مَنْهَجُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الآخَرِينَ
لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْفَقِيهِ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللُّحَيْدَانِ
- حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى ، وَنَفَعَنَا بِعِلْمِهِ -
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، وَرَحْمَةُ اللهِ ، وَبَرَكَاتُهُ.لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْفَقِيهِ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللُّحَيْدَانِ
- حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى ، وَنَفَعَنَا بِعِلْمِهِ -
الْحَمْدُ للهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ، وَخَلِيلُهُ ، وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَعَلَى آلِهِ ، وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِمِ ، وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ - وَبَعْدُ :
فَإِنَّ اللهَ - جَلَّ وَعَلَا - أَرْسَلَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهُدَى ، وَالنُّورِ ، وَجَعَلَ حَوْلَهُ رِجَالاً آمَنُوا بِاللهِ ، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَحَمَلُوا هَذَا النُّورَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَبَلَّغُوهُ لِعِبَادِ اللهِ ؛ فَكَانُوا خَيْرَ الْقُرُونِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ : " لَا أَدْرِي أَعَدَّ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً " ثُـمَّ ذَكَرَ أَوْصَافَ مَنْ يَأْتُونَ ؛ فَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمُ الْجَمَاعَةُ الْوَسَطُ الْمُتَمَسِّكُونَ بِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْهَجِهِمْ ، وَأَعْمَالِهِمْ ، وَتَحْصِيلِ الْعِلْمِ ، وَتَعْلِيمِهِ ، وَالْحُكْمِ عَلَى الآخَرِينَ .
يَقْتَدُونَ بِسَيِّدِ البَشَرِ ، وَقَدْ شَاهَدُوا أَعْمَالَهُ ، وَسَمِعُوا أَحْكَامَهُ ، وَاهْتَدَوْا بِهَدْيِهِ ، وَبَلَّغُوا ذَلِكَ لِلنَّاسِ ، فَلَهُمْ مِنَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ، وَلِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَّةٌ عَلَيْهِمْ ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ، فَقَدْ أَخْرَجَ اللهُ بِهِ أَهْلَ الْإِيمَانِ إِلَى نُورِ الْهُدَى ، وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يَسَّرَ لَهَا فِي فَتْرَتِهَا الْأُولَى مَنْ تَلَقَّوا الْعِلْمَ ، وَكَانُوا أَهْلَ بَيَانٍ ، وَفَصَاحَةٍ ، وَأَهْلَ لُغَةٍ يَعْرِفُونَ مَقَاصِدَ الْكَلَامِ ، وَمَا يَدُلُ عَلَيْهِ القرآنُ الَّذِي نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ ، وَالسُّنَّةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ فَدُوِّنَتْ أَقْوَالُهُمْ ، وَعُرِفَتْ أَحْكَامُهُمْ ، وَتَحَدَّثُوا عَمَّا قَدْ يُلَاقُونَهُ ، أَوْ يُلَاقِيهِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ ، وَحَرِصُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ سَائِرينَ عَلَى مَنْهَجٍ وَاضِحٍ جَلِيٍّ يَأْخُذُونَ بِأَقْوَالِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُفَتِّشَ ، أَوْ يَطَّلِعَ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ بَلْ يَكِلُ النَّاسَ إِلَى ظَوَاهِرِهِمْ ، وَيَتْرُكُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى عَلَّامِ السَّرَائِرِ - جَلَّ وَعَلَا - ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ ، أَوِالْقَرْنَيْنِ -قَرْنِ الصَّحَابَةِ ، وَقَرْنِ التَّابِعِينَ - أُنَاسٌ يَتَجَرَّءُونَ فِي التَّضْلِيلِ ، وَالتَّفْسِيقِ ، وَالتَّكْفِيرِ ؛ فَتَصَدَّى لَهُمْ حَمَلَةُ النُّورِ الْإِلَهِيِّ - حُفَّاظُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة - ، وَرُسِمَ لَنَا الْمَنْهَجُ مَنْهَجُ أَهْلِ السُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُمْ لَا يَحْكُمُونَ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِعَمَلِهِ ؛ فَمَنِ عَمِلَ عَمَلاً يَدُلُ عَلَى كُفْرٍ حَكَمُوا عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ ، وَهُنَاكَ أَعْمَالٌ تَكُونُ دَائِرَةً بَيْنَ تَكْفِيرٍ ، وَتَضْلِيلٍ فَكُلَّمَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ حَالَيْنِ فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْأَحْوَطِ ، وَالْإِحْتِيَاطِ لِلذِّمَّةِ .
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَا كَافِرٌ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَارَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ إِلَى قَائِلِهِ ، وَمَنْ قَالَ لِأَحَدٍ يَا عَدُوَّ اللهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَارَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى قَائِلِهِ فَكَانَ الصَّحَابَةُ ، وَالتَّابِعُونَ يُحَذِّرُونَ مِنْ مِثْلِ هَذَا ، وَلَمَّا قَتَلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُمَا - الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَفْتِكُ بِالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَمَّا أَهْوَى إِلَيْهِ زَيْدٌ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ؛ فَبَلَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضِبْ - فَقَالَ : " مَاذَا تَفْعَلُ ، أَوْكَيْفَ تَفْعَلُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ " . قَالَ : إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا قَالَ : " هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ " حَتَّى قَالَ أُسَامَةُ : وَدِدتُّ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا تِلْكَ السَّاعَةَ ، أُسَامَةُ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ ؛ لِأّنَّ أَبَاهُ كَانَ مَوْلَى لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَتَبَنَّاهُ ، وسُمِّيَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ صَارَ مَوْلَى مُحَمَّدًا لَمَّا حَرَّمَ اللهُ - جَلَّ وَعَلَا - التَّبَنِي فَبَيَّنَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَا كَانَ أَبَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ .
وَفِي عَصْرِنَا هَذَا كَثُرَتِ الْأَقْوَالُ ، وَالْأَقَاوِيلُ ، وَتَحَدَّثَ مُتَحَدِّثُونَ ، وَتَجَرَّأَ مُتَجَرِّئُونَ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مَا بَيْنَ مُصْدِرٍ لِلْأَحْكَامِ دُونَ ضَابِطٍ ، وَلَا انْضِبَاطٍ ، وَمَا بَيْنَ مُسْتَهْتِرٍ لَا يَحْكُمُهُ مِيثَاقٌ ، وَلَا يَصُدُّهُ صَادٌّ ، وَيَأْخُذُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكَفَّرُ مَهْمَا أَتَى مِنْ أَعْمَالِ الْكُفْرِ ، وَالْمَخْرَجُ مِنْ هَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ أَهْلُ السُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ هُمُ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَة كَمَا فِي حَدِيثِ افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً قَالَ مَنِ هِيَ قَالَ : مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي .
فَـكُلُّ مَنْ تَمَسَّكَ بِالسُّنَّةِ ، وَتَقَيَّدَ بِأَحْكَامِهَا ، وَانْضَبَطَ بِضَوَابِطِهَا ، وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ ، وَتُبَيِّنُ مَقَاصِدَهِ ، وَتُبَيِّنُ عُمُومَاتِهِ وَإِطْلَاقَاتِهِ ؛ فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا فَهُوَ عَلَى مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ .
مَنِ ارْتَكَبَ أَعْمَالاً كُفْرِيَّةً ، وَلَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْهَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ ، وِلِذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ يَرَوْنَ الْمُتَعَمِّدَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ كَافِرٌ ، وَيَقُولُ التَّابِعُونَ : مَا كَانَ أْصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَوْنَ تَرْكَ شَيْءٍ مِنَ الْعَمَلِ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهَا قَدْ يُوجَدُ لَهُ عُذْرٌ هَذَا إِذَا كَانَ التَّرْكُ تَرْكَ الْعَمَلِ ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ إِنَّ الْعَمَلَ الْفُلَاِنَّي لَا يَجِبُ ، أَوْ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ فَهَذَا يَخْتَلِفُ ؛ لِأَنَّ مَنَ أَنْكَرَ جُزْئِيَّةً مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الدِّينِ الثَّابِتَةِ فِي الْقُرْآنِ ، وَالسُّنَّةِ ثُبُوتًا جَلِيًّا قَوِيًّا ؛ فَأَنْكَرَهَا بَعْدَ بَيَانِهَا لَهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ ، وَأَمَّا إِذَا أَوَّلَهَا بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُهَا لُغَةُ الْقُرْآنِ فَهَذَا ، وَإِنْ عُدَّ مُخَالِفًا مُخْطِئًا لَكِنَّهُ لَا يَكْفُرُ .
وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا بِذَنْبٍ .
لَا شَكَّ أَنَّ الذُّنُوَبَ لَهَا أَثَرٌ عَلَى سُلُوكِ الْإِنْسَانِ ، وَرُبَّمَا عَلَى خَاتِمَتِهِ ، فَإِنَّ تَكَاثُرَ الذُّنُوَبِ ، وَتَرَاكُمَ السَّيِّئَاتِ قَدْ يَصُدُّ الْإِنْسَانَ عَنْ أَنْ يُخْتَمَ لَهُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَكِنَّ .. لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوَبِ ، وَإِنَّمَا الذُّنُوَبُ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - .
الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُعْتَذَرُ عَنْهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ هُوَ الشِّرْكُ ، وَمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ) .
أَمَّا بَقِيَّةُ الذُّنُوَبِ فَكَمَا فِي حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَمَحَاوَرَتُهُ مَعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْحَاضِرَةِ ، وَحُصُولُ تَضْلِيلَاتٍ كَثِيرَةِ تُزَفُّ إِلَى جَمَاعَاتٍ وَأَفْرَادٍ أَوْ إِلَى دُوَلٍ .
يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَتَعَرَّفَ مَوْقِفَهُ ، وَأَنْ يَتَثَبَّتَ ، وَيَثْبُتَ عَلَى الْحَقِّ ؛ لِئَلَّا تِزلَّ بِهِ قَدَمٌ ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمُ لَا يُدْرَى ، وَلَا يَدْرِي هُوَ .
هَلْ يَنْتَشِلُ نَفْسَهُ مِنْ تِلْكَ الْعَثْرَةِ أَوْ يَسْتَمِرُّ هَاوِيًا فِي عَثْرَتِهِ ؟ ، فَالْمَرْءُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِالْإِكْثَارِ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَالْإِلْحَاحِ عَلَى اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - بِأَنْ يَحْفَظَهُ ، وَيُثَبِّتَهُ ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَهْمَا كَانَ ذَا عَزِيمَةٍ ، وَإِرَادَةٍ قَوِيَّةٍ ، وَتَحْصِيلِ الْعِلْمِ ، إِذَا لَمِ يُحَطْ بِلُطِفٍ مِنَ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ فَهُو ضَعِيفٌ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْقُدُسِي الَّذِي يَقُولُ اللهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِيهِ : " يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ" .
وَلِهَذَا شُرِعَ لَنَا أَنْ نَطْلُبَ الْهِدَايَةَ مِنَ اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - فِي مَوَاقِفَ خَمْسَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْنَا فَرْضًا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَنْ نَسْأَلَ رَبَّنَا الْهِدَايَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ ضَعِيفٌ إِلَّا بِاللهِ ، ضَالٌ إِلَّا أَنْ هَدَاهُ اللهُ ، مَظْلُومٌ إِلَّا إِنْ نَصَرَهُ اللهُ ، فَالْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ ؛ لِيُثَبِّتَهُ اللهُ فَقَطْ ، فَالْوَاحِدُ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ دَائِمًا ، وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي تَوَالَتَ أَعَاصِيرُ الْفِتَنِ ، وَتَقَابَلَتْ الشُّبُهَاتُ ، وَتَكَرَّرَتْ عَلَى النَّاسِ الْقَوَانِعُ ، يَحْتَاجُ كُلُّ أَحَدٍ إِلَى أَنْ يُلِحَّ بِالْإِلْتِجَاِء إِلَى اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاصِمَ مِنَ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ، وَاللهُ - جَلَّ وَعَلَا - رَحْمَتُهُ قَرِيبٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، وَأَهْلِ الْإِحْسَانِ .
يَتَجَمَّعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى تَكْفِيرِ آخَرِينَ ، وَإِنْ رَأَوْهُمْ يُصَلُّونَ ، وَيَصُومُونَ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمُ ارْتِكَابُ مُبْطِلٍ مِنْ مُبْطِلَاتِ الْإِسْلَامِ ، وَلَكِنْ بِتَأْوِيلَاتٍ فَاسِدَةٍ وَانْجِرَافٍ وَرَاءَ أَهْوَاءٍ ، اللهُ أَعْلَمُ بِبَوَاعِثِهَا ، وَ إِرَادَاتِ حَامِلِهَا .
فَإِذَا اسْتَعْصَمَ الْإِنْسَانُ بِالْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَتَعَرَّفَ مَنْهَجَ سَلَفِ الْأُمَّةِ الصَّالِحِينَ ، وَاعْتَنَى بِذَلِكَ ، وَأَحْسَنَ الْإِلْتِجَاِءَ إِلَى اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - ، فَهُوَ حَرِيٌ بِإِذْنِ اللهِ أَنْ يَنْجُوا ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَخْطَارُ كَثِيرَةً ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ - لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْفِتَنَ الْمُتَوَالِيَةَ الَّتِي تَأْتِي كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ أَخْبَرَ أَنَّ الرَّجُلَ يُمْسِي مُسْلِمًا ، وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، وَيُصْبِحُ مُسْلِمًا ، وَيُمْسِي كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا .
مَنْ يَنْجُو ؟
مَنِ اسْتَعْصَمَ بِاللهِ ، وَأَلَحَّ عَلَى اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - ، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ شُهِرَ عَنْهُ اسْتِقَامَةٌ ، وَثَبَاتٌ ، وَعِنَايَةٌ بِالْعِبَادَةِ ثُمَ زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمُ ، وَاللهُ ذَكَرَ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي آتَاهُ اللهُ آيَاتِهِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا ، فَالْإِنْسَانُ لَا يَأْمَنْ بِسَبَبِ مَا عِنْدَهُ مِنْ عِلْمٍ ، أَوْ بِمَا يَعِيشَهُ فِي اجْتِمَاعٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَجَاءُهُ ، وَثِقَتُهَ ، وَإِلْحَاحُهُ عَلَى رَبِّهِ - جَلَّ وَعَلَا - أَنْ يُثَبِّتَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُبْتَلَى بِفِتَنٍ كَثِيرَةٍ فِي بَيْتِهِ ، مِنْ جُلَسَائِهِ ، مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُ ، وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبَهٌ فَتَرَدَّدَ ، وَقَدْ تَزِلُّ بِهِ الْقَدَمُ أَثْنَاءَ تَرَدُّدِهِ ، وَقَدْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ .
وَأَنْصَحُ الْإِنْسَانَ - طَالِبَ الْعِلْمِ - أَنْ يُرَاجِعَ كَلَامَ السَّلَفِ ، وَلَاسِيَّمَا الْأْئِمَّةُ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي ، وَالثَّالِثِ ، وَالْأَفْذَاذِ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُمْ ، وَالرِّجَالُ مُبَرِّزُون فِي عِلْمِهِمْ ، وَثَبَاتِهِمْ ، فَإِذَا أَحْسَنَ مُرَاجَعَةً لِكَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَطَبَقَةِ الْأْئِمَّةِ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي ، وَالثَّالِثِ ، وَتَلَامِذَتِهِمْ ، وَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ ، وَأَلَحَّ عَلَى اللهِ أَنْ يَهْدِيَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ تَنْغَلِقُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُمُورِ ، وَلَوْ كَانَ وَاسِعَ الْإِطِّلَاعِ ، فَإِذَا أَنْزَلَ فَاقَتَهُ ، وَفَقْرَهَ بِالْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ ، وَحَرِصَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ ، وَتَطَلَّبَ دَلِيلَهُ ، فَهُوَ حَرِيٌ أَنْ يُوَفَّقَ ؛ لِأَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَمَنْ تَوَجَّهَ سَائِرًا إِلَى اللهِ صَادِقٌ فِي مَسِيرِهِ حَفِظَهُ اللهُ - جَلَّ وَعَلَا - ، وَأَوْصَلَهُ إِلَى مَا قَصَدَ - إِذَا أَخَذَ بِالْأَسْبَابِ - ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ فِي نَجَاتِهِ ، وَسَلَامَتِهِ ، وَتَحْصِيلِ مَطَالِبِهِ ، وَمَقَاصِدِهِ أَنْ يَأَخُذَ أَيْضًا بِالْأَسْبَابِ ، فَالْهِدَايَةُ لَهَا أَسْبَابُهَا ، السَّلَامَةُ لَهَا أَسْبَابُهَا ، تَعْطِيلُ الْأُمُورِ عَنْ أَسْبَابِهَا لَيْسَ مِنْ مَسْلَكِ أَهْلِ السُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَلَا مِنْ مَسَالِكِ الْعُقَلَاءِ .
فِي هَذِهِ السَّنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ أَوِ الْعَشْرَةِ - عِشْرِينَ سَّنَةً تَقْرِيبًا - ، طَفَحَتْ آرَاءٌ ، وَأَقْوَالٌ ، وَتَكْفِيرُ رِجَالٍ ، وَرَجَالٍ إِلَّا أَنَّ مَنْ يُكَفِّرُونَ لَيْسُوا مِنِ عُلْيَةِ هَذَا الشَّأْنِ ، وَلَكِنَّهُمِ مَا بَيْنَ مُتَأَثِّرٍ بِغَيْرِهِ دُونَ هَوِيَّةٍ ، وَمَا بَيْنَ صَاحِبِ مَقَاصِدَ قَد لَا يَصِلُ إِلَى مَقَاصِدِه إِلَّا بِإِزْرَاءٍ لِآخَرِينَ أو تَضْلِيلِ آخَرِينَ ، وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يَخَافُ اللهَ - جَلَّ وَعَلَا - وَيَرْجُوهُ ، وَيَخْشَى مِنَ الْحِسَابِ وَالْعَرْضِ عَلَى اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - .
يَنْبَغِي أَنْ يَصُونَ سَمْعَهَ ، وَلِسَانَهُ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا سَمِعَ بَاطِلاً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَوْشَكَ أَنْ يَجِدَ هَذَا الْبَاطِلُ إِلِى قَلْبِهِ طَرِيقًا ، وَالْبَاطِلُ إِذَا وَجَدَ طَرِيقًا إِلَى الْقَلْبِ رُبَّمَا أَفْسَدَ عَلَى الْإِنْسَانِ حَيَاتَهُ .
وَالْخَلَاصُ مِنْ ذَلِكَ : الْاعْتِصَامُ بِكِتَابِ اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَنَحْنُ نُشَاهِدُ ، وَنَسْمَعُ مَا بَيْنَ فَيْنَةٍ ، وَأُخْرَى مَنْ يَقُولُ عَنْ أَمْرِ التَّكْفِيرِ ، وَالتَّضْلِيلِ ، أَوْ مَنْ يَعِيبُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَوْ بَعْضَ دَوَاوِينِ الْعِلْمِ . يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى هَذَا الْعَائِبِ هَلْ هُوَ مِمَّنْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ ، وَيُعْتَمَدُ فِي الرَّأْيِ عَلَى رَأْيِهِ ، وَمَا يَقُولُهُ ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلْيُطْلَبْ مِنْهُ الدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَيُتْرَكُ مَا عَدَا مُحَمَدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
طَالِبُ الْعِلْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِالْمُشَاوَرَةِ ، وَالْمُرَاجَعَةِ ، وَعَرْضِ مَا يَمُرُ عَلَيْهِ مِنْ أَفْكَارٍ ، وَآرَاءٍ مُشَوِّشَةٍ عَلَى مِيزَانِ الشَّرْعِ ، عَلَى دِلَالَةِ الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، فَإِذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ رَجَعَ إِلَى مَنْ يَرَاهُمْ أَرْسَخَ مِنْهُ فِي الْعِلْمِ ، وَلْيَقْرَأْ مَا كَانَ يَدُورُ بَيْنَ طَبَقَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ ، وَمُشَاوَرَاتٍ ، وَمُحَاوَرَاتٍ ، وَمُسَاءَلَاتٍ حَتَّى اسْتَغْرَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ سَائِلٍ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ السُّنَّةِ ، وَقَالَ هَذَا أَنْفَقَ كَذَا ، وَكَذَا عَلَى تَحْصِيلِ الْحَدِيثِ ، حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ، ثُمَّ يَسْأَلُ عَنِ السُّنَّةِ ، فَاحْتِمَالُ وُجُودِ خَطَأٍ مِنْ إِنْسَانٍ مَا وَارِدٌ ، وَالتَّشَاوُرُ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَالرُّجُوعُ إِلَى كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَعْظَمِ ، وَأَفْضَلِ مَا يَسْتَعِينَ بِهِ طَالِبُ الْعِلْمِ ، وَأَمَّا النَّاشِئُ ، أَوِالْمُحِبُّ لِلْعِلْمِ ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يَقْفُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ بِهِ يَدٌّ ، وَإِنَّمَا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ ، وَأَلَّا يَكُونَ جَرِيئًا عَلَى إِصْدَارِ أَحْكَامٍ عَلَى النَّاسِ ؛ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ نَكْسَةً ، أَوْكَرَاهِيَةً لِلْمَنْهَجِ ، أَوْلِمَنَ يُعْرَفُونَ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ تُقًا ، وَصَلَاحٍ ، وَإِيمَانٍ .
أَسْأَلُ اللهَ - جَلَّ وَعَلَا - بِأَسْمَائِهِ ، وَصِفَاتِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا مِنِ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا ، وَإِيمَانَنَا ، وَأَنَ يُثَبِّتَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَفِي الآخِرَةِ ، وَأَنْ يُصْلِحَ حَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَأَنْ يَنْصُرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ ، وَأَنْ يَحْفَظَ لِهَذَهِ الْمَمْلَكَةِ أَمْنَهَا ، وَيُصْلِحَ شَأْنَهَا ، وَيَصُونَ لَهَا حُدُودَهَا ، وَيُثَبِّتَهَا عَلَى الْحَقِّ ، وَأَنْ يُصْلِحَ وُلَاةَ أَمْرِهَا ، وَيَهْدِيَهُمْ ، وَيُعَظِّمَ فِي نُفُوسِهِمْ طَاعَةَ اللهِ ، وَطَاعَةَ رَسُولِهِ ، وَيُكَرِّهَ فِي نُفُوسِهِمْ كُلَّ مَا يُضَادُّ مَنْهَجَ أَهْلِ الْحَقِّ ، وَأَنْ يُبَارِكَ لَهُمْ فِي أَعْمَالَهُمُ الصَّالِحَةِ ، وَأَنْ يُوَفِّقَهُمِ لِنُصْرَةِ الْحَقِّ ، وَأَهْلِهِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَالثَّبَاتِ ، وَعَدَمِ التَّزَعْزُعِ لِمَا قَدْ يَتَعَرَّضُهُ مِنْ رِيَاحِ أَهْلِ الْبَاطِلِ ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ نَدْعُوَ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ ، وَالْهِدَايَةِ ، وَتَعْظِيمُ أَمْرِ اللهِ ، وَأَمْرِ رَسُولِهِ ، وَالْحِرْصُ عَلَى صِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَنْ يَدْخُلَهَا مَا يُزَعْزِعُ إِيمَانَهَا ، وَيُشَكِّكُهَا فِيمَا هِيَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أْئِمَّةِ السَّلَفِ : " لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ لِيَ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةٍ لَدَعَوْتُ بِهَا لِلسُّلْطَانِ " .
كُلُّ إِنْسَانٍ يُحِبُّ ، وَنُحِبُّ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ مُصْلِحًا لِمَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ إِصْلَاحٍ لَكِنَّ صَلَاحَ الْأْئِمَّةِ ، وَالْوُلَاةِ صَلَاحٌ لِلْمُجْتَمَعِ كَـمَا فِي حَدِيثِ : " أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" .
ذَكَرَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ : " أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ "
إِلَى هَذَا الْحَدِّ أَقِفُ لِأَنَّنِي لَمْ أُهَيِّئْ نَفْسِي لِلْكَلَامِ ؛ لِأَنَّنِي شُغِلْتُ ، وَنَسِيتُ حَتَّى ذُكِّرْتُ ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ ، وَلَعَلَّ فِي الْأَسْئِلَةِ مَا يُعِينُ عَلَى بَيَانِ خَفِيٍّ ، أَوْتَجْلِيَةِ أَمْرٍ ، أَوْإِرْشَادٍ ، وَاسْتِرْشَادٍ ، وَأَشْكُرُ الْإِخْوَانَ الَّذِينَ كَانُوا سَبَبَ حُضُورِي ، وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ عَمَلِيَ ، وَعَمَلَهُمْ ، وَعَمَلَـكُمْ جَمِيعًا خَالِصًا لِوَجْهِهِ مُوَافِقًا سُنَّةَ نَبِيِّهِ إِنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - مُجِيبُ الدُّعَاءِ .
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَآلِهِ ، وَصَحْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .