية الرجل ، وأنه كان عديم الإخلاص فلا يلزم من ذلك ثلب الفعل ، كما أن ورد في السنة والآثار في ذم القراء المنافقين لا يلزم منه ذم حفظ القرآن ، فالذم يلحقهم هم لسوء طويتهم ، ولا يلحق العمل الصالح
ثانيها : أنه لا شك أن لهذا الرجل طاعات أخرى غير الكلام في الجرح والتعديل ، فلو جاء شخص وقال
كنت أعرف شخصاً كان يكفر الرافضة ثم انتكس ، أو كان ينكر التبرج أو هجر جاره لتركه الصلاة ثم انتكس هو وترك الصلاة ، فهل هذا يجعل ذلك الفعل الذي فعله حال استقامته غير مشروع !
ثالثها : أن كثيراً ممن كانوا لا يتكلمون في أهل البدع ضعفوا أيضاً وانتسكوا نسأل الله لنا ولإخواننا الثبات على المنهج السلفي ، فلا خصوصية لمن يتكلم في الجرح والتعديل بهذا
وهذا الصنيع من الإخوة يذكرني بصنيع الجاحظ إذ أنه كتب كتاباً في ذم الكتاب عند الأمراء ، فذكر فيه خبر النصراني الذي أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ! ، وجعل ذلك عيباً في أصل مهنة الكتابة وتعرض الخبيث لمعاوية بن أبي سفيان _ رضي الله عنهما _
ولعلك أخي القاريء أضحكك مسلك الجاحظ هذا ، ولكن ما الفرق بينه وبين ما يتكلم به بعض الإخوة من أن بعض من كان يتكلم في الجرح والتعديل قد انتكس ؟
وليعلم أن الانتكاسة نوعان
النوع الأول : انتكاسة إلى المفسقات من المعاصي الشهوانية
الثاني : انتكاسة إلى البدع والشبهات
ولا شك أن الثانية أشد فشر الأمور محدثاتها ، وليحذر المرء من أن يعير الناس بالأولى وهو واقع في الثانية
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
فقد انتشرت أطروحة بين طلبة العلم تقول ( من أكثر النظر في كتب الجرح والتعديل فإنه ينبغي له النظر في كتب الزهد والرقائق لئلا يقسو قلبه )
والحق أن هذه الكلمة فيها نظر من وجوه
أولها : أنه لا خصوصية لمن ينظر في كتب الجرح والتعديل في أهمية النظر في كتب الزهد والرقائق التي صنفها السلف ، بل كل طلبة العلم ينصحون بالنظر في كتب الزهد المسندة التي صنفها السلف ، وكتب ابن أبي الدنيا وكتب شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب وغيرهم ممن كان على الجادة ، من أجل الوقوف على هدي السلف في كافة أبواب العلم ، ومن أجل الاستغناء عن الطرق المحدثة في ترقيق القلوب والتي هي تقسية في حقيقة الأمر ، ومن أجل الاستغناء عن أكاذيب القصاص بالأحاديث النبوية والآثار السلفية الثابتة ، وهذا مهم لكافة طلبة العلم لا خصوصية لمن ينظر في كتب الجرح والتعديل في ذلك ، ومن أعظم ما ترقق به القلوب قراءة كتاب الله عز وجل ، والنظر في كتب العقيدة فإن فيها أصل الإيمان فمعرفة أسماء وصفاته تورث من الخشية ما لا تورثه المواعظ الطوال الخالية من ذلك ، وكذلك ما يذكر في كتب المعتقد من الإيمان بالقدر ، وتفصيل الإيمان باليوم الآخر بذكر الصراط والميزان والحوض وقبله عذاب القبر فإن هذه فيها من الموعظة الشيء العظيم ، وهذا موجود في كتب العقيدة الجامعة مثل الشريعة للآجري ، والإبانة لابن بطة ، والسنة للالكائي وغيرها
فإن قيل أن الخصوصية في أن كتب الجرح والتعديل فيها كلامٌ في الناس
فالجواب : أن هذا الكلام واجب شرعي ، ومن فعله بنية صالحة يؤجر على ذلك والعمل الصالح لا يجوز أن يقال عنه أنه يقسي القلب بل هو يزيد الإيمان ، فمن قال أن الكلام الواجب في الناس يقسي القلب لمن قاله أو اطلع عليه بنية الاستفادة منه على الوجه المشروع ، كان كمن قال أن التسبيح والتهليل والتكبير يقسي القلب ولا شك أن هذا كلامٌ خطير
وقد جاء عن عدد من السلف تفضيل الكلام في أهل البدع ( وهو من الجرح ) ، على العبادات غير المتعدية النفع
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 231) :" وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ "
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 24 :" حدثت عن أبي بكر الخلال عن المروزي عن محمد بن سهل البخاري قال كنا عند الفريابي فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل لو حدثتنا كان أعجب إلينا فغضب وقال كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة"
فكيف يفضلون ما يقسي القلب على ما يرقق القلب ؟
فإن قلتَ : أن الكلام في الناس فيه مدخلٌ للرياء
قلت : الرياء يدخل على عامة الأعمال الصالحة ، والمرائي ظاهره صالح أمام الناس وباطنه فاسد ، ولا ينهى عن الفعل المشروع خوفاً من الرياء
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (23/ 174) :" وَمَنْ نَهَى عَنْ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ رِيَاءٌ فَنَهْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا وَبِالْإِخْلَاصِ فِيهَا وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُهَا أَقْرَرْنَاهُ وَإِنْ جَزَمْنَا أَنَّهُ يَفْعَلُهَا رِيَاءً فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا } فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُقِرُّونَهُمْ عَلَى مَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الدِّينِ وَإِنْ كَانُوا مُرَائِينَ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي تَرْكِ إظْهَارِ
الْمَشْرُوعِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِهِ رِيَاءً كَمَا أَنَّ فَسَادَ تَرْكِ إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِيَاءً ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ .
الثَّانِي : لِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا أَنْكَرَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنِّي لَمْ أومر أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَنْ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ؟ } وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَحْبَبْنَاهُ وَوَالَيْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا أَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ سَرِيرَتَهُ صَالِحَةٌ . الثَّالِثُ : أَنَّ تَسْوِيغَ مِثْلِ هَذَا يُفْضِي إلَى أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ يُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ إذَا رَأَوْا مَنْ يُظْهِرُ أَمْرًا مَشْرُوعًا مَسْنُونًا قَالُوا : هَذَا مِرَاءٌ فَيَتْرُكُ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ إظْهَارَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ حَذَرًا مِنْ لَمْزِهِمْ وَذَمِّهِمْ فَيَتَعَطَّلُ الْخَيْرُ وَيَبْقَى لِأَهْلِ الشِّرْكِ شَوْكَةٌ يُظْهِرُونَ الشَّرَّ وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ شَعَائِرِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ يَطْعَنُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ"
ثانيها : أن كتب الجرح والتعديل لا تحتوي على جرح أهل البدع والرواة فقط ! ، بل تحتوي على تعديل أئمة أهل السنة وذكر مناقبهم وأخبارهم وطرف من أخبارهم كما يظهر ذلك لمن نظر في تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، وتهذيب الكمال وفروعه ، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي فهو كتاب جرح وتعديل ، وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها كثير
بل ربما وقفت على الكلمة من نكت القوم ، لا تجدها إلا في كتب الجرح والتعديل
نعم هناك كتب أفردت للضعفاء ككتاب العقيلي وابن عدي وابن حبان ، وهذه لا يوجد من يقرأها هي فقط من دون بقية كتب الجرح والتعديل ، إذ أنها لا تفي بالمقصود لوحدها ، ومع ذلك لا يجوز أن يقال أنها تقسي القلب فهي كتب عظيمة حفظ الله عز وجل بها الدين من وضع الوضاعين وغلط الغالطين وهذا مصداق لقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
والسنة مبينة للقرآن كما في قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )
ومن تمام حفظ القرآن ، حفظ السنة الشارحة للقرآن ، فمن وقف على هذه الجهود العظيمة في الذب عن السنة ، ازداد إيمانه وقوي يقينه
ثالثها : أن العبارة لو عكست لكان لها وجه فيقال ( من نظر في كتب الرقائق ينصح أن ينظر في كتب الجرح والتعديل ليميز الصحيح من السقيم ) ، فإن كثيراً من كتب المواعظ تحتوي على أباطيل ومناكير وإن كان هذا قليل في كتب الزهد المسندة التي صنفها الأئمة المتقدمون ، وكم حديث باطل انتشر بين الناس وتناقله الخطباء والوعاظ بسبب عدم معرفة كثير ممن ينظر في هذه الكتب بأمر الإسناد ، حتى صار الكذب في الحديث شعاراً للقصاص منذ أزمنة السلف
قال ابن الجوزي في كتابه القصاص والمذكرين ص309 :" وَفِي الْقُصَّاصِ مَنْ يَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْضُوعَةِ فَيَرْوِيهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا كَذِبٌ. فَيُؤْذِي بِهَا النَّاسَ. وَرُبَّمَا سَمِعَهَا مِنْ أَفْوَاهِ الْعَوَامِّ فَرَوَاهَا. وَرُبَّمَا سَمِعَ كَلَامَ الْحَسَنِ أَوْ سَرِيِّ السَّقَطِيِّ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. وَقَدْ صَنَّفَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنَّقْلِ كُتُبًا فِيهَا الْمَوْضُوعُ
وَالْمُحَالُ.
فَتَرَى الْقُصَّاصَ يُورِدُونَ مِنْهَا وَيَزِيدُونَ فِيهَا مَا يُوجِبُ تَحْسِينًا لَهَا. وَمِمَّنْ صَنَّفَ لَهُمْ فِي هَذَا، الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الطُّوسِيُّ. فَإِنَّهُمْ أَدْرَجُوا فِي كُتُبِهِمْ أَحَادِيثَ بَاطِلَةً وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا كذب"
والأئمة من أمثال هناد ووكيع وابن المبارك وأحمد وأبي داود وابن الأعرابي والبيهقي ما قصروا لما صنفوا في الزهد فأسندوا الأخبار وسموا رواتها ، فكان ينبغي على من ينظر في كتبهم أن ينظر في أحوال هؤلاء الرواة ، وإذا الناظر في كتب هؤلاء لا ينظر في أحوال الرواة ، بل الخبر الذي على شرط الشيخين والخبر الذي في سنده متروك عنده واحد والأمر متعلق عنده باستحسانه للمتن ، فما فائدة إسناد الأئمة للأخبار !
وهنا أود تبيين أمرٍ مهم ، وهو أن عامة من صنف في الزهد من السلف قد عرف عنه ذلك ، ولم يكن زهده باللسان فقط والله المستعان ، هذا مع أنهم لم يكونوا يكثرون الكلام والتنظير في هذا الباب بل غاية ما عند المرء نقل أخبار السلف في هذا الباب إذا صنف ، وتجد له كلمات في ذلك ينقلها عنه أصحابه ، وأحسن مواعظهم أحوالهم العلية
قال الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين ص80 قال يحيى: ورأيت وكيع بن الجراح أخذ في كتاب الزهد يقرؤه فلما بلغ حديثاً منه ترك الكتاب ثم قام فلم يحدث فلما كان الغد وأخذ فيه بلغ ذلك الحديث قام أيضاً ولم يحدث حتى صنع ذلك ثلاثة أيام.
قلت ليحيى: وأي حديث هو؟ قال: حديث مجاهد قال: أخذ عبد الله بن عمر ببعض جسدي قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: " يا عبد الله بن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ذكر الحديث.
وقال البيهقي في شعب الإيمان 987 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال : سمعت نعيم بن حماد يقول : كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء إلا دفعه
وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/10) :" وقال إسحاق بن هانىء بكرت يوما لأعارض أحمد بالزهد فبسطت له حصيرًا ومخدة فنظر إلى الحصير والمخدة فقال ما هذا قلت: لتجلس عليه فقال ارفعه الزهد لا يحسن إلا بالزهد فرفعته وجلس عَلَى التراب"
وأما اليوم فترى لأحدهم المواعظ ذوات العدد ، ثم هو متكبرٌ على الحق سريع الغضب ذلق اللسان بالسب لأهل السنة مع لين بين مع أهل البدع ، حتى إذا رأيته يتكلم في بعض الأمر ظننه يوبخ نفسه ، نعوذ بالله من الشقاء
وهنا تنبيه آخر : وهو أن بعض الناس يذكر أن فلاناً كان يتكلم في الجرح والتعديل ثم انتكس ! ، يقول هذا مرهباً لمن يتكلم في الجرح والتعديل بحق
والجواب من ثلاثة وجوه
أحدها : أنه ربما كان هذا من سوء طوية الرجل ، وأنه كان عديم الإخلاص فلا يلزم من ذلك ثلب الفعل ، كما أن ورد في السنة والآثار في ذم القراء المنافقين لا يلزم منه ذم حفظ القرآن ، فالذم يلحقهم هم لسوء طويتهم ، ولا يلحق العمل الصالح
ثانيها : أنه لا شك أن لهذا الرجل طاعات أخرى غير الكلام في الجرح والتعديل ، فلو جاء شخص وقال
كنت أعرف شخصاً كان يكفر الرافضة ثم انتكس ، أو كان ينكر التبرج أو هجر جاره لتركه الصلاة ثم انتكس هو وترك الصلاة ، فهل هذا يجعل ذلك الفعل الذي فعله حال استقامته غير مشروع !
ثالثها : أن كثيراً ممن كانوا لا يتكلمون في أهل البدع ضعفوا أيضاً وانتسكوا نسأل الله لنا ولإخواننا الثبات على المنهج السلفي ، فلا خصوصية لمن يتكلم في الجرح والتعديل بهذا
وهذا الصنيع من الإخوة يذكرني بصنيع الجاحظ إذ أنه كتب كتاباً في ذم الكتاب عند الأمراء ، فذكر فيه خبر النصراني الذي أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ! ، وجعل ذلك عيباً في أصل مهنة الكتابة وتعرض الخبيث لمعاوية بن أبي سفيان _ رضي الله عنهما _
ولعلك أخي القاريء أضحكك مسلك الجاحظ هذا ، ولكن ما الفرق بينه وبين ما يتكلم به بعض الإخوة من أن بعض من كان يتكلم في الجرح والتعديل قد انتكس ؟
وليعلم أن الانتكاسة نوعان
النوع الأول : انتكاسة إلى المفسقات من المعاصي الشهوانية
الثاني : انتكاسة إلى البدع والشبهات
ولا شك أن الثانية أشد فشر الأمور محدثاتها ، وليحذر المرء من أن يعير الناس بالأولى وهو واقع في الثانية
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم