الحمد لله ، و صلى الله على محمد ، و على آله ، و صحبه، و سلم، و بعد ، فإن دعوة السلف أو الدعوة السلفية دعوة عريقة في الزمان ، عريقة في النسب ، حيث أن مبدأ هذه الدعوة ، منذ آدم عليه الصلاة و السلام ، مرورا بنوح , و إبراهيم ، و موسى و عيسى ، و جميع أنبياء الله ، و رسله ، إلى محمد صلى الله عليه و سلم.
قال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (8 أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام ، فأُمرنا تبعا لأمر الله نبيَّه صلى الله عليه و سلم ، أن نهتدي بهدي من سلف من الأنبياء و الرسل في الأصول التي اتفقوا عليها جميعا ، و هو ما يتعلق بأمر المعتقد ، وهذا لم يخالف فيه أحد منهم ، فعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة ، قالوا كيف يا رسول الله ؟ قال : الأنبياء إخوة من علات ، وأمهاتهم شتى ، ودينهم واحد ، فليس بيننا نبي " تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين.
قلت : و أصله في الصحيحين .
أما عن الأحكام التفصيلية ، و هي ما يسمى بالفروع ، فقد اختلفت فيها شرائعهم ، قال تعالى { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (4 وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (49)المائدة ، هذا مبدأ الدعوة السلفية على وجه العموم من حيث المنشأ في الزمان .
أما الدعوة السلفية في مبدئها الزمني بالمعنى الخاص ، فتبدأ منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم ، بالهدي و دين الحق ليظهره على الدين كله ، مرورا بأصحابه الكرام الذين أخذوا و تلقوا عنه هذه الدعوة ، و مرورا بالعلماء الربانيين من هذه الأمة ، علماء أهل السنة و الجماعة ، باتفاق الأمة جميعا ، على إمامتهم و هدايتهم ، و سنيتهم و سلفيتهم ، كالحسن البصري ، و سعيد بن المسيب ، و إبراهيم النخعي ، و عطاء بن أبي رباح ، و علقمة ، و سفيان الثوري ، و سفيان بن عيينة ، و ابن المبارك ، و مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ، و البخاري ، و مسلم ، و ابن تيمية ، و ابن القيم ، و ابن كثير ، و غيرهم كثير ، و كثير ، و من ذكر منهم فعلى سبيل التمثيل ، لا الحصر .
و بالتمثيل للعراقة الزمنية ، تظهر و تتجلى العلاقة الإنتسابية ، فهي عريقة في النسب و الشرف إذ أنها منتسبة لجميع من ذكر .
فكفى بدعوة أبوها آدم ، فإبراهيم ، و صانع سفينتها نوح ، و جدها إسماعيل ، و بنو عمومتها موسى ، و عيسى ، و أميرها و وليها و إمامها ، و موَرِّثُها ، محمد صلى الله عليه ، و على سائر من ذُكر و سلم تسليما كثيراً ، و حملتها و مؤدونها إلى الناس ، خير من دب على الأرض برجل بعد محمد صلى الله عليه و سلم ، صحابته الكرام ، الأئمة الأعلام ، و سادات الأنام ، رضي الله عنهم ، و عن من أخذ بمنهجهم ، و سار على دربهم ، إلى يوم الدين . ثم خلف أولئك ، العلماء الربانيون و السُنيون السلفيون ، و الأثريون المُحدِّثون ، أئمة العلم و الدين ، أولئك العالِمون المعلمون الذين ذكرت طرفاً منهم ، و من تبعهم من غير إخلال و لا تبديل ، و لا تعتيم ،و لا تضليل ، و هذا أولاً .
أما الإخوان المفلسون الأغرار المساكين ، فهم عن عراقة الزمان و النسب ، مقطوعون ، و من عراقة الدهر و الانتساب ، فارغون ، و كفى دليلا على ذلك ، أنهم لحسن البنا ( الهدَّام ) ينتسبون ، و على أساس أصوله العشرين سائرون ، و من تنظيره ، و تخطيطه ، و توجيهه ، منهجَهم يستقون ، و به ، و خلفاءِه يأتمون ، و بسنته يعملون ، و فيه و في جماعته ، يوالون و يعادون ، و لكتبه ، و أزواجه ، كقطب و مودوديٍّ ، و ندويٍّ ، و تلمسانيٍّ ، و غيرِهم ، فقط يقرؤون ، و على أساسها ، و تصورها ، القرءانَ يفسرون ، و السنة يفهمون ، و إنا لله و إنا إليه راجعون . وهذا الفارق الأول بيننا و بينهم ، لعلكم تعقلون .!!!!
الفارق الثاني : بين الدعوة السلفية و دعوة الخوان المفلسين
أن أتباع الدعوة السلفية ينهلون علومهم و يستقونها من الكتاب و السنة فقط ، و لا شيء إلا الكتاب و السُّنة ، و يفهمونهما على ضوء فهوم و عقول ، أصحاب رسول الله صلى الله... عليه و سلم ، و رضي الله عنهم أجمعين ، فالعلم عندهم ، كما قال بن القيم في نونيته :
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي سفيه
كلا ولا نصب الخلاف جهالة *** بين النصوص وبين رأي فقيه
كلا ولا رد النصوص تعمدا *** حذرا من التجسيم والتشبيه
حاشا النصوص من الذي رميت به *** من فرقة التعطيل والتمويه
فيتمسكون بما كان عليه سلفهم ، و لو خالفهم كلُّ الناس ، و ينتصرون لمنهجهم ، و لو خذله جميعُ الناس ، يرون العزة و الشرف ، فيما كان عليه الصحابة من التمسك بالكتاب و السنة ، مهما كانت المتغيرات ، و مهما كانت الظروف و الملابسات ، و يؤمنون إيمانا كليا بقول الله تعالى {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (137)البقرة ، ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي سفيه
كلا ولا نصب الخلاف جهالة *** بين النصوص وبين رأي فقيه
كلا ولا رد النصوص تعمدا *** حذرا من التجسيم والتشبيه
حاشا النصوص من الذي رميت به *** من فرقة التعطيل والتمويه
و يعلمون أن الهدى كلَّ الهدى في هديهم و سبيلهم ، في فهمهم ، و أريحيتهم ، لذا فهم أولى الناس بهم ، و بدعوتهم ، و يمتثلون قول النبي صلى الله عليه و سلم : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة و إن عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " .أخرجه أبو داود ، و صححه الألباني رحمه الله .
أما جماعة الإخوان المسلمين ، الذين هم من هدي أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ، مفلسون ، و عن سبيلهم بعيدون مبعَدون مبعِدون ، فيحتكمون إلى رسائل بَنّا ، و ظلال قطب ، و مقالات مودودي ، فما قررته هذه الكتب ، فهو دينهم ، و ما نفته هذه الكتب ، فهو أساطير لا يلتفت إليها و لا يؤخذ بها ، و لذا فهم أبعد الناس عن الصحيحين ، و سائر الكتب التسعة ، و لا علاقة لهم ، بتفسير الطبري ، و لا بن كثير ، علماؤهم كلُّ حركي حزبي خبيث ، و دعاتهم كلُّ تكتيلي تجميعي بغيض . أما أن يقتدوا بالربانيين من العلماء في القديم و الحديث ، فهذا أمر بعيد ، و إن شئت قلت ، أمر محال شديد ، إلا أن يشاء العزيز الحميد .
قد قالوا يوما لبعض أتباعهم من الشباب ، و قد أتاهم بكتاب صفة الصلاة للألباني يسئلهم عن اقتناءه ، لا ، لا ، دعك من هذا الكتابِ و أمثالِهِ ، فمؤلفه ، متشدد عنيد !!، و أرشدوه إلى بعض كتْب إخوانيٍّ بليد !!!
خرجت من عباءتهم جماعةُ الهجرة و التكفير ، و جماعة التوقف و التبين ، و جماعاتُ التنفير عن السنة و التحذير .
يدينون بطرح الشبهات العقلية على النصوص ، ليصدوا الشبابَ الطالبَ للحق ، كاللصوص .
دماؤهم ممزوجة بالسياسات ، و عقولهم معجونة بالقياسات ، و كتبهم مملوءة بالخرافات ، خالية عن الأدلة من شريعة رب الأرض و السماوات ، إلا بعض النصوص القليلات ـ تخدم ما توجهوا إليه من توجهات ، و هي في مجملها عمومات و مجملات !! ، ليضلوا بها الشبيبة ، من البنين و البنات .
خالفوا في فتاويهم إجماعات و إجماعات ، فقالوا ، و بئس ما قالوا !! . قالوا : عقيدة أهل السنة التفويض ! ، و أن المنتحر شهيد ! ، و أن دول الإسلام تحكمها النساء ! ، بل يحكمها النصارى ، و الكفار ، أخوانُهم الأعزاء !!! ، و لا بأس من سماع الموسيقى و الغناء ! ، و لا بأس من التمثيل للرجال و النساء ! ، فإن الفن رسالة عصماء !! ، و أسلوب دعوة إلى رب الأرض و السماء !
قالوا : لا بأس بالتقريب بين مذهب أهل السنة ، و مذهب الشيعة الروافض الخبثاء !!!
قالوا : أن لا عداوة بيننا و بين اليهود !! ، بل حث قرءاننا على مصادقتهم و مصافاتهم ! ، كعلاقة الودود مع الودود ! . قالوا : بالإشتراكية !! ، و انظر الرسائل ، و العدالة الاجتماعية !
سبوا أصحاب رسول الله !! ، و طعنوا في موسى كليم الله !!
قالوا بوحدة الوجود !! ، و أن الله في كل شيء موجود !!
أولوا الصفات !!، و نفوا أن يكون اللهُ على عرشه بالذات !! و قالوا بالخروج على الحكام !
و تظاهروا أمام الرعاع ، و الطغام !! ، كانوا وقودا للفتنة ، و حجابا بين الناس ، و الأئمة الأعلام !!
فعلوا الكثير و الكثير!! و قالو الكثير و الكثير !! و ما ذكرته هنا غيض من فيض!!
و لله الأمر من قبلُ و من بعدُ !!
ألا فانتبهوا يا أولي الألباب ، فإن القوم يقفون دعاة من جهنم على جميع الأبواب .
و كتب
أبو عبدِ الله قرّةِ العين
صلاح بن عبد الوهاب بن أمين السلفي المصري
أبو عبدِ الله قرّةِ العين
صلاح بن عبد الوهاب بن أمين السلفي المصري
هذه المقالة نشرت أصلا في موضوع المنتدى : بَعْضُ الْفُرُوقِ بَيْنَ دَعْوَةِ السَّلَفِيِّينَ وَدَعْوَةِ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِين كتبت بواسطة صلاح بن عبد الوهاب السلفي المصري مشاهدة المشاركة الأصلية