بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ التاسع من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على الضال المُضِل (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 16 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 9-3-2012 م
عناصر الخطبة
1- قناة «النِّقْمَة» تُمارِسُ أخطرَ خيانةٍ علمية في تاريخنا المعاصر!! وهي -باختصار-: إعادةُ صياغةٍ لشيخِ الإسلام «ابن تيمية» وتراثه العِلمي.
2- محاولات (أبي الفتن)، وقناة (النِّقْمَة) المُستميتة لتشويه صورة شيخ الإسلام -رحمه الله-؛ وذلك بإظهاره مُنافِحًا عن التصوف الذي يعرفه الناس ويمارسون طقوسه، ولابسًا ثَوبَ الرضا عن الأشاعرة وأهل التعطيل!!
3- (أبو الفتن) يدلِّس على شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ويحاول إيجاد ابنَ تيمية جديد بعد الربيع العربي يقول بالموازنات؛ ليُصبح ابن تيمية في ثَوبٍ جديد من إنتاجِ سنة ألفين و«اتْنَاش»!! كما يقول «أبو الفتن»: «اِتْنَاش»!!
4- أقوال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الصوفية والأشاعرة.
5- أقوال أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء في الأشعرية، وهل استخدموا منهج الموازنات لبيان منهج الأشاعرة؟!
6- السؤال المطروح على (أبي الفتن) هل قدَّم الأئمة الأربعة العقل على صريح وصحيح النقل؟!
7- علمًا بأنّ (أبا الفتن) لم يُجِبْ عن الأسئلة السابقة ويراوغ ويتهرب منها ويحيد عن الإجابة عنها.
8- (أبو الفتن) يدافع عن أهل البدع والأهواء المعاصرين، ويسب الأنبياء والصحابة في أحد شرائطه المسجلة بصوته .
9- أسئلة جديدة مطروحة على (أبي الفتن) ومطلوبٌ الإجابة عنها مع الأسئلة السابقة: ما هو تبريرك ودفاعك لطعنك في الأنبياء والصحابة؟! وما تبريرك ودفاعك عن سيد قطب لطعنه في الأنبياء والصحابة؟!
10- طريقةُ (أبي الفتن) في الفهم وردود أفعاله على كلام مُخالفه كقصة الرجل الذي فعل الفاحشة مع امرأة في المسجد ودخل مؤذِّن المسجد عليهم...
11- أقوال شيخ الإسلام -رحمه الله- في (الحَلاّج)، ومنها: (مَن اعتقد ما يعتقدهُ (الحَلاّج) من المقالات التي قُتل عليها؛ فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحـاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحـاد.
12- أقوال شيخ الإسلام في مشايخ الصوفية كأمثال (الشِّبْلِيّ) وغيره.
13- منهج (الموازنات) ضدُّ منهج (التصفية والتربية)، أي: ضدُّ منهج السلف!! [نقلاً عن صفحة "مجموعة دروس فضيلة الشيخ محمد سعيد الرسلان" على الفيس بوك بتصرفٍ يسيرٍ].
التفريغ
لتحميل التفريغ بصيغة PDF
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
أو
لتحميل التفريغ بصيغة DOC
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
صورة من ملف التفريغ:
القراءة المباشرة
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فإنّ المؤامرةَ التي تُنسج خيوطُها، وتُحاك أطرافُها في قناة «النِّقْمَة!!» من أعظم المؤامرات التي تتعرض لها العقيدة الصحيحة والدِّيانة المُطَهَّرَة.
لقد حاولَ شيخُها من قبل أن يُصوِّر شيخَ الإسلام «ابن تيمية» مُنافِحًا عن التَّصوف الذي يعهده الناس ويمارسون طقوسه!!، وذلك بسلخ بعض نصوص شيخ الإسلام من سياقاتها، ووضعها في غير مواضعها.
وكذلك أظهرَ شيخَ الإسلام -رحمه الله- لابسًا ثَوبَ الرضا عن الأشاعرة وأهل التعطيل!!، فهل فَعل ذلك جهلاً -وهو به حَقِيقٌ-، أو خيانةً وتزويرًا لجمع الأمّة -بزعمه- بدعوى التكامل لا التآكل.
ثم اِسْتُقْدِمَ «أبو الفتن» فجاء بثاراته مُثْخَنًا بجروحه النازفات من معاركه الفاشلات، ومواقعه الخاسرات التي خاضها مع أهل السُّنة مُنافِحًا عن البدع وأهلِها.
جاء «أبو الفتن» مُسلَّحًا بأصوله الفاسدة، وقواعدِه الباطلة؛ ليُفْسِدَ على المسلمين دينَهم، ويُلَبِّسَ على المؤمنين عقيدتَهم، ولتتماها بدعوته الضالات المُضِلِّة الحدودُ بين الحقِّ والباطل، والهُدى والضلال، والسُّنة والبدعة، بل بين الشرك والتوحيد، والإيمان والكُفر!!
واستعملَ للوصول إلى تلك الغايات الدَّنيئة نصوصَ شيخِ الإسلام -رحمه الله- فسلخها من مواضعها تارةً، وأنزلها على غير منازلها تارات، وحمَّلها ما هي منه بريئة، بل فسَّرها بما تدل على نقيضه!!
لقد جاءَ الرجلُ ببدعه وما حُمِّلَ من أَوْزَارِه على ظهره، فألقى بحِمْلِه في تلك القناة الملعونة!! لتبوءَ بإثمها وإثمه، ولتحملَ مع أوزارها وِزْرَه بما كانت فيه سببًا، وصارتْ إليه وسيلة، وراحت تبثُّ سمومَها، وتنشر بدعها، لا ترْقُبُ ولا يرْقُبُ في مؤمنٍ إِلاً ولا ذِمَّة.
لقد جاء «أبو الفتن» بأصوله الباطلة، من: «المنهج الأَفْيَح»، «وردِّ المُجْمَلِ على المُفَصَّلِ»، و«الموازنات»، و«نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، وغيرِها، وأخرج للناس كلامَ شيخ الإسلام من خلالها؛ فأظهرَ للناس «ابن تيمية» جديدًا!! لا يعرفه أهلُّ العِلم بالكتاب والسُّنة حتى أعادَ صياغتَه من خلال إخضاع كلامه لتلك الأصول الفاسدة، والقواعد المُنحرِفة الباطلة.
وبالجملة ففي قناة «النِّقْمَة» تُمارَسُ أخطرُ خيانةٍ علمية في تاريخنا المعاصر!! وهي -باختصار-: إعادةُ صياغة لشيخ الإسلام «ابن تيمية» وتراثه العِلمي.
أهو عن تَوَاصٍ به؟! أم «وافقَ شَنٌ طَبَقَة»؟! أهو أمرٌ بُيِّتَ بليل خيانةً وخديعة؟! أم هو مما تواطأت عليه خواطرُ السُّوء؟! فتوافقتْ عليه إراداتُ الشر.
لقد أظهروا للناس شيخَ الإسلام في ثَوبٍ جديد من إنتاجِ سنة ألفين و«اتْنَاش»!! كما يقول «أبو الفتن»: «اِتْنَاش»!!
فهل هو لزومُ ما جدَّ على الناس من ثورات وتحرر؟! أو هو اكتشافُ شيخ الإسلام حيث لم يعرفه علماء الأمّة عبر القرون، وعرفه هؤلاء النَّوْكَى؟!
لقد أظهروا للناس باسم «الموازنات» شيخَ الإسلام مُنافِحًا عن المعتزلة والأشاعرة، مُحاميًا عن (الحَلاّج)، و(الشِّبْلِيّ) مُلْتَمِسًا المعاذيرَ لـ (ابن عربي)!!
فكأنّ شيخَ الإسلام الذي يُعادُ إنتاجُ تراثه يقول بـ «المنهج الأَفْيَح»!!، وبـ «الموازنات»!!، وبـ «ردِّ المُجْمَل على المُفَصَّل»!!، وبـ «نُصَحِّح ولا نَهْدِم»!!، وغيرِها من أصول «أبي الفتن» الباطلة.
لقد ألَّفَ شيخُ الإسلام الكُتبَ في الرد على أهل البدع، وفي ضمنها الردُّ على الأشاعرة، صنَّفَ في الرد عليهم نصًا: «دَرْءُ تعارضِ العقل والنَّقل»، وهو كلُّه: «عليهم بالأصالة» كما نصَّ عليه في المقدمة.
وصنَّفَ بيان تلبيس الجهمية المُسمَّى بـ «نَقْض التأسيس»، ورد فيه على إمامهم الثاني «الفخر الرازي» صاحب «تأسيس التقديس»، أو «أساس التقديس».
وصنَّفَ «التسعينية»، وهي: التي كتبها في الأشهر الأخيرة من حياته -رحمه الله- جوابًا عن محاكمة الأشاعرة له.
وصنَّفَ «شرحَ العقيدة الأصبهانية»، وهو شرحٌ لعقيدة «الشمس الأصبهانيّ» التي جرى فيها على بعض أصول الأشاعرة.
وصنّف «الفتوى الحَمَوِيَّة»، و«الرسالة المدنية»، و«النبوات»، وهو: نَقْضٌ لكلام «الباقِلانيّ» خاصة، والأشاعرة عامةً في النبوات.
وصنّف «القاعدة المُراكِشية»، وهي: كالبيان لمذهب الإمام «مالك»، وأئمة المالكية في العقيدة ضد المتأخرين من مالكية المغاربة المائلين إلى مذهب الأشعرية.
وصنّف «المناظرة في العقيدة الواسطية» ألَّفها في محاكمة الأشاعرة له بسبب «الواسطية».
وصنّف «الاستقامة»: كَتَبَهُ نقضًا لكتاب «القُشَيْرِيّ» الصوفيّ الأشعريّ، وبيّن فيه أنّ عقيدة أئمة السلوك المُعْتَبَرِين هي مذهبُ السلف، وأنّ بداية الانحراف في العقيدة عند المنتسبين للتصوف في الجملة إنما جاءت متأخرةً في أوائل القرن الخامس حين انتشر مذهبُ الأشعرية.
ولم يصدر من شيخِ الإسلام -رحمه الله- مَدْحٌ مطلقٌ للأشاعرة أبدًا، وإنما غايةُ ما كان من ذلك كما في المجلد الثاني عشر من «الفتاوى» أنْ يصفهم بأنهم: أقربُ من غيرهم، وأنّ مذهبَهم مُرَّكَبٌ من الوحي والفلسفة، أو يمدحُ المشتغلين منهم بالحديث -لا لكونهم أشاعرة، ولكن لاشتغالهم بالسُّنة- مع سؤال المغفرة لهم فيما وافقوا فيه مُتَكَلِّمي مذهبهم.
ولكنّ هذا أقلُّ بكثير من المواضع التي صرَّحَ فيها بتبديعهم وتضليلهم وفساد منهجهم، فهذه أكثرُ من أنْ تُحصى، كما أنه حدّد -رحمه الله- متى يُعدُّ المنتسبُ إلى الأشعريّ من أهل السُّنة، فقال:
«أما مَن قال منهم بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره، ولم يُظْهِر مقالةً تُناقض ذلك؛ فهذا يُعد من أهل السنة، لكنّ مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة، لاسيما لأنه بذلك يُوهِمُ حُسْنًا لكـل مَن انتسب هـذه النسبة، ويفتح بـذلك أبـواب شر». اهـ
ذكرَ ذلك في «مجموع الفتاوى» في المجلد التاسع، في الصفحة التاسعة والخمسين بعد الثلاثمائة.
ومما كُذِبَ به على شيخ الإسلام أنه قال: «الأشعريةُ أنصارُ أصولِ الدين، والعلماءُ أنصارُ فروع الدين»، وإنما هذه العبارة من كلام «أبي محمدٍ الجُوَيْنِيّ»، والدِ «أبي المَعالي»، وقد رجع في آخر عمره إلى عقيدة السلف، وشهِد له بذلك شيخُ الإسلام في مواضع.
ومناسبةُ فتوى «أبي محمدٍ» التي قال فيها تلك العبارةَ صدورُ مراسيمَ سُلطانية بلعن أصحاب البدع ومنهم الأشاعرة على المنابر.
قال شيخُ الإسلام في «المجموع»، في المجلد الرابع، في الصفحة السادسة عشرة: «وكذلك رأيتُ في فتاوى الفقيه «أبي محمدٍ» فتوى طويلة، قال فيها» [إلى أن يقول]، قال: «وأما لَعْنُ العلماء لأئمة الأشعرية-[هذا كلامُ الجُوَيْنِيّ]- فمَن لعنهم عُزِّر، وعادت اللعنةُ عليه، والعلماءُ أنصاُر فروع الدين، والأشعريةُ أنصارُ أصول الدين». اهـ
فسلخَ منَ كذب على شيخ الإسلام الكلامَ من سياقه -والكلامُ لأبي محمدٍ الجُوَيْنِيّ- وَسِيقَ كلامُ مَن كذب على شيخ الإسلام الكلامُ على أنه من كلامِ شيخ الإسلام نفسِه -رحمه الله تعالى-.
وقد قال شيخُ الإسلام في آخر ما نقَل من فتوى «أبي محمدٍ الجُوَيْنِيّ»: «وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّة الْكُلَّابِيَة - كَصَاحِبِ هَذَا الْكَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَمْثَالِهِ - كَيْفَ تَدَّعُونَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ وَغَايَةُ مَا عِنْدَ السَّلَفِ: أَنْ يَكُونُوا مُتابعين لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؟ -[ ثم قال ]- وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمْثَالُهُ قَدْ سَلَكُوا مَسْلَكَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنْ الْحَقَّ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ». اهـ
مصطلحُ أهلِّ السُّنة والجماعة يُطلق ويُراد به معنيان: المعنى الأعم، وهو: ما يُقابِل الشيعة؛ فيُقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهلُ السُّنة، والشيعة، مثلما عَنْوَنَ شيخُ الإسلام كتابَه في الردِّ على الرافضيّ، وهو كتاب: «منهاج السُّنة»، وقد بيّن فيه هذين المعنيين، وصرّح أنّ ما ذهبت إليه الطوائفُ المبتدعة من أهل السُّنة بالمعنى الأخص.
وهذا المعنى العام يدخل فيه كلُّ مَن سوى الشيعة كالأشاعرة، وهم متفقون مع أهل السُّنة فيما يتعلق بالصحابة والخلفاء، وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة بينهم وبين أهل السُّنة.
وأما أهلُ السُّنة بالمعنى الأخص: فهو ما يُقابِل المبتدعة، ويُقابِل أهل الأهواء، وهو الأكثرُ استعمالاً، وعليه كُتُب الجرح والتعديل؛ فإذا قالوا عن الرجل: إنه صاحبُ سنّة، أو كان سُنِّيًا، أو من أهل السُّنة، ونحوَها، فالمرادُ أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة وليس صاحبَ كلامٍ وهوى.
وهذا المعنى الأخص لا يدخلُ فيه الأشاعرةُ أبدًا، بل هم خارجون عنه، وقد نصّ الإمامُ (أحمدٍ) و(ابن المدينيّ) على أنّ مَن خاضَ في شيءٍ من علم الكلام لا يُعتبرُ من أهل السُّنة -وإنْ أصابَ بكلامه السُّنة!!- حتى يدع الجدلَ، ويُسلِّمَ للنصوص.
فلم يشترطوا موافقة السُّنة فحسب، بل التلقي والاستمدادَ منها؛ فمَن تلقَّى من السُّنة فهو من أهلها -وإنْ أخطأ-، ومَن تلقَّى من غيرها فقد أخطأ -وإنْ وافقها في النتيجة-.
والأشاعرة تلقوا واستمدوا من غير السُّنة، ولم يوافقوها في النتائج، فكيف يكونون من أهلها؟!
وهذا حُكْمُهُم عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء، فكيف بأئمة الجرح والتعديل من أصحاب الحديث؟!
الحنفية: (الطَّحاوي)، وشارحُ عقيدته حنفيان، وقد عاصرَ (الطَّحاويُّ) (الأشعريَّ)، وكتبَ عقيدته لبيان معتقد (أبي حنيفة) وأصحابه، وهي مشابهةٌ لما في الفقه الأكبر عنه -أي: عن أبي حنيفةَ -غفر الله له-.
وقد نقلوا عن (أبي حنيفة) أنه صرّح بكفر مَن قال: إنّ اللهَ ليس على العرش، أو توقف فيه، وتلميذُه «أبو يُوسف» كفَّر «بِشْرًا المرِّيسِيّ».
والمقررُ أنّ الأشاعرة ينفون العُلو، ويُنكرون كونه -تعالى- على العرش، وأصولُهم مُستمدَّة من «بِشْرٍ المرِّيسِيّ».
المالكية: روى (ابن عبدالبر) في «جامع بيان العِلم» بسنده عن ابن خُوَيْزِ مِنْدَاد أنه قال في كتاب الشهادات شرحًا لقول مالكٍ: «ولَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ والْأَهْوَاءِ»، قَالَ: «أَهْلُ الْأَهْوَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا هُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ؛ فَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ أَشْعَرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أَشْعَرِيٍّ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ فِي الْإِسْلَامِ أَبَدًا، وَيُهْجَرُ، وَيُؤَدَّبُ عَلَى بِدْعَتِهِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَيْهَا اسْتُتِيبَ مِنْهَا». اهـ
الشافعية:
قال «أبو العباس بن سُرَيج» -وقد كان معاصرًا للأشعرية-: «ولا نقولُ بتأويل المعتزلة، والأشعرية، والجهمية، والملاحدة، والمجسِّمة، والمشبِّهة، والكرَّامِيَّة، بل نقبلها بلا تأويلٍ، ونؤمنُ بها بلا تمثيل». اهـ
وقال «أبو الحسن الكَرْخِيّ»: «لم يزَل الأئمَّة الشافعية يَأْنفون ويستنكِفون أن يُنْسَبوا إلى الأشعري، ويتبرَّؤون مما بنَى الأشعريُّ مذهَبه عليه، ويَنْهَون أصحابهم وأحِبَّاءَهم عن الحَوْم حوالَيْه، على ما سمعتُ من عدَّةِ المشايخ والأئمة».
وضرب مَثَلاً بشيخ الشافعية في عصره؛ (أبي حامدٍ الإسْفِرَايَيْنِيّ)، قائلاً: «ومعلومٌ شدَّةُ الشيخ على أصحاب الكلام، حتى ميَّز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وبه اقتَدَى أبو إسحاق الشِّيرازي في كتابيه: "اللُّمَع"، و"التَّبصرة"، حتى لو وافق قولُ الأشعري وجهًا لأصحابنا مَيَّزه، وقال: هو قول بعض أصحابنا، وبه قالت الأشعريَّة، ولم يَعُدَّهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه، فضلاً عن أصول الدِّين». اهـ
الحنابلة:
موقفُ الحنابلة من الأشاعرة أشهرُ من أن يُذكَر، فمنذ بَدَّع الإمامُ أحمد (ابنَ كُلاَّب)، وأمَرَ بهجره - وهو المؤسِّس الحقيقي للمذهب الأشعري - لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام المُلْكِ - التي استطالوا فيها - وبعدَها كان الحنابلةُ يُخرِجون من بغداد كلَّ واعظٍ يخلط قصَصَه بشيء من مذهب الأشاعرة، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة - لاسيَّما الحنابلة - على محاربته؛ أصدر الخليفةُ «القادرُ» منشورَ "الاعتقاد القادريّ"، أوضح فيه العقيدةَ الواجب على الأُمَّة اعتقادُها سنةَ ثلاثٍ وثلاثين وأربعمائة.
ولم يكن ذَمُّ الأشاعرة وتبديعهم خاصًّا بأئمة المذاهب المعتبرين، بل هو منقولٌ أيضًا عن أئمة السلوك الذين كانوا أقربَ إلى السُّنة واتِّباع السلف.
وقد نقل شيخ الإسلام في «الاستقامة» كثيرًا من أقوالهِم في ذلك، وأنهم يَعتبرون عقيدة الأشعرية منافيًا لسلوك طريق الولاية والاستقامة، حتىَّ إنّ (عبدالقادر الجَيْلاني) لما سُئِل: هل كان لله وَلِيٌّ على غير اعتقاد (أحمد بن حنبل)؟! قال: «ما كان، ولا يكون».
هذه لمحةٌ خاطفة عن حُكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة، فما ظَنُّك بحكمهم عند رجال الجَرْح والتعديل ممن يعلم أنَّ مذهب الأشاعرة هو ردُّ خبر الآحاد جملة، وأنَّ في الصحيحين أحاديثَ موضوعةً أدخَلَها الزَّنادقة، وما يعتقدونه في صفة الكلام لله -جلّ وعلا-، وفي القرآن، وفي الصفات، إلى غير ذلك من الطَّوام.
فالحُكمُ الصحيح أنهم من أهل القِبلة -لا شكّ في ذلك- أما أنهم من أهل السُّنة، فلا.
وكُتُب الأشاعرة مملوءةٌ بشتم وتضليل وتبديع أهل السُّنة والجماعة، وأحيانًا بتكفيرهم!! وأهلُ السُّنة عندهم هم: الحشوية، المجسمة، النابتة، مُثْبِتوا الجهة، القائلون بأنّ الحوادثَ تحلُّ في الله -جلّ وعلا- إلى آخر أوصافهم عندهم.
ومن عَجَبٍ أنّ الماتُورِيدِيَّة -وهم أقربُ الفِرق إلى الأشاعرة، وأكثرُها اشتراكًا معهم في الأصول- يخرجون الأشاعرة من أهل السُّنة!!
والسؤالُ لـ «أبي الفتن»، ومُضِيفِيه من القُطْبِيِّين: هل من عقيدة السلف -أي مما كان عليه النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأصحابُه، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ تقديمُ العقل على النقل؟ أو نفي الصفات ما عدا المعنوية؟ وما عدا صفات المعاني؟
هل كان مما كان عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابُه، ومَن تبعهم بإحسانٍ الاستدلالُ بدليل الحُدُوثِ والقِدَم؟! أو الكلامُ عن الجَوهر والعَرَض والجسم والحال؟! أو الكلامُ عن نظرية الكَسْبِ؟! أو أنّ الإيمانَ هو مجردُ التصديق القلبيّ؟! أو القولُ بأنّ اللهَ لا داخلَ العالَم، ولا خارجَه، ولا فوقَه، ولا تحتَه؟! أو الكلامُ النفسيُّ الذي لا صيغةَ له؟! أو نَفْيُ قدرة العبدِ وتأثير المخلوقات؟! أو إنكارُ الحكمة والتعليل؟! إلى آخر ما في عقيدتهم.
هل كان هذا من اعتقاد رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؟! أهو من اعتقاد الصحابة؟! أهو من اعتقاد مَن تبعهم بإحسانٍ من القرون المُفَضَّلَة ومَن بعدهم؟!
السؤالُ لـ «أبي الفتن» الآن هو:
هل عقيدةُ الفِرقة الناجية هي ميراثُ النبوة، أو ميراثُ فلاسفة اليونان، ومُشْرِكي الصَّابِئَة، وزنادقة أهل الكتاب؟!
لو كان شيخُ الإسلام -رحمه الله- كما تصورونه للناس - خيانةً وخداعًا - على أنه طبعةٌ مُعَدَّلة تُناسب ما بعد أحداث الربيع العربيّ -كما يقولون- فغيرتموه كما تغيرتم!! وكما تغيّرت أمورٌ كثيرة..
لو كان كما تصورونه -رحمه الله- فلِمَ عقد له الأشاعرةُ المحاكمةَ الكبرى بسبب تأليف «العقيدة الواسطية»؟!، وأَوَّلُ ما وُجِّه إليه من الاتهامات هو: أنه قال في أولها: «فهذا اعتقادُ الفِرقة الناجية»، ووجدوا ما قرره -رحمه الله- مخالِفًا لما تقرر لديهم من أنّ الفِرقةَ الناجية هي الأشاعرة والماتُورِيديَّة.
وكان من جوابه -رحمه الله- لهم: أنه أحضر أكثر من خمسين كتابًا من كُتُب المذاهب الأربعة، وأهلِ الحديث، والصوفية، والمُتَكَلِّمين، كلُّها توافق ما في «الواسطية»، وبعضُها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة، وقد تحدّى الشيخُ مُحَاكِمِيه قائلاً: «قد أمهلتُ كلَّ مَن خالفني في شيءٍ منها لثلاثِ سنين؛ فإذا جاء بحرفٍ واحدٍ عن أحدٍ من القرون الثلاثة يخالف ما ذكرتُ، فأنا راجعٌ عنه».
قال -رحمه الله-: «ولم يستطع المتنازعون مع طول تفتيشهم كُتُبَ البلد وخزائنه أنْ يُخرِجوا ما يناقض ذلك عن أحدٍ من أئمة الإسلام وسلفِه».
قرر العقيدةَ الصحيحة، وكانت مخالفةً لعقيدة الجمهرة الغالبة -بل كانت حاكمةً- ومعلومٌ ما كان يِنُوشُ العالَم الإسلاميّ في وقته من مخاطر «التتر»، و«الصليبين»، و«الرافضة»، وما وقع بين المسلمين من الخلاف والاختلاف، وما عمَّ الربوعَ من الشرك والمحنة والفتنة والجهل، فلم يقل: نتكامل ولا نتآكل!! ولم يقل: نُصحِّح ولا نهدِم!!
أيُّ شيءٍ هذا؟!!
هذه قواعدُ أهل الزيغ والضلال والهوى، وإنما يُبَيِّن الحق، وبه تُنصر الأمّة، ويدعوا إليه، تجتمعُ القلوبُ عليه.
أما هذه الحُجج الفارغة، فإنها لا تزيدُ الأمّة إلا تأخرًا، ولا تزيد الأحوال إلا ضلالاً وضياعًا، ولا مخلصَ لنا ولا خروجَ لنا مما نحن فيه إلا بالعودة لكتاب الله، وسنّة رسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم- على فهم الصحابة ومَن تبعهم بإحسان، لا على فهم الخالِفِين المُتَخَلِّفِين المُخالِفِين الذين انتصبوا -ظلماً وعدوانًا وزورًا- في هذا الزمان كالأئمة المرشدين!! وهم أولى بهم وأحرى أن يجلسوا عند أقدام أهل العِلم؛ ليتعلموا من جديد؛ لأنّ منهجية العِلم قد فقدوها إذ لم يبدءوا منها، وهم من أهل التخليط والزيغ والهوى والضلال، فالله المستعان عليهم، وهو حسبنا ونِعم الوكيل.
أليس قد قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث الافتراق أنّ الأمّة ستفترق إلى ثلاثٍ وسبعين فِرقة كلُّها في النار إلا واحدة؟! وهي مَن كان على مِثل ما كان عليه وأصحابُه.
فهل عقائدُ الذين تُدافعون عنهم، وتَسْلُكونَهُم في الفِرقة الناجية، وتُدخلونهم في سواء أهل السُّنة والجماعة بالمعنى الخاص، هل هؤلاء عقائدهم ما كان عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-؟!! وما كان عليه أصحابُه -رضي الله عنهم-؟!!
هل سبُّ بعضِ الأنبياء، والاستهزاءُ بهم، وسبُّ الصحابة وشتمهم، ورميهم بالقبائح والنفاق، والغُثائية!! هي منهج الفِرقة الناجية؟!!
هل المنهج الأَفْيَح جعلَ حديث الافتراق: كلُّها في الجنة إلا واحدة؟!! أم هي نسخةٌ وجدتموها في مبنى عتيقٍ مظلم؟!! قُبِرَ عبر القرون حتى جئتم فَفَتَّشْتُم ونَقَّبْتُم مثلما يفعل لصوص الآثار، والمتاجرون بها، فاستخرجتم نصًا لحديث رسول الله، يقول: ستفترق الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فِرقة كلُّها في الجنة إلا واحدة!!
هل وجدتموه؟!!
لقد سألتُ الرجلَ -وهو إمامُ ضلالةٍ بحق، لا يُشَقُّ له غُبار- عن جريمة القذف التي تورطت فيها الجريدة التي تُصدرها القناةُ أو مَن يقومون عليها، وهم الذين يستضيفونه، فأجابَ بالإجمال حيث يجب التفصيلُ والبيانُ، وهي عادةُ أهل البدع.
فلمّا أعدتُ عليه السؤال، قال: ما لي أنا وللجريدة!! وهل أنا مُراسِلٌ لها؟!!
وهذا من عجيب مُغالطاته؛ لأنه هل يَلْزَمُ ألا يُسئلَ منسوبٌ إلى العِلم عن شيء حتى يكون قد جرَّبه ووقع فيه؟!!!
فمَن يجيب السائلين عن الحُكم في الزنا، وشُرب الخمر، وأكْل مال اليتيم، وقتْل النفس التي حرّمها اللهُ إلا بالحق، إلى غير ذلك من المحرمات؟!!
ومن مُراوغات الرجل أني سألته عن سبِّ «سيِّد قُطْب» لبعض الأنبياء، وشتمه، وسبِّه، ورميه بالنفاق لجملةٍ من الأصحاب.
فقال: ومَن أنتَ حتى تسألني؟!
وكانَ الجوابُ: ومَن أنتَ حتى لا تُسأل؟!
فأجابَ بجوابٍ عام، ولو كان الرجلُ لا يدعوا إلى أصولٍ فاسدةٍ يُبرِّر بها سبَّ «سيِّد قُطْب» وغيره من أهل البدع للأنبياء والأصحاب ما سألته أصلاً!!
ولكني أردتُ أن أرى كيف يُجْرِي قواعدَه ويُعْمِلَها في هذا الأمر خاصة، فأحالَ على كتابٍ له ساقط!! ودعا إلى الرجوع إليه، وصرَّحَ بأنه غيرُ مسئولٍ عمّن لم يقرأ.
وهذا عجيبٌ!! الرجلُ من المُطففين المُخْسِرين الذين يَكِيلون بمكيالين ويَزِنُون بميزانين: كنتُ قد أحلته على كتابٍ لي أو كتابين، فاستنكرَ ذلك، ولم أُحِلْهُ والأمرُ يحتاجُ إلى تفصيل وإلا لفصَّلْتُ له وما أَحَلْتُه، ولكن لأوفِّرَ عليه جهدًا يبذله، ولأستنقذَ له وقتًا -واأسفاه يُنفقه هو في محاربة السُّنة وأهلها!! ونصرة البدعة وأربابها!!- وعاد هو يُحيلُ على كتابه في موطنٍ لا تصحُّ فيه الإحالة، ولا يُجْدِي فيه إلا البيانُ والتفصيل.. مُطَفِّفٌ!! مُخْسِرٌ!! ضالٌ!! مُعَثَّرٌ!!
ولماذا لا تُجْرِي قواعدكَ على كلام «سيِّد قُطْب» خاصة فيما سألتكَ عنه؟! حتى تدفعَ عن الرجل ما يُرمى به، وحتى تهدأَ خواطرُ المختلفين حوله، حتى يعلمَ الناسُ جدوى منهجكَ الأفْيح، وفائدة «الموازنات»، و«ردِّ المُجْمَلِ على المُفَصَّل»، لماذا لا تفعل؟!!
أُعيدُ عليكَ الأسئلة، وأُطالبكَ بترك التهويل والإحالة والرَّوَغان -رَوغان الثعالب-، أُطالبكَ بالشروع في الإجابة عنها؛ فإنْ فعلتَ جَزَّيْنَاكَ خيرًا، وعلمنا صدقكَ في دعوتكَ، وإنْ حِدَّتَ فعليكَ من الله ما تستحقه؛ إذ تبثُّ البدعَ والفتنَ في أرجاء الدنيا من غير وَازعٍ من دينٍ ولا ضميرٍ.
وإني سائلكَ عن نفسكَ أولاً: ما حُكمُ سبِّكَ للصحابة بأنهم «غُثائية»؟!!
هو نفسه سبّ الصحابة!!، فهو يَحْطِبُ في هوى «سيِّد»، فكيف لا يُدافع عنه؟! وكيف ينقده؟!
ما حُكمُ سبِّكَ أنتَ للصحابة بأنهم «غُثائية»؟!! ثم قلتَ: «الغُثائية» شرٌ عظيمٌ!!
لقد قلتَ في شريط الفهم الصحيح لبعض أصول السلفية: «إنما الدعوةُ إلى الله في مثل هذه الحالة تسير على تأصيل، وعلى الحذر من الغُثائية .. الغُثائية ماذا جرى منها يوم حنين؟! - [كلامُه] - الغُثائية ماذا جرى منها يوم حنين؟! انكشفَ حتى كثيرٌ من الصالحين الصادقين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا تأمن الغُثائية، الغُثائية شرٌّ عظيم».
يقول: «الغثائية شرٌّ عظيم، وسُلّم للشيطان وحزبه للولوج في عُقر دار الدعوة؛ فأمرُ الغثائية أمرٌ مرفوض». اهـ
يريدُ أنْ يُحَذِّرَ من الغثائية في الدعوة، هذا شيءٌ حَسَن، ولكنْ لماذا تجعل الصحابةَ -رضي الله عنهم- أمثلةً مُختارة، ونماذجَ سيئة؟!! لماذا تختارهم أمثلةً للغثائية؟!! وللأصاغر الأراذل الأقزام -كما يقول- ولسوء الظن، ولو كان في «ابن صيّاد»..
جعل أبا سعيدٍ الخُدْرِيّ مثالاً لسوء الظن حتى ولو كان سوء الظن في «ابن صيّاد»، ذلك الكاهن!! فرمى أبا سعيدٍ الخُدْرِيّ بسوء الظن في «ابن صيّاد».
المنهجُ الأفيح يسعُ كلَّ أحدٍ إلا أهلَ السُّنة!!!
لماذا تجعلُ الصحابةَ أمثلةً مختارة، ونماذجَ سيئة للخلل في التربية؟!! وأنتَ تعلمُ أنّ رَمْي الصحابة بالخلل في التربية يتناولُ مُرَبِّيَهُم!! -صلى الله عليه وسلم-.
بل لماذا تَحْطِبُ في هوى «سيِّد قُطْب» وتُقَلِّده فترمي أنتَ رسولَ الله «موسى»، ونبي الله «داود» -عليهما الصلاة والسلام- بالعَجَلَة المذمومة؟!!! كما في شريطكَ «ذمُّ العَجَلَة».
لماذا اخترتَ «موسى» و«داودَ» من دون العالَمين؛ لتجعلهما -عليهما السلام- مثالين مضروبين لهذا الوصف المذموم؟!!
الغُثاءُ -كما في «النهاية» لابن الأثير-: «ما يجيءُ فوق السَّيل مما يحمله من الزَّبَدِ والوَسَخِ وغيرِه».
وفي «اللسان» مثلُه، وزادَ: «أراذِلُ الناس، وسُقَّاطُهم».
وقد ذَمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الغثائية، فقال عمن يكون في الأمّة آخرَ الزمان: «إنهم غثاءٌ كغثاء السَّيل».
فلم يجد إلا الصحابة -رضوان الله عليهم- نموذجًا للغثائية!!، ولم يجد إلا «موسى» و«داود» مثالاً للعجلة المذمومة!!
أهذا هو المنهج الذي يسعُ الأمّة؟!!
نعم!! لأنه يسعُ الروافضَ: يسبُّون الأصحاب، فلا بأس، منهجٌ أفيح!! مَن سبَّ الصحابة له فيه موضع!! بل مَن سبَّ الأنبياء له فيه مكان!!!
أهذا فِعْلُ السلف؟!
أهذا ما كان عليه العلماء؟!
أهذا ما جاءَ به رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!
أفيُقالُ هذا منكَ لأصحاب رسول الله؟! لماذا لم يسع منهجكَ الأفيح أصحابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم-؟!
بل لماذا لم يسع منهجكَ الأفيحُ «موسى» و«داود» -عليهما السلام-؟! لقد وَسِعَ كلَّ طوائف أهل البدع والأهواء!! بل اتَّسَعَ لليبراليين والعَلمانيين والديمقراطيين وغيرِهم!!
أفلا تحملُ مسالِكك هذه على إساءة الظن فيك وأنكَ عميلٌ مدسوسٌ من جهاتٍ أجنبية؛ لإفساد عقيدة المسلمين؟!
أفيجوزُ لأحدٍ أن يقول -أخْذًا من هذه الدلائل والشواهد-: إنه عميلٌ ماسونيّ!! مدسوسٌ على أمّة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لإفساد عقيدتها؟!
فأما أنا فلا يجوزُ ذلك عندي.
لا أريدُ أنْ أُفَصِّلَ لكَ في الذي تورطتَ فيه في حقِّ الصحابة جملةً وأعيانًا؛ لأني أبغي السترَ عليكَ والسلامةَ لك، ولكني أريدُ أنْ تخرجَ من هذا بإعمالكَ لقواعدكَ على كلامكَ هذا، وبالمرة على ما تورطَ فيه «سيِّد قُطْب» مما هو قريبٌ مما تورطّتَ فيه، من: الاستهزاء بـ «موسى» -عليه السلام-، ورَمْي «سليمان»، و«داود» بالسوءة الأخلاقية، ومن قوله القبيح في «هند بنت عُتْبَة»، ومن رميه «أبا سفيان» بالنفاق الأكبر، وأنّ الإسلامَ ما دخلَ قلبَه قط، ومن رَمْي «معاوية» و«عمرو» -رضي الله عنهما- بكل نقيصةٍ وسوء، وكذلك ما اجترمه في حق الخليفة الراشد «عثمان» -رضي الله عنه-.
نريدُ أنْ تُجْرِيَ قواعدكَ في «ردِّ المُجْمَلِ على المُفَصَّلِ»، وقواعدكَ في «الموازنة»، وفي «المنهج الأفيح» على كلامك أولاً في سبِّ الصحابة ولَمْز الأنبياء.
اخرجْ منها، ثم أجرِ ذلك على كلام «سيِّد قُطْب» في الصحابة والأنبياء، وكنْ رجلاً مرة ولا تُحِلْنا على كتابكَ، فلعله قد اتخذه الباعةُ قراطيسَ للبِّ!! والفول السوداني!!
هذا مطلبٌ عادلٌ، جئتَ بقواعد، طبِّقها لنا؛ فإنّ التطبيقَ يُقَرِّبُ لنا الأمورَ، ويُوَضِّحُ لنا ما خَفِيَ علينا مما هُديتَ إليه، ودُلِلْتَ عليه من شياطين الإنس والجن من تلك المَخازِيّ.
لقد كنتُ - وما زلتُ - أصفُ الرجلَ بالحماقة والعَتَه!! واعتقد لِحُمْقِه أني أسبُّه، وليس كذلك، بل أنا أُكْرِمُه: إذا وصفته بالحماقةِ أَكْرَمْتُه!! لأنّ البديلَ أنْ يُطْعَنَ في قلبه ودينه، والأوَّلُ أقربُ وأولى.
الرجلُ بدأَ يتعلَّمُ التمثيلَ بقواعده، ولكنْ بطريقةٍ فِجَّةٍ مَمْجُوجَة؛ فهو ممثلٌ مبتدئ، ولكنه في مدرسةٍ أستاذُها عريقٌ في التمثيل!! ولماذا لا يتعلمُ «أبو الفتن» التمثيلَ وهو مدفوعٌ من دارسِه، مُوَسْوَسٌ إليه منه.
الرجلُ يعيبُ على مخالفه الشتم والسب وهو سَبَّابٌ شَتَّامٌ، ومَن سَمِعَ غيرَ مخدوعٌ بدموع التماسيح، ولا ببراءة الأطفال في عينيه، ولا بمسوح الحُمْلان على قلب الذئبِ، رأى شتمَه ولمزَه لا تكادُ تخلو منه عبارة!!
وأتحدّى مُنصفًا لا يصفه بأنه سبَّابٌ شتَّامٌ!! وأولى به أن يقرأَ لنفسه كلامَ شيخ الإسلام في التعليق على كلام ابن الجوزي، وهو ما ساقه لمخالفه لأنه لا يعجزُ أحدٌ عن الشتم والسَّبِّ، وأنّ مَن قَصُرَ بُرهانُه طالَ لسانُه، هذا واللهِ أنتَ بها أولى، فليتكَ تتعلم مما يخرجُ من رأسكَ.
الرجلُ يدعو إلى الإنصاف ويرمي مخالفيه بأنهم يأتون بتصرفاتٍ مخابراتية، وهو أولى بالوصف منه: كلامُه كلُّه بلا أسانيد!! واتهاماته كلُّها اتهاماتٌ مُرسلَة مُطلَقة في موضِع التقييد!! كما يَعِيبُ مخالفيه ويفعلُ فِعلهم!! يقول: يُطلقون في موطن التقييد، وأما هو فمُطْلَقٌ من كلِّ قَيد!!
حُجج الرجل: التعميمُ، والإطلاقُ، والكذب: إنهم يفعلون! إنهم يقولون! وترى الواحدَ منهم! ويأتي إليكَ هذا! وفلانٌ يفعل! وفلانٌ يقول!
سهرةُ نساءٍ هي على «المَصْطَبَة»!! في ليلةٍ مُقْمِرَة؟!!
ما هذا الهُراء والعَبَث؟!! في وقتٍ تمر فيه الأمّة بما تمر به من مِحَن، كانوا من أسبابها، ويحملون كِفلاً من وِزْرِها، وما زالوا يخدعون الأمّة!! عليهم من الله ما يستحقونه.
حُججه: يقولون! يفعلون! كأنه لم يسمع قط قولَ الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «بئس مَطِيَّةُ الرجل زعموا».
حُججه: المدرسةُ من مبادئها، ومن أقوال تلامذتها، ولا يدري السامعون ولا المشاهدون ما يقصدُ بالمدرسة؟! ولا بمبادئها، ولا يعرفون شيئًا مما يتكلم عنه؛ إذ المعنى في بطنه هو، وما أَرْحَبَه!! ويُنَزِّل كلُّ سامعٍ كلامَه ما سَمِعَه على ما ظنه، والإثمُ في النهاية على «أبي الفتن».
يا رجل! إنّ ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، وإنك وإنّ غيرَكَ لن تُسقطوا رجلاً، ولن تصرفوا الناسَ عنه بالكذب والبهتان والافتراء.
إنّ ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، ألا تَتَّقِ اللهَ - عز وجل - في المسلمين؟!
إنّ الذي يخفضُ ويرفع هو الله، والذي يُعطي ويمنع هو الله، والذي يُعِزُّ ويُذِل هو الله، والذي يجمع القلوب ويُصَرِّفها هو الله، فدعكَ من هذه الأساليب المحقورة، وتُب إلى الله من الفتنة والإحداث في الأرض، ولا تكن لعّابًا بدينك آكلاً به عَرَضًا من الدنيا ولن ينفعكَ.
تُب إلى الله، وراجع تاريخكَ بينك وبين ربِّكَ، وابكِ على خطيئتك عسى اللهُ أنْ يفتحَ لكَ فتفهم، ويَفُضَّ مغاليقَ عقلكَ فتعلم.
وأسألُ اللهَ - جل وعلا - أن يكفينا شرَّ الأشرار، وحِقدَ الحاقدين الفُجّار، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأخيار الأطهار.
الخُطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
أفمَن ينتصبُ للتأصيل والتقعيد للأمّة، ويتبوأ هذا المقام لا يفهمُ قولَ مخالفه له: أنتَ مُقْبِلٌ على الحياة بلا مُبَرِّر؟!!
أفهذه العبارة عن أحدٍ من العقلاء، بل عند أحدٍ من بني آدم، تعني الطعنَ في حكمة الله؟!!
أفإنْ قلتُ لرجل: أنتَ مُقْبِلٌ على الحياة بلا مُبَرِّر. يقول: لقد طعنتَ في حكمة الله؟!! وأنه خلقَ المجانين والسفهاء كما خلق العقلاء والأسوياء.
لقد كنتُ ظننتُ أنّ الرجلَ يجلس بجوار صاحبه الذي يُحسن الظنَّ به ويدافع عنه في «كي جي وَن»!! فإذا بالرجل في قِماطِه بعد!! - والقِماطُ: اللّفَّة -.
لن أجودَ عليكَ بشرح العبارة، ولا بالتصريح بالمراد منها؛ لأنّ السلفَ نهوا عن بث الحكمة لمَن لا يستحقها وليس لها أهلاً.
هذا عقلُكَ وفهمُكَ؟!! وما أُعانيه في توضيح المعاني لكَ منذ ابتلاني اللهُ بالنظر في وجهكَ، وسماعي صوتكَ، ولا شكّ عندي أنه ابتلاءٌ بذنب، أستغفرُ اللهَ منه.
أيها الرجلُ الظالمُ نفسَه، المُضَيِّع لدينه، لقد ذكرتني طريقتُكَ في الفهم وردود أفعالك على كلام مخالفك بطُرفةٍ قديمةٍ كانت مُتَفَشِّيَةً في أوساط القرَويين، وذلك أنّ رجلاً عَلَتْ به السنون، فانقطع لخدمة المسجد والقيام عليه، ودخل ليلةً في السَّحَرِ الأعلى المسجدَ؛ ليتهجد ويُراعي المسجد، فوجد فاسقًا يَفْحُشُ بامرأةٍ عند المنبر؛ فذُهِلَ الرجل، وجعلَ يَبْصُقُ على الأرض مُحَوْقِلاً، مُتأذيًا، فسمعَ الفاسقُ الرجلَ باصقًا، وقال للمرأة مُتضرِّرًا: انظري إلى الرجل الكافر يَبْصُقُ في المسجد!!!
أخشى أنْ تجعلها من أدلتك على «الموازنات»!! والله المستعان.
أيها الظالمُ لنفسه، العابِث بمصادر التشريع لأمّته، لماذا وقد عبثتَ بالإجماع تضيفُ إلى مصادر التشريع فِعْلَ «قُطُز»؟!!
ومصادرُ التشريع أيتها الأمّة: الكتابُ والسُّنة والإجماعُ، وفِعْلُ «قُطُز»!!، و«الزَّنَاتِي خَلِيفَة»!!، و«المُرابِطيُّ»!! أفهذه استدلالاتٌ يأتي بها عاقلٌ؟!!
أفما تستحي؟!!
ولماذا لم تذكر على قاعدتك في «الموازنات» أنّ أميرَ المُرَابِطين أحرقَ كتابَ «إحياء علوم الدين»؟! لماذا لم تذكر هذا، واكتفيتَ بذكر الخروج والإجماع المُعَلَّلِ و«الطُّرْشِي»؟!!
يا «أبا الفتن» إنّ العِفْرِيتَ الذي يركبكَ، وما يَنْفَكُّ يردد بلسانك: فيها تفصيل.. فيها تفصيل، سوف يسوقك إلى حتفك -إنْ شاء الله-.
أفيبلغ بك وَلَعُكَ ببدعة «الموازنات» إلى تصوير شيخ الإسلام مُدافعًا عن «الحَلاّج»؟!! وليس فيما سُقْتَ دليلاً على ما سقته له!!
ماذا على الرجل من أهل العِلم أن يُجريَ قواعد العِلم الصحيح على ما يسمع ويقرأ؟!
نُقلَ إلى شيخِ الإسلام خبرٌ لم يقبله إلا بدليلٍ، والخبرُ متعلِّقٌ بـ «الحَلاّج»؛ فهو في الخبر لا في «الحَلاّج»، فردَّ الخبر وإنْ تعلَّقَ بمَن ذكر شيخُ الإسلام أنه قُتل على الزندقة.
وماذا تنتظرُ منه؟! أفلإنه -رحمه الله تعالى- يُبغِضُه، يظلِمُه؟!
ها أنتَ ذا على بُغضي لكَ في الله، وتقرُّبي إلى الله -تعالى- ببغضكَ، وتصريحي بأنك من أفحش أهل البدع على العقيدة والشريعة خطرًا ومَغَبَّة، ولكني لا أظلمكَ.
فلو جاء إليّ رجلٌ فزعم أنه أبصركَ عاريًا كما ولدتكَ أُمُّكَ!! ومع ذلك تمشي راقصًا في شارعٍ بمدينةٍ عيَّنَه وعيَّنَكَ، ما صَدَّقْتُه، ولا التفتُّ إلى قولِه، وإنْ كان الإسنادُ عاليًا؛ لأني لا أظلمكَ.
وأيُّ فائدةٍ لما ذكرته عن شيخ الإسلام في «الحَلاّج»، وقد قال فيه شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»، في المجلد الثاني، في الصفحة الحادية والثمانين بعد الأربعمائة: «وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مَخَارِيق، وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ، وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ، وَاتِّحَادِهِ بِهِ، وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ». اهـ
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله- بعد أن قال هذا: «وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ». اهـ
فما الفائدة في ذكر ما ذكرتَ؟!! إنّ العوام عندما يسمعون ذلك، وكذا عندما يسمعه طلابُ العِلم الذين تخدعهم، عندما يسمعون ذلك وأنتَ تدَّعي الإنصاف!! والموازنة!! وأنّ شيخَ الإسلام كان يأخذ بذلك!!
شيخُ الإسلام؟!! لقد أمضى معظمَ عمره في الرد على أهل البدع، وتعريتهم، وفضحهم، والإزراء بهم، لماذا لم تذكر كلامَه هذا في «الْحَلاّج»؟! حتى لا تُشوِّه جهادَ شيخ الإسلام الذي أنفق عُظْمَ عمره في محاربة البدع وأهلها، وعامةُ تراث شيخ الإسلام في هذا الشأن خاصة: في الرد على أهل البدع، حتى إنه لما طُلب منه: أنْ يُصنِّف كتابًا في الفقه على الأبواب، قال: هذا يستطيعه أيُّ طالب عِلم، وتفرّغ هو لما تفرّغ له -رحمةُ الله عليه-.
يا «أبا الفتن» إنّ منهجكَ الأفيح لم يضق عن أحدٍ إلا السلفيين الخُلَّص!!، ترميهم بكل باقِعَة، وتفتري عليهم كلَّ بُهتان، واللهُ -تعالى- المسئول أنْ يُنجِّي المسلمين من شرِّكَ.
أما «الشِّبْلِيُّ» فلعل المناسبة بينك وبينه هي التي عطفتكَ عليه؛ لأنه كان قد خُولِطَ في عقله - أي: الشِّبْلِيُّ - حتى إنه أتى به للمُشاكَلَة - ربما- وذكر أنه كان يُؤخذ إلى البيمارِسْتَان - قال: إلى العَبَّاسِيَّة - فدلَّ على نفسِه!!
قال «الشِّبْلِيُّ» - تبعًا لـ «أبي يزيد البِسْطَاميّ» في تعريف «الصوفية»، كما في الرسالة القُشَيْرِيَّة، في المجلد الثاني، في الصفحة الرابعة والخمسين بعد الخمسمائة -: «الصوفية: أطفالٌ في حِجْرِ الحق».
وقد سُئل «الشِّبْلِيُّ» عن التوحيد، فأجاب: «ويحكَ!! مَن أجاب عن التوحيد بالعبارة؛ فهو مُلْحِدٌ!، ومَن أشارَ إليه؛ فهو ثَنَوِيّ، ومَن أومأ إليه؛ فهو عابدُ وَثَنٌ، ومَن نطقَ بالتوحيد؛ فهو غافلٌ، ومَن سكتَ عنه؛ فهو جاهلٌ». اهـ كما في «حِلية الأولياء»، في المجلد العاشر، في الصفحة السادسة والسبعين بعد الثلاثمائة.
وقال - كما في الحِلية، في المجلد نفسِه، في الصفحة السبعين بعد الثلاثمائة -: «مَن اطلع على ذَرَّةٍ من عِلم التوحيد، حملَ السموات والأراضين على شَعْرَةٍ من جَفْنِ عينيه!!!».
يا (شَجِيع)!!
لقد قال «الحَلاّجُ» كما في «أخبار الحلاج»، في الصفحة السادسة والتسعين: «لم يكن في أهل السماءِ مُوَحِّدٌ مِثْلُ إبليس!!!»، وقد قال «الشِّبْلِيُّ» كما في كَشْف المحجوب للهِجْوِيرِىّ، في المجلد الأول، في الصفحة الثانية والستين بعد الثلاثمائة: «أنا و«الْحَلاّجُ» شيءٌ واحدٌ، فَخَلَّصَنِي جنوني وأهلكه عقلُه!!». اهـ
لقد جعلتَ منهجكَ الباطل في «الموازنات» و«المنهجَ الأفيح» مُنافِحًا حتى عن أصحاب الوَحدة!! -وَحدة الوجود-، وعن الاتحادية!!، ولا تتعجب، ولا تُنْكِر؛ فإنّ مُشاهديكَ لا يعلمون حقيقة ما تقول، ولا يدرون مقاصدكَ، وأنتَ تتمسكن لهم، وتُظْهِرُ الصفحَ عمّن تدَّعي ظلمه إياكَ، وجورَه عليكَ، وأنتَ الظالمُ الجائرُ، ولكنكَ تريد أن تظهرَ في صورة الولد «الجِنْتِل مَان!!» أمام المشاهدين، وربما أوحى إليكَ بها شيطانُكَ الإنسيّ أنْ تفعله، وربما أوحى إليكَ بها شيطانُكَ الجِنِّيّ .. لا فَارِق.
وهذا كلامُ شيخ الإسلام يبرأُ منكَ، ويبرأُ من أهل الاتحاد الذين تتورط في الدفاع عنهم، بل في جعل شيخ الإسلام -رحمه الله- مُدافعًا عنهم، واللهُ المستعان.
قال شيخُ الإسلام في مَعْرِض ردِّه على الاتحادية كما في «مجموع الفتاوى»، في المجلد الثاني، في الصفحة الثانية والثلاثين بعد المائة: «وَيَجِبُ عُقُوبَةُ كُلِّ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ أَوْ ذَبَّ عَنْهُمْ أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ أَوْ عَظَّمَ كُتُبَهُمْ أَوْ عُرِفَ بِمُسَاعَدَتِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمْ أَوْ كَرِهَ الْكَلَامَ فِيهِمْ أَوْ أَخَذَ يَعْتَذِرُ لَهُمْ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَدْرِي مَا هُوَ أَوْ مَنْ قَالَ إنَّهُ صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَعَاذِيرِ الَّتِي لَا يَقُولُهَا إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُنَافِقٌ؛ بَلْ تَجِبُ عُقُوبَةُ كُلِّ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمْ وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْقِيَامِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ الْقِيَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْسَدُوا الْعُقُولَ وَالْأَدْيَانَ عَلَى خَلْقٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَهُمْ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ». اهـ
كان ينبغي عليه على قاعدة «الموازنات» إذا ذكر «الْشِّبْلِيّ»، و«الحَلاّج»، و«ابن عَرَبِيّ»، وأتى بكلامٍ لشيخ الإسلام قد تعلّق بهم أن يأتي بكلام شيخ الإسلام فيهم، هذه هي «الموازنة» عنده، بل هي أوجبُ ما يكون، وإلا فإنه يكتفي بالوجه الحَسَن ويدعُ ما فيه حَطُّ عليهم وإزراءٌ بهم وجَرْحٌ لهم، فاللهُ حَسِيبُه.
ونُهدي إليه كلامَ الشيخ «بَكر بن أبي زيد» -رحمه الله- في «هجر المبتدع» بعد أنْ ساق النصَّ الذي قرأتُ عن شيخ الإسلام بشأن الاتحادية ثم علّق عليه قائلاً: «فرحم الله شيخ الإسلام «ابن تيمية»، وسقاه من سلسبيل الجنة -آمين-؛ فإنّ هذا الكلام في غاية الدقة والأهمية، وهو إنْ كان في خصوص مظاهرة (الاتحادية) - [ أي: تقوية الاتحادية، ومعاونة الاتحادية ] - لكنه ينتظمُ جميعَ المبتدعة.
فكلُّ مَن ظاهرَ مبتدعًا - [ أي: أعانه، أو آواه، أو قَوّاه، أو أثنى عليه، أو دافعَ عنه، أو نشر كُتُبَهُ، أو رَوّجَ لها، أو دافعَ عنه في وجه مَن يذُمها، ويُخَطِّئَهُ، ويُبَدِّعَهُ، ويُبَيِّنُ عُوَارَه للناس ] - فَعَظَّمَهُ، أو عَظَّمَ كُتُبَه، ونشرها بين المسلمين، ونفخَ به وبها، وأشاعَ ما بها من بدعٍ وضلالٍ، ولم يكشفه فيما لديه من زَيْغٍ واختلافٍ في الاعتقاد، إنّ مَن فعلَ ذلك؛ فهو مُفَرِّطٌ في أمرِه، واجبٌ قَطْعُ شرِّه؛ لئلا يتعدَّى إلى المسلمين.
وقد ابتُلينا بهذا الزمان بأقوامٍ على هذا المنوال: يُعَظِّمون المبتدعة، وينشرون مقالاتهم، ولا يُحَذِّرون من سَقْطاتهم، وما هم عليه من الضلال؛ فاحذروا أبا جهلٍ المبتدع هذا!! نعوذُ بالله من الشقاء وأهلِه». اهـ
هذا كلامُ الشيخ «بكر»، هو الذي يقول: «فاحذروا أبا الجهل المبتدع هذا!!»، هذا كلامُه، ليس بكلامي حتى لا يُحَمِّلَنِي أحدٌ ما لا أحتمل، نعوذُ بالله من الشقاء وأهلِه.
«المنهجُ الأفيح»، ومنهجُ «الموازنات» ضدُّ التصفية والتربية.
التصفية والتربية، هي: ما جاء به رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، تصفيةُ الإسلام مما عَلَقَ به عبر القرون في: الاعتقاد، والعبادة، والمعاملة، والأخلاق، والسلوك، حتى يعودَ نقيًّا صافيًا كما جاء به رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وتربية الأمّة على هذا الإسلام المُصَفَّى كما في صحيح سنن أبي داود: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ».
فلابدَّ من الرجوع إلى الدين، وقد أضافه إلينا «إِلَى دِينِكُمْ»، وديننا: هو ما جاءَ به نبيُّنا.
فلابد من معرفة الدين المرجوع إليه، ولابد من معرفة الطريق المُفْضِيَةِ إليه، ولابد من التربية على هذا الدين المُصَفَّى الذي جاء به خاتَم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم-، هذه هي التصفيةُ والتربيةُ.
منهجُ «الموازنات»، و«المنهجُ الأفيح» ضدُّ التربية والتصفية!! إذًا هو ضدُّ منهج السلف!!
هذا منهجُ أهل البدع: لا تصفية وإنما هي أخلاق، وتربيةُ على الأخلاق؛ فأنَّى يكونُ الخروج من المَأْزِق؟! ومتى يكون؟!
اللهم إنّا نشكو إليكَ ضعفَ قُوَّتِنَا، وقِلَّةَ حِيلتنا، وهواننا على الناس، يا أرحمَ الراحمين أنتَ ربُّ المُستضعفين وأنتَ ربُّنا..
اللهم يا ربَّ العالمين هَيِّئ لهذا الأمّة أمرَ رُشْدٍ: تُخْرِصُ فيه ألسنةَ أهل البدع والأهواء، وتُنْطِقُ فيه ألسنةَ أهل الحق والرشاد، يا ربَّ العالمين، ويا أرحمَ الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
18 من ربيع الثاني 1433هـ، الموافق 11-03-2012 م.
فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللَ ==== جلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ التاسع من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على الضال المُضِل (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 16 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 9-3-2012 م
عناصر الخطبة
1- قناة «النِّقْمَة» تُمارِسُ أخطرَ خيانةٍ علمية في تاريخنا المعاصر!! وهي -باختصار-: إعادةُ صياغةٍ لشيخِ الإسلام «ابن تيمية» وتراثه العِلمي.
2- محاولات (أبي الفتن)، وقناة (النِّقْمَة) المُستميتة لتشويه صورة شيخ الإسلام -رحمه الله-؛ وذلك بإظهاره مُنافِحًا عن التصوف الذي يعرفه الناس ويمارسون طقوسه، ولابسًا ثَوبَ الرضا عن الأشاعرة وأهل التعطيل!!
3- (أبو الفتن) يدلِّس على شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ويحاول إيجاد ابنَ تيمية جديد بعد الربيع العربي يقول بالموازنات؛ ليُصبح ابن تيمية في ثَوبٍ جديد من إنتاجِ سنة ألفين و«اتْنَاش»!! كما يقول «أبو الفتن»: «اِتْنَاش»!!
4- أقوال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الصوفية والأشاعرة.
5- أقوال أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء في الأشعرية، وهل استخدموا منهج الموازنات لبيان منهج الأشاعرة؟!
6- السؤال المطروح على (أبي الفتن) هل قدَّم الأئمة الأربعة العقل على صريح وصحيح النقل؟!
7- علمًا بأنّ (أبا الفتن) لم يُجِبْ عن الأسئلة السابقة ويراوغ ويتهرب منها ويحيد عن الإجابة عنها.
8- (أبو الفتن) يدافع عن أهل البدع والأهواء المعاصرين، ويسب الأنبياء والصحابة في أحد شرائطه المسجلة بصوته .
9- أسئلة جديدة مطروحة على (أبي الفتن) ومطلوبٌ الإجابة عنها مع الأسئلة السابقة: ما هو تبريرك ودفاعك لطعنك في الأنبياء والصحابة؟! وما تبريرك ودفاعك عن سيد قطب لطعنه في الأنبياء والصحابة؟!
10- طريقةُ (أبي الفتن) في الفهم وردود أفعاله على كلام مُخالفه كقصة الرجل الذي فعل الفاحشة مع امرأة في المسجد ودخل مؤذِّن المسجد عليهم...
11- أقوال شيخ الإسلام -رحمه الله- في (الحَلاّج)، ومنها: (مَن اعتقد ما يعتقدهُ (الحَلاّج) من المقالات التي قُتل عليها؛ فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحـاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحـاد.
12- أقوال شيخ الإسلام في مشايخ الصوفية كأمثال (الشِّبْلِيّ) وغيره.
13- منهج (الموازنات) ضدُّ منهج (التصفية والتربية)، أي: ضدُّ منهج السلف!! [نقلاً عن صفحة "مجموعة دروس فضيلة الشيخ محمد سعيد الرسلان" على الفيس بوك بتصرفٍ يسيرٍ].
التفريغ
لتحميل التفريغ بصيغة PDF
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
أو
لتحميل التفريغ بصيغة DOC
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
صورة من ملف التفريغ:
القراءة المباشرة
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فإنّ المؤامرةَ التي تُنسج خيوطُها، وتُحاك أطرافُها في قناة «النِّقْمَة!!» من أعظم المؤامرات التي تتعرض لها العقيدة الصحيحة والدِّيانة المُطَهَّرَة.
لقد حاولَ شيخُها من قبل أن يُصوِّر شيخَ الإسلام «ابن تيمية» مُنافِحًا عن التَّصوف الذي يعهده الناس ويمارسون طقوسه!!، وذلك بسلخ بعض نصوص شيخ الإسلام من سياقاتها، ووضعها في غير مواضعها.
وكذلك أظهرَ شيخَ الإسلام -رحمه الله- لابسًا ثَوبَ الرضا عن الأشاعرة وأهل التعطيل!!، فهل فَعل ذلك جهلاً -وهو به حَقِيقٌ-، أو خيانةً وتزويرًا لجمع الأمّة -بزعمه- بدعوى التكامل لا التآكل.
ثم اِسْتُقْدِمَ «أبو الفتن» فجاء بثاراته مُثْخَنًا بجروحه النازفات من معاركه الفاشلات، ومواقعه الخاسرات التي خاضها مع أهل السُّنة مُنافِحًا عن البدع وأهلِها.
جاء «أبو الفتن» مُسلَّحًا بأصوله الفاسدة، وقواعدِه الباطلة؛ ليُفْسِدَ على المسلمين دينَهم، ويُلَبِّسَ على المؤمنين عقيدتَهم، ولتتماها بدعوته الضالات المُضِلِّة الحدودُ بين الحقِّ والباطل، والهُدى والضلال، والسُّنة والبدعة، بل بين الشرك والتوحيد، والإيمان والكُفر!!
واستعملَ للوصول إلى تلك الغايات الدَّنيئة نصوصَ شيخِ الإسلام -رحمه الله- فسلخها من مواضعها تارةً، وأنزلها على غير منازلها تارات، وحمَّلها ما هي منه بريئة، بل فسَّرها بما تدل على نقيضه!!
لقد جاءَ الرجلُ ببدعه وما حُمِّلَ من أَوْزَارِه على ظهره، فألقى بحِمْلِه في تلك القناة الملعونة!! لتبوءَ بإثمها وإثمه، ولتحملَ مع أوزارها وِزْرَه بما كانت فيه سببًا، وصارتْ إليه وسيلة، وراحت تبثُّ سمومَها، وتنشر بدعها، لا ترْقُبُ ولا يرْقُبُ في مؤمنٍ إِلاً ولا ذِمَّة.
لقد جاء «أبو الفتن» بأصوله الباطلة، من: «المنهج الأَفْيَح»، «وردِّ المُجْمَلِ على المُفَصَّلِ»، و«الموازنات»، و«نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، وغيرِها، وأخرج للناس كلامَ شيخ الإسلام من خلالها؛ فأظهرَ للناس «ابن تيمية» جديدًا!! لا يعرفه أهلُّ العِلم بالكتاب والسُّنة حتى أعادَ صياغتَه من خلال إخضاع كلامه لتلك الأصول الفاسدة، والقواعد المُنحرِفة الباطلة.
وبالجملة ففي قناة «النِّقْمَة» تُمارَسُ أخطرُ خيانةٍ علمية في تاريخنا المعاصر!! وهي -باختصار-: إعادةُ صياغة لشيخ الإسلام «ابن تيمية» وتراثه العِلمي.
أهو عن تَوَاصٍ به؟! أم «وافقَ شَنٌ طَبَقَة»؟! أهو أمرٌ بُيِّتَ بليل خيانةً وخديعة؟! أم هو مما تواطأت عليه خواطرُ السُّوء؟! فتوافقتْ عليه إراداتُ الشر.
لقد أظهروا للناس شيخَ الإسلام في ثَوبٍ جديد من إنتاجِ سنة ألفين و«اتْنَاش»!! كما يقول «أبو الفتن»: «اِتْنَاش»!!
فهل هو لزومُ ما جدَّ على الناس من ثورات وتحرر؟! أو هو اكتشافُ شيخ الإسلام حيث لم يعرفه علماء الأمّة عبر القرون، وعرفه هؤلاء النَّوْكَى؟!
لقد أظهروا للناس باسم «الموازنات» شيخَ الإسلام مُنافِحًا عن المعتزلة والأشاعرة، مُحاميًا عن (الحَلاّج)، و(الشِّبْلِيّ) مُلْتَمِسًا المعاذيرَ لـ (ابن عربي)!!
فكأنّ شيخَ الإسلام الذي يُعادُ إنتاجُ تراثه يقول بـ «المنهج الأَفْيَح»!!، وبـ «الموازنات»!!، وبـ «ردِّ المُجْمَل على المُفَصَّل»!!، وبـ «نُصَحِّح ولا نَهْدِم»!!، وغيرِها من أصول «أبي الفتن» الباطلة.
لقد ألَّفَ شيخُ الإسلام الكُتبَ في الرد على أهل البدع، وفي ضمنها الردُّ على الأشاعرة، صنَّفَ في الرد عليهم نصًا: «دَرْءُ تعارضِ العقل والنَّقل»، وهو كلُّه: «عليهم بالأصالة» كما نصَّ عليه في المقدمة.
وصنَّفَ بيان تلبيس الجهمية المُسمَّى بـ «نَقْض التأسيس»، ورد فيه على إمامهم الثاني «الفخر الرازي» صاحب «تأسيس التقديس»، أو «أساس التقديس».
وصنَّفَ «التسعينية»، وهي: التي كتبها في الأشهر الأخيرة من حياته -رحمه الله- جوابًا عن محاكمة الأشاعرة له.
وصنَّفَ «شرحَ العقيدة الأصبهانية»، وهو شرحٌ لعقيدة «الشمس الأصبهانيّ» التي جرى فيها على بعض أصول الأشاعرة.
وصنّف «الفتوى الحَمَوِيَّة»، و«الرسالة المدنية»، و«النبوات»، وهو: نَقْضٌ لكلام «الباقِلانيّ» خاصة، والأشاعرة عامةً في النبوات.
وصنّف «القاعدة المُراكِشية»، وهي: كالبيان لمذهب الإمام «مالك»، وأئمة المالكية في العقيدة ضد المتأخرين من مالكية المغاربة المائلين إلى مذهب الأشعرية.
وصنّف «المناظرة في العقيدة الواسطية» ألَّفها في محاكمة الأشاعرة له بسبب «الواسطية».
وصنّف «الاستقامة»: كَتَبَهُ نقضًا لكتاب «القُشَيْرِيّ» الصوفيّ الأشعريّ، وبيّن فيه أنّ عقيدة أئمة السلوك المُعْتَبَرِين هي مذهبُ السلف، وأنّ بداية الانحراف في العقيدة عند المنتسبين للتصوف في الجملة إنما جاءت متأخرةً في أوائل القرن الخامس حين انتشر مذهبُ الأشعرية.
ولم يصدر من شيخِ الإسلام -رحمه الله- مَدْحٌ مطلقٌ للأشاعرة أبدًا، وإنما غايةُ ما كان من ذلك كما في المجلد الثاني عشر من «الفتاوى» أنْ يصفهم بأنهم: أقربُ من غيرهم، وأنّ مذهبَهم مُرَّكَبٌ من الوحي والفلسفة، أو يمدحُ المشتغلين منهم بالحديث -لا لكونهم أشاعرة، ولكن لاشتغالهم بالسُّنة- مع سؤال المغفرة لهم فيما وافقوا فيه مُتَكَلِّمي مذهبهم.
ولكنّ هذا أقلُّ بكثير من المواضع التي صرَّحَ فيها بتبديعهم وتضليلهم وفساد منهجهم، فهذه أكثرُ من أنْ تُحصى، كما أنه حدّد -رحمه الله- متى يُعدُّ المنتسبُ إلى الأشعريّ من أهل السُّنة، فقال:
«أما مَن قال منهم بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره، ولم يُظْهِر مقالةً تُناقض ذلك؛ فهذا يُعد من أهل السنة، لكنّ مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة، لاسيما لأنه بذلك يُوهِمُ حُسْنًا لكـل مَن انتسب هـذه النسبة، ويفتح بـذلك أبـواب شر». اهـ
ذكرَ ذلك في «مجموع الفتاوى» في المجلد التاسع، في الصفحة التاسعة والخمسين بعد الثلاثمائة.
ومما كُذِبَ به على شيخ الإسلام أنه قال: «الأشعريةُ أنصارُ أصولِ الدين، والعلماءُ أنصارُ فروع الدين»، وإنما هذه العبارة من كلام «أبي محمدٍ الجُوَيْنِيّ»، والدِ «أبي المَعالي»، وقد رجع في آخر عمره إلى عقيدة السلف، وشهِد له بذلك شيخُ الإسلام في مواضع.
ومناسبةُ فتوى «أبي محمدٍ» التي قال فيها تلك العبارةَ صدورُ مراسيمَ سُلطانية بلعن أصحاب البدع ومنهم الأشاعرة على المنابر.
قال شيخُ الإسلام في «المجموع»، في المجلد الرابع، في الصفحة السادسة عشرة: «وكذلك رأيتُ في فتاوى الفقيه «أبي محمدٍ» فتوى طويلة، قال فيها» [إلى أن يقول]، قال: «وأما لَعْنُ العلماء لأئمة الأشعرية-[هذا كلامُ الجُوَيْنِيّ]- فمَن لعنهم عُزِّر، وعادت اللعنةُ عليه، والعلماءُ أنصاُر فروع الدين، والأشعريةُ أنصارُ أصول الدين». اهـ
فسلخَ منَ كذب على شيخ الإسلام الكلامَ من سياقه -والكلامُ لأبي محمدٍ الجُوَيْنِيّ- وَسِيقَ كلامُ مَن كذب على شيخ الإسلام الكلامُ على أنه من كلامِ شيخ الإسلام نفسِه -رحمه الله تعالى-.
وقد قال شيخُ الإسلام في آخر ما نقَل من فتوى «أبي محمدٍ الجُوَيْنِيّ»: «وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّة الْكُلَّابِيَة - كَصَاحِبِ هَذَا الْكَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَمْثَالِهِ - كَيْفَ تَدَّعُونَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ وَغَايَةُ مَا عِنْدَ السَّلَفِ: أَنْ يَكُونُوا مُتابعين لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؟ -[ ثم قال ]- وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمْثَالُهُ قَدْ سَلَكُوا مَسْلَكَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنْ الْحَقَّ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ». اهـ
مصطلحُ أهلِّ السُّنة والجماعة يُطلق ويُراد به معنيان: المعنى الأعم، وهو: ما يُقابِل الشيعة؛ فيُقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهلُ السُّنة، والشيعة، مثلما عَنْوَنَ شيخُ الإسلام كتابَه في الردِّ على الرافضيّ، وهو كتاب: «منهاج السُّنة»، وقد بيّن فيه هذين المعنيين، وصرّح أنّ ما ذهبت إليه الطوائفُ المبتدعة من أهل السُّنة بالمعنى الأخص.
وهذا المعنى العام يدخل فيه كلُّ مَن سوى الشيعة كالأشاعرة، وهم متفقون مع أهل السُّنة فيما يتعلق بالصحابة والخلفاء، وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة بينهم وبين أهل السُّنة.
وأما أهلُ السُّنة بالمعنى الأخص: فهو ما يُقابِل المبتدعة، ويُقابِل أهل الأهواء، وهو الأكثرُ استعمالاً، وعليه كُتُب الجرح والتعديل؛ فإذا قالوا عن الرجل: إنه صاحبُ سنّة، أو كان سُنِّيًا، أو من أهل السُّنة، ونحوَها، فالمرادُ أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة وليس صاحبَ كلامٍ وهوى.
وهذا المعنى الأخص لا يدخلُ فيه الأشاعرةُ أبدًا، بل هم خارجون عنه، وقد نصّ الإمامُ (أحمدٍ) و(ابن المدينيّ) على أنّ مَن خاضَ في شيءٍ من علم الكلام لا يُعتبرُ من أهل السُّنة -وإنْ أصابَ بكلامه السُّنة!!- حتى يدع الجدلَ، ويُسلِّمَ للنصوص.
فلم يشترطوا موافقة السُّنة فحسب، بل التلقي والاستمدادَ منها؛ فمَن تلقَّى من السُّنة فهو من أهلها -وإنْ أخطأ-، ومَن تلقَّى من غيرها فقد أخطأ -وإنْ وافقها في النتيجة-.
والأشاعرة تلقوا واستمدوا من غير السُّنة، ولم يوافقوها في النتائج، فكيف يكونون من أهلها؟!
وهذا حُكْمُهُم عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء، فكيف بأئمة الجرح والتعديل من أصحاب الحديث؟!
الحنفية: (الطَّحاوي)، وشارحُ عقيدته حنفيان، وقد عاصرَ (الطَّحاويُّ) (الأشعريَّ)، وكتبَ عقيدته لبيان معتقد (أبي حنيفة) وأصحابه، وهي مشابهةٌ لما في الفقه الأكبر عنه -أي: عن أبي حنيفةَ -غفر الله له-.
وقد نقلوا عن (أبي حنيفة) أنه صرّح بكفر مَن قال: إنّ اللهَ ليس على العرش، أو توقف فيه، وتلميذُه «أبو يُوسف» كفَّر «بِشْرًا المرِّيسِيّ».
والمقررُ أنّ الأشاعرة ينفون العُلو، ويُنكرون كونه -تعالى- على العرش، وأصولُهم مُستمدَّة من «بِشْرٍ المرِّيسِيّ».
المالكية: روى (ابن عبدالبر) في «جامع بيان العِلم» بسنده عن ابن خُوَيْزِ مِنْدَاد أنه قال في كتاب الشهادات شرحًا لقول مالكٍ: «ولَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ والْأَهْوَاءِ»، قَالَ: «أَهْلُ الْأَهْوَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا هُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ؛ فَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ أَشْعَرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أَشْعَرِيٍّ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ فِي الْإِسْلَامِ أَبَدًا، وَيُهْجَرُ، وَيُؤَدَّبُ عَلَى بِدْعَتِهِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَيْهَا اسْتُتِيبَ مِنْهَا». اهـ
الشافعية:
قال «أبو العباس بن سُرَيج» -وقد كان معاصرًا للأشعرية-: «ولا نقولُ بتأويل المعتزلة، والأشعرية، والجهمية، والملاحدة، والمجسِّمة، والمشبِّهة، والكرَّامِيَّة، بل نقبلها بلا تأويلٍ، ونؤمنُ بها بلا تمثيل». اهـ
وقال «أبو الحسن الكَرْخِيّ»: «لم يزَل الأئمَّة الشافعية يَأْنفون ويستنكِفون أن يُنْسَبوا إلى الأشعري، ويتبرَّؤون مما بنَى الأشعريُّ مذهَبه عليه، ويَنْهَون أصحابهم وأحِبَّاءَهم عن الحَوْم حوالَيْه، على ما سمعتُ من عدَّةِ المشايخ والأئمة».
وضرب مَثَلاً بشيخ الشافعية في عصره؛ (أبي حامدٍ الإسْفِرَايَيْنِيّ)، قائلاً: «ومعلومٌ شدَّةُ الشيخ على أصحاب الكلام، حتى ميَّز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وبه اقتَدَى أبو إسحاق الشِّيرازي في كتابيه: "اللُّمَع"، و"التَّبصرة"، حتى لو وافق قولُ الأشعري وجهًا لأصحابنا مَيَّزه، وقال: هو قول بعض أصحابنا، وبه قالت الأشعريَّة، ولم يَعُدَّهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه، فضلاً عن أصول الدِّين». اهـ
الحنابلة:
موقفُ الحنابلة من الأشاعرة أشهرُ من أن يُذكَر، فمنذ بَدَّع الإمامُ أحمد (ابنَ كُلاَّب)، وأمَرَ بهجره - وهو المؤسِّس الحقيقي للمذهب الأشعري - لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام المُلْكِ - التي استطالوا فيها - وبعدَها كان الحنابلةُ يُخرِجون من بغداد كلَّ واعظٍ يخلط قصَصَه بشيء من مذهب الأشاعرة، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة - لاسيَّما الحنابلة - على محاربته؛ أصدر الخليفةُ «القادرُ» منشورَ "الاعتقاد القادريّ"، أوضح فيه العقيدةَ الواجب على الأُمَّة اعتقادُها سنةَ ثلاثٍ وثلاثين وأربعمائة.
ولم يكن ذَمُّ الأشاعرة وتبديعهم خاصًّا بأئمة المذاهب المعتبرين، بل هو منقولٌ أيضًا عن أئمة السلوك الذين كانوا أقربَ إلى السُّنة واتِّباع السلف.
وقد نقل شيخ الإسلام في «الاستقامة» كثيرًا من أقوالهِم في ذلك، وأنهم يَعتبرون عقيدة الأشعرية منافيًا لسلوك طريق الولاية والاستقامة، حتىَّ إنّ (عبدالقادر الجَيْلاني) لما سُئِل: هل كان لله وَلِيٌّ على غير اعتقاد (أحمد بن حنبل)؟! قال: «ما كان، ولا يكون».
هذه لمحةٌ خاطفة عن حُكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة، فما ظَنُّك بحكمهم عند رجال الجَرْح والتعديل ممن يعلم أنَّ مذهب الأشاعرة هو ردُّ خبر الآحاد جملة، وأنَّ في الصحيحين أحاديثَ موضوعةً أدخَلَها الزَّنادقة، وما يعتقدونه في صفة الكلام لله -جلّ وعلا-، وفي القرآن، وفي الصفات، إلى غير ذلك من الطَّوام.
فالحُكمُ الصحيح أنهم من أهل القِبلة -لا شكّ في ذلك- أما أنهم من أهل السُّنة، فلا.
وكُتُب الأشاعرة مملوءةٌ بشتم وتضليل وتبديع أهل السُّنة والجماعة، وأحيانًا بتكفيرهم!! وأهلُ السُّنة عندهم هم: الحشوية، المجسمة، النابتة، مُثْبِتوا الجهة، القائلون بأنّ الحوادثَ تحلُّ في الله -جلّ وعلا- إلى آخر أوصافهم عندهم.
ومن عَجَبٍ أنّ الماتُورِيدِيَّة -وهم أقربُ الفِرق إلى الأشاعرة، وأكثرُها اشتراكًا معهم في الأصول- يخرجون الأشاعرة من أهل السُّنة!!
والسؤالُ لـ «أبي الفتن»، ومُضِيفِيه من القُطْبِيِّين: هل من عقيدة السلف -أي مما كان عليه النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأصحابُه، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ تقديمُ العقل على النقل؟ أو نفي الصفات ما عدا المعنوية؟ وما عدا صفات المعاني؟
هل كان مما كان عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابُه، ومَن تبعهم بإحسانٍ الاستدلالُ بدليل الحُدُوثِ والقِدَم؟! أو الكلامُ عن الجَوهر والعَرَض والجسم والحال؟! أو الكلامُ عن نظرية الكَسْبِ؟! أو أنّ الإيمانَ هو مجردُ التصديق القلبيّ؟! أو القولُ بأنّ اللهَ لا داخلَ العالَم، ولا خارجَه، ولا فوقَه، ولا تحتَه؟! أو الكلامُ النفسيُّ الذي لا صيغةَ له؟! أو نَفْيُ قدرة العبدِ وتأثير المخلوقات؟! أو إنكارُ الحكمة والتعليل؟! إلى آخر ما في عقيدتهم.
هل كان هذا من اعتقاد رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؟! أهو من اعتقاد الصحابة؟! أهو من اعتقاد مَن تبعهم بإحسانٍ من القرون المُفَضَّلَة ومَن بعدهم؟!
السؤالُ لـ «أبي الفتن» الآن هو:
هل عقيدةُ الفِرقة الناجية هي ميراثُ النبوة، أو ميراثُ فلاسفة اليونان، ومُشْرِكي الصَّابِئَة، وزنادقة أهل الكتاب؟!
لو كان شيخُ الإسلام -رحمه الله- كما تصورونه للناس - خيانةً وخداعًا - على أنه طبعةٌ مُعَدَّلة تُناسب ما بعد أحداث الربيع العربيّ -كما يقولون- فغيرتموه كما تغيرتم!! وكما تغيّرت أمورٌ كثيرة..
لو كان كما تصورونه -رحمه الله- فلِمَ عقد له الأشاعرةُ المحاكمةَ الكبرى بسبب تأليف «العقيدة الواسطية»؟!، وأَوَّلُ ما وُجِّه إليه من الاتهامات هو: أنه قال في أولها: «فهذا اعتقادُ الفِرقة الناجية»، ووجدوا ما قرره -رحمه الله- مخالِفًا لما تقرر لديهم من أنّ الفِرقةَ الناجية هي الأشاعرة والماتُورِيديَّة.
وكان من جوابه -رحمه الله- لهم: أنه أحضر أكثر من خمسين كتابًا من كُتُب المذاهب الأربعة، وأهلِ الحديث، والصوفية، والمُتَكَلِّمين، كلُّها توافق ما في «الواسطية»، وبعضُها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة، وقد تحدّى الشيخُ مُحَاكِمِيه قائلاً: «قد أمهلتُ كلَّ مَن خالفني في شيءٍ منها لثلاثِ سنين؛ فإذا جاء بحرفٍ واحدٍ عن أحدٍ من القرون الثلاثة يخالف ما ذكرتُ، فأنا راجعٌ عنه».
قال -رحمه الله-: «ولم يستطع المتنازعون مع طول تفتيشهم كُتُبَ البلد وخزائنه أنْ يُخرِجوا ما يناقض ذلك عن أحدٍ من أئمة الإسلام وسلفِه».
قرر العقيدةَ الصحيحة، وكانت مخالفةً لعقيدة الجمهرة الغالبة -بل كانت حاكمةً- ومعلومٌ ما كان يِنُوشُ العالَم الإسلاميّ في وقته من مخاطر «التتر»، و«الصليبين»، و«الرافضة»، وما وقع بين المسلمين من الخلاف والاختلاف، وما عمَّ الربوعَ من الشرك والمحنة والفتنة والجهل، فلم يقل: نتكامل ولا نتآكل!! ولم يقل: نُصحِّح ولا نهدِم!!
أيُّ شيءٍ هذا؟!!
هذه قواعدُ أهل الزيغ والضلال والهوى، وإنما يُبَيِّن الحق، وبه تُنصر الأمّة، ويدعوا إليه، تجتمعُ القلوبُ عليه.
أما هذه الحُجج الفارغة، فإنها لا تزيدُ الأمّة إلا تأخرًا، ولا تزيد الأحوال إلا ضلالاً وضياعًا، ولا مخلصَ لنا ولا خروجَ لنا مما نحن فيه إلا بالعودة لكتاب الله، وسنّة رسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم- على فهم الصحابة ومَن تبعهم بإحسان، لا على فهم الخالِفِين المُتَخَلِّفِين المُخالِفِين الذين انتصبوا -ظلماً وعدوانًا وزورًا- في هذا الزمان كالأئمة المرشدين!! وهم أولى بهم وأحرى أن يجلسوا عند أقدام أهل العِلم؛ ليتعلموا من جديد؛ لأنّ منهجية العِلم قد فقدوها إذ لم يبدءوا منها، وهم من أهل التخليط والزيغ والهوى والضلال، فالله المستعان عليهم، وهو حسبنا ونِعم الوكيل.
أليس قد قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث الافتراق أنّ الأمّة ستفترق إلى ثلاثٍ وسبعين فِرقة كلُّها في النار إلا واحدة؟! وهي مَن كان على مِثل ما كان عليه وأصحابُه.
فهل عقائدُ الذين تُدافعون عنهم، وتَسْلُكونَهُم في الفِرقة الناجية، وتُدخلونهم في سواء أهل السُّنة والجماعة بالمعنى الخاص، هل هؤلاء عقائدهم ما كان عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-؟!! وما كان عليه أصحابُه -رضي الله عنهم-؟!!
هل سبُّ بعضِ الأنبياء، والاستهزاءُ بهم، وسبُّ الصحابة وشتمهم، ورميهم بالقبائح والنفاق، والغُثائية!! هي منهج الفِرقة الناجية؟!!
هل المنهج الأَفْيَح جعلَ حديث الافتراق: كلُّها في الجنة إلا واحدة؟!! أم هي نسخةٌ وجدتموها في مبنى عتيقٍ مظلم؟!! قُبِرَ عبر القرون حتى جئتم فَفَتَّشْتُم ونَقَّبْتُم مثلما يفعل لصوص الآثار، والمتاجرون بها، فاستخرجتم نصًا لحديث رسول الله، يقول: ستفترق الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فِرقة كلُّها في الجنة إلا واحدة!!
هل وجدتموه؟!!
لقد سألتُ الرجلَ -وهو إمامُ ضلالةٍ بحق، لا يُشَقُّ له غُبار- عن جريمة القذف التي تورطت فيها الجريدة التي تُصدرها القناةُ أو مَن يقومون عليها، وهم الذين يستضيفونه، فأجابَ بالإجمال حيث يجب التفصيلُ والبيانُ، وهي عادةُ أهل البدع.
فلمّا أعدتُ عليه السؤال، قال: ما لي أنا وللجريدة!! وهل أنا مُراسِلٌ لها؟!!
وهذا من عجيب مُغالطاته؛ لأنه هل يَلْزَمُ ألا يُسئلَ منسوبٌ إلى العِلم عن شيء حتى يكون قد جرَّبه ووقع فيه؟!!!
فمَن يجيب السائلين عن الحُكم في الزنا، وشُرب الخمر، وأكْل مال اليتيم، وقتْل النفس التي حرّمها اللهُ إلا بالحق، إلى غير ذلك من المحرمات؟!!
ومن مُراوغات الرجل أني سألته عن سبِّ «سيِّد قُطْب» لبعض الأنبياء، وشتمه، وسبِّه، ورميه بالنفاق لجملةٍ من الأصحاب.
فقال: ومَن أنتَ حتى تسألني؟!
وكانَ الجوابُ: ومَن أنتَ حتى لا تُسأل؟!
فأجابَ بجوابٍ عام، ولو كان الرجلُ لا يدعوا إلى أصولٍ فاسدةٍ يُبرِّر بها سبَّ «سيِّد قُطْب» وغيره من أهل البدع للأنبياء والأصحاب ما سألته أصلاً!!
ولكني أردتُ أن أرى كيف يُجْرِي قواعدَه ويُعْمِلَها في هذا الأمر خاصة، فأحالَ على كتابٍ له ساقط!! ودعا إلى الرجوع إليه، وصرَّحَ بأنه غيرُ مسئولٍ عمّن لم يقرأ.
وهذا عجيبٌ!! الرجلُ من المُطففين المُخْسِرين الذين يَكِيلون بمكيالين ويَزِنُون بميزانين: كنتُ قد أحلته على كتابٍ لي أو كتابين، فاستنكرَ ذلك، ولم أُحِلْهُ والأمرُ يحتاجُ إلى تفصيل وإلا لفصَّلْتُ له وما أَحَلْتُه، ولكن لأوفِّرَ عليه جهدًا يبذله، ولأستنقذَ له وقتًا -واأسفاه يُنفقه هو في محاربة السُّنة وأهلها!! ونصرة البدعة وأربابها!!- وعاد هو يُحيلُ على كتابه في موطنٍ لا تصحُّ فيه الإحالة، ولا يُجْدِي فيه إلا البيانُ والتفصيل.. مُطَفِّفٌ!! مُخْسِرٌ!! ضالٌ!! مُعَثَّرٌ!!
ولماذا لا تُجْرِي قواعدكَ على كلام «سيِّد قُطْب» خاصة فيما سألتكَ عنه؟! حتى تدفعَ عن الرجل ما يُرمى به، وحتى تهدأَ خواطرُ المختلفين حوله، حتى يعلمَ الناسُ جدوى منهجكَ الأفْيح، وفائدة «الموازنات»، و«ردِّ المُجْمَلِ على المُفَصَّل»، لماذا لا تفعل؟!!
أُعيدُ عليكَ الأسئلة، وأُطالبكَ بترك التهويل والإحالة والرَّوَغان -رَوغان الثعالب-، أُطالبكَ بالشروع في الإجابة عنها؛ فإنْ فعلتَ جَزَّيْنَاكَ خيرًا، وعلمنا صدقكَ في دعوتكَ، وإنْ حِدَّتَ فعليكَ من الله ما تستحقه؛ إذ تبثُّ البدعَ والفتنَ في أرجاء الدنيا من غير وَازعٍ من دينٍ ولا ضميرٍ.
وإني سائلكَ عن نفسكَ أولاً: ما حُكمُ سبِّكَ للصحابة بأنهم «غُثائية»؟!!
هو نفسه سبّ الصحابة!!، فهو يَحْطِبُ في هوى «سيِّد»، فكيف لا يُدافع عنه؟! وكيف ينقده؟!
ما حُكمُ سبِّكَ أنتَ للصحابة بأنهم «غُثائية»؟!! ثم قلتَ: «الغُثائية» شرٌ عظيمٌ!!
لقد قلتَ في شريط الفهم الصحيح لبعض أصول السلفية: «إنما الدعوةُ إلى الله في مثل هذه الحالة تسير على تأصيل، وعلى الحذر من الغُثائية .. الغُثائية ماذا جرى منها يوم حنين؟! - [كلامُه] - الغُثائية ماذا جرى منها يوم حنين؟! انكشفَ حتى كثيرٌ من الصالحين الصادقين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا تأمن الغُثائية، الغُثائية شرٌّ عظيم».
يقول: «الغثائية شرٌّ عظيم، وسُلّم للشيطان وحزبه للولوج في عُقر دار الدعوة؛ فأمرُ الغثائية أمرٌ مرفوض». اهـ
يريدُ أنْ يُحَذِّرَ من الغثائية في الدعوة، هذا شيءٌ حَسَن، ولكنْ لماذا تجعل الصحابةَ -رضي الله عنهم- أمثلةً مُختارة، ونماذجَ سيئة؟!! لماذا تختارهم أمثلةً للغثائية؟!! وللأصاغر الأراذل الأقزام -كما يقول- ولسوء الظن، ولو كان في «ابن صيّاد»..
جعل أبا سعيدٍ الخُدْرِيّ مثالاً لسوء الظن حتى ولو كان سوء الظن في «ابن صيّاد»، ذلك الكاهن!! فرمى أبا سعيدٍ الخُدْرِيّ بسوء الظن في «ابن صيّاد».
المنهجُ الأفيح يسعُ كلَّ أحدٍ إلا أهلَ السُّنة!!!
لماذا تجعلُ الصحابةَ أمثلةً مختارة، ونماذجَ سيئة للخلل في التربية؟!! وأنتَ تعلمُ أنّ رَمْي الصحابة بالخلل في التربية يتناولُ مُرَبِّيَهُم!! -صلى الله عليه وسلم-.
بل لماذا تَحْطِبُ في هوى «سيِّد قُطْب» وتُقَلِّده فترمي أنتَ رسولَ الله «موسى»، ونبي الله «داود» -عليهما الصلاة والسلام- بالعَجَلَة المذمومة؟!!! كما في شريطكَ «ذمُّ العَجَلَة».
لماذا اخترتَ «موسى» و«داودَ» من دون العالَمين؛ لتجعلهما -عليهما السلام- مثالين مضروبين لهذا الوصف المذموم؟!!
الغُثاءُ -كما في «النهاية» لابن الأثير-: «ما يجيءُ فوق السَّيل مما يحمله من الزَّبَدِ والوَسَخِ وغيرِه».
وفي «اللسان» مثلُه، وزادَ: «أراذِلُ الناس، وسُقَّاطُهم».
وقد ذَمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الغثائية، فقال عمن يكون في الأمّة آخرَ الزمان: «إنهم غثاءٌ كغثاء السَّيل».
فلم يجد إلا الصحابة -رضوان الله عليهم- نموذجًا للغثائية!!، ولم يجد إلا «موسى» و«داود» مثالاً للعجلة المذمومة!!
أهذا هو المنهج الذي يسعُ الأمّة؟!!
نعم!! لأنه يسعُ الروافضَ: يسبُّون الأصحاب، فلا بأس، منهجٌ أفيح!! مَن سبَّ الصحابة له فيه موضع!! بل مَن سبَّ الأنبياء له فيه مكان!!!
أهذا فِعْلُ السلف؟!
أهذا ما كان عليه العلماء؟!
أهذا ما جاءَ به رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!
أفيُقالُ هذا منكَ لأصحاب رسول الله؟! لماذا لم يسع منهجكَ الأفيح أصحابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم-؟!
بل لماذا لم يسع منهجكَ الأفيحُ «موسى» و«داود» -عليهما السلام-؟! لقد وَسِعَ كلَّ طوائف أهل البدع والأهواء!! بل اتَّسَعَ لليبراليين والعَلمانيين والديمقراطيين وغيرِهم!!
أفلا تحملُ مسالِكك هذه على إساءة الظن فيك وأنكَ عميلٌ مدسوسٌ من جهاتٍ أجنبية؛ لإفساد عقيدة المسلمين؟!
أفيجوزُ لأحدٍ أن يقول -أخْذًا من هذه الدلائل والشواهد-: إنه عميلٌ ماسونيّ!! مدسوسٌ على أمّة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لإفساد عقيدتها؟!
فأما أنا فلا يجوزُ ذلك عندي.
لا أريدُ أنْ أُفَصِّلَ لكَ في الذي تورطتَ فيه في حقِّ الصحابة جملةً وأعيانًا؛ لأني أبغي السترَ عليكَ والسلامةَ لك، ولكني أريدُ أنْ تخرجَ من هذا بإعمالكَ لقواعدكَ على كلامكَ هذا، وبالمرة على ما تورطَ فيه «سيِّد قُطْب» مما هو قريبٌ مما تورطّتَ فيه، من: الاستهزاء بـ «موسى» -عليه السلام-، ورَمْي «سليمان»، و«داود» بالسوءة الأخلاقية، ومن قوله القبيح في «هند بنت عُتْبَة»، ومن رميه «أبا سفيان» بالنفاق الأكبر، وأنّ الإسلامَ ما دخلَ قلبَه قط، ومن رَمْي «معاوية» و«عمرو» -رضي الله عنهما- بكل نقيصةٍ وسوء، وكذلك ما اجترمه في حق الخليفة الراشد «عثمان» -رضي الله عنه-.
نريدُ أنْ تُجْرِيَ قواعدكَ في «ردِّ المُجْمَلِ على المُفَصَّلِ»، وقواعدكَ في «الموازنة»، وفي «المنهج الأفيح» على كلامك أولاً في سبِّ الصحابة ولَمْز الأنبياء.
اخرجْ منها، ثم أجرِ ذلك على كلام «سيِّد قُطْب» في الصحابة والأنبياء، وكنْ رجلاً مرة ولا تُحِلْنا على كتابكَ، فلعله قد اتخذه الباعةُ قراطيسَ للبِّ!! والفول السوداني!!
هذا مطلبٌ عادلٌ، جئتَ بقواعد، طبِّقها لنا؛ فإنّ التطبيقَ يُقَرِّبُ لنا الأمورَ، ويُوَضِّحُ لنا ما خَفِيَ علينا مما هُديتَ إليه، ودُلِلْتَ عليه من شياطين الإنس والجن من تلك المَخازِيّ.
لقد كنتُ - وما زلتُ - أصفُ الرجلَ بالحماقة والعَتَه!! واعتقد لِحُمْقِه أني أسبُّه، وليس كذلك، بل أنا أُكْرِمُه: إذا وصفته بالحماقةِ أَكْرَمْتُه!! لأنّ البديلَ أنْ يُطْعَنَ في قلبه ودينه، والأوَّلُ أقربُ وأولى.
الرجلُ بدأَ يتعلَّمُ التمثيلَ بقواعده، ولكنْ بطريقةٍ فِجَّةٍ مَمْجُوجَة؛ فهو ممثلٌ مبتدئ، ولكنه في مدرسةٍ أستاذُها عريقٌ في التمثيل!! ولماذا لا يتعلمُ «أبو الفتن» التمثيلَ وهو مدفوعٌ من دارسِه، مُوَسْوَسٌ إليه منه.
الرجلُ يعيبُ على مخالفه الشتم والسب وهو سَبَّابٌ شَتَّامٌ، ومَن سَمِعَ غيرَ مخدوعٌ بدموع التماسيح، ولا ببراءة الأطفال في عينيه، ولا بمسوح الحُمْلان على قلب الذئبِ، رأى شتمَه ولمزَه لا تكادُ تخلو منه عبارة!!
وأتحدّى مُنصفًا لا يصفه بأنه سبَّابٌ شتَّامٌ!! وأولى به أن يقرأَ لنفسه كلامَ شيخ الإسلام في التعليق على كلام ابن الجوزي، وهو ما ساقه لمخالفه لأنه لا يعجزُ أحدٌ عن الشتم والسَّبِّ، وأنّ مَن قَصُرَ بُرهانُه طالَ لسانُه، هذا واللهِ أنتَ بها أولى، فليتكَ تتعلم مما يخرجُ من رأسكَ.
الرجلُ يدعو إلى الإنصاف ويرمي مخالفيه بأنهم يأتون بتصرفاتٍ مخابراتية، وهو أولى بالوصف منه: كلامُه كلُّه بلا أسانيد!! واتهاماته كلُّها اتهاماتٌ مُرسلَة مُطلَقة في موضِع التقييد!! كما يَعِيبُ مخالفيه ويفعلُ فِعلهم!! يقول: يُطلقون في موطن التقييد، وأما هو فمُطْلَقٌ من كلِّ قَيد!!
حُجج الرجل: التعميمُ، والإطلاقُ، والكذب: إنهم يفعلون! إنهم يقولون! وترى الواحدَ منهم! ويأتي إليكَ هذا! وفلانٌ يفعل! وفلانٌ يقول!
سهرةُ نساءٍ هي على «المَصْطَبَة»!! في ليلةٍ مُقْمِرَة؟!!
ما هذا الهُراء والعَبَث؟!! في وقتٍ تمر فيه الأمّة بما تمر به من مِحَن، كانوا من أسبابها، ويحملون كِفلاً من وِزْرِها، وما زالوا يخدعون الأمّة!! عليهم من الله ما يستحقونه.
حُججه: يقولون! يفعلون! كأنه لم يسمع قط قولَ الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «بئس مَطِيَّةُ الرجل زعموا».
حُججه: المدرسةُ من مبادئها، ومن أقوال تلامذتها، ولا يدري السامعون ولا المشاهدون ما يقصدُ بالمدرسة؟! ولا بمبادئها، ولا يعرفون شيئًا مما يتكلم عنه؛ إذ المعنى في بطنه هو، وما أَرْحَبَه!! ويُنَزِّل كلُّ سامعٍ كلامَه ما سَمِعَه على ما ظنه، والإثمُ في النهاية على «أبي الفتن».
يا رجل! إنّ ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، وإنك وإنّ غيرَكَ لن تُسقطوا رجلاً، ولن تصرفوا الناسَ عنه بالكذب والبهتان والافتراء.
إنّ ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، ألا تَتَّقِ اللهَ - عز وجل - في المسلمين؟!
إنّ الذي يخفضُ ويرفع هو الله، والذي يُعطي ويمنع هو الله، والذي يُعِزُّ ويُذِل هو الله، والذي يجمع القلوب ويُصَرِّفها هو الله، فدعكَ من هذه الأساليب المحقورة، وتُب إلى الله من الفتنة والإحداث في الأرض، ولا تكن لعّابًا بدينك آكلاً به عَرَضًا من الدنيا ولن ينفعكَ.
تُب إلى الله، وراجع تاريخكَ بينك وبين ربِّكَ، وابكِ على خطيئتك عسى اللهُ أنْ يفتحَ لكَ فتفهم، ويَفُضَّ مغاليقَ عقلكَ فتعلم.
وأسألُ اللهَ - جل وعلا - أن يكفينا شرَّ الأشرار، وحِقدَ الحاقدين الفُجّار، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأخيار الأطهار.
الخُطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
أفمَن ينتصبُ للتأصيل والتقعيد للأمّة، ويتبوأ هذا المقام لا يفهمُ قولَ مخالفه له: أنتَ مُقْبِلٌ على الحياة بلا مُبَرِّر؟!!
أفهذه العبارة عن أحدٍ من العقلاء، بل عند أحدٍ من بني آدم، تعني الطعنَ في حكمة الله؟!!
أفإنْ قلتُ لرجل: أنتَ مُقْبِلٌ على الحياة بلا مُبَرِّر. يقول: لقد طعنتَ في حكمة الله؟!! وأنه خلقَ المجانين والسفهاء كما خلق العقلاء والأسوياء.
لقد كنتُ ظننتُ أنّ الرجلَ يجلس بجوار صاحبه الذي يُحسن الظنَّ به ويدافع عنه في «كي جي وَن»!! فإذا بالرجل في قِماطِه بعد!! - والقِماطُ: اللّفَّة -.
لن أجودَ عليكَ بشرح العبارة، ولا بالتصريح بالمراد منها؛ لأنّ السلفَ نهوا عن بث الحكمة لمَن لا يستحقها وليس لها أهلاً.
هذا عقلُكَ وفهمُكَ؟!! وما أُعانيه في توضيح المعاني لكَ منذ ابتلاني اللهُ بالنظر في وجهكَ، وسماعي صوتكَ، ولا شكّ عندي أنه ابتلاءٌ بذنب، أستغفرُ اللهَ منه.
أيها الرجلُ الظالمُ نفسَه، المُضَيِّع لدينه، لقد ذكرتني طريقتُكَ في الفهم وردود أفعالك على كلام مخالفك بطُرفةٍ قديمةٍ كانت مُتَفَشِّيَةً في أوساط القرَويين، وذلك أنّ رجلاً عَلَتْ به السنون، فانقطع لخدمة المسجد والقيام عليه، ودخل ليلةً في السَّحَرِ الأعلى المسجدَ؛ ليتهجد ويُراعي المسجد، فوجد فاسقًا يَفْحُشُ بامرأةٍ عند المنبر؛ فذُهِلَ الرجل، وجعلَ يَبْصُقُ على الأرض مُحَوْقِلاً، مُتأذيًا، فسمعَ الفاسقُ الرجلَ باصقًا، وقال للمرأة مُتضرِّرًا: انظري إلى الرجل الكافر يَبْصُقُ في المسجد!!!
أخشى أنْ تجعلها من أدلتك على «الموازنات»!! والله المستعان.
أيها الظالمُ لنفسه، العابِث بمصادر التشريع لأمّته، لماذا وقد عبثتَ بالإجماع تضيفُ إلى مصادر التشريع فِعْلَ «قُطُز»؟!!
ومصادرُ التشريع أيتها الأمّة: الكتابُ والسُّنة والإجماعُ، وفِعْلُ «قُطُز»!!، و«الزَّنَاتِي خَلِيفَة»!!، و«المُرابِطيُّ»!! أفهذه استدلالاتٌ يأتي بها عاقلٌ؟!!
أفما تستحي؟!!
ولماذا لم تذكر على قاعدتك في «الموازنات» أنّ أميرَ المُرَابِطين أحرقَ كتابَ «إحياء علوم الدين»؟! لماذا لم تذكر هذا، واكتفيتَ بذكر الخروج والإجماع المُعَلَّلِ و«الطُّرْشِي»؟!!
يا «أبا الفتن» إنّ العِفْرِيتَ الذي يركبكَ، وما يَنْفَكُّ يردد بلسانك: فيها تفصيل.. فيها تفصيل، سوف يسوقك إلى حتفك -إنْ شاء الله-.
أفيبلغ بك وَلَعُكَ ببدعة «الموازنات» إلى تصوير شيخ الإسلام مُدافعًا عن «الحَلاّج»؟!! وليس فيما سُقْتَ دليلاً على ما سقته له!!
ماذا على الرجل من أهل العِلم أن يُجريَ قواعد العِلم الصحيح على ما يسمع ويقرأ؟!
نُقلَ إلى شيخِ الإسلام خبرٌ لم يقبله إلا بدليلٍ، والخبرُ متعلِّقٌ بـ «الحَلاّج»؛ فهو في الخبر لا في «الحَلاّج»، فردَّ الخبر وإنْ تعلَّقَ بمَن ذكر شيخُ الإسلام أنه قُتل على الزندقة.
وماذا تنتظرُ منه؟! أفلإنه -رحمه الله تعالى- يُبغِضُه، يظلِمُه؟!
ها أنتَ ذا على بُغضي لكَ في الله، وتقرُّبي إلى الله -تعالى- ببغضكَ، وتصريحي بأنك من أفحش أهل البدع على العقيدة والشريعة خطرًا ومَغَبَّة، ولكني لا أظلمكَ.
فلو جاء إليّ رجلٌ فزعم أنه أبصركَ عاريًا كما ولدتكَ أُمُّكَ!! ومع ذلك تمشي راقصًا في شارعٍ بمدينةٍ عيَّنَه وعيَّنَكَ، ما صَدَّقْتُه، ولا التفتُّ إلى قولِه، وإنْ كان الإسنادُ عاليًا؛ لأني لا أظلمكَ.
وأيُّ فائدةٍ لما ذكرته عن شيخ الإسلام في «الحَلاّج»، وقد قال فيه شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»، في المجلد الثاني، في الصفحة الحادية والثمانين بعد الأربعمائة: «وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مَخَارِيق، وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ، وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ، وَاتِّحَادِهِ بِهِ، وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ». اهـ
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله- بعد أن قال هذا: «وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ». اهـ
فما الفائدة في ذكر ما ذكرتَ؟!! إنّ العوام عندما يسمعون ذلك، وكذا عندما يسمعه طلابُ العِلم الذين تخدعهم، عندما يسمعون ذلك وأنتَ تدَّعي الإنصاف!! والموازنة!! وأنّ شيخَ الإسلام كان يأخذ بذلك!!
شيخُ الإسلام؟!! لقد أمضى معظمَ عمره في الرد على أهل البدع، وتعريتهم، وفضحهم، والإزراء بهم، لماذا لم تذكر كلامَه هذا في «الْحَلاّج»؟! حتى لا تُشوِّه جهادَ شيخ الإسلام الذي أنفق عُظْمَ عمره في محاربة البدع وأهلها، وعامةُ تراث شيخ الإسلام في هذا الشأن خاصة: في الرد على أهل البدع، حتى إنه لما طُلب منه: أنْ يُصنِّف كتابًا في الفقه على الأبواب، قال: هذا يستطيعه أيُّ طالب عِلم، وتفرّغ هو لما تفرّغ له -رحمةُ الله عليه-.
يا «أبا الفتن» إنّ منهجكَ الأفيح لم يضق عن أحدٍ إلا السلفيين الخُلَّص!!، ترميهم بكل باقِعَة، وتفتري عليهم كلَّ بُهتان، واللهُ -تعالى- المسئول أنْ يُنجِّي المسلمين من شرِّكَ.
أما «الشِّبْلِيُّ» فلعل المناسبة بينك وبينه هي التي عطفتكَ عليه؛ لأنه كان قد خُولِطَ في عقله - أي: الشِّبْلِيُّ - حتى إنه أتى به للمُشاكَلَة - ربما- وذكر أنه كان يُؤخذ إلى البيمارِسْتَان - قال: إلى العَبَّاسِيَّة - فدلَّ على نفسِه!!
قال «الشِّبْلِيُّ» - تبعًا لـ «أبي يزيد البِسْطَاميّ» في تعريف «الصوفية»، كما في الرسالة القُشَيْرِيَّة، في المجلد الثاني، في الصفحة الرابعة والخمسين بعد الخمسمائة -: «الصوفية: أطفالٌ في حِجْرِ الحق».
وقد سُئل «الشِّبْلِيُّ» عن التوحيد، فأجاب: «ويحكَ!! مَن أجاب عن التوحيد بالعبارة؛ فهو مُلْحِدٌ!، ومَن أشارَ إليه؛ فهو ثَنَوِيّ، ومَن أومأ إليه؛ فهو عابدُ وَثَنٌ، ومَن نطقَ بالتوحيد؛ فهو غافلٌ، ومَن سكتَ عنه؛ فهو جاهلٌ». اهـ كما في «حِلية الأولياء»، في المجلد العاشر، في الصفحة السادسة والسبعين بعد الثلاثمائة.
وقال - كما في الحِلية، في المجلد نفسِه، في الصفحة السبعين بعد الثلاثمائة -: «مَن اطلع على ذَرَّةٍ من عِلم التوحيد، حملَ السموات والأراضين على شَعْرَةٍ من جَفْنِ عينيه!!!».
يا (شَجِيع)!!
لقد قال «الحَلاّجُ» كما في «أخبار الحلاج»، في الصفحة السادسة والتسعين: «لم يكن في أهل السماءِ مُوَحِّدٌ مِثْلُ إبليس!!!»، وقد قال «الشِّبْلِيُّ» كما في كَشْف المحجوب للهِجْوِيرِىّ، في المجلد الأول، في الصفحة الثانية والستين بعد الثلاثمائة: «أنا و«الْحَلاّجُ» شيءٌ واحدٌ، فَخَلَّصَنِي جنوني وأهلكه عقلُه!!». اهـ
لقد جعلتَ منهجكَ الباطل في «الموازنات» و«المنهجَ الأفيح» مُنافِحًا حتى عن أصحاب الوَحدة!! -وَحدة الوجود-، وعن الاتحادية!!، ولا تتعجب، ولا تُنْكِر؛ فإنّ مُشاهديكَ لا يعلمون حقيقة ما تقول، ولا يدرون مقاصدكَ، وأنتَ تتمسكن لهم، وتُظْهِرُ الصفحَ عمّن تدَّعي ظلمه إياكَ، وجورَه عليكَ، وأنتَ الظالمُ الجائرُ، ولكنكَ تريد أن تظهرَ في صورة الولد «الجِنْتِل مَان!!» أمام المشاهدين، وربما أوحى إليكَ بها شيطانُكَ الإنسيّ أنْ تفعله، وربما أوحى إليكَ بها شيطانُكَ الجِنِّيّ .. لا فَارِق.
وهذا كلامُ شيخ الإسلام يبرأُ منكَ، ويبرأُ من أهل الاتحاد الذين تتورط في الدفاع عنهم، بل في جعل شيخ الإسلام -رحمه الله- مُدافعًا عنهم، واللهُ المستعان.
قال شيخُ الإسلام في مَعْرِض ردِّه على الاتحادية كما في «مجموع الفتاوى»، في المجلد الثاني، في الصفحة الثانية والثلاثين بعد المائة: «وَيَجِبُ عُقُوبَةُ كُلِّ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ أَوْ ذَبَّ عَنْهُمْ أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ أَوْ عَظَّمَ كُتُبَهُمْ أَوْ عُرِفَ بِمُسَاعَدَتِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمْ أَوْ كَرِهَ الْكَلَامَ فِيهِمْ أَوْ أَخَذَ يَعْتَذِرُ لَهُمْ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَدْرِي مَا هُوَ أَوْ مَنْ قَالَ إنَّهُ صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَعَاذِيرِ الَّتِي لَا يَقُولُهَا إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُنَافِقٌ؛ بَلْ تَجِبُ عُقُوبَةُ كُلِّ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمْ وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْقِيَامِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ الْقِيَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْسَدُوا الْعُقُولَ وَالْأَدْيَانَ عَلَى خَلْقٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَهُمْ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ». اهـ
كان ينبغي عليه على قاعدة «الموازنات» إذا ذكر «الْشِّبْلِيّ»، و«الحَلاّج»، و«ابن عَرَبِيّ»، وأتى بكلامٍ لشيخ الإسلام قد تعلّق بهم أن يأتي بكلام شيخ الإسلام فيهم، هذه هي «الموازنة» عنده، بل هي أوجبُ ما يكون، وإلا فإنه يكتفي بالوجه الحَسَن ويدعُ ما فيه حَطُّ عليهم وإزراءٌ بهم وجَرْحٌ لهم، فاللهُ حَسِيبُه.
ونُهدي إليه كلامَ الشيخ «بَكر بن أبي زيد» -رحمه الله- في «هجر المبتدع» بعد أنْ ساق النصَّ الذي قرأتُ عن شيخ الإسلام بشأن الاتحادية ثم علّق عليه قائلاً: «فرحم الله شيخ الإسلام «ابن تيمية»، وسقاه من سلسبيل الجنة -آمين-؛ فإنّ هذا الكلام في غاية الدقة والأهمية، وهو إنْ كان في خصوص مظاهرة (الاتحادية) - [ أي: تقوية الاتحادية، ومعاونة الاتحادية ] - لكنه ينتظمُ جميعَ المبتدعة.
فكلُّ مَن ظاهرَ مبتدعًا - [ أي: أعانه، أو آواه، أو قَوّاه، أو أثنى عليه، أو دافعَ عنه، أو نشر كُتُبَهُ، أو رَوّجَ لها، أو دافعَ عنه في وجه مَن يذُمها، ويُخَطِّئَهُ، ويُبَدِّعَهُ، ويُبَيِّنُ عُوَارَه للناس ] - فَعَظَّمَهُ، أو عَظَّمَ كُتُبَه، ونشرها بين المسلمين، ونفخَ به وبها، وأشاعَ ما بها من بدعٍ وضلالٍ، ولم يكشفه فيما لديه من زَيْغٍ واختلافٍ في الاعتقاد، إنّ مَن فعلَ ذلك؛ فهو مُفَرِّطٌ في أمرِه، واجبٌ قَطْعُ شرِّه؛ لئلا يتعدَّى إلى المسلمين.
وقد ابتُلينا بهذا الزمان بأقوامٍ على هذا المنوال: يُعَظِّمون المبتدعة، وينشرون مقالاتهم، ولا يُحَذِّرون من سَقْطاتهم، وما هم عليه من الضلال؛ فاحذروا أبا جهلٍ المبتدع هذا!! نعوذُ بالله من الشقاء وأهلِه». اهـ
هذا كلامُ الشيخ «بكر»، هو الذي يقول: «فاحذروا أبا الجهل المبتدع هذا!!»، هذا كلامُه، ليس بكلامي حتى لا يُحَمِّلَنِي أحدٌ ما لا أحتمل، نعوذُ بالله من الشقاء وأهلِه.
«المنهجُ الأفيح»، ومنهجُ «الموازنات» ضدُّ التصفية والتربية.
التصفية والتربية، هي: ما جاء به رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، تصفيةُ الإسلام مما عَلَقَ به عبر القرون في: الاعتقاد، والعبادة، والمعاملة، والأخلاق، والسلوك، حتى يعودَ نقيًّا صافيًا كما جاء به رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وتربية الأمّة على هذا الإسلام المُصَفَّى كما في صحيح سنن أبي داود: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ».
فلابدَّ من الرجوع إلى الدين، وقد أضافه إلينا «إِلَى دِينِكُمْ»، وديننا: هو ما جاءَ به نبيُّنا.
فلابد من معرفة الدين المرجوع إليه، ولابد من معرفة الطريق المُفْضِيَةِ إليه، ولابد من التربية على هذا الدين المُصَفَّى الذي جاء به خاتَم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم-، هذه هي التصفيةُ والتربيةُ.
منهجُ «الموازنات»، و«المنهجُ الأفيح» ضدُّ التربية والتصفية!! إذًا هو ضدُّ منهج السلف!!
هذا منهجُ أهل البدع: لا تصفية وإنما هي أخلاق، وتربيةُ على الأخلاق؛ فأنَّى يكونُ الخروج من المَأْزِق؟! ومتى يكون؟!
اللهم إنّا نشكو إليكَ ضعفَ قُوَّتِنَا، وقِلَّةَ حِيلتنا، وهواننا على الناس، يا أرحمَ الراحمين أنتَ ربُّ المُستضعفين وأنتَ ربُّنا..
اللهم يا ربَّ العالمين هَيِّئ لهذا الأمّة أمرَ رُشْدٍ: تُخْرِصُ فيه ألسنةَ أهل البدع والأهواء، وتُنْطِقُ فيه ألسنةَ أهل الحق والرشاد، يا ربَّ العالمين، ويا أرحمَ الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
18 من ربيع الثاني 1433هـ، الموافق 11-03-2012 م.
فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللَ ==== جلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.