بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ (الحادِي عشر) من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على المُبتدِع (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 30 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 23-3-2012 م
التفريغ
PDF - جاهز للطباعة
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
WORD - للتعديل والنسخ واللصق
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
صورة من ملف التفريغ
القراءة المباشرة
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فقد أخرج الإمامُ أحمد، وابنُ ماجة، وصحَّحَه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» وفي غيرِها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنَواتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ».
ما أصدقَ الحديثِ انطباقًا على «أبي الفتن»؛ فهذا «الرُّوَيْبِضَةُ» الذي جِيءَ به ليكونَ حربًا على السُّنة وأهلِها، وظهيرًا للبدعة وأصحابها، لا يُحسنُ ينطق حديثًا يدور على ألسنة العامة وصبيان المكاتب!! فيدعو على نفسه من حيث يريد الدعاء لها!! ويُلقَّبُ مع ذلك -مَينًا وزورًا وكذبًا- بالمُحدِّث والعلامة وغيرِها، وما أكثرَ ألقابَ «الهِرّ»!! وما أقلَّ «الهِرَّ» بنفسه!!
مما يزهِّدني في أرضِ أندلُسٍ
ألقابُ مُعْتَمِدٍ فيها ومُعْتَضِدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها
كالهِرِّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ
ذهب الرجل يدعو: اللهم لا سهلَ إلا ما جعلته سهلاً، وأنتَ تجعل «الحَزَنَ» -إذا شئتَ- سهلاً.
هكذا: «الحَزَنَ» -مُحَرَّكَةً- فلما سمعتُها، قلتُ: سَبْقُ لسانٍ سَرعانَ ما يُصلحه، فإذا به يُكررها مرةً ومرةً!!
فالذي لا يُفرِّقُ بين «الحَزْنِ»، و«الحَزَنِ» .. ويدعو على نفسه بأنْ يجعل اللهُ عليه «الحَزَنَ» سهلاً مُيسَّرًا، يزيده منه!! .. مَن هذا حالُه يستحقُّ أنْ يُناقش أو أنْ يتوقف عنده!!
وأنا -والله- لا أجدُ انطباقًا عليه، ولا أصدقَ وصفًا له من المَثَل العاميّ: [هَبْلِة، وِمَسِّكُوهَا طَبْلِة!!].
فهذا النموذجُ العجيب من البشر في هذيانه وتخريفه وخلطه وخبطه لا يعدو ما قالتِ العامةُ في مثلها هذا.
وإني لأهنِّئُ «أبا الفتن»، وأُهَنِّئ مُستضيفيه، وشيخَهم «أبا طَرْحَة!!»، ومُشاهديه، ومُستمِعِيه .. أُهَنِّئ الجميعَ على فِطام «أبي الفتن»!! فلقد فطمناه -بحول الله- عن رضاع إصبعه!! ونطمعُ أنْ نفطمه عن بدعه وسوء مسلكه.
ومن تمام نُصحه أن أدعوه -مُخلِصًا- للتوجه قبل الذهاب إلى تصوير وَصلته في الحفلة القادمة إلى وزارة «البحث العِلميّ»، وليتوجه إلى إدارة «الاختراعات»؛ ليُسجِّلَ باسمه براءة اختراع «كُوز السَّالَمون!!»؛ حتى لا يُسرق منه.
ومن مساهمة «أبي الفتن» في حل مشكلة «البطالة» في مصر، أنْ يدعوَ «أبا طَرْحَة» وإخوانَه لمشاركته في إنشاء مصنعٍ صغيرٍ لإنتاجِ «كِيزَانٍ مُعَدَّلَةٍ!!» مُعَدَّلَةٍ باستعمال «الإسفنجة!!» بدلَ خِرقة «السِّرْوَالِ القديم!!» يقومُ شباب الخريجين بعرضها بأناقةٍ وإتقانٍ أمام إستديوهات التصوير!!
ونأملُ أنْ يُكتبَ لها القَبول؛ حتى تُعمم في مصر وتمتد إلى الخارج إنتاجًا وتصديرًا؛ ليعلمَ أعداؤنا -أعداء الإسلام- أنّ لدينا عقولاً فَذَّة!! وقدراتٍ واعدةٍ!! وليعودَ ذلك على بلدنا بالعملة الصعبة التي نستغني بها عن المعونات الأجنبية؛ لنمتلكَ قرارنا ونرفعَ رأسنا!!
ولن ينسى لكَ التاريخُ -«أبا الفتن»- ولإخوانكَ جهادكم في محاربة رضع الأصابع!! وستشكركَ و«أبا طَرْحَةَ» وسائرَ الشركاء، وزاراتُ: البيئة، والصحة، والتضامن، والإنتاج الحربيّ!! على معروفكم الذي للإنسانية أسديتم، وجميلكم الذي للبشرية صنعتم.
إنّ «أبا الفتن» رجلٌ منكوس الفطرة!!، معكوس الفهم!! يحسب أنه إن أحسن شيئًا فهو لسائر الأشياء مُحسِن، وهو -مع ذلك- قعيدٌ في الحماقة!! لا يفهم مرامي الكلام، ولا تستبينُ له مقاصده!!
فإذا قلتُ: إني ابتُليتُ بالنظر إلى وجوهكم وسماع أصواتكم، وما ذاكَ إلا بذنبٍ أستغفرُ اللهَ منه، قال -كأنه يترجم عن (اللاتينية) أو (السِّنْسِكِرِيتِيَّة)!!-، يقول -يعنيني-: «إنّ هذه الحلقات ابتلاءٌ بذنبٍ»، ثم ذهب المسكينُ «أبو الفتن» يُوَصِّفُ الذنبَ؛ فوافقني -من حيث يريد النفع- على أن النظر في وجهه ووجه مَن معه نقمةٌ وابتلاءٌ بذنب، وخالفني في توصيف الذنب، فهل رأيتَ حُمْقًا كهذا؟!! يريدُ أنْ ينفي فيُثبت!! وأنْ يدفعَ فيجلب!!
والحقُّ أنْ الحلقات -نفسها- نعمةٌ لا نقمة؛ لأنها أظهرت للناس هذا «المُبتدِع» على حقيقته، وكشفت للخلق المستورَ من أمره؛ فبان تخليطُه، وبدت حماقته، وكان -قَبْلُ- كـ «الهُولَة!!» تُشاع عنها الشائعات وليست شيئًا، وتَبُثُّ هاهنا وهنالكَ الدعايات وهي هَباءٌ بلا عَدَم.
وأما شأني أنا فمختلِفٌ؛ لأنّ النظرَ في وجوه أهل البدع يُقسِّي القلوبَ ويُكثِّر الذنوبَ، فمن هذه البابَة يُعد النظر إلى وجه هذا ومَن معه نقمةً بذنب، كما قالتْ أمُّ «جُرَيْج» وقد قدّم صلاته على إجابتها: «اللهم لا تُمته حتى ينظرَ إلى وجوه المُومِسَات»، فكان من شأنه ما هو معروفٌ، فهذه كتلكَ، وهاأنذا لم أَمُتْ حتى رأيتُ وجوهكم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وأما قولُه: «إنّ أعظمَ ذنبٍ هو الوقوع في الصالحين» إلى آخر رجمه بالغيب، فقد جعل الصالحين -بزعمه- مَن يذهب إليهم فِكرُه، وهم طالحون في حقيقة الأمر!! فعكسه؛ فجعل الطالحين صالحين، والمُبتدعين مُتسنِّنين، وهدَّامِي الدين بنَّائِعين.
وأشدُّ ما يعانيه المُتعامل مع هذا الرَّجل حماقتُه!! ومَثَلُه كمثل عيسى بن صالح، قال محمد بن زيادٍ: «كان عيسى بن صالح يُحَمَّق، وكان له ابنٌ يُقال له: عبدُالله من عقلاء الناس، فتولَّى عيسى جُنْدَ قِنَّسْرِينَ، فاستخلف ابنه على العمل، قال ابنه: فأتاني رسوله في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت مُبكِّر لا يُحضَر فيه إلا لأمر مهم؛ فتوهمتُ أن كتابًا ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يُحتاج فيها إلى حضوري وحضور الناس، فتقدمتُ بالبعثة إلى وجوه القُوَّاد، وركبتُ إلى داره، فلما دخلتها سألتُ الحُجَّابَ: هل ورد كتاب من الخليفة أو حدث أمر؟ فقالوا: لم يكن من هذا شيء، فصرتُ من الدار إلى موضعٍ تخلَّفَ الحُجَّابُ عنه، فسألتُ الخُدَّامَ -أيضًا- فقالوا: مِثْلَ مقالة الحُجَّابُ، فصرتُ إلى الموضع الذي هو فيه، فقال لي: أُدخلْ يا بُني، فدخلتُ فوجدته على فراشه، فقال: علمتَ يا بُني أني سهرتُ الليلة في أمر أنا مُفَكِّرٌ فيه إلى الساعة، قلتُ: أصلحَ الله الأمير، ما هو؟ قال: اشتهيتُ أن يُصَيِّرَنِي اللهُ من الحور العين!! ويجعلَ في الجنة زوجي يوسف النبي، فطال في ذلك فكري، قلتُ: أصلح الله الأمير؛ فاللهُ -عز وجل- قد جعلكَ رجلاً، فأرجو أن يُدخلكَ الجنة، ويُزوجكَ من الحور العين، فإذ قد وقع هذا في فكرك؛ فهلاّ اشتهيتَ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يكون زوجك؟! فإنه أحق بالقرابة والنسب، وهو سيد الأولين والآخرين في أعلى عِليين، فقال: يا بني لا تظن أني لم أفكر في هذا؛ فقد فكرتُ فيه، ولكنْ كرهتُ أن أغيظَ عائشةَ -رضي الله عنها-.
فهذا كهذا حماقةً، وفُسُولَةَ رأيٍّ!!
وأما حماقته وتخليطه عند ذكر القناة الملعونة، فدائمًا يجعل هذا الرجل ما ليس مُعَيَّنًا مُعَيَّنًا!! مع أنّ لَعْنَ المُحْدِثِ المُعَيَّنِ أحد القولين عند أهل العِلم، ومع ذلك فإنه يستظرف فيقول: هذا المايكروفون ملعون، وهذه المنضدة ملعونة، هذه الجدران ملعونة، على طريقته في العجز عن فهم الكلام العربيّ، وتحميله ما لا يحتمل للعُجْمَة الغالبة عليه، والعِيّ المُستحكِم منه.
وفي حديث عليٍّ -رضي الله عنه- الذي أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعنَ الله مَن آوى مُحْدِثًا».
والإحداثُ -في أحد المعنيين-: الابتداعُ في الدين. فالبدعُ إحداثٌ وأيُّ إحداثٍ، والعملُ بالبدع، ونشرُها، وإيواءُ أهلها، وإعانتهم، ونصرتهم، كلُّ ذلك إحداثٌ في دين الله -عز وجل- ومُوجِب لسخط الله على مَن فعله.
ومن ذلك إيواءُ مثل «أبي الفتن»؛ فإيواؤه وتمكينه يزيد القناةَ بدعًا فوق بدعها؛ فهي وَكْرٌ للبدع وملاذٌ لها، ومَن آوى المُحْدِثين استحقَّ هذا الوعيد.
وما لي لا ألعنُ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!!
في «الصحيحين» عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أنه قال: «لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ والمُوسْتَوْشِمَات، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ»، فقالتْ له امرأةٌ في ذلك، فَقَالَ: «وَمَا لِي لا العَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ، قال -تعالى-: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾».
وقد أخرج الطبرانيُّ في «الأوسط» من حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما- بإسنادٍ صحيحٍ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ، العَنُوهُنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ».
هذا كلامُ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفي «الصحيحين» عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- «لعنَ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ».
وأخرج البخاريُّ بسنده عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: «لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ».
وفي روايةٍ: «لعنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
وعند مسلمٍ من رواية عليٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
و«أبو الفتن» من كبار المُحْدِثين المفسدين في الأرض، وإنْ لم يكن مُحْدِثًا، فليس على ظهرها مُحْدِثٌ!! والوعيدُ مُدْرِكٌ كلَّ مَن آواه، وما لي لا ألعنَ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في كتابِ الله -عز وجل؟!!
«لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
«لعنَ»: يُحتمل أن تكونَ خبرية؛ فيُخبر -صلى الله عليه وسلم- بوقوع اللعن على مَن آوى مُحْدِثًا، وهو كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.
ويُحتمل أن تكون إنشائية بلفظ الخبر؛ فتكونُ دعاءً، ودعاؤه -صلى الله عليه وآله وسلم- مسموعٌ مقبولٌ، وإذا كان مَن آوى المُحْدِثَ ملعونًا، فكيف بالإحداث وكيف بالمُحْدِثِ -نفسِه-؟!!
ما أزدادُ -وأهلُ السُّنة- في «أبي الفتن» إلا بصيرة، وكأنه (الشيطانُ) في مِسْلاخ إنسان!! فقد أخرج مسلمٌ في «مقدمة صحيحه» عن عبدالله -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي القَوْمَ، فَيُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيثِ مِنَ الكَذِبِ، فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ».
وروى بسنده عند عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: «إِنَّ فِي البَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا».
وما أشبه «أبا الفتن» أن يكونَ من شياطين سُليمان!! قد خرج من وَثَاقِه كما خرجَ قَبْلُ على إمامه، فاقرءوا عليه آيةَ الكُرسيّ!! وفواتحَ سورة الكهف!!
روى مسلمٌ في «مقدمة الصحيح» بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ».
لقد أبدى الرجلُ جزعَه من قولي: «إنه جِيءَ به لإزالة الحواجز بين السُّنة والبدعة، ولتتماها الحدودُ بين التوحيد والشرك».
أبدى جزعَه من هذا القول، وما هو إلا ذاكَ!! شاءَ أم أبى، وإلا فلماذا لم يُظهِر هو أو غيرُه حُكمَ الشرع في موافقة المشركين في أعيادهم كعيد «اللقطاء وأولاد الزنا»!! في «فرنسا» الذي يحتفلُ به المسلمون؟!!
ويستغلُ مُضيفوه وجوده طاعنًا في السُّنة، مُرَوِّجًا للبدعة للإعلان عن هدايا ذلك العيد!! ترويجًا له ولها، ودلالةً عليه وعليها، ولمّا نبّهته تغافلَ وراحَ يقول في سماجَتِه المعهودة: «هذا إستديو صامت!! وهل فيه إعلانات؟!» إلى غير ذلك من هذيانه .. ينفي عِلمَه .. فقد علمتَ، فما صنعتَ؟! هل أنكرتَ أم وافقتَ؟!
سكوتُه إقرارٌ وإمرار، وتخلصه عَيبٌ وشَنارٌ، فلماذا وقد علمتَ لم تُوضِّح الفرق ما بين التوحيد والشرك، والسُّنة والبدعة؟! وهل تملُّصكَ الصبيانيّ هذا إلا إمرارٌ وإقرارٌ بما وقع؟! ولماذا تغافلتَ أنتَ ومَن معكَ عما وقع فيه كثيرٌ من جماهير المسلمين من تورطٍ في نواقض من نواقض الإسلام العظيم -وهم لا يعلمون-؟!
إنّ منهجكم الأفيح وقواعدكم المُحْدَثة قد أوصلتِ المسلمين إلى ما ترى -إنْ كنتَ ترى- من الوقوع في نواقض الإسلام!!
أوصلتم المسلمين بتخنثكم في الدعوة، وتنازلكم عن العقيدة لأجل السياسة، وهجركم الحصيرةَ في المسجد إلى الكراسيّ الدوارة في الإستديوهات المُكَيَّفة .. أوصلتم المسلمين إلى الوقوع والولوغ في نواقض الإسلام!! يخرج بها من المِلّة مَن يخرج -وهو لا يعلم-!! وهنيئًا لكم ما أنتم فيه، هذه نتيجة دعوتكم الفاشلة!! وتضليلكم السَّافِر للمسلمين.
لمّا هلكَ مُقَدَّمُ النصارى غَرَّ المسلمين شيوخُهم ودعاتُهم؛ فراحوا يتسابقون في التلبيس على المسلمين؛ اتِّبَاعًا للسياسة، وإزراءً بالدين حتى راحَ بعضُهم يُقارِن بين الجنازة، وجنازة الإمام أحمد!!! ويقول: بيننا وبينكم الجنائز!! وهو محسوبٌ على الدعاة أنه منهم.
وفي هيئة كبار -ما أدري ماذا؟!- أو هيئة شورى -ما أدري ماذا؟!-، وآخرُ في زِيِّه الرسميّ يُعلن عن المصيبة التي نزلتْ بالأمّة، ويستلهم اللهَ -تعالى- الصبرَ والسُّلوان!!
ودعاتُكَ -«أبا الفتن»- في هَرْوَلةٍ للعزاء تارة، ولإثبات نصوص التعزية تارة، وفي الحُكم بمشروعيتها تارات!!
لماذا لم تُحذِّروا المسلمين من هذا الناقض من نواقض الإسلام العظيم؟!
أأصواتُ هؤلاء المساكين من المسلمين أهمُّ عندكم من إسلامهم؟! أم أنه أصبح بعد الربيع العربيّ رجعيةً وجمودًا لا يتناسبان مع السياسة والكراسيّ والرئاسة والحِدَاد؟!
أيها الغَشَشَة عاملكم اللهُ بعدله، وهتكَ أستاركم، ما أقبحَ بدعكم، واتِّبَاع أهوائكم!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن صحَّحَ مذهبهم كَفَرَ، ومَن شَكَّ في كُفرهم كَفَرَ، ومَن لم يُكفِّرهم كَفَرَ.
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، وعليه «الإجماع» كما حكى ذلك عِياضٌ في «الشِّفَا»، وغيرُه في غيرِه.
أين هذا من المسلمين الذين يُصحَّحَون دين المشركين، ويتورعون عن تسمية الكُفر باسمه، وعن الكافرين بالكافرين؟!! بل يُثبتون لهم الجنة والرضوان بل والفردوس الأعلى منه!!
أين الغَشَشَة الذين يُضلون الأمّة من بيان هذا الناقض من نواقض الإسلام لهؤلاء المساكين الذين يخرجون من الإسلام وهم لا يعلمون؟!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين؛ لأنه يجب على المسلم أنْ يُكفِّر مَن كفَّره اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم-.
واللهُ -جل وعلا- كفَّر المشركين عَبَدَةَ الأوثان وغيرَهم ممن يعبدُ مع الله غيرَه، وكفَّر مَن لم يُؤمن بالرسل أو بعضهم كما في القرآن والسُّنة النبوية، كفَّر المشركين من اليهود والنصارى والوثنيين.
فيجبُ على المسلم أنْ يعتقدَ بقلبه كُفرَهم عملاً بتكفير الله لهم، وتكفير رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم. قال -تعالى-: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» [المائدة: 17]، وقال -تعالى-: «وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» [المائدة: 64]، وقال -تعالى-: «لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ» [آل عمران: 181]. إلى غير ذلك من المقالات التي حكاها الله عنهم وهم أهلُ كتابٍ، ويكفي في تكفيرهم أنهم كفروا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله للناس كافة، والذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، قال -تعالى-: ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. [الأعراف:157- 158]
فقولُه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» عامٌ في جميع الناس من أهل الكتاب وغيرِهم، ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. [الأعراف: 158]، وقال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. [سبأ: 28].
فمَن لم يُؤمن بعموم رسالة النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو أقرَّ أنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنْ قال: إنّ رسالته خاصةٌ بالعرب دون غيرهم؛ فهو كافرٌ!! فكيف بالذي يكفرُ برسالته أصلاً ولا يُؤمن بها؟!! فهذا أشدُّ كُفرًا.
فالذي يشكُّ في كُفر المشركين عمومًا سواءٌ كانوا من الوثنيين، أو من اليهود والنصارى، أو من المنتسبين إلى الإسلام، وهم يُشركون بالله يجب اعتقاد كُفرهم.
فكلُّ مَن أشركَ بالله وعبد معه غيرَه من الأشجار والأحجار والأصنام والأوثان والقبور والأضرحة فإنه مُشركٌ كافرٌ يجب تكفيرُه حتى ولو كان يدّعي الإسلامَ ويقول: لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ الله؛ لأنّ الشركَ يُبطلُ الشهادتين ويناقضُ الإسلام ويُفسد التوحيدَ.
فيجب على المسلم أن يُكفِّر المشركين الذين يعبدون غيرَ الله سواءٌ كانوا من العرب أو من العَجَم، سواءٌ كانوا من اليهود أو النصارى أو المُتسمِّين بالإسلام.
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة، هذه ليست مما يدخلُ في الاستفتاء عليها!! ليست بداخلة بقواعد نظام قانون الأحزاب!!
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة؛ فمَن لم يُكفِّر المشركين فإنه يكونُ مُرتدًا كافرًا مثله؛ لأنه تساوى عنده الإيمانُ والكُفر: لا يُفرِّق بين هذا وهذا فهذا كافرٌ.
وكذلك مَن شَكَّ في كُفر المشركين .. مَن شَكَّ، وقال: لا أدري هل هم كُفارٌ أو غيرُ كُفار؟! فإنه يكون كافرًا؛ لأنه مُتردِّدٌ في دينه بين الكُفر والإيمان، ولم يُفرِّق بين هذا وهذا.
هذا ناقض من نواقض دين الإسلام العظيم، هل بيّنه القومُ؟!! وهم يرون المسلمين كالفَراش يتهافت على النار؛ لتُحْرِقَه، لتُهْلِكَه، وأمّا هم ففي بُلَهْنِيَاتِهم سادرون، وفي ملذاتهم قائمون قاعدون.
يجب أن يُكفِّر المسلمُ مَن كفَّره اللهُ، ومَن أشركَ بالله -عز وجل- وأن يتبرأ منه، كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومِه، قال: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: 26-27].
وكذلك إذا ما صحَّحَ مذهب الكفار المجرمين، هذه أشد!! إذا صحَّحَ مذهبهم، أو قال: في الذي يعملونه نظرٌ!!، هذا إنما هو اتخاذٌ وسائل وهو مُحْتَمَل!! أو يقول: هؤلاء الكفار جُهَّال وقعوا في هذا عن جهل، ويُدافع عنهم!! فهذا أشدُّ كُفرًا منهم؛ لأنه صحَّحَ الكُفر، أو صحَّحَ الشركَ، أو شكَّ في دين الإسلام العظيم، قال -سبحانه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6].
وأهلُ الكتاب: اليهودُ والنصارى، والمشركون: الذين يعبدون مع اللهِ إلهًا ومعبودًا غيرَه.
قال -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 17].
وقال -سبحانه-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 17].
فمَن لم يُكفِّر الكافرَ الذي اتضح كُفره بالقرآن والسُّنة سواءٌ كان الكافرُ يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مجوسيًا، أو مُشرِكًا، أو مُلْحِدًا، أو غير ذلك من أصناف الكُفر، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن فعلَ شيئًا من ذلك فقد كَفَرَ!!
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام بإجماع لا خلافَ عليه، فماذا صنع القوم؟! هل حذَّروا من هذا؟! هل راعوا إسلامَ المساكين؟! وهم يندفعون كالفراش إلى النار!! هل حذَّروهم؟! هل علَّموهم؟! هل بيّنوا لهم؟!
لا .. خدعوهم!! وغَرَّرُوا بهم!! فاللهُ حَسِيبُهم.
ذلك كله؛ لأنّ الله قد كفَّرهم، فمَن لم يُكفِّرهم فقد ضادَّ الله ورسولَه، ويُعدُّ مُكذِّبًا غيرَ مُصَدِّق لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا مَن شَكَّ في كُفرهم يُعدُّ غيرَ مُصَدِّقٍ لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- الدالِ على كُفرهم.
أمّا مَن صحَّحَ مذهبهم، فزيادةً على كونه تكذيبًا لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو أيضًا استحلالٌ لما حرَّم الله؛ لأنّ اللهَ أبطلها وحرَّمها، وهذا يُصحَّحَه!! فيكون معترِضًا على الله حين كفَّرهم.
هذا الناقضُ أجمعَ عليه العلماء، ونقل الإجماعَ القاضي عِياض -رحمه الله- في «الشِّفَا»، فقال: « وقامَ الإجماعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى، وَكُلَّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الإسلامِ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ شَكَّ». اهـ
كان الأولى بـ «أبي الفتن» وهو يتقمم .. يبتر النصوصَ ويسلخها!! ويُنزِّلها على غير منازلها!! ويخونُ الأمّة!! أنْ يأتي بهذا الإجماع .. أم هو إجماعٌ مُعَلَّل؟!!
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: «ومَن لم يُقر بأن بعد مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- لن يكون مسلمٌ إلا مَن آمن به واتبعه باطنًا وظاهرًا فليس بمسلمٍ، ومَن لم يُحَرِّم التدين بعد مبعثه -صلى الله عليه وسلم- بدين اليهود والنصارى، بل مَن لم يُكفِّرهم ويُبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين». اهـ
هذا كلامُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يتَّكئ على نصوصه الرَّجل .. أما كان الأحرى بكَ في هذه المُلِمَّة التي يخرج فيها كثيرٌ من جماهير المسلمين من رِبْقَة الإسلام لتورطهم في ناقضٍ من نواقضه -وهم لا يعلمون- أما كان الأولى بكَ أنْ تُذيعَ هذا النص؟!! بَدَلَ تلك الخرافات والهُراءات والدفاع عن المبتدعة، فاللهُ -عز وجل- يُعاملكَ بعدله.
لابد من البراءة من كل دينٍ غير دين الإسلام، وإنكاره، ونفيه، وبُغْضِه، ومعاداته، ومعاداة أهله، وهذا النفي هو معنى الكُفر بالطاغوت في قوله -تعالى-: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256].
والطاغوتُ: كلُّ ما جاوز به العبدُ حَدَّهُ من معبودٍ أو مَتبوعٍ أو مُطاعٍ.
الإثبات بصرف العبادة كلها لله -تعالى- وحده، وعدم صرف شيءٍ منها لغير الله، فهذا معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنّ معناها: لا معبودَ بحقٍ إلا الله.
وحديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلمٌ: «مَن قال: لا إلهَ إلا الله، وكفرَ بما يُعبدُ من دون الله، حَرُمَ مالُه ودمُه وحسابُه على الله».
وهذا من أعظم ما يُبيِّن معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنه لم يجعلِ التلفظَ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفةَ معناها مع لفظها، بل ولا الإقرارَ بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله -وحده- لا شريكَ له، بل لا يحرم مالُه ودمُه حتى يُضيفَ إلى ذلك الكُفر بما يُعبد من دون الله، فإنْ شكَّ أو توقفَ لم يَحْرُم مالُه ودمُه.
فيا لها من مسألةٍ، ما أعظمها وأجلَّها!! ويا له من بيانٍ، ما أوضحه!! وحُجَّةٍ ما أقطعها للمُنازِع .. وهذا من كلام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمةُ الله عليه- في كتاب «التوحيد».
قال الشيخُ ابن عثيمين -رحمه الله- في «القول المفيد»: «فمَن رضي دين النصارى دينًا يدينون الله به; فهو كافر؛ لأنه ساوَى غيرَ دين الإسلام بالإسلام; فقد كذّب قولَ الله -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه﴾. وبهذا يكون كافرًا.
وبهذا نعرف الخطر العظيم الذي أصاب المسلمين اليوم باختلاطهم مع النصارى، والنصارى يدعون إلى دينهم صباحًا ومساءً، والمسلمون لا يتحركون، بل بعضُ المسلمين الذين ما عرفوا الإسلام حقيقةً يَلِينُون لهؤلاء،: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾، وهذا من المحنة التي أصابت المسلمين الآن، وآلت بهم إلى هذا الذل الذي صاروا فيه». انتهى كلامُه.
من أشد ما يكون أن يُصحَّحَ المسلمُ مذهبَ المشركين ودينَهم .. مَن صحَّحَ مذهبَ المشركين -وما أكثرَ مَن يُصحَّحَ مذهبهم!! ويُدافعُ عنهم!!- خصوصًا اليهود والنصارى، فالدعوةُ قائمة إلى الوَحدة بين الأديان -كما يزعمون- بين الإسلام واليهودية والنصرانية، ويقولون: كلُّها أديانٌ صحيحة!! وكلُّهم مؤمنون بالله فلا نُكفِّرهم!! .. هذا أشدُّ كُفرًا من الذي شكَّ في كُفرهم؛ لأنه صحَّحَ مذهبهم، وقال: إنهم يُؤمنون بالله ويتَّبعون الأنبياء: اليهود يتَّبعون موسى، والنصارى يتَّبعون عيسى.
فيُقال لهم: لم يتَّبعوا لا موسى، ولا عيسى، ولو كانوا يتَّبعونهما لآمنوا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لأنّ موسى وعيسى -عليهما السلام- بشَّرا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهو موجودٌ في التوراة والإنجيل: في التوراة التي أُنزلتْ على موسى موجودٌ فيها ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾. [الأعراف: 157].
الإنجيل الذي نُزِّلَ على عيسى فيه ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، بل صرَّح عيسى -نفسه- عليه السلام- بذلك: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾. [الصف: 6].
مَن الذي جاء بعد عيسى -عليه السلام-؟!
هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وله أسماءٌ كثيرةٌ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. [البقرة: 146].
فمَن صحَّحَ شيئًا من ذلك خرج من رِبْقَةِ الإسلام!! أين هذا من الأمّة في هذه المحنة التي تمرُّ بها .. تَتَقَلْقَلُ فيها قواعد توحيدها -والقومُ مشغولون-؟!!
على المسلم أن يعتقد كُفرَ الكفّار أيًّا كانوا، وكلُّ مَن أشرك بالله ودعا غيرَ الله بأي نوعٌ من أنواع الشرك الأكبر؛ فيجب تكفيره بالحُكم عليه بالكُفر، ولا يجوزُ الشكُّ في كُفره، ولا يجوزُ تصحيح ما هو عليه من الكُفر؛ فيُقال: هذا صاحبُ دين!! هذا أحسنُ من الوثنيين!! لماذا؟! لأنّ الكُفرَ مِلَّةٌ واحدةٌ.
ونبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول -كما في «صحيح مسلم»-: «والذي نفسي بيده لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمّة -يعني: أمّةَ الدعوة- يهوديُّ ولا نصرانيُّ، ثم لم يُؤمن بالذي جئتُ به إلا دخلَ النارَ».
ينبني على تكفير الكفّار أحكامٌ كثيرةٌ، منها: أنه يجبُ بُغضهم، ومعاداتهم، وعدمُ موالاتهم، حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلى المسلم، وعلى هذا تظاهرتِ النصوص في الكتاب والسُّنة.
وبما يترتب على تكفير المُشرِك أنه إذا ماتَ المُشرِك والكافر؛ فإنّ المُسلمَ لا يتولّى جنازته إلا إذا لم يُوجد مَن يدفنه من الكُفّار؛ فإنه يُوارَى بالتراب، ولا يُدفنُ في مقابر المسلمين.
فالمسلمون لا يتولَّون جنازةَ الكافرِ: لا يُغسلونها، ولا يُكَفِّنُونَها، ولا يحملونها، ولا يُشيِّعونها، ولا يحضرون دفنها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
فالمسلمُ لا يُشيِّع جنازة الكافر، ولا يُجهِّزها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
أين هذه الأحكامُ من أولئك القوم الذين يَغشُّون الأمّة، ويرون الناس يتورطون في نواقض الإسلام العظيمة التي يخرجون بها منه، وهم لا يُبالون ..
شغلتهم السياسة والكراسيّ!! وما هم فيه من بُلَهْنِيَةِ العَيش مما امتصوه من دماء المسلمين بزعم «الدعوة»!! حتى صارَ المسلمون إلى هذه الهُوّة الهابطة، وصرتَ ترى الناسَ لا يحكمون على الكافرَ، ويجادلون!! مَن أتى بنصوص الكتاب والسُّنة للحُكم عليه بما هو أهلُه .. يُصحَّحَون مذهبَ الكافرين المشركين، ويشهدون لهم بأنهم على دينٍ وصراطٍ مستقيمٍ، وأنهم في الجنة من أهل الخلود!!
إلى اللهِ المُشتَكى، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله -رب العالمين-، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
فـ «أبو الفتن» المشئوم!! يقول: «الساحةُ تحتاجُ إلى جهادٍ طويلٍ وإلى جُهدٍ مُضْنٍ في توضيح مسائل الدين؛ لرد الهجمات الشرسة على الإسلام في هذه الفترة».
أفليس التحذير من اقتحام نواقض الإسلام مما يحتاجُ إلى بيانٍ يا مشئوم؟!!
أفهذا خيرٌ أم كَذِبُكَ بادعائكَ أنّ المسيرة المباركة -كذا- للحلقات الفاشلة التي ضيّعت فيها أوقات الناس في هذيانكَ وخلطكَ وخبطكَ، أنها لم تتعرض لفلانٍ ولا لفلانٍ ولا لقول فلانٍ -وهكذا الكذبُ وإلا فلا؟!!
حَمْلُ المُجْمَلِ على المُفَصَّل من ابتداع «عبدالله عَزَّام»، وقد سطوتَ عليه؛ لتنسبَ الخَنا إلى نفسكَ!! ورحتَ تتناقضُ فيه: تنعي على مَن يضع ضوابطكَ أنْ يكون مَن يُردُّ مُجْمَلُه على مُفَصَّلِه من كبار العلماء، أو الأئمة المشهورين، أو أصحاب الجهاد المحمود في نشر العِلم وتعليمه، تنعى عليه وتسخرُ منه! ثم تُقيِّد أنتَ -بهواكَ-: تقول -في سب الأنبياء-: «ليس فيها حَمْلُ مُجْمَلٍ على مُفَصَّلٍ»، وفي سب الصحابة، وفي تكفير المسلمين، وتصف هذا بأنه رِدَّةٌ، وكُفرٌ، وفسوقٌ، وكبيرةٌ .. وتتخلّف عند التطبيق!!
كلامُ «سيِّدٍ» في «وَحدة الوجود» في تفسير قوله -تعالى-: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، وكذلك في تفسير سورة «الإخلاص» صريحٌ في القول بوحدة الوجود!!
ونردُّ كلامَه المُجْمَل في الموضعين مع أنه بَيِّنٌ مُفَصَّلٌ!! نرده إلى مُبَيَّنِه -تنزُّلاً مع الخَصم- في «ديوانه» في قصيدة «إلى الشاطئ المجهول»، وفي مقدِّمة «ديوانه» تعليقًا عليها وعلى أختٍ لها، وفي دفاعه وتقريره لعقيدة «النِّرْفانا» إلى مواضعَ في كتابه.
وقد جزمَ الشيخُ الألبانيّ، والشيخُ ابن عثيمين بأنّ كلامَه يُفيد القولَ بوَحدة الوجود -لا يُوهِم!!- كما نقله «أبو الفتن» عن الشيخ ابن بازٍ وتصريحه بأنّ كلامه مُوهِم، إنما كان تعليقًا على نصٍّ لا يدل على حقيقة الحال.
قال الشيخُ الألبانيّ: ينقلُ كلامَ الصوفية، لا يُمكن أن يُفهم منه إلا أنه يقول بوَحدة الوجود!!
هذا كلامُه.
وقال الشيخُ ابن عثيمين: وقد قال قولاً عظيمًا، مخالفًا لما عليه أهلُ السُّنة والجماعة، حيث إنّ تفسيره لها يدل على أنه يقول بوَحدة الوجود!!
نقول له: لماذا اجتزأتَ -خيانةً- بعضَ كلام حاشية صفحة (أربعين) من كتاب «براءة علماء الأمّة»، وكلام الألبانيّ وكلام ابن عثيمين وراء كلام الشيخ ابن باز الذي أتى به مجتزِئًا وقد سُئل عن شيءٍ غير بيِّن؛ فقال: مُوهِم .. وهكذا يكون أهلُ العِلم في إنصافهم!!
لكنّ هذا لم يلتفت إلى ما قاله الشيخُ الألبانيّ، ولا ما قاله الشيخ ابن عثيمين، واجتزأ بقول الشيخ ابن باز؛ خيانةً للأمّة!! كما يفعل دائمًا: إذا كان النصُّ يسنده يأتي به، وإذا كان لا يسنده يُلقي به إلى حيث ألقت رَحْلَها «أمُّ قَشْعَمِ»!!
أليس صنيعكَ هذا بترًا، وخيانةً علمية؟!!
علّق على كلام شيخ الإسلام لأمراء الجهمية وقضاتهم .. قال شيخ الإسلام: «ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنُّفاة -لا تنسَ هذا الوصف- الذين نفوا أن الله -تعالى- فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنتُ كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كُفر وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جُهال, وكان هذا خطابًا لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ». انتهى كلام شيخ الإسلام.
علّق عليه «أبو الفتن» بقوله: الجهمية لا يُكفِّرهم شيخُ الإسلام، عندهم شبهة، ولم يُبدِّعهم!! -يعني: كان (بِيدَلَّعْهُم!!) عندما يقول: إنهم جهمية، حُلولية، نُفاة؟!!
هذا الوصفُ يكون لماذا؟!! لبدعة أم لسنَّة؟!
يقول: ولم يُبدِّعهم .. اللهُ حَسيبُه!
هذا الوصفُ لا يفيد معنًا عند «المشئوم» «أبي الفتن»!!، وهو يدَّعي أن المتأوِّل لا يُعدُّ مبتدعًا!!
لو لم يكن من الدلالة على سوء فهمه وقلة عقله إلا هذا، لكفى!! وهل يكون المبتدعُ إلا متأوِّلاً؟!!
إنّ المبتدع الذي يأتي بما يأتي به يتقرب به إلى الله -عز وجل- يُضاهي به الشريعة يفعل ذلك بنوع شبهة: بتأوُّل؛ لأنه لو لم يكن متأوِّلاً، لكان معانِدًا؛ فإذا أثبت في الدين ما ليس منه، فلهو حكمٌ آخر هو أكبرُ من وصف المبتدع.
هذا الرجل لا يدري ما يخرجُ من عقله!! هذه بَلِيَّةُ ابتلى اللهُ -رب العالمين- بها أهلَ مَصر!! ومِصر .. بالفتح والكسر؛ ليبتليهم الله -تبارك وتعالى- في عقولهم، أيطيعون ويسمعون هذا الزَّيف والخَنَا والسفاهة، ويتِّبعون هذه الفُسولة في الرأي، أم يَثْبُت أنهم أصحابُ العقل -حقًا- وأصحابُ النُّهَى -صِدقًا-؟!
هل يكون المبتدع مبتدعًا إلا بتأويل؟!! إنّ المبتدع يتقرب ببدعته إلى الله بنوع شبهة -لا بمعاندة- لأنّ اختراعه في الدين لو لم يكن بنوع شبهة وكان بمعاندة للشرع لكان له حُكمٌ آخر .. فأينَ يُذهب بهذا الضال المبتدِّع؟!!
وتأمّل -يا رعاكَ اللهُ- في الخلط الذي يُزِّيف به الأمور على المسلمين، ويعرف أنّ أهل السُّنة كوصف يُطلق بالمعنى العام؛ فيدخلُ فيه أهلُ القِبلة سوى الروافض .. هذا معروفٌ! معروفٌ من قديم، وهو في كلام علمائنا.
أهل السُّنة بالمعنى الأعم، هم: أهلُ القِبلة سوى الروافض؛ فهذا تقسيمٌ ثنائيٌّ عام، فيدخلُ فيهم القَدَرِيَّة، والمرجئة، والخوارج، والأشاعرة، والمعتزلة، وغيرُهم من الجماعات والأحزاب والفِرق الحديثة.
كلُّ هؤلاء -بالمعنى الأعم- من أهل القِبلة؛ لأنّ العلماء لم يُكفِّروهم وهم ليسوا من الروافض؛ فإذًا هم من أهل القِبلة، فهم من أهل السُّنة بالمعنى الأعم؛ إذ لم يكونوا من الروافض.
هذا متَّفقٌ عليه بين أهل العِلم سلفًا وخلفًا، وعليه فهم السوادُ الأعظم، بالمعنى الأعم؛ ففيهم: القَدَرِيَّة، وفيهم المرجئة، وفيهم المعتزلة، وفيهم الأشاعرة، وفيهم الأحزابُ والفِرق المعاصرة، هم السوادُ الأعظم الذي يُباهِي به المسكين!!
ويقول -مُعَيِّرًا أهلَ السُّنة-: هل أنتم السوادُ الأعظم؟! العوامُ هم السوادُ الأعظم!!، وهم مع مَن تُبدِّعونهم؛ فليذهبوا -جمعيًا- إلى حيث ألقت .. لا يضيرنا في شيء!!
تُعَيِّرنا أنّا قليلٌ عَدِيدُنا
فقلتُ لها: إنّ الكرامَ قليلٌ.
وأهلُ السُّنة الخُلَّص قليل، بل أقلُّ من القليل.
أهلُ السُّنة بالمعنى العام المقابل للروافض لا يتوجه إليهم المدحُ الذي يخص أهلَ السُّنة بالمعنى الأخص.
كلامُ شيخ الإسلام الذي يُسيء هذا الرجل فهمَه، ويُظهر للناس شيخ الإسلام في غير ما عرفته الأمّة، ويعيد صياغته، وصياغة نصوصه، بفهمه السقيم .. كلامُ شيخ الإسلام يتوجه تارةً إلى المعنى الأعم، وتارةً إلى المعنى الأخص، ووضعُ هذا في موضع هذا خيانةٌ عِلمية!! وتضليلٌ للمسلمين!! وتحريفٌ للكَلِم عن مواضعه!!
وهذا كالخيانة التي يرتكبها في سلخ الكلمات والعبارات من سياقاتها، والنفخِ فيها على معانٍ لا تحتملها .. ليظهرَ الله غباءه!! وسخافته للناس!! كما فعل بكلام الشافعيّ الذي غمزَ -لأجل نقد كلامه- عليًّا -رضي الله عنه-!! كما هي عادته في اتخاذ الصحابة غرضًا بحُجة التربية -كما يدَّعي!!-.
قال: نقول للعاصي الذي أسرف على نفسه: لا عليكَ، لقد كان في الصحابة مَن زنا، وأُقيمَ عليه الحد، ومنهم مَن زنا وسترَ الله عليه، ومنهم مَن شَرِبَ الخمرَ .. إلى آخر بذاءاته، واللهُ حَسِيبُه.
أهكذا يُعامَل الصحابة؟!!! تتخذهم غرضًا!! ولا يكون هذا إلا لمرضٍ في القلب!!
أَوَلا نبيِّن للذي يهم بأن يقنطَ من رحمة الله سعةَ المغفرة إلا بأن نقول: في الصحابة مَن زنا وستره الله، ومَن شَرِبَ الخمر، ومَن زنا وأُقيمَ عليه الحد؟!! إلى آخر بذاءاته؟!!
لقد كان ذكرَ أنه لو حُلِّف بين الركن والمقام على أنّ مَن كان يخالفه لا يريد انتقاصًا ولا إزراءً لحلف، ثم عاد ليقول -كالعائد في هِبَتِه، والعائدُ في هِبَتِه كالكلب يَقِيء ثم يعود في قَيْئه-: ما تقولون في العصفور؟! -ما العصفورُ؟! أنا لم أرَ على جانبي رأسه عصافير!!- وما تقولون في كذا، وإنّا لمنتظرون؟!
ما هذا؟! «عَبِيطٌ!!».
انظر في خيانته!! عندما يأتي بذكر كلامٍ للشيخ الفوزان في معرض سؤالٍ عن تعلّم العربية من حزبية تعلِّم أعجمية، فاستطرد وذكر كلامًا يتعلق بالإخوان المسلمين ..
تأمل في كلام الشيخ الفوزان هذا، -الذي قاله مُجْمَل وهذا مُفَصَّل، سنحمل المُجْمَل على هذا المُفَصَّل- السؤال: ما وجه صحة نسبة الجماعات الموجودة اليوم إلى الإسلام أو وصفهم بالإسلامية، وصحة إطلاق لفظ الجماعات عليهم، وإنما جماعة المسلمين واحدة كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه-؟
الجواب: الجماعاتُ فِرق تُوجد في كل زمان، هذا ليس بغريب، قال -صلى الله عليه وسلم-: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فِرقة، كلُّها في النار إلا واحدة».
فوجود الجماعات ووجود الفِرق أمرٌ معروف، وأخبرنا عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «ومَن يعش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا».
ولكنّ الجماعةَ التي يجب السيرُ معها، والاقتداءُ والانضمامُ إليها، هم أهلُ السُّنة والجماعة؛ لأنها الفِرقة الناجية؛ لأنّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- لمّا بيّن هذه الفِرق، قال: «كلُّها في النارِ إلا واحدةً». قالوا: مَن هي؟ قال: «ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
هذا هو الضابط؛ فالجماعات إنما يجب الاعتبارُ بمَن كان منها على ما عليه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه من السلف الصالح.
ثم ذكرَ آية التوبة في شأن الصحابة ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾، ثم قال: هؤلاء هم الجماعة، جماعةٌ واحدة، ليس فيها تعدد، ولا انقسام من أول الأمّة إلى آخرها، هم جماعةٌ واحدة، هذه هي الجماعةُ الممتدة من وقت الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى قيام الساعة، وهم أهل السُّنة والجماعة.
وأمّا ما خالفهم من الجماعات؛ فإنها لا اعتبارَ بها، وإنْ تسمّت بالإسلامية!! وإنْ تسمّت جماعة الدعوة أو غيرَ ذلك؛ فكلُّ ما خالف الجماعة المتفرِّقة التي لا يجوز لنا أن ننتمي إليها أو أن ننتسب إليها؛ فليس عندنا انتماءٌ إلا لأهل السُّنة والتوحيد.
ثم قال -بعد أن ذكر حديث العِرباض بن سارية-: هؤلاء هم الجماعة المعتبرَة، وما عداها من الجماعات فلا اعتبارَ بها، بل هي جماعاتٌ مخالفة وتختلف في بعدها عن الحق وقربها منه، ولكنْ كلها تحت الوعيد، كلها في النار إلا واحدة، نسألُ اللهَ العافية.
سمعتَ؛ لتعلمَ كَذِبَه!! لتعلمَ فُجورَه!! لتعلمَ تدليسَه وغِشَّه!! وتناقضَه حتى في قواعده!!
سُئل الشيخُ الفوزان: هل هذه الجماعات تدخل في الاثنين وسبعين فِرقة الهالكة؟!
قال: نعم!! كلُّ مَن خالف أهلَّ السُّنة والجماعة ممن ينتسبون إلى الإسلام في الدعوة أو في العقيدة أو في شيء من أصول الإيمان؛ فإنه يدخل في الاثنتين وسبعين فِرقة ويشمله الوعيد، ويكون له من الذنب والعقوبة بقدر مخالفته.
سُئل -وأنقل لكَ كلامَه، وكلامُ غيره من أهل العلم الكبار المستفيض، ولكنْ لتعلمَ غِشَّ الرجل!!، كيف يُدَلِّس على أهل العلم- الشيخُ الفوزان -أحسنَ اللهُ إليه- حديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في افتراق الأمم، قولُه: «ستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرقة إلا واحدة»، فهل جماعةُ التبليغ -على ما عندهم من شركياتٍ وبدعٍ-، وجماعة الإخوان المسلمين -على ما عندهم من تحزِّبٍ وشق العصا على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة- هل هاتين الفِرقتين -كذا، هذا صيغةُ السؤال بما فيه من اللحْن- تدخلُ؟
الجوابُ: تدخلُ في الثنتين والسبعين.
نأتي له بكلام مَن؟! ونُحيله إلى مَن؟! نسألُ اللهَ -رب العالمين- أن يُنجِّي المسلمين من شره وشرِّ أمثاله.
الشيخُ الألبانيّ جاء بكلامٍ مُجْمَلٍ -كما يقول- من كلامه، وله كلامٌ مُفَصَّل لم يلتفتْ إليه -على قاعدته!!-، يقولُ الشيخُ الألبانيُّ -رحمه الله-: الإخوانُ المسلمون ينطلقون من هذه القاعدة التي وضعها رئيسهم الأوَّل -أقصدُ «حسن البنا»- على إطلاقها، ولذلك لا تجد فيهم التناصح المُستقى من نصوص كتاب الله وسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وذكر سورةَ العصر.
ثم ذكر، قال: الحقُّ -كما تعلمُ- ضدُّ الباطل، والباطلُ أصوليٌّ وفروعيّ، وكلُّ ما خالف الصوابَ فهو باطل، هذه العبارة هي سبب بقاء الإخوان المسلمين نحو سبعين سنة -عمليًا- بعيدين عن السُّنة!!
لماذا لم يأتِ بهذا؟!! لماذا لم يأتِ بفتوى اللجنة الدائمة؟!! برئاسة الشيخ ابن باز، وعضوية الشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله بن غُدَيَّان، والشيخ عبدالله بن قَعُود، وهم يُسألون: هل يجوزُ التحزب كحزب «التحرير»، وحزب «الإخوان المسلمين»؟
الجوابُ: لا يجوز أن يتفرقَ المسلمون في دينهم شِيَعًا وأحزابًا، إلى غير ذلك من تأصيلهم -رحمة الله عليهم-.
وأمّا الشيخُ ابن باز -رحمه الله تعالى- فمعلومٌ أنه يقول: هم من الفِرق النارية. ولا يلزم من ذلك أن يكونوا كفّارًا، ولكنْ كلُّ مَن خالف ما عليه الفِرقة الناجية؛ فهو من الفِرق النارية -كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك فتاوى الشيخ الألبانيّ -رحمه الله تعالى-.
ماذا نقول؟!!
نقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ونسألُ اللهَ -تبارك وتعالى- أن يُهَيِّئ للأمّة أمرَ رُشْدٍ: يُعَزُّ فيه أهلُ السُّنة، ويُذَلُّ فيه أهلُ البدعة، إنه على كل شيءٍ قديرٍ.
ولا يعلمُ إلا الله -عز وجل- مَن يطلب التشفي والانتقام؟!، ومَن يبتغي نصرةَ الدين؟! وقد قال الإمامُ الشاطبيُّ -رحمه الله-: «حينَ تَكُونُ الفِرْقَةُ تَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهَا وَتُزَيِّنُهَا فِي قُلُوبِ العَوَامِّ وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى المُسْلِمِينَ كَضَرَرِ إِبْلِيسَ، وَهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ - [ كما بيّنتُ لكَ في النقل من «مقدمة صحيح مسلمٍ» عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بل عنه -صلى الله عليه وسلم- ] - فَلَابُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلَالَةِ، وَنِسْبَتِهِمْ إِلَى الفِرَقِ إِذَا قَامَتْ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْهُمْ.
فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَابُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَالتَّشْرِيدِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَا يَعُودُ عَلَى المُسْلِمِينَ مِنْ ضَرَرِهِمْ إِذَا تُرِكُوا، أَعْظَمُ مِنَ الضَّرَرِ الحَاصِلِ بِذِكْرِهِمْ وَالتَّنْفِيرِ منهم، إِذَا كَانَ سَبَبُ تَرْكِ التَّعْيِينِ الخَوْفَ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالعَدَوَاةِ، بل الضررُ الحاصلُ أكبرُ من ذلك، فلا يُتركَ لهذا بحالٍ أبدًا». اهـ
ويبقى أمرٌ يسير لم أتكلم عنه، تلك القاعدة، وهي قاعدةٌ ابتدعها من قبل جمال الدين الأفغانيّ، ومحمد عبده، وتلقَّفها محمد رشيد رضا، فسمّاها بقاعدة «المنار الذهبية»: «يُعينُ بعضنا بعضًا فيما اتفقنا فيه، ويعذرُ بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»!!.
بابٌ واسعٌ، لاحِبٌ، لإمرار البدع كلِّها!! وإذا كلّمته، وقلتَ له: قد أعدّتَ الصياغةَ بطريقةٍ فاشلةٍ!! «نُصحَّحَ، ولا نَهْدِمُ!!» مع أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكره هو قَبْلُ يهدمُ على رأسه قاعدته!!
قال النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي هريرة عن الشيطان: «صَدَقَكَ وهو كَذُوب»، فهدمَه، وصحَّحَ مقالته .. اعتمدها: صَدَقَكَ، وهو كَذُوب!!
يقول: لا تهدموا الأشخاص.
نقول له: لا تهدمِ الشيطان!! هنيئًا لكَ قد سامحناكَ فيه!!
أيها الأحِبَّةُ من أهل السُّنة الزموا الجادة، ولا يغرّنّكم التهويشَ!! فالأمرُ يحتاجُ وقتًا يعكفُ فيه طلاّب العِلم على النصوص التي يتقممها الرجل من هاهنا وهاهنا؛ ليضعها في غير موضعها!! سالِخًا لها من سياقاتها!! غيرَ فاهمٍ لها!! جملةً وتفصيلاً؛ ليستبينَ للناس أمرُ هذا الغَشَّاش!! الذي أتى ليغشَّ الأمّة واللهُ حَسِيبُه.
نسألُ اللهَ -رب العالمين- أنْ يُنَجِّيَ الأمّة من شره ومن شر أمثاله، وأنْ يكبتهم، وأنْ يُخزيهم، وأنْ يجعلَ كيدَهم في نحورهم، وأنْ يُنَجِّيَ أهلَ السُّنة من شرورهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
5 من جماد الأول 1433هـ، الموافق 28/3/2012م.
وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا ==== فجلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ (الحادِي عشر) من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على المُبتدِع (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 30 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 23-3-2012 م
التفريغ
PDF - جاهز للطباعة
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
WORD - للتعديل والنسخ واللصق
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
صورة من ملف التفريغ
القراءة المباشرة
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فقد أخرج الإمامُ أحمد، وابنُ ماجة، وصحَّحَه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» وفي غيرِها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنَواتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ».
ما أصدقَ الحديثِ انطباقًا على «أبي الفتن»؛ فهذا «الرُّوَيْبِضَةُ» الذي جِيءَ به ليكونَ حربًا على السُّنة وأهلِها، وظهيرًا للبدعة وأصحابها، لا يُحسنُ ينطق حديثًا يدور على ألسنة العامة وصبيان المكاتب!! فيدعو على نفسه من حيث يريد الدعاء لها!! ويُلقَّبُ مع ذلك -مَينًا وزورًا وكذبًا- بالمُحدِّث والعلامة وغيرِها، وما أكثرَ ألقابَ «الهِرّ»!! وما أقلَّ «الهِرَّ» بنفسه!!
مما يزهِّدني في أرضِ أندلُسٍ
ألقابُ مُعْتَمِدٍ فيها ومُعْتَضِدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها
كالهِرِّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ
ذهب الرجل يدعو: اللهم لا سهلَ إلا ما جعلته سهلاً، وأنتَ تجعل «الحَزَنَ» -إذا شئتَ- سهلاً.
هكذا: «الحَزَنَ» -مُحَرَّكَةً- فلما سمعتُها، قلتُ: سَبْقُ لسانٍ سَرعانَ ما يُصلحه، فإذا به يُكررها مرةً ومرةً!!
فالذي لا يُفرِّقُ بين «الحَزْنِ»، و«الحَزَنِ» .. ويدعو على نفسه بأنْ يجعل اللهُ عليه «الحَزَنَ» سهلاً مُيسَّرًا، يزيده منه!! .. مَن هذا حالُه يستحقُّ أنْ يُناقش أو أنْ يتوقف عنده!!
وأنا -والله- لا أجدُ انطباقًا عليه، ولا أصدقَ وصفًا له من المَثَل العاميّ: [هَبْلِة، وِمَسِّكُوهَا طَبْلِة!!].
فهذا النموذجُ العجيب من البشر في هذيانه وتخريفه وخلطه وخبطه لا يعدو ما قالتِ العامةُ في مثلها هذا.
وإني لأهنِّئُ «أبا الفتن»، وأُهَنِّئ مُستضيفيه، وشيخَهم «أبا طَرْحَة!!»، ومُشاهديه، ومُستمِعِيه .. أُهَنِّئ الجميعَ على فِطام «أبي الفتن»!! فلقد فطمناه -بحول الله- عن رضاع إصبعه!! ونطمعُ أنْ نفطمه عن بدعه وسوء مسلكه.
ومن تمام نُصحه أن أدعوه -مُخلِصًا- للتوجه قبل الذهاب إلى تصوير وَصلته في الحفلة القادمة إلى وزارة «البحث العِلميّ»، وليتوجه إلى إدارة «الاختراعات»؛ ليُسجِّلَ باسمه براءة اختراع «كُوز السَّالَمون!!»؛ حتى لا يُسرق منه.
ومن مساهمة «أبي الفتن» في حل مشكلة «البطالة» في مصر، أنْ يدعوَ «أبا طَرْحَة» وإخوانَه لمشاركته في إنشاء مصنعٍ صغيرٍ لإنتاجِ «كِيزَانٍ مُعَدَّلَةٍ!!» مُعَدَّلَةٍ باستعمال «الإسفنجة!!» بدلَ خِرقة «السِّرْوَالِ القديم!!» يقومُ شباب الخريجين بعرضها بأناقةٍ وإتقانٍ أمام إستديوهات التصوير!!
ونأملُ أنْ يُكتبَ لها القَبول؛ حتى تُعمم في مصر وتمتد إلى الخارج إنتاجًا وتصديرًا؛ ليعلمَ أعداؤنا -أعداء الإسلام- أنّ لدينا عقولاً فَذَّة!! وقدراتٍ واعدةٍ!! وليعودَ ذلك على بلدنا بالعملة الصعبة التي نستغني بها عن المعونات الأجنبية؛ لنمتلكَ قرارنا ونرفعَ رأسنا!!
ولن ينسى لكَ التاريخُ -«أبا الفتن»- ولإخوانكَ جهادكم في محاربة رضع الأصابع!! وستشكركَ و«أبا طَرْحَةَ» وسائرَ الشركاء، وزاراتُ: البيئة، والصحة، والتضامن، والإنتاج الحربيّ!! على معروفكم الذي للإنسانية أسديتم، وجميلكم الذي للبشرية صنعتم.
إنّ «أبا الفتن» رجلٌ منكوس الفطرة!!، معكوس الفهم!! يحسب أنه إن أحسن شيئًا فهو لسائر الأشياء مُحسِن، وهو -مع ذلك- قعيدٌ في الحماقة!! لا يفهم مرامي الكلام، ولا تستبينُ له مقاصده!!
فإذا قلتُ: إني ابتُليتُ بالنظر إلى وجوهكم وسماع أصواتكم، وما ذاكَ إلا بذنبٍ أستغفرُ اللهَ منه، قال -كأنه يترجم عن (اللاتينية) أو (السِّنْسِكِرِيتِيَّة)!!-، يقول -يعنيني-: «إنّ هذه الحلقات ابتلاءٌ بذنبٍ»، ثم ذهب المسكينُ «أبو الفتن» يُوَصِّفُ الذنبَ؛ فوافقني -من حيث يريد النفع- على أن النظر في وجهه ووجه مَن معه نقمةٌ وابتلاءٌ بذنب، وخالفني في توصيف الذنب، فهل رأيتَ حُمْقًا كهذا؟!! يريدُ أنْ ينفي فيُثبت!! وأنْ يدفعَ فيجلب!!
والحقُّ أنْ الحلقات -نفسها- نعمةٌ لا نقمة؛ لأنها أظهرت للناس هذا «المُبتدِع» على حقيقته، وكشفت للخلق المستورَ من أمره؛ فبان تخليطُه، وبدت حماقته، وكان -قَبْلُ- كـ «الهُولَة!!» تُشاع عنها الشائعات وليست شيئًا، وتَبُثُّ هاهنا وهنالكَ الدعايات وهي هَباءٌ بلا عَدَم.
وأما شأني أنا فمختلِفٌ؛ لأنّ النظرَ في وجوه أهل البدع يُقسِّي القلوبَ ويُكثِّر الذنوبَ، فمن هذه البابَة يُعد النظر إلى وجه هذا ومَن معه نقمةً بذنب، كما قالتْ أمُّ «جُرَيْج» وقد قدّم صلاته على إجابتها: «اللهم لا تُمته حتى ينظرَ إلى وجوه المُومِسَات»، فكان من شأنه ما هو معروفٌ، فهذه كتلكَ، وهاأنذا لم أَمُتْ حتى رأيتُ وجوهكم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وأما قولُه: «إنّ أعظمَ ذنبٍ هو الوقوع في الصالحين» إلى آخر رجمه بالغيب، فقد جعل الصالحين -بزعمه- مَن يذهب إليهم فِكرُه، وهم طالحون في حقيقة الأمر!! فعكسه؛ فجعل الطالحين صالحين، والمُبتدعين مُتسنِّنين، وهدَّامِي الدين بنَّائِعين.
وأشدُّ ما يعانيه المُتعامل مع هذا الرَّجل حماقتُه!! ومَثَلُه كمثل عيسى بن صالح، قال محمد بن زيادٍ: «كان عيسى بن صالح يُحَمَّق، وكان له ابنٌ يُقال له: عبدُالله من عقلاء الناس، فتولَّى عيسى جُنْدَ قِنَّسْرِينَ، فاستخلف ابنه على العمل، قال ابنه: فأتاني رسوله في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت مُبكِّر لا يُحضَر فيه إلا لأمر مهم؛ فتوهمتُ أن كتابًا ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يُحتاج فيها إلى حضوري وحضور الناس، فتقدمتُ بالبعثة إلى وجوه القُوَّاد، وركبتُ إلى داره، فلما دخلتها سألتُ الحُجَّابَ: هل ورد كتاب من الخليفة أو حدث أمر؟ فقالوا: لم يكن من هذا شيء، فصرتُ من الدار إلى موضعٍ تخلَّفَ الحُجَّابُ عنه، فسألتُ الخُدَّامَ -أيضًا- فقالوا: مِثْلَ مقالة الحُجَّابُ، فصرتُ إلى الموضع الذي هو فيه، فقال لي: أُدخلْ يا بُني، فدخلتُ فوجدته على فراشه، فقال: علمتَ يا بُني أني سهرتُ الليلة في أمر أنا مُفَكِّرٌ فيه إلى الساعة، قلتُ: أصلحَ الله الأمير، ما هو؟ قال: اشتهيتُ أن يُصَيِّرَنِي اللهُ من الحور العين!! ويجعلَ في الجنة زوجي يوسف النبي، فطال في ذلك فكري، قلتُ: أصلح الله الأمير؛ فاللهُ -عز وجل- قد جعلكَ رجلاً، فأرجو أن يُدخلكَ الجنة، ويُزوجكَ من الحور العين، فإذ قد وقع هذا في فكرك؛ فهلاّ اشتهيتَ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يكون زوجك؟! فإنه أحق بالقرابة والنسب، وهو سيد الأولين والآخرين في أعلى عِليين، فقال: يا بني لا تظن أني لم أفكر في هذا؛ فقد فكرتُ فيه، ولكنْ كرهتُ أن أغيظَ عائشةَ -رضي الله عنها-.
فهذا كهذا حماقةً، وفُسُولَةَ رأيٍّ!!
وأما حماقته وتخليطه عند ذكر القناة الملعونة، فدائمًا يجعل هذا الرجل ما ليس مُعَيَّنًا مُعَيَّنًا!! مع أنّ لَعْنَ المُحْدِثِ المُعَيَّنِ أحد القولين عند أهل العِلم، ومع ذلك فإنه يستظرف فيقول: هذا المايكروفون ملعون، وهذه المنضدة ملعونة، هذه الجدران ملعونة، على طريقته في العجز عن فهم الكلام العربيّ، وتحميله ما لا يحتمل للعُجْمَة الغالبة عليه، والعِيّ المُستحكِم منه.
وفي حديث عليٍّ -رضي الله عنه- الذي أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعنَ الله مَن آوى مُحْدِثًا».
والإحداثُ -في أحد المعنيين-: الابتداعُ في الدين. فالبدعُ إحداثٌ وأيُّ إحداثٍ، والعملُ بالبدع، ونشرُها، وإيواءُ أهلها، وإعانتهم، ونصرتهم، كلُّ ذلك إحداثٌ في دين الله -عز وجل- ومُوجِب لسخط الله على مَن فعله.
ومن ذلك إيواءُ مثل «أبي الفتن»؛ فإيواؤه وتمكينه يزيد القناةَ بدعًا فوق بدعها؛ فهي وَكْرٌ للبدع وملاذٌ لها، ومَن آوى المُحْدِثين استحقَّ هذا الوعيد.
وما لي لا ألعنُ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!!
في «الصحيحين» عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أنه قال: «لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ والمُوسْتَوْشِمَات، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ»، فقالتْ له امرأةٌ في ذلك، فَقَالَ: «وَمَا لِي لا العَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ، قال -تعالى-: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾».
وقد أخرج الطبرانيُّ في «الأوسط» من حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما- بإسنادٍ صحيحٍ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ، العَنُوهُنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ».
هذا كلامُ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفي «الصحيحين» عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- «لعنَ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ».
وأخرج البخاريُّ بسنده عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: «لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ».
وفي روايةٍ: «لعنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
وعند مسلمٍ من رواية عليٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
و«أبو الفتن» من كبار المُحْدِثين المفسدين في الأرض، وإنْ لم يكن مُحْدِثًا، فليس على ظهرها مُحْدِثٌ!! والوعيدُ مُدْرِكٌ كلَّ مَن آواه، وما لي لا ألعنَ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في كتابِ الله -عز وجل؟!!
«لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
«لعنَ»: يُحتمل أن تكونَ خبرية؛ فيُخبر -صلى الله عليه وسلم- بوقوع اللعن على مَن آوى مُحْدِثًا، وهو كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.
ويُحتمل أن تكون إنشائية بلفظ الخبر؛ فتكونُ دعاءً، ودعاؤه -صلى الله عليه وآله وسلم- مسموعٌ مقبولٌ، وإذا كان مَن آوى المُحْدِثَ ملعونًا، فكيف بالإحداث وكيف بالمُحْدِثِ -نفسِه-؟!!
ما أزدادُ -وأهلُ السُّنة- في «أبي الفتن» إلا بصيرة، وكأنه (الشيطانُ) في مِسْلاخ إنسان!! فقد أخرج مسلمٌ في «مقدمة صحيحه» عن عبدالله -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي القَوْمَ، فَيُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيثِ مِنَ الكَذِبِ، فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ».
وروى بسنده عند عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: «إِنَّ فِي البَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا».
وما أشبه «أبا الفتن» أن يكونَ من شياطين سُليمان!! قد خرج من وَثَاقِه كما خرجَ قَبْلُ على إمامه، فاقرءوا عليه آيةَ الكُرسيّ!! وفواتحَ سورة الكهف!!
روى مسلمٌ في «مقدمة الصحيح» بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ».
لقد أبدى الرجلُ جزعَه من قولي: «إنه جِيءَ به لإزالة الحواجز بين السُّنة والبدعة، ولتتماها الحدودُ بين التوحيد والشرك».
أبدى جزعَه من هذا القول، وما هو إلا ذاكَ!! شاءَ أم أبى، وإلا فلماذا لم يُظهِر هو أو غيرُه حُكمَ الشرع في موافقة المشركين في أعيادهم كعيد «اللقطاء وأولاد الزنا»!! في «فرنسا» الذي يحتفلُ به المسلمون؟!!
ويستغلُ مُضيفوه وجوده طاعنًا في السُّنة، مُرَوِّجًا للبدعة للإعلان عن هدايا ذلك العيد!! ترويجًا له ولها، ودلالةً عليه وعليها، ولمّا نبّهته تغافلَ وراحَ يقول في سماجَتِه المعهودة: «هذا إستديو صامت!! وهل فيه إعلانات؟!» إلى غير ذلك من هذيانه .. ينفي عِلمَه .. فقد علمتَ، فما صنعتَ؟! هل أنكرتَ أم وافقتَ؟!
سكوتُه إقرارٌ وإمرار، وتخلصه عَيبٌ وشَنارٌ، فلماذا وقد علمتَ لم تُوضِّح الفرق ما بين التوحيد والشرك، والسُّنة والبدعة؟! وهل تملُّصكَ الصبيانيّ هذا إلا إمرارٌ وإقرارٌ بما وقع؟! ولماذا تغافلتَ أنتَ ومَن معكَ عما وقع فيه كثيرٌ من جماهير المسلمين من تورطٍ في نواقض من نواقض الإسلام العظيم -وهم لا يعلمون-؟!
إنّ منهجكم الأفيح وقواعدكم المُحْدَثة قد أوصلتِ المسلمين إلى ما ترى -إنْ كنتَ ترى- من الوقوع في نواقض الإسلام!!
أوصلتم المسلمين بتخنثكم في الدعوة، وتنازلكم عن العقيدة لأجل السياسة، وهجركم الحصيرةَ في المسجد إلى الكراسيّ الدوارة في الإستديوهات المُكَيَّفة .. أوصلتم المسلمين إلى الوقوع والولوغ في نواقض الإسلام!! يخرج بها من المِلّة مَن يخرج -وهو لا يعلم-!! وهنيئًا لكم ما أنتم فيه، هذه نتيجة دعوتكم الفاشلة!! وتضليلكم السَّافِر للمسلمين.
لمّا هلكَ مُقَدَّمُ النصارى غَرَّ المسلمين شيوخُهم ودعاتُهم؛ فراحوا يتسابقون في التلبيس على المسلمين؛ اتِّبَاعًا للسياسة، وإزراءً بالدين حتى راحَ بعضُهم يُقارِن بين الجنازة، وجنازة الإمام أحمد!!! ويقول: بيننا وبينكم الجنائز!! وهو محسوبٌ على الدعاة أنه منهم.
وفي هيئة كبار -ما أدري ماذا؟!- أو هيئة شورى -ما أدري ماذا؟!-، وآخرُ في زِيِّه الرسميّ يُعلن عن المصيبة التي نزلتْ بالأمّة، ويستلهم اللهَ -تعالى- الصبرَ والسُّلوان!!
ودعاتُكَ -«أبا الفتن»- في هَرْوَلةٍ للعزاء تارة، ولإثبات نصوص التعزية تارة، وفي الحُكم بمشروعيتها تارات!!
لماذا لم تُحذِّروا المسلمين من هذا الناقض من نواقض الإسلام العظيم؟!
أأصواتُ هؤلاء المساكين من المسلمين أهمُّ عندكم من إسلامهم؟! أم أنه أصبح بعد الربيع العربيّ رجعيةً وجمودًا لا يتناسبان مع السياسة والكراسيّ والرئاسة والحِدَاد؟!
أيها الغَشَشَة عاملكم اللهُ بعدله، وهتكَ أستاركم، ما أقبحَ بدعكم، واتِّبَاع أهوائكم!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن صحَّحَ مذهبهم كَفَرَ، ومَن شَكَّ في كُفرهم كَفَرَ، ومَن لم يُكفِّرهم كَفَرَ.
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، وعليه «الإجماع» كما حكى ذلك عِياضٌ في «الشِّفَا»، وغيرُه في غيرِه.
أين هذا من المسلمين الذين يُصحَّحَون دين المشركين، ويتورعون عن تسمية الكُفر باسمه، وعن الكافرين بالكافرين؟!! بل يُثبتون لهم الجنة والرضوان بل والفردوس الأعلى منه!!
أين الغَشَشَة الذين يُضلون الأمّة من بيان هذا الناقض من نواقض الإسلام لهؤلاء المساكين الذين يخرجون من الإسلام وهم لا يعلمون؟!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين؛ لأنه يجب على المسلم أنْ يُكفِّر مَن كفَّره اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم-.
واللهُ -جل وعلا- كفَّر المشركين عَبَدَةَ الأوثان وغيرَهم ممن يعبدُ مع الله غيرَه، وكفَّر مَن لم يُؤمن بالرسل أو بعضهم كما في القرآن والسُّنة النبوية، كفَّر المشركين من اليهود والنصارى والوثنيين.
فيجبُ على المسلم أنْ يعتقدَ بقلبه كُفرَهم عملاً بتكفير الله لهم، وتكفير رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم. قال -تعالى-: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» [المائدة: 17]، وقال -تعالى-: «وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» [المائدة: 64]، وقال -تعالى-: «لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ» [آل عمران: 181]. إلى غير ذلك من المقالات التي حكاها الله عنهم وهم أهلُ كتابٍ، ويكفي في تكفيرهم أنهم كفروا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله للناس كافة، والذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، قال -تعالى-: ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. [الأعراف:157- 158]
فقولُه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» عامٌ في جميع الناس من أهل الكتاب وغيرِهم، ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. [الأعراف: 158]، وقال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. [سبأ: 28].
فمَن لم يُؤمن بعموم رسالة النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو أقرَّ أنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنْ قال: إنّ رسالته خاصةٌ بالعرب دون غيرهم؛ فهو كافرٌ!! فكيف بالذي يكفرُ برسالته أصلاً ولا يُؤمن بها؟!! فهذا أشدُّ كُفرًا.
فالذي يشكُّ في كُفر المشركين عمومًا سواءٌ كانوا من الوثنيين، أو من اليهود والنصارى، أو من المنتسبين إلى الإسلام، وهم يُشركون بالله يجب اعتقاد كُفرهم.
فكلُّ مَن أشركَ بالله وعبد معه غيرَه من الأشجار والأحجار والأصنام والأوثان والقبور والأضرحة فإنه مُشركٌ كافرٌ يجب تكفيرُه حتى ولو كان يدّعي الإسلامَ ويقول: لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ الله؛ لأنّ الشركَ يُبطلُ الشهادتين ويناقضُ الإسلام ويُفسد التوحيدَ.
فيجب على المسلم أن يُكفِّر المشركين الذين يعبدون غيرَ الله سواءٌ كانوا من العرب أو من العَجَم، سواءٌ كانوا من اليهود أو النصارى أو المُتسمِّين بالإسلام.
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة، هذه ليست مما يدخلُ في الاستفتاء عليها!! ليست بداخلة بقواعد نظام قانون الأحزاب!!
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة؛ فمَن لم يُكفِّر المشركين فإنه يكونُ مُرتدًا كافرًا مثله؛ لأنه تساوى عنده الإيمانُ والكُفر: لا يُفرِّق بين هذا وهذا فهذا كافرٌ.
وكذلك مَن شَكَّ في كُفر المشركين .. مَن شَكَّ، وقال: لا أدري هل هم كُفارٌ أو غيرُ كُفار؟! فإنه يكون كافرًا؛ لأنه مُتردِّدٌ في دينه بين الكُفر والإيمان، ولم يُفرِّق بين هذا وهذا.
هذا ناقض من نواقض دين الإسلام العظيم، هل بيّنه القومُ؟!! وهم يرون المسلمين كالفَراش يتهافت على النار؛ لتُحْرِقَه، لتُهْلِكَه، وأمّا هم ففي بُلَهْنِيَاتِهم سادرون، وفي ملذاتهم قائمون قاعدون.
يجب أن يُكفِّر المسلمُ مَن كفَّره اللهُ، ومَن أشركَ بالله -عز وجل- وأن يتبرأ منه، كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومِه، قال: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: 26-27].
وكذلك إذا ما صحَّحَ مذهب الكفار المجرمين، هذه أشد!! إذا صحَّحَ مذهبهم، أو قال: في الذي يعملونه نظرٌ!!، هذا إنما هو اتخاذٌ وسائل وهو مُحْتَمَل!! أو يقول: هؤلاء الكفار جُهَّال وقعوا في هذا عن جهل، ويُدافع عنهم!! فهذا أشدُّ كُفرًا منهم؛ لأنه صحَّحَ الكُفر، أو صحَّحَ الشركَ، أو شكَّ في دين الإسلام العظيم، قال -سبحانه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6].
وأهلُ الكتاب: اليهودُ والنصارى، والمشركون: الذين يعبدون مع اللهِ إلهًا ومعبودًا غيرَه.
قال -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 17].
وقال -سبحانه-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 17].
فمَن لم يُكفِّر الكافرَ الذي اتضح كُفره بالقرآن والسُّنة سواءٌ كان الكافرُ يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مجوسيًا، أو مُشرِكًا، أو مُلْحِدًا، أو غير ذلك من أصناف الكُفر، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن فعلَ شيئًا من ذلك فقد كَفَرَ!!
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام بإجماع لا خلافَ عليه، فماذا صنع القوم؟! هل حذَّروا من هذا؟! هل راعوا إسلامَ المساكين؟! وهم يندفعون كالفراش إلى النار!! هل حذَّروهم؟! هل علَّموهم؟! هل بيّنوا لهم؟!
لا .. خدعوهم!! وغَرَّرُوا بهم!! فاللهُ حَسِيبُهم.
ذلك كله؛ لأنّ الله قد كفَّرهم، فمَن لم يُكفِّرهم فقد ضادَّ الله ورسولَه، ويُعدُّ مُكذِّبًا غيرَ مُصَدِّق لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا مَن شَكَّ في كُفرهم يُعدُّ غيرَ مُصَدِّقٍ لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- الدالِ على كُفرهم.
أمّا مَن صحَّحَ مذهبهم، فزيادةً على كونه تكذيبًا لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو أيضًا استحلالٌ لما حرَّم الله؛ لأنّ اللهَ أبطلها وحرَّمها، وهذا يُصحَّحَه!! فيكون معترِضًا على الله حين كفَّرهم.
هذا الناقضُ أجمعَ عليه العلماء، ونقل الإجماعَ القاضي عِياض -رحمه الله- في «الشِّفَا»، فقال: « وقامَ الإجماعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى، وَكُلَّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الإسلامِ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ شَكَّ». اهـ
كان الأولى بـ «أبي الفتن» وهو يتقمم .. يبتر النصوصَ ويسلخها!! ويُنزِّلها على غير منازلها!! ويخونُ الأمّة!! أنْ يأتي بهذا الإجماع .. أم هو إجماعٌ مُعَلَّل؟!!
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: «ومَن لم يُقر بأن بعد مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- لن يكون مسلمٌ إلا مَن آمن به واتبعه باطنًا وظاهرًا فليس بمسلمٍ، ومَن لم يُحَرِّم التدين بعد مبعثه -صلى الله عليه وسلم- بدين اليهود والنصارى، بل مَن لم يُكفِّرهم ويُبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين». اهـ
هذا كلامُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يتَّكئ على نصوصه الرَّجل .. أما كان الأحرى بكَ في هذه المُلِمَّة التي يخرج فيها كثيرٌ من جماهير المسلمين من رِبْقَة الإسلام لتورطهم في ناقضٍ من نواقضه -وهم لا يعلمون- أما كان الأولى بكَ أنْ تُذيعَ هذا النص؟!! بَدَلَ تلك الخرافات والهُراءات والدفاع عن المبتدعة، فاللهُ -عز وجل- يُعاملكَ بعدله.
لابد من البراءة من كل دينٍ غير دين الإسلام، وإنكاره، ونفيه، وبُغْضِه، ومعاداته، ومعاداة أهله، وهذا النفي هو معنى الكُفر بالطاغوت في قوله -تعالى-: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256].
والطاغوتُ: كلُّ ما جاوز به العبدُ حَدَّهُ من معبودٍ أو مَتبوعٍ أو مُطاعٍ.
الإثبات بصرف العبادة كلها لله -تعالى- وحده، وعدم صرف شيءٍ منها لغير الله، فهذا معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنّ معناها: لا معبودَ بحقٍ إلا الله.
وحديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلمٌ: «مَن قال: لا إلهَ إلا الله، وكفرَ بما يُعبدُ من دون الله، حَرُمَ مالُه ودمُه وحسابُه على الله».
وهذا من أعظم ما يُبيِّن معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنه لم يجعلِ التلفظَ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفةَ معناها مع لفظها، بل ولا الإقرارَ بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله -وحده- لا شريكَ له، بل لا يحرم مالُه ودمُه حتى يُضيفَ إلى ذلك الكُفر بما يُعبد من دون الله، فإنْ شكَّ أو توقفَ لم يَحْرُم مالُه ودمُه.
فيا لها من مسألةٍ، ما أعظمها وأجلَّها!! ويا له من بيانٍ، ما أوضحه!! وحُجَّةٍ ما أقطعها للمُنازِع .. وهذا من كلام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمةُ الله عليه- في كتاب «التوحيد».
قال الشيخُ ابن عثيمين -رحمه الله- في «القول المفيد»: «فمَن رضي دين النصارى دينًا يدينون الله به; فهو كافر؛ لأنه ساوَى غيرَ دين الإسلام بالإسلام; فقد كذّب قولَ الله -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه﴾. وبهذا يكون كافرًا.
وبهذا نعرف الخطر العظيم الذي أصاب المسلمين اليوم باختلاطهم مع النصارى، والنصارى يدعون إلى دينهم صباحًا ومساءً، والمسلمون لا يتحركون، بل بعضُ المسلمين الذين ما عرفوا الإسلام حقيقةً يَلِينُون لهؤلاء،: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾، وهذا من المحنة التي أصابت المسلمين الآن، وآلت بهم إلى هذا الذل الذي صاروا فيه». انتهى كلامُه.
من أشد ما يكون أن يُصحَّحَ المسلمُ مذهبَ المشركين ودينَهم .. مَن صحَّحَ مذهبَ المشركين -وما أكثرَ مَن يُصحَّحَ مذهبهم!! ويُدافعُ عنهم!!- خصوصًا اليهود والنصارى، فالدعوةُ قائمة إلى الوَحدة بين الأديان -كما يزعمون- بين الإسلام واليهودية والنصرانية، ويقولون: كلُّها أديانٌ صحيحة!! وكلُّهم مؤمنون بالله فلا نُكفِّرهم!! .. هذا أشدُّ كُفرًا من الذي شكَّ في كُفرهم؛ لأنه صحَّحَ مذهبهم، وقال: إنهم يُؤمنون بالله ويتَّبعون الأنبياء: اليهود يتَّبعون موسى، والنصارى يتَّبعون عيسى.
فيُقال لهم: لم يتَّبعوا لا موسى، ولا عيسى، ولو كانوا يتَّبعونهما لآمنوا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لأنّ موسى وعيسى -عليهما السلام- بشَّرا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهو موجودٌ في التوراة والإنجيل: في التوراة التي أُنزلتْ على موسى موجودٌ فيها ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾. [الأعراف: 157].
الإنجيل الذي نُزِّلَ على عيسى فيه ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، بل صرَّح عيسى -نفسه- عليه السلام- بذلك: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾. [الصف: 6].
مَن الذي جاء بعد عيسى -عليه السلام-؟!
هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وله أسماءٌ كثيرةٌ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. [البقرة: 146].
فمَن صحَّحَ شيئًا من ذلك خرج من رِبْقَةِ الإسلام!! أين هذا من الأمّة في هذه المحنة التي تمرُّ بها .. تَتَقَلْقَلُ فيها قواعد توحيدها -والقومُ مشغولون-؟!!
على المسلم أن يعتقد كُفرَ الكفّار أيًّا كانوا، وكلُّ مَن أشرك بالله ودعا غيرَ الله بأي نوعٌ من أنواع الشرك الأكبر؛ فيجب تكفيره بالحُكم عليه بالكُفر، ولا يجوزُ الشكُّ في كُفره، ولا يجوزُ تصحيح ما هو عليه من الكُفر؛ فيُقال: هذا صاحبُ دين!! هذا أحسنُ من الوثنيين!! لماذا؟! لأنّ الكُفرَ مِلَّةٌ واحدةٌ.
ونبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول -كما في «صحيح مسلم»-: «والذي نفسي بيده لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمّة -يعني: أمّةَ الدعوة- يهوديُّ ولا نصرانيُّ، ثم لم يُؤمن بالذي جئتُ به إلا دخلَ النارَ».
ينبني على تكفير الكفّار أحكامٌ كثيرةٌ، منها: أنه يجبُ بُغضهم، ومعاداتهم، وعدمُ موالاتهم، حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلى المسلم، وعلى هذا تظاهرتِ النصوص في الكتاب والسُّنة.
وبما يترتب على تكفير المُشرِك أنه إذا ماتَ المُشرِك والكافر؛ فإنّ المُسلمَ لا يتولّى جنازته إلا إذا لم يُوجد مَن يدفنه من الكُفّار؛ فإنه يُوارَى بالتراب، ولا يُدفنُ في مقابر المسلمين.
فالمسلمون لا يتولَّون جنازةَ الكافرِ: لا يُغسلونها، ولا يُكَفِّنُونَها، ولا يحملونها، ولا يُشيِّعونها، ولا يحضرون دفنها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
فالمسلمُ لا يُشيِّع جنازة الكافر، ولا يُجهِّزها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
أين هذه الأحكامُ من أولئك القوم الذين يَغشُّون الأمّة، ويرون الناس يتورطون في نواقض الإسلام العظيمة التي يخرجون بها منه، وهم لا يُبالون ..
شغلتهم السياسة والكراسيّ!! وما هم فيه من بُلَهْنِيَةِ العَيش مما امتصوه من دماء المسلمين بزعم «الدعوة»!! حتى صارَ المسلمون إلى هذه الهُوّة الهابطة، وصرتَ ترى الناسَ لا يحكمون على الكافرَ، ويجادلون!! مَن أتى بنصوص الكتاب والسُّنة للحُكم عليه بما هو أهلُه .. يُصحَّحَون مذهبَ الكافرين المشركين، ويشهدون لهم بأنهم على دينٍ وصراطٍ مستقيمٍ، وأنهم في الجنة من أهل الخلود!!
إلى اللهِ المُشتَكى، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله -رب العالمين-، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
فـ «أبو الفتن» المشئوم!! يقول: «الساحةُ تحتاجُ إلى جهادٍ طويلٍ وإلى جُهدٍ مُضْنٍ في توضيح مسائل الدين؛ لرد الهجمات الشرسة على الإسلام في هذه الفترة».
أفليس التحذير من اقتحام نواقض الإسلام مما يحتاجُ إلى بيانٍ يا مشئوم؟!!
أفهذا خيرٌ أم كَذِبُكَ بادعائكَ أنّ المسيرة المباركة -كذا- للحلقات الفاشلة التي ضيّعت فيها أوقات الناس في هذيانكَ وخلطكَ وخبطكَ، أنها لم تتعرض لفلانٍ ولا لفلانٍ ولا لقول فلانٍ -وهكذا الكذبُ وإلا فلا؟!!
حَمْلُ المُجْمَلِ على المُفَصَّل من ابتداع «عبدالله عَزَّام»، وقد سطوتَ عليه؛ لتنسبَ الخَنا إلى نفسكَ!! ورحتَ تتناقضُ فيه: تنعي على مَن يضع ضوابطكَ أنْ يكون مَن يُردُّ مُجْمَلُه على مُفَصَّلِه من كبار العلماء، أو الأئمة المشهورين، أو أصحاب الجهاد المحمود في نشر العِلم وتعليمه، تنعى عليه وتسخرُ منه! ثم تُقيِّد أنتَ -بهواكَ-: تقول -في سب الأنبياء-: «ليس فيها حَمْلُ مُجْمَلٍ على مُفَصَّلٍ»، وفي سب الصحابة، وفي تكفير المسلمين، وتصف هذا بأنه رِدَّةٌ، وكُفرٌ، وفسوقٌ، وكبيرةٌ .. وتتخلّف عند التطبيق!!
كلامُ «سيِّدٍ» في «وَحدة الوجود» في تفسير قوله -تعالى-: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، وكذلك في تفسير سورة «الإخلاص» صريحٌ في القول بوحدة الوجود!!
ونردُّ كلامَه المُجْمَل في الموضعين مع أنه بَيِّنٌ مُفَصَّلٌ!! نرده إلى مُبَيَّنِه -تنزُّلاً مع الخَصم- في «ديوانه» في قصيدة «إلى الشاطئ المجهول»، وفي مقدِّمة «ديوانه» تعليقًا عليها وعلى أختٍ لها، وفي دفاعه وتقريره لعقيدة «النِّرْفانا» إلى مواضعَ في كتابه.
وقد جزمَ الشيخُ الألبانيّ، والشيخُ ابن عثيمين بأنّ كلامَه يُفيد القولَ بوَحدة الوجود -لا يُوهِم!!- كما نقله «أبو الفتن» عن الشيخ ابن بازٍ وتصريحه بأنّ كلامه مُوهِم، إنما كان تعليقًا على نصٍّ لا يدل على حقيقة الحال.
قال الشيخُ الألبانيّ: ينقلُ كلامَ الصوفية، لا يُمكن أن يُفهم منه إلا أنه يقول بوَحدة الوجود!!
هذا كلامُه.
وقال الشيخُ ابن عثيمين: وقد قال قولاً عظيمًا، مخالفًا لما عليه أهلُ السُّنة والجماعة، حيث إنّ تفسيره لها يدل على أنه يقول بوَحدة الوجود!!
نقول له: لماذا اجتزأتَ -خيانةً- بعضَ كلام حاشية صفحة (أربعين) من كتاب «براءة علماء الأمّة»، وكلام الألبانيّ وكلام ابن عثيمين وراء كلام الشيخ ابن باز الذي أتى به مجتزِئًا وقد سُئل عن شيءٍ غير بيِّن؛ فقال: مُوهِم .. وهكذا يكون أهلُ العِلم في إنصافهم!!
لكنّ هذا لم يلتفت إلى ما قاله الشيخُ الألبانيّ، ولا ما قاله الشيخ ابن عثيمين، واجتزأ بقول الشيخ ابن باز؛ خيانةً للأمّة!! كما يفعل دائمًا: إذا كان النصُّ يسنده يأتي به، وإذا كان لا يسنده يُلقي به إلى حيث ألقت رَحْلَها «أمُّ قَشْعَمِ»!!
أليس صنيعكَ هذا بترًا، وخيانةً علمية؟!!
علّق على كلام شيخ الإسلام لأمراء الجهمية وقضاتهم .. قال شيخ الإسلام: «ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنُّفاة -لا تنسَ هذا الوصف- الذين نفوا أن الله -تعالى- فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنتُ كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كُفر وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جُهال, وكان هذا خطابًا لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ». انتهى كلام شيخ الإسلام.
علّق عليه «أبو الفتن» بقوله: الجهمية لا يُكفِّرهم شيخُ الإسلام، عندهم شبهة، ولم يُبدِّعهم!! -يعني: كان (بِيدَلَّعْهُم!!) عندما يقول: إنهم جهمية، حُلولية، نُفاة؟!!
هذا الوصفُ يكون لماذا؟!! لبدعة أم لسنَّة؟!
يقول: ولم يُبدِّعهم .. اللهُ حَسيبُه!
هذا الوصفُ لا يفيد معنًا عند «المشئوم» «أبي الفتن»!!، وهو يدَّعي أن المتأوِّل لا يُعدُّ مبتدعًا!!
لو لم يكن من الدلالة على سوء فهمه وقلة عقله إلا هذا، لكفى!! وهل يكون المبتدعُ إلا متأوِّلاً؟!!
إنّ المبتدع الذي يأتي بما يأتي به يتقرب به إلى الله -عز وجل- يُضاهي به الشريعة يفعل ذلك بنوع شبهة: بتأوُّل؛ لأنه لو لم يكن متأوِّلاً، لكان معانِدًا؛ فإذا أثبت في الدين ما ليس منه، فلهو حكمٌ آخر هو أكبرُ من وصف المبتدع.
هذا الرجل لا يدري ما يخرجُ من عقله!! هذه بَلِيَّةُ ابتلى اللهُ -رب العالمين- بها أهلَ مَصر!! ومِصر .. بالفتح والكسر؛ ليبتليهم الله -تبارك وتعالى- في عقولهم، أيطيعون ويسمعون هذا الزَّيف والخَنَا والسفاهة، ويتِّبعون هذه الفُسولة في الرأي، أم يَثْبُت أنهم أصحابُ العقل -حقًا- وأصحابُ النُّهَى -صِدقًا-؟!
هل يكون المبتدع مبتدعًا إلا بتأويل؟!! إنّ المبتدع يتقرب ببدعته إلى الله بنوع شبهة -لا بمعاندة- لأنّ اختراعه في الدين لو لم يكن بنوع شبهة وكان بمعاندة للشرع لكان له حُكمٌ آخر .. فأينَ يُذهب بهذا الضال المبتدِّع؟!!
وتأمّل -يا رعاكَ اللهُ- في الخلط الذي يُزِّيف به الأمور على المسلمين، ويعرف أنّ أهل السُّنة كوصف يُطلق بالمعنى العام؛ فيدخلُ فيه أهلُ القِبلة سوى الروافض .. هذا معروفٌ! معروفٌ من قديم، وهو في كلام علمائنا.
أهل السُّنة بالمعنى الأعم، هم: أهلُ القِبلة سوى الروافض؛ فهذا تقسيمٌ ثنائيٌّ عام، فيدخلُ فيهم القَدَرِيَّة، والمرجئة، والخوارج، والأشاعرة، والمعتزلة، وغيرُهم من الجماعات والأحزاب والفِرق الحديثة.
كلُّ هؤلاء -بالمعنى الأعم- من أهل القِبلة؛ لأنّ العلماء لم يُكفِّروهم وهم ليسوا من الروافض؛ فإذًا هم من أهل القِبلة، فهم من أهل السُّنة بالمعنى الأعم؛ إذ لم يكونوا من الروافض.
هذا متَّفقٌ عليه بين أهل العِلم سلفًا وخلفًا، وعليه فهم السوادُ الأعظم، بالمعنى الأعم؛ ففيهم: القَدَرِيَّة، وفيهم المرجئة، وفيهم المعتزلة، وفيهم الأشاعرة، وفيهم الأحزابُ والفِرق المعاصرة، هم السوادُ الأعظم الذي يُباهِي به المسكين!!
ويقول -مُعَيِّرًا أهلَ السُّنة-: هل أنتم السوادُ الأعظم؟! العوامُ هم السوادُ الأعظم!!، وهم مع مَن تُبدِّعونهم؛ فليذهبوا -جمعيًا- إلى حيث ألقت .. لا يضيرنا في شيء!!
تُعَيِّرنا أنّا قليلٌ عَدِيدُنا
فقلتُ لها: إنّ الكرامَ قليلٌ.
وأهلُ السُّنة الخُلَّص قليل، بل أقلُّ من القليل.
أهلُ السُّنة بالمعنى العام المقابل للروافض لا يتوجه إليهم المدحُ الذي يخص أهلَ السُّنة بالمعنى الأخص.
كلامُ شيخ الإسلام الذي يُسيء هذا الرجل فهمَه، ويُظهر للناس شيخ الإسلام في غير ما عرفته الأمّة، ويعيد صياغته، وصياغة نصوصه، بفهمه السقيم .. كلامُ شيخ الإسلام يتوجه تارةً إلى المعنى الأعم، وتارةً إلى المعنى الأخص، ووضعُ هذا في موضع هذا خيانةٌ عِلمية!! وتضليلٌ للمسلمين!! وتحريفٌ للكَلِم عن مواضعه!!
وهذا كالخيانة التي يرتكبها في سلخ الكلمات والعبارات من سياقاتها، والنفخِ فيها على معانٍ لا تحتملها .. ليظهرَ الله غباءه!! وسخافته للناس!! كما فعل بكلام الشافعيّ الذي غمزَ -لأجل نقد كلامه- عليًّا -رضي الله عنه-!! كما هي عادته في اتخاذ الصحابة غرضًا بحُجة التربية -كما يدَّعي!!-.
قال: نقول للعاصي الذي أسرف على نفسه: لا عليكَ، لقد كان في الصحابة مَن زنا، وأُقيمَ عليه الحد، ومنهم مَن زنا وسترَ الله عليه، ومنهم مَن شَرِبَ الخمرَ .. إلى آخر بذاءاته، واللهُ حَسِيبُه.
أهكذا يُعامَل الصحابة؟!!! تتخذهم غرضًا!! ولا يكون هذا إلا لمرضٍ في القلب!!
أَوَلا نبيِّن للذي يهم بأن يقنطَ من رحمة الله سعةَ المغفرة إلا بأن نقول: في الصحابة مَن زنا وستره الله، ومَن شَرِبَ الخمر، ومَن زنا وأُقيمَ عليه الحد؟!! إلى آخر بذاءاته؟!!
لقد كان ذكرَ أنه لو حُلِّف بين الركن والمقام على أنّ مَن كان يخالفه لا يريد انتقاصًا ولا إزراءً لحلف، ثم عاد ليقول -كالعائد في هِبَتِه، والعائدُ في هِبَتِه كالكلب يَقِيء ثم يعود في قَيْئه-: ما تقولون في العصفور؟! -ما العصفورُ؟! أنا لم أرَ على جانبي رأسه عصافير!!- وما تقولون في كذا، وإنّا لمنتظرون؟!
ما هذا؟! «عَبِيطٌ!!».
انظر في خيانته!! عندما يأتي بذكر كلامٍ للشيخ الفوزان في معرض سؤالٍ عن تعلّم العربية من حزبية تعلِّم أعجمية، فاستطرد وذكر كلامًا يتعلق بالإخوان المسلمين ..
تأمل في كلام الشيخ الفوزان هذا، -الذي قاله مُجْمَل وهذا مُفَصَّل، سنحمل المُجْمَل على هذا المُفَصَّل- السؤال: ما وجه صحة نسبة الجماعات الموجودة اليوم إلى الإسلام أو وصفهم بالإسلامية، وصحة إطلاق لفظ الجماعات عليهم، وإنما جماعة المسلمين واحدة كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه-؟
الجواب: الجماعاتُ فِرق تُوجد في كل زمان، هذا ليس بغريب، قال -صلى الله عليه وسلم-: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فِرقة، كلُّها في النار إلا واحدة».
فوجود الجماعات ووجود الفِرق أمرٌ معروف، وأخبرنا عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «ومَن يعش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا».
ولكنّ الجماعةَ التي يجب السيرُ معها، والاقتداءُ والانضمامُ إليها، هم أهلُ السُّنة والجماعة؛ لأنها الفِرقة الناجية؛ لأنّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- لمّا بيّن هذه الفِرق، قال: «كلُّها في النارِ إلا واحدةً». قالوا: مَن هي؟ قال: «ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
هذا هو الضابط؛ فالجماعات إنما يجب الاعتبارُ بمَن كان منها على ما عليه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه من السلف الصالح.
ثم ذكرَ آية التوبة في شأن الصحابة ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾، ثم قال: هؤلاء هم الجماعة، جماعةٌ واحدة، ليس فيها تعدد، ولا انقسام من أول الأمّة إلى آخرها، هم جماعةٌ واحدة، هذه هي الجماعةُ الممتدة من وقت الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى قيام الساعة، وهم أهل السُّنة والجماعة.
وأمّا ما خالفهم من الجماعات؛ فإنها لا اعتبارَ بها، وإنْ تسمّت بالإسلامية!! وإنْ تسمّت جماعة الدعوة أو غيرَ ذلك؛ فكلُّ ما خالف الجماعة المتفرِّقة التي لا يجوز لنا أن ننتمي إليها أو أن ننتسب إليها؛ فليس عندنا انتماءٌ إلا لأهل السُّنة والتوحيد.
ثم قال -بعد أن ذكر حديث العِرباض بن سارية-: هؤلاء هم الجماعة المعتبرَة، وما عداها من الجماعات فلا اعتبارَ بها، بل هي جماعاتٌ مخالفة وتختلف في بعدها عن الحق وقربها منه، ولكنْ كلها تحت الوعيد، كلها في النار إلا واحدة، نسألُ اللهَ العافية.
سمعتَ؛ لتعلمَ كَذِبَه!! لتعلمَ فُجورَه!! لتعلمَ تدليسَه وغِشَّه!! وتناقضَه حتى في قواعده!!
سُئل الشيخُ الفوزان: هل هذه الجماعات تدخل في الاثنين وسبعين فِرقة الهالكة؟!
قال: نعم!! كلُّ مَن خالف أهلَّ السُّنة والجماعة ممن ينتسبون إلى الإسلام في الدعوة أو في العقيدة أو في شيء من أصول الإيمان؛ فإنه يدخل في الاثنتين وسبعين فِرقة ويشمله الوعيد، ويكون له من الذنب والعقوبة بقدر مخالفته.
سُئل -وأنقل لكَ كلامَه، وكلامُ غيره من أهل العلم الكبار المستفيض، ولكنْ لتعلمَ غِشَّ الرجل!!، كيف يُدَلِّس على أهل العلم- الشيخُ الفوزان -أحسنَ اللهُ إليه- حديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في افتراق الأمم، قولُه: «ستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرقة إلا واحدة»، فهل جماعةُ التبليغ -على ما عندهم من شركياتٍ وبدعٍ-، وجماعة الإخوان المسلمين -على ما عندهم من تحزِّبٍ وشق العصا على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة- هل هاتين الفِرقتين -كذا، هذا صيغةُ السؤال بما فيه من اللحْن- تدخلُ؟
الجوابُ: تدخلُ في الثنتين والسبعين.
نأتي له بكلام مَن؟! ونُحيله إلى مَن؟! نسألُ اللهَ -رب العالمين- أن يُنجِّي المسلمين من شره وشرِّ أمثاله.
الشيخُ الألبانيّ جاء بكلامٍ مُجْمَلٍ -كما يقول- من كلامه، وله كلامٌ مُفَصَّل لم يلتفتْ إليه -على قاعدته!!-، يقولُ الشيخُ الألبانيُّ -رحمه الله-: الإخوانُ المسلمون ينطلقون من هذه القاعدة التي وضعها رئيسهم الأوَّل -أقصدُ «حسن البنا»- على إطلاقها، ولذلك لا تجد فيهم التناصح المُستقى من نصوص كتاب الله وسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وذكر سورةَ العصر.
ثم ذكر، قال: الحقُّ -كما تعلمُ- ضدُّ الباطل، والباطلُ أصوليٌّ وفروعيّ، وكلُّ ما خالف الصوابَ فهو باطل، هذه العبارة هي سبب بقاء الإخوان المسلمين نحو سبعين سنة -عمليًا- بعيدين عن السُّنة!!
لماذا لم يأتِ بهذا؟!! لماذا لم يأتِ بفتوى اللجنة الدائمة؟!! برئاسة الشيخ ابن باز، وعضوية الشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله بن غُدَيَّان، والشيخ عبدالله بن قَعُود، وهم يُسألون: هل يجوزُ التحزب كحزب «التحرير»، وحزب «الإخوان المسلمين»؟
الجوابُ: لا يجوز أن يتفرقَ المسلمون في دينهم شِيَعًا وأحزابًا، إلى غير ذلك من تأصيلهم -رحمة الله عليهم-.
وأمّا الشيخُ ابن باز -رحمه الله تعالى- فمعلومٌ أنه يقول: هم من الفِرق النارية. ولا يلزم من ذلك أن يكونوا كفّارًا، ولكنْ كلُّ مَن خالف ما عليه الفِرقة الناجية؛ فهو من الفِرق النارية -كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك فتاوى الشيخ الألبانيّ -رحمه الله تعالى-.
ماذا نقول؟!!
نقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ونسألُ اللهَ -تبارك وتعالى- أن يُهَيِّئ للأمّة أمرَ رُشْدٍ: يُعَزُّ فيه أهلُ السُّنة، ويُذَلُّ فيه أهلُ البدعة، إنه على كل شيءٍ قديرٍ.
ولا يعلمُ إلا الله -عز وجل- مَن يطلب التشفي والانتقام؟!، ومَن يبتغي نصرةَ الدين؟! وقد قال الإمامُ الشاطبيُّ -رحمه الله-: «حينَ تَكُونُ الفِرْقَةُ تَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهَا وَتُزَيِّنُهَا فِي قُلُوبِ العَوَامِّ وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى المُسْلِمِينَ كَضَرَرِ إِبْلِيسَ، وَهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ - [ كما بيّنتُ لكَ في النقل من «مقدمة صحيح مسلمٍ» عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بل عنه -صلى الله عليه وسلم- ] - فَلَابُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلَالَةِ، وَنِسْبَتِهِمْ إِلَى الفِرَقِ إِذَا قَامَتْ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْهُمْ.
فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَابُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَالتَّشْرِيدِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَا يَعُودُ عَلَى المُسْلِمِينَ مِنْ ضَرَرِهِمْ إِذَا تُرِكُوا، أَعْظَمُ مِنَ الضَّرَرِ الحَاصِلِ بِذِكْرِهِمْ وَالتَّنْفِيرِ منهم، إِذَا كَانَ سَبَبُ تَرْكِ التَّعْيِينِ الخَوْفَ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالعَدَوَاةِ، بل الضررُ الحاصلُ أكبرُ من ذلك، فلا يُتركَ لهذا بحالٍ أبدًا». اهـ
ويبقى أمرٌ يسير لم أتكلم عنه، تلك القاعدة، وهي قاعدةٌ ابتدعها من قبل جمال الدين الأفغانيّ، ومحمد عبده، وتلقَّفها محمد رشيد رضا، فسمّاها بقاعدة «المنار الذهبية»: «يُعينُ بعضنا بعضًا فيما اتفقنا فيه، ويعذرُ بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»!!.
بابٌ واسعٌ، لاحِبٌ، لإمرار البدع كلِّها!! وإذا كلّمته، وقلتَ له: قد أعدّتَ الصياغةَ بطريقةٍ فاشلةٍ!! «نُصحَّحَ، ولا نَهْدِمُ!!» مع أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكره هو قَبْلُ يهدمُ على رأسه قاعدته!!
قال النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي هريرة عن الشيطان: «صَدَقَكَ وهو كَذُوب»، فهدمَه، وصحَّحَ مقالته .. اعتمدها: صَدَقَكَ، وهو كَذُوب!!
يقول: لا تهدموا الأشخاص.
نقول له: لا تهدمِ الشيطان!! هنيئًا لكَ قد سامحناكَ فيه!!
أيها الأحِبَّةُ من أهل السُّنة الزموا الجادة، ولا يغرّنّكم التهويشَ!! فالأمرُ يحتاجُ وقتًا يعكفُ فيه طلاّب العِلم على النصوص التي يتقممها الرجل من هاهنا وهاهنا؛ ليضعها في غير موضعها!! سالِخًا لها من سياقاتها!! غيرَ فاهمٍ لها!! جملةً وتفصيلاً؛ ليستبينَ للناس أمرُ هذا الغَشَّاش!! الذي أتى ليغشَّ الأمّة واللهُ حَسِيبُه.
نسألُ اللهَ -رب العالمين- أنْ يُنَجِّيَ الأمّة من شره ومن شر أمثاله، وأنْ يكبتهم، وأنْ يُخزيهم، وأنْ يجعلَ كيدَهم في نحورهم، وأنْ يُنَجِّيَ أهلَ السُّنة من شرورهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
5 من جماد الأول 1433هـ، الموافق 28/3/2012م.
وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا ==== فجلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.