بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله.
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
الثورة المصرية.. وعصر الغربة.
أجل هذا هو ما نعيشه الآن على أرض مصر بعد هذه الثورة المشئومة.
وكيف لا يكون مَن لزم الجادة في هذه الفتن غريبًا:
قال الشيخ -حفظه الله- حاكيًا بعض ملامح هذه الغربة: "فهو غريبٌ في دينه لفساد أديانهم، وغريب في تمسكه بالسُّنة لتمسكهم بالبدعة، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريبٌ في نسبته لمخالفة نسبهم، غريبٌ في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم.
وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدًا ولا معينًا؛ فهو عالمٌ بين قومٍ جهال.. صاحبُ سنّة بين أهل بدع.. داعٍ إلى الله بين دعاةٍ إلى الأهواء والمحدثات والبدع.. آمرٌ بالمعروف، ناهٍ عن المنكر بين قوم المعروفُ لديهم منكر، والمنكرُ معروف".اهـ
في هذه الخطبة يرد الشيخ -حفظه الله- على مَن رماه -مَينًا وكذبًا- بالعمالة لأمن الدولة وأنه يداهن على حساب دينه!! ويقف في صف الحكام الظلمة؛ لأنه منع -كما منع أسلافه من الإمام أحمد وغيره- من الخروج على الحكام!!، وأنهم كيف [أُوذوا] و[عُوذبوا] من قبل أمن الدولة؟!!
أجل إنها مدرسة [أُوذوا] للأكاذيب والبهتان.
وقد تحدَّى الشيخ -حفظه الله- هؤلاء الكذبة قائلاً:
"وهذه كلماتي التي أنعمَ اللهُ عليّ بقولها وأنطقني ذو الجلال -تعالى- بها من مقروءٍ ومسموع مُشَاعةٌ مبذولة، وهي من الكذبة على طرف البنان.
فليأتوا من كلامي مسموعًا ومقروءًا بكلمةٍ واحدةٍ ناصرتُ بها ظالمًا!!، أو أيدتُ بها من أهل الجور حاكمًا!!
وأعطيهم (سنةً كاملة!!)؛ لينظروا ويسمعوا وإنا لمنتظرون".اهـ
وبالجملة فالخطبة ماتعة بحق.
بارك الله في عمر شيخنا الحبيب الهمام محمد سعيد رسلان وجعله شوكةً في حلوق الحزبيين وأدعياء السلفية.
والأمر كما قال الله -عز وجل-: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)).
التفريغ:
للتحميل بصيغة PDF جاهز للطباعة والنشر - 16 ورقة
اضغط هنــــا.
أو
للتحميل بصيغة DOC للنسخ واللصق والتعديل.
اضغط هنــــا.
صورة من ملف التفريغ:
القراءة المباشرة:
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بعدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرّ الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار.
أمّا بعدُ:
ففي صحيح مسلمٍ من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فطوبى للغرباء).
ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبًا يجوز تركُه!! -عياذًا بالله ولياذًا بجنابه-، بل هو كما قال الله -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85].
وقال -تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران:19].
و قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
وقال -تعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3].
ودين الأنبياء -كلهم- هو الإسلام الذي معناه: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
واختلفت الشرائعُ على حسب الأمم، قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (*) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (*) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:130-132].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «أَنَا أَوْلَى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة». قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياءُ إِخْوَة من عَلاَّت، أُمَّهَاتُهم شَتَّى، ودِينُهُم واحد فليس بيننا نبي».
ولهذا لما بدأ الإسلامُ غريبًا لم يكن غيره من الدين مقبولاً، بل قد ثبتَ في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلمٌ من رواية عياض بن حمار المجاشعي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنّ الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب).
ولا يقتضي حديثُ الغربة أنه إذا صار الإسلامُ غريبًا أنّ المتمسكَ به يكون في شر، بل هو أسعد الناس كما في تمام حديث نبينا المختار محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-: (فطوبى للغرباء).
وطوبى: من الطَّيِّبِ، ومن الطِّيِبِ. قال -تعالى-: ﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ﴾ [الرعد:29].
فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوا الإسلام لما كان غريبًا.
وهم أسعدُ الناس في الأولى والآخرة؛ فأما في الدنيا فقد قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:64]. أي: أنّ الله حسبُكَ وحَسْبُ مُتَّبِعِكَ.
وقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:196].
وقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الزمر:36].
وقال -تعالى-: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (*) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:1-2].
فالمسلم المتَّبع للرسول، اللهُ -تعالى- حسبه وكافيه، وهو وليه حيث كان ومتى كان.
ولابد أن يحصل للناس في الدنيا شر، ولله على عباده نِعمٌ.
وأما سعادة متَّبع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في الآخرة فهم أعلى الناس درجةً بعد الأنبياء -صلى الله عليهم وسلم-.
ولابد أن يحصل للناس في الدنيا شر، ولله على عباده نِعمٌ، لكنّ الشر الذي يُصيب المسلم أقل، والنعم التي تصل إليه أكثر.
وقد كان المسلمون في أول الإسلام وإنْ ابتُلوا بأذى الكفار والخروج من الديار، فالذي حصل للكفار من الهلاك كان أعظم بكثير.
والذي كان يحصل للكفار من عزٍ أو مالٍ كان يحصل للمسلمين أكثر منه.
والذي كان يحصل لهم من أذى الدنيا كانوا يُعوضون عنه عاجلاً من الإيمان وحلاوته ولذته، فيربو على ما يصيبهم من الأذى.
وكان أعداؤهم يحصل لهم من الأذى والشر أضعاف ذلك من غير عِوَضٍ -لا آجلاً ولا عاجلاً- إذ كانوا معاقبين بذنوبهم.
وكان المؤمنون ممتحنين؛ ليخلص إيمانهم وتكفَّر سيئاتهم، وذلك أن المؤمن يعمل لله؛ فإن أُوذي احتسب أذاه على الله، وإنْ بذلَ سعيًا أو مالاً بذله لله، واحتسب أجره على الله.
والإيمان له حلاوةٌ في القلب ولذة لا يعدلها شيءٌ البتة.
وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مَن هم الغرباء؟ لما سُئل عنهم، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (الذين يُصلِحون إذا فسد الناسُ). أخرجه الآجري في الغرباء، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ولما قيل -كما في الرواية الأخرى-: ومَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: (ناسٌ صالحون قليل في ناسٍ كثير، مَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم). وهذا أخرجه ابن المبارك، وأحمد، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الزهد، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وهؤلاء الغرباء: هم الأخفياء، الأتقياء، الأبرياء، الأنقياء الذين إذا غابوا لم يُفتقدوا، وإذا حضروا لم يُعرفوا، قلوبُهم مصابيح الهُدى يخرجون من كل فتنةٍ عمياء مظلمة.
وأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السُّنة الذين يميِّزونها من الأهواء والبدع في هؤلاء غرباء، والداعون إلى السُّنة الصابرون على أذى المخالفين أشدُّ هؤلاء غربةً.
وغربةُ أهل الله وأهل سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين هذا الخلق هي الغربة التي مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهلها، وأخبر عن الدين الذي جاء به أنه بدأ غريبًا، وأنه سيعود غريبًا كما بدأ، وأنّ أهله يصيرون غرباء.
وهذه الغربة قد تكون في مكانٍ دون مكانٍ، ووقتٍ دون وقتٍ، وبين قومٍ دون قومٍ، وأهل هذه الغربة هم أهل الله -حقًا-.
فإنهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الذين فارقوا الناس أحوجَ ما كانوا إليه.
وهذه الغربة لا وحشةَ على صاحبها! بل هو آنسُ ما يكونُ إذا استوحشَ الناس، وأشدُّ ما تكون وحشته إذا استأنسوا، فوليُّه الله، ورسولُه، والذين آمنوا، وإنْ عاداه أكثر الناس وجفوه.
ومن صفات الغرباء الذين غبطهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التمسك بالسُّنة إذا رغبَ الناسُ عنها، وترك ما أحدثوه وإنْ كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإنْ أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسولِه: لا شيخٍ، ولا طريقةٍ، ولا مذهبٍ، ولا طائفةٍ، ولا جماعةٍ، ولا حزبٍ، وإنما نسبتهم إلى الله، وإلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
بل هؤلاء الغرباء ينتسبون إلى الله بالعبودية له -وحده-، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به -وحده- فهذه هي نسبتهم، وهؤلاء هم القابضون على الجمر -حقًا-، وأكثر الناس -بل كلهم- لائمٌ لهم.
فلغربتهم بين هذا الخلق يعدُّونهم أهلَ شذوذٍ وبدعةٍ ومفارقة للسواد الأعظم.
والإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإنْ كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورةً معروفة.
فالإسلام الحقيقي غريبٌ جدًا، وأهلُه غرباء -أشدَّ الغربة- بين الناس.
وكيف لا تكون فِرقةٌ واحدة قليلةٌ جدًا غريبة بين اثنتين و سبعين فِرقة ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات لا يقوم لها سوقٌ إلا بمخالفة ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟!
فإنّ نفس ما جاء به يُضاد أهواءهم، ويُضاد لذاتهم، ويُضاد ما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعلمهم، وما هم فيه من الشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإراداتهم.
فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبًا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شُحهم وأُعجب كلٌّ منهم برأيه؟!
فإذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرةً في دينه وفقهًا في سنّة رسوله وفهمًا في كتابه، وأراه ما الناسُ فيه من الأهواء والبدع والضلالات والانحرافات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
إذا أراد المؤمن الذي مَنّ الله عليه بهذا أن يسلكَ هذا الصراط؛ فليوطِّن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناسِ عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فأما إنْ دعاهم إلى ذلك، وقدح فيما هم عليه؛ فهنالك تقوم قيامتهم، ويبغون له الغَوائِلَ، وينصبون له الحَوائِلَ، ويجلبون عليه بخيل كبيرهم وَرَجْلِه.
فهو غريبٌ في دينه لفساد أديانهم، وغريب في تمسكه بالسُّنة لتمسكهم بالبدعة، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريبٌ في نسبته لمخالفة نسبهم، غريبٌ في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم.
وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدًا ولا معينًا؛ فهو عالمٌ بين قومٍ جهال.. صاحبُ سنّة بين أهل بدع.. داعٍ إلى الله بين دعاةٍ إلى الأهواء والمحدثات والبدع.. آمرٌ بالمعروف، ناهٍ عن المنكر بين قوم المعروفُ لديهم منكر، والمنكرُ معروف.
ألا فاعلم أنّ الدنيا ليست للناس بدار مُقام، ولا هي الدار التي لها خُلقوا. وقد أخرج البخاري في صحيحه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (كنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل).
وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبًا وهو على جَناح سفر، لا يَحِلُّ عن راحلته إلا بين أهل القبور؛ فهو مسافر في صورة قاعد.
وما هذه الأيام إلا مراحلٌ
يحث بها داعٍ إلي الموت قاصدُ
وأعجبُ من ذا لو تأملتَ أنها
منازل تُطوى والمسافر قاعدُ
وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، والحديثُ صحيحٌ موقوف على معاذٍ -رضي الله تعالى عنه- عن أبي إدريس الخولاني -رحمه الله- قال: قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: (إنّ من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتَّبِعوني وقد قرأتُ القرآن كله!! وما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره!!
فإياكم وما ابتدع؛ فإنّ ما ابتدع ضلالة.
وأحذِّركم زيغة الحكيم؛ فإنّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق.
قال: قلتُ لمعاذٍ: وما يدريني -رحمكَ الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟! وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحق؟!
قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يُقال لها: ما هذه؟! ولا يُثْنِيَنَّكَ ذلك عنه؛ فلعله أن يُراجع، وتلقَّ الحق إذا سمعته؛ فإنّ على الحق نورًا).
وتلقَّ الحقَّ إذا سمعته؛ فإنّ على الحق نورًا.
وأخرج الطبراني في الكبير عند عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (مَن جاءك بالحق؛ فاقبل منه وإنْ كان بعيدًا بغيضًا، ومَن جاءكَ بالباطل؛ فاردد عليه وإنْ كان حبيبًا قريبًا).
وفي كتاب عمر -رضي الله عنه- الذي تلقته الأمّة بالقبول إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: (لا يمنعنكَ قضاءٌ قضيته بالأمس راجعتَ فيه نفسكَ، وهُديتَ فيه لرشدكَ أنْ تُراجعَ الحق؛ فإنّ الحق قديم، وإنّ الباطل لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خيرٌ من التمادي في الباطل).
وفي السير عن خالد بن مَعْدَان: (مَن التمس المحامد في مخالفة الحق ردّ الله تلك المحامدَ عليه ذمًا، ومَن اجترأ على الملاوم في موافقة الحق ردّ الله تلك الملاوِمَ عليه حمدًا).
لقد كان السلف إذا نزلت نازلةٌ، أو أَشْكَلَ أمرٌ، أو حَلَّّ خَطْبٌ يفزعون إلى علمائهم، ويأوون إلى حكمائهم.
قال يحيى بن يعمر:كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ في الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْتُ لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِي الْقَدَرِ.
فَوُفِّق لَنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَاخِلاً فِي الْمَسْجِدِ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أحدنا عن يمينه والآخرُ عن شِماله، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلاَمَ إِلَىَّ.
فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وذكر من شأنهم وأنهم يَزْعُمُونَ أَنه لاَ قَدَرَ وأنّ الأَمْرَ أُنُفٌ.
قال -رضي الله تعالى عنه- : فإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِيءٌ مِنْهُمْ وأنهم بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وساق حديث عُمَرُ الذي أخرجه مسلمٌ في مطالع صحيحه.
وكذلك صنع الزبيد بن الحارث الياميُّ لما ظهرت المرجئة ذهب فسألَ أبا وائلٍ شقيق ابن سلمةَ الأسديّ الكوفيّ، وهو من كبار أصحاب عبد الله بن مسعود الذين حملوا العلم عنه.
ففي الصحيحين عن زبيد قال: لما ظهرت المرجئة أتيتُ أبا وائل، فذكرتُ ذلك له، فقال: حدثني عبد الله -يعني ابن مسعود رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كُفر).
كان السلفُ إذا نزلت نازلة، أو وقع أمرٌ مُشْكِل، أو حلَّ خَطبٌ مفظِع يفزعون إلى علمائهم، ويسألون حكماءهم، كان ذلك كذلك!!
ثم صار الناسُ في زمن الغربة هذا إذا نزلت بهم نازلة، أو أشكل عليهم أمرٌ، أو حلَّ بهم خَطبٌ، فزعوا إلى جُهالهم، وأووا إلى سفهائهم، والحالُ أنّ:
مستشارٌ خائنٌ في نصحه
وأمينٌ ناصحٌ لم يُستشر!!
احْذَرِ الأَحْمَقَ أَنْ تَصْحَبَهُ
إِنَّمَا الأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلِقْ
كُلَّمَا رَقَّعْتَه مِنْ جَانِبٍ
زعزعته الرِّيحُ يومًا فَانْخَرَقْ
أَوْ كَصَدْعٍ فِي زُجَاجٍ فَاحِشٍ
هَلْ تَرَى صَدْعَ زجاجٍ يلتصق؟
فإذا عاتبته كَيْ يَرْعَوِي
زاد شرًا وتمادى في الحُمُق
ألا إنّ النفس إذا خبُثت أمسكت معروفها، وخالفت مألوفها، وضنَّت ببرها، وتساخت بشرها.
قومٌ إذا استنبح الأضيافُ كلبهمُ
قالوا لأمهم بولي على النارِ
فتمسكُ البولَ بخلاً أن تجودَ به
وما تبولُ لهم إلا بمقدارِ
وقد أبى الله -تعالى- إلا أن يجعلَ العيون على القلوب شاهدة، والألحاظَ إلى مكنون الضمائر قائدة.
إِنَّ العُيُونَ عَلَى القُلُوبِ شَوَاهِدٌ
فَبَغِيضُهَا لَكَ بَيِّنٌ وَحَبِيبُهَا
وَإِذَا تَلاَحَظَتِ العُيُونُ تَفَاوَضَتْ
وَتَحَدَّثَتْ عَمَّا تُجِنُّ قُلُوبُهَا
يَنْطِقْنَ وَالأَفْوَاهُ صَامِتَةٌ فَمَا
يَخْفَى عَلَيْكَ بَرِيئُهَا وَمُرِيبُهَا
وإني -إن شاء الله جل وعلا- وبحوله وقوته لمحدثك بعجيبتين من عجائب زمن الغربة الذي نعيش.
فأما الأولى: فيجمعها قول أبي عثمان، قال: قال الأصمعيُّ: قال رجلٌ لأعرابيٍّ: كيف فلانٌ فيكم؟
فقال له: مرزوقٌ أحمق!
قال: هذا -والله- الرجلُ الكامل!!
ومِثْلُ هذا إذا ابتُليتَ به؛ فهو كإصابة المُخَاطِ ثوبكَ، فأنتَ منه في أحد بلاءين: إنْ ذهبتَ تميطه تقذَّرتَ منه!! وإنْ أبقيته تقذذتَ منه ونفرتَ عنه!!
لئن كُنتُ محتاجاً إلى الحِلم إنني
إلى الجهلِ في بعضِ الأحايينِ أحوَجُ
ولي فَرَسٌ للحلمِ بالحلمِ ملجمٌ
ولي فرسٌ للجهلِ بالجهلِ مُسْرَجُ
فمَن شاء تقويمي فإني مُقَوَّمٌ
ومَن شاء تعويجي فإني مُعَوَّجُ
وما كنتُ أرضى الجهلَ خِدْنًا وصاحبًا
ولكنني أرضى به حين أُحرجُ
يقول أحمقُ لمداخِله: منذ (خمسة عشر) عامًا ونحن نُؤذى ونُعذَّبُ بسبب ما تذهب إليه وتفتي به.
وهذه الباقِعَةُ لولا ما تقدم من معاني الغربة ما تُصوِّر أن تكونَ كائنة؛ لما يدمغها من الكذب الصراح والإفك البيّن.
ولكن ما تفسير ذلك؟!
تفسيره: أنّ المتحدِّث المُدَّعِي لم يكن قد برأ من توهماته؛ فهذا كان يعبث به حالُ سَمادِيره بما هو من خيالاته.
لو خصمنا (خمسة عشر) عامًا التي ذكر من عمره المديد لبقي منه (اثنتا عشرة) سنة!! فأين كان حينئذ؟!!
كان (بسلامته!!) في (كي جي وَن!!)، فأين، ومتى وقع العذاب الواصبُ عليه؟!! وسعى القهرُ بالإذلال إليه؟!!
لا يكذبُ المرءُ إلا من مهانته
أو عادةِ السوء أو من قلة الأدبِ
لعضُّ جيفةِ كلبٍ خيرَ رائحةٍ
من كِذبةِ المرءِ في جِدٍ و في لعبِ
أيها الناس!! عجبتُ من الكذاب المشيد بكذبه، وإنما يدل على عيبه، ويتعرض للعقاب من ربه.
فالآثامُ له عادة، والأخبارُ عنه متضادة، إنْ قال حقًا لم يُصدَّقْ، وإنْ أرادَ خيرًا لم يُوَفَّقْ، فهو الجاني على نفسه بفعاله، وهو الدال على فضيحته بمقاله، فما صحَّ من صدقه نُسبَ إلى غيره، وما صحَّ من كذب غيره نُسبَ إليه.
فهو كما قال الشاعرُ:
حَسْبُ الكذوبِ من المهانة بعضُ ما
يُحكى عليه
مهما سمعتَ بكذبةٍ من غيره
نُسبتْ إليه
فهذا يكفيه!!
بيد أن العجب ينقشع عنا سحبه وغمائمه والدهش تُهتك أستاره وتزال غَلائِله إذا تذكرتَ المهاتَفةَ التي كانت فيها المهاتِفةُ مهاتِفةً شيخَ الضلالةِ تذكرُ الذين (أُوذوا) و(عُوذِّبوا)؛ فهي مدرسة واحدة يا صاح! مدرسة (أُوذوا) للأكاذيب والبهتان!!
وتلاميذ مدارس الإفك، ومحاضن التعصب يرموننا -مَيْنًا وكذبًا- بما رفعنا الله عنه، وطهرنا الله منه.
وهذه كلماتي التي أنعمَ اللهُ عليّ بقولها وأنطقني ذو الجلال -تعالى- بها من مقروءٍ ومسموع مُشَاعةٌ مبذولة، وهي من الكذبة على طرف البنان.
فليأتوا من كلامي مسموعًا ومقروءًا بكلمةٍ واحدةٍ ناصرتُ بها ظالمًا!!، أو أيدتُ بها من أهل الجور حاكمًا!!
وأعطيهم (سنةً كاملة!!)؛ لينظروا ويسمعوا وإنا لمنتظرون.
ما قررتُ إلا عقيدة أسلافي الكرام، وما نهجتُ إلا نهجَ أولئك الأعلام، وبلا حولٍ مني ولا حيلة، وإنما هو تفضل المليك العلام.
ومن العيب أن تكون أقوال شيوخ الكذاب مبذولةً منشورةً بين جنبات الدنيا الأربع تُرى وتُسمع وكلها في تقرير أنه لا يجوز الخروج على الحاكم وإنْ كان وكان، وأنّ هذا ليس من السُّنة في قبيلٍ ولا دبيرٍ، وأنّ الواقع شاهدٌ بما مضى وكان في سالف العصر والأوان.
من العيب أن يكون ذلك كذلك، ثم يأتي مفترٍ؛ فينفيه عنه وينسبه إلى غيرهم ممن قالوا؛ ليلصق بهم ما يظنه عيبًا وهو من سواء السُّنة وصريحها.
فيبرِّأ شيوخه من العلم بنسبتهم إلى الجهل!!، وينفي عنهم ما أصابوا فيه؛ ليلصق بهم ما أخطئوا عنه؛ فأيُّ سخافةٍ هذا؟!! وإني سائلٌ القوم سؤالاً:
هل كان الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- (عميلاً) لأمن دولة الواثق؟!!!
أو كان (بصَّاصًا) لعَسَسِه لما صرف الفقهاء عن الخروج عليه؟!!!
والواثق يدعو بالسيف والسوط والرغب والرهب إلى من عقائد الكفر والضلال، ويقتل العلماء الثقات بيده!!!
وهل تربى الإمام -لأنه قرر عقيدة السلف- في أحضان (أمن دولة) الواثق؟!!!
وهل كان مأجورًا أو مأمورًا بفتواه بعدم الخروج عليه؟!!!
أم كان مقيمًا على الجادة، ملازمًا للآثار، فاقهًا للأحاديث والأخبار؟!!! ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام:143].
وهل على طالب العلم من عابٍ إذا لزم السُّنة وجانب الفتنة وتوقَّى المحنة؟!! فأين تذهبون؟!!
إنّ المساكين غرتهم البَهارِجُ وخدعتهم الزُّيُوفُ؛ فهم قد عموا وصموا عن استبطان حقيقة ثورات الماسون، تثيرها شياطين الإنس، وثعالب البشر، وتقع في آتونها -غفلةً وغِرّةً- قطعان البشر!!
ولها غايةٌ واحدة، هي: تفكيك المجتمع بإحداث الفوضى.
وللفوضى عندهم سبيلان:
الأولى: أن تقع أول الأحداث أو قريبًا منها، وإلا فبتمكين أصحاب عقيدةٍ ما من سدة الحُكم والسلطة ومصادمتهم بالأقليات ذوات العقائد المأثومة وهي في الظاهر والخفاء بالمكر والكيد والتأييد مدعومة!! وإن غدًا لناظره قريب.
أسألُ الله -رب العالمين- إذا أراد بالناس فتنةً أن يقبضنا إليه غير فاتنين ولا مفتونين، ولا خزايا ولا محزونين، ولا مغيرين ولا مبدلين، إنه على كل شيءٍ قديرٍ، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين.
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فأما العجيبة الثانية من عجائب زمن الغربة التي نعيش؛ فهي أنّ وقعت إليّ (جريدة إسلامية) تحكي قصة أول مغامرة صحفية تكشف سماسرة (الرقيق الأبيض!!).
والمغامرة -باختصارٍ- أنّ محررتين في الجريدة إحداهما منتقبة، والأخرى كاشفةٌ عن وجهها، ذكرت الجريدة اسميهما، وجادت للتوثيق بصورتهما، قامتا بتمثيل أنهما مطلقتان تتسولان بعرض المناديل الورقية على الناس فِعلَ المتسولين في هذا الزمان.
وكانت النتيجة ما أبرزته الجريدة بعنوانٍ كبيرٍ: بين يدي المغامرة.. محررتان من جريدة كذا باعتا المناديل الورقية هناك -يريد أرصفة السيدة والحسين- فتلقتا عروضًا بشعةً للدعارة!!
ثم ذكرت بخطٍ بارزٍ كبير بعض تلك العروض؛ فقالت: عادل بالسيدة قال لهما: المرتب الشهريّ ثلاثةُ آلافٍ جنيهٍ، والبداية ممارسة الشذوذ مع رجل أعمال كويتيّ.
وراحت السيدتان العفيفتان المحصنتان تقصَّان ما وقع لهما وما عُرض عليهما، وتشيران إلى بعض ما سمعتا وتصوِّران ما رأيتا.
والسؤال -الآن- لشيخ هؤلاء القوم: هل وقع ذلك الأمر وتم ذلك الكشف بعلمكَ أم لا؟!
فإنْ كان وقع بغير علمكَ أو بعلمكَ؛ فالسؤال المطروح هو: هل يجوز للمرأة المسلمة العفيفة المحصنة أن تعرِّض نفسها لمثل ما عرَّضت الأختان نفسيهما له؟!
وهل للمسلمة العفيفة المحصنة المحجبة أن ترتاد مباءات الإثم، ومَرَاتع الخَنا، ومَواخِير الفسق، وتسمع عروض الفسق مكشوفة نظير أجورٍ معلومة، وأثمانٍ مدفوعة؟!
هل يجوز لها أن تفعل ذلك بحجة أنها تكشف سماسرة (الرقيق الأبيض) كما قالت الجريدة؟!
وهل يجوز أن تُنشر صور وأسماء مَن قالت الجريدة: إنهم من (القوَّادين) وباعة الهوى؟!
وهل يجوز أن يُعيَّن أحدٌ باسمه ورسمه أنه (قوَّاد) ومن (دُعَّار) منطقة كذا يفعل كذا ويقول كذا؟!
وهل يُعدُّ هذا قذفًا يستوجب حدًا أم ماذا؟!
وما العمل لو أن بعض مَن ذُكروا من (الدُّعَّار) والفسَّاق -كما تقول الجريدة- اعتدى على إحدى الفُضْلَيين؟! أو عليهما معًا؟! خاصةً أن الجريدة نشرت صورةً لهما بجوار سيارة للشرطة، وقالت: إنّ المراودة وقعت أمامها!!
وعليه فما هو تأمين الأختين -لو كان فعلهما جائزًا-؟! وهيهات!!
وهل تُسيء تلك المغامرة إلى الحجاب الشرعيّ أو تُحسن إليه؟!
وهل الجريدة بنشرها ما نشرت تكون قد ساعدت على نشر الفضيلة وقمع الرذيلة؟!
أم قد يقول خبيثٌ: ما زادت على أن عرَّفت الفسَّاق من الناس المكانَ والطريقةَ؟! وبذلت لهم الأسعار بغير نَصَبٍ معروضة؟!
وما هو قول شيخ القوم في قول إحدى الأختين ساردةً حوارها مع أحد (الدُّعَّار)، وقد قالت عنه: فعلمنا أنه (سمسار) لتجارة (الرقيق الأبيض)، وفتحت قوسًا، وكتبت (دعارة)، وأغلقت القوس لرجل أعمالٍ عرب كذا؛ فهو يقوم بدور (القَوَّاد)؟!
ما قوله في قولها: وبدأ يتحاور معنا ونستجيب إليه؛ حتى نعلم ما بداخله، وهو يردد علينا الكلمات البشعة التي تحمل في طياتها الوقاحة والبذاءة؟!
وما دعاكِ إلى الذهاب إليه؟!!!
قالت: وعرض أن كل كذا، أنّ كل منا كذا، سوف تأخذ ما يستطيع لو ذهبنا معه إلى الحارة المقابلة للجامع، ولكننا رفضنا منعًا للشكوك أمامه.
وقال لنا -تقول-: هل تتعاملون بطرق غير الشرعية؟ -أي شرعية؟!!- لأن رجل الأعمال الخليجي الذي سوف تحصلون على المال منه يحب هذه الطريقة من الجنس.
قالت: فقلنا له: تحت أمرك سوف نفعل ما تريدون!!
ما الغاية؟! ما الذي نتحصَّل عليه؟!!
ما رأي الرجل في هذا الكلام من حيث الشرف؟!
وهل مستقبل الصحافة الإسلامية في العهد السعيد!! سيكون مُتْرَعًا بمثل هذه المغامرات؟! أم هي مغامرة يتيمة وسيعتذر عنها؟!
ومن عجائب التقدير؛ لتعلم أنّ الله على كل شيءٍ قدير أن الصفحة التي نشرت الجريدة المغامرة فيها بيمينها عمود لكاتبٍ ما، وعلى رأسه في أقصى يمين الصفحة هذا السؤال:
هل هي سعيدة مَن عرضت جمالها على كلاب البشر ونثرت حسنها لذئاب الناس؟!
هذا تجديدٌ في الملة؟!! أم طريقةٌ جديدة في الدعوة؟!!
أهي دعوةٌ أم سياسة؟!! وما هي الحدود الفاصلة الآن بين العفة وضدها؟! والعفاف ونقيضه؟! وتَصَوِّن المرأة وتبذلها؟! وحشمتها وتعرِّضها؟!
ما هي الحدود الفاصلة الآن؟!!
إلى أين صرنا؟!! وإلى أين نسير؟!!
دَخَلَ الدُّنْيَا أُنَاسٌ قَبْلَنَا
رَحَلُوا عَنْهَا وَخَلّوْهَا لَنَا
فَنَزَلْنَاهَا كَمَا قَدْ نَزَلُوا
وَنُخَلِّيْهَا لِقَوْمٍ بَعْدَنَا
يُسيءُ امرؤٌ منّا، فيُبغَضُ دائماً
ودُنياكَ ما زالتْ تُسيءُ وتُومَقُ
أسرّ هَواها الشّيخُ والكَهلُ والفتى
بجَهلٍ، فمِنْ كلّ النّواظرِ تُرْمَقُ
وما هيَ أهلٌ أن يؤهَّلَ مثلُها
لوُدٍّ، ولكنّ ابنَ آدَمَ أحمَقُ
عباد الله من أهل السُّنة، أيها الغرباء على منهاج نبوة محمدٍ سيد الأنبياء، قد جعل الله الأمانةَ بين أيديكم، وجعل الله -رب العالمين- الحق صائرًا إليكم منطوقًا به على ألسنتكم، مَدْعُوًا إليه بحالكم وقالِكم.
فاتقوا الله في طريقكم، واعلموا أنكم على الحق، وأنّ أحدًا لن يُغني عن أحدٍ شيئًا، وأنّ الضلال قد عمَّ، وأنّ البلاء قد طَمَّ، وأنّ الانحراف عن الجادة ما زال يسير سيرًا حثيثًا..
يقوده أقوامٌ بأَزِمَّة الهوى!! ومَقادات الفتن؛ فتمسكوا بدينكم على نهج نبيكم وما كان عليه أصحابه -رضوان الله عليهم- ومَن تبعهم بإحسان.
وستنكشف الغمة، وستنجلي الظلمة -إن شاء الله جل وعلا- ويعرف الرجل منا ومنهم إذا زال الغبار أفرسٌ تحته أم حمارٌ؟!
أكثروا من ذكر ربكم، وأقبلوا عليه بخاصة قلوبكم، ولا يخدعنكم بهرج زائل، فالدنيا كلها إلى زوال.
ولا يوحشنكم طريق الحق وإن قل عدد السالكين فيه، ولا يغرنكم طريق الباطل ولو كثر عدد السالكين فيه.
الحق يتيم، وهو واحدٌ لا يتعدد، وقد مَنّ الله عليكم وساق الهدى إليكم من غير حَوْلٍ ولا طَوْلٍ منكم، وإنما هي منته بمنته عليكم؛ فحذارِ أن تُخدعوا!!
ودعوكم من هذا الرَّهج، فما تحته إلا تهارشُ الحُمُرِ!!
ومَن أنفذ عين بصيرته رأى ما وراء المكنون ظاهرًا، ورأى المَلك عاريًا!
والحكمة تُستقى من الكتاب والسُّنة، والضلالة والجهالة والغِواية تُستقى مما سواهما.
قد أصفى الله لكم المشارب، ونفى عنكم المعايب، وأكرمكم باتباع سنة نبيكم -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فاحذروا الزيغ، وتوقوا المزالق، والله يرعاكم ويسدد على طريق الحق خُطاكم.
نسأله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى أن يحفظنا وإخواننا من أهل السنة على منهاج النبوة في مشارق الأرض ومغاربها من الفتن وأهلها والبدع ومنتحليها، ودعايات الأهواء والداعين إليها، وأن يسدد خطانا، ويثبّت على طريق الحق قلوبنا، ويشرح به صدورنا، ويصلح به بالنا، ويصرف عنا كيد الكائدين، وزيغ الزائغين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، وسفاهة السفهاء المتسفهين.
إنه -جل وعلا- على كل شيءٍ قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
28 صفر 1433 هـ، الموافق 22/1/2012 م
فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللَ *** جلّ مَن لا عيب فيه وعلا.
السلام عليكم ورحمة الله.
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
الثورة المصرية.. وعصر الغربة.
أجل هذا هو ما نعيشه الآن على أرض مصر بعد هذه الثورة المشئومة.
وكيف لا يكون مَن لزم الجادة في هذه الفتن غريبًا:
قال الشيخ -حفظه الله- حاكيًا بعض ملامح هذه الغربة: "فهو غريبٌ في دينه لفساد أديانهم، وغريب في تمسكه بالسُّنة لتمسكهم بالبدعة، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريبٌ في نسبته لمخالفة نسبهم، غريبٌ في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم.
وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدًا ولا معينًا؛ فهو عالمٌ بين قومٍ جهال.. صاحبُ سنّة بين أهل بدع.. داعٍ إلى الله بين دعاةٍ إلى الأهواء والمحدثات والبدع.. آمرٌ بالمعروف، ناهٍ عن المنكر بين قوم المعروفُ لديهم منكر، والمنكرُ معروف".اهـ
في هذه الخطبة يرد الشيخ -حفظه الله- على مَن رماه -مَينًا وكذبًا- بالعمالة لأمن الدولة وأنه يداهن على حساب دينه!! ويقف في صف الحكام الظلمة؛ لأنه منع -كما منع أسلافه من الإمام أحمد وغيره- من الخروج على الحكام!!، وأنهم كيف [أُوذوا] و[عُوذبوا] من قبل أمن الدولة؟!!
أجل إنها مدرسة [أُوذوا] للأكاذيب والبهتان.
وقد تحدَّى الشيخ -حفظه الله- هؤلاء الكذبة قائلاً:
"وهذه كلماتي التي أنعمَ اللهُ عليّ بقولها وأنطقني ذو الجلال -تعالى- بها من مقروءٍ ومسموع مُشَاعةٌ مبذولة، وهي من الكذبة على طرف البنان.
فليأتوا من كلامي مسموعًا ومقروءًا بكلمةٍ واحدةٍ ناصرتُ بها ظالمًا!!، أو أيدتُ بها من أهل الجور حاكمًا!!
وأعطيهم (سنةً كاملة!!)؛ لينظروا ويسمعوا وإنا لمنتظرون".اهـ
وبالجملة فالخطبة ماتعة بحق.
بارك الله في عمر شيخنا الحبيب الهمام محمد سعيد رسلان وجعله شوكةً في حلوق الحزبيين وأدعياء السلفية.
والأمر كما قال الله -عز وجل-: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)).
التفريغ:
للتحميل بصيغة PDF جاهز للطباعة والنشر - 16 ورقة
اضغط هنــــا.
أو
للتحميل بصيغة DOC للنسخ واللصق والتعديل.
اضغط هنــــا.
صورة من ملف التفريغ:
القراءة المباشرة:
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بعدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرّ الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار.
أمّا بعدُ:
ففي صحيح مسلمٍ من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فطوبى للغرباء).
ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبًا يجوز تركُه!! -عياذًا بالله ولياذًا بجنابه-، بل هو كما قال الله -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85].
وقال -تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران:19].
و قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
وقال -تعالى-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3].
ودين الأنبياء -كلهم- هو الإسلام الذي معناه: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
واختلفت الشرائعُ على حسب الأمم، قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (*) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (*) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:130-132].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «أَنَا أَوْلَى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة». قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياءُ إِخْوَة من عَلاَّت، أُمَّهَاتُهم شَتَّى، ودِينُهُم واحد فليس بيننا نبي».
ولهذا لما بدأ الإسلامُ غريبًا لم يكن غيره من الدين مقبولاً، بل قد ثبتَ في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلمٌ من رواية عياض بن حمار المجاشعي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنّ الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب).
ولا يقتضي حديثُ الغربة أنه إذا صار الإسلامُ غريبًا أنّ المتمسكَ به يكون في شر، بل هو أسعد الناس كما في تمام حديث نبينا المختار محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-: (فطوبى للغرباء).
وطوبى: من الطَّيِّبِ، ومن الطِّيِبِ. قال -تعالى-: ﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ﴾ [الرعد:29].
فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوا الإسلام لما كان غريبًا.
وهم أسعدُ الناس في الأولى والآخرة؛ فأما في الدنيا فقد قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:64]. أي: أنّ الله حسبُكَ وحَسْبُ مُتَّبِعِكَ.
وقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:196].
وقال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الزمر:36].
وقال -تعالى-: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (*) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:1-2].
فالمسلم المتَّبع للرسول، اللهُ -تعالى- حسبه وكافيه، وهو وليه حيث كان ومتى كان.
ولابد أن يحصل للناس في الدنيا شر، ولله على عباده نِعمٌ.
وأما سعادة متَّبع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في الآخرة فهم أعلى الناس درجةً بعد الأنبياء -صلى الله عليهم وسلم-.
ولابد أن يحصل للناس في الدنيا شر، ولله على عباده نِعمٌ، لكنّ الشر الذي يُصيب المسلم أقل، والنعم التي تصل إليه أكثر.
وقد كان المسلمون في أول الإسلام وإنْ ابتُلوا بأذى الكفار والخروج من الديار، فالذي حصل للكفار من الهلاك كان أعظم بكثير.
والذي كان يحصل للكفار من عزٍ أو مالٍ كان يحصل للمسلمين أكثر منه.
والذي كان يحصل لهم من أذى الدنيا كانوا يُعوضون عنه عاجلاً من الإيمان وحلاوته ولذته، فيربو على ما يصيبهم من الأذى.
وكان أعداؤهم يحصل لهم من الأذى والشر أضعاف ذلك من غير عِوَضٍ -لا آجلاً ولا عاجلاً- إذ كانوا معاقبين بذنوبهم.
وكان المؤمنون ممتحنين؛ ليخلص إيمانهم وتكفَّر سيئاتهم، وذلك أن المؤمن يعمل لله؛ فإن أُوذي احتسب أذاه على الله، وإنْ بذلَ سعيًا أو مالاً بذله لله، واحتسب أجره على الله.
والإيمان له حلاوةٌ في القلب ولذة لا يعدلها شيءٌ البتة.
وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مَن هم الغرباء؟ لما سُئل عنهم، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (الذين يُصلِحون إذا فسد الناسُ). أخرجه الآجري في الغرباء، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ولما قيل -كما في الرواية الأخرى-: ومَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: (ناسٌ صالحون قليل في ناسٍ كثير، مَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم). وهذا أخرجه ابن المبارك، وأحمد، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الزهد، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وهؤلاء الغرباء: هم الأخفياء، الأتقياء، الأبرياء، الأنقياء الذين إذا غابوا لم يُفتقدوا، وإذا حضروا لم يُعرفوا، قلوبُهم مصابيح الهُدى يخرجون من كل فتنةٍ عمياء مظلمة.
وأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السُّنة الذين يميِّزونها من الأهواء والبدع في هؤلاء غرباء، والداعون إلى السُّنة الصابرون على أذى المخالفين أشدُّ هؤلاء غربةً.
وغربةُ أهل الله وأهل سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين هذا الخلق هي الغربة التي مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهلها، وأخبر عن الدين الذي جاء به أنه بدأ غريبًا، وأنه سيعود غريبًا كما بدأ، وأنّ أهله يصيرون غرباء.
وهذه الغربة قد تكون في مكانٍ دون مكانٍ، ووقتٍ دون وقتٍ، وبين قومٍ دون قومٍ، وأهل هذه الغربة هم أهل الله -حقًا-.
فإنهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الذين فارقوا الناس أحوجَ ما كانوا إليه.
وهذه الغربة لا وحشةَ على صاحبها! بل هو آنسُ ما يكونُ إذا استوحشَ الناس، وأشدُّ ما تكون وحشته إذا استأنسوا، فوليُّه الله، ورسولُه، والذين آمنوا، وإنْ عاداه أكثر الناس وجفوه.
ومن صفات الغرباء الذين غبطهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التمسك بالسُّنة إذا رغبَ الناسُ عنها، وترك ما أحدثوه وإنْ كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإنْ أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسولِه: لا شيخٍ، ولا طريقةٍ، ولا مذهبٍ، ولا طائفةٍ، ولا جماعةٍ، ولا حزبٍ، وإنما نسبتهم إلى الله، وإلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
بل هؤلاء الغرباء ينتسبون إلى الله بالعبودية له -وحده-، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به -وحده- فهذه هي نسبتهم، وهؤلاء هم القابضون على الجمر -حقًا-، وأكثر الناس -بل كلهم- لائمٌ لهم.
فلغربتهم بين هذا الخلق يعدُّونهم أهلَ شذوذٍ وبدعةٍ ومفارقة للسواد الأعظم.
والإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإنْ كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورةً معروفة.
فالإسلام الحقيقي غريبٌ جدًا، وأهلُه غرباء -أشدَّ الغربة- بين الناس.
وكيف لا تكون فِرقةٌ واحدة قليلةٌ جدًا غريبة بين اثنتين و سبعين فِرقة ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات لا يقوم لها سوقٌ إلا بمخالفة ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟!
فإنّ نفس ما جاء به يُضاد أهواءهم، ويُضاد لذاتهم، ويُضاد ما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعلمهم، وما هم فيه من الشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإراداتهم.
فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبًا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شُحهم وأُعجب كلٌّ منهم برأيه؟!
فإذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرةً في دينه وفقهًا في سنّة رسوله وفهمًا في كتابه، وأراه ما الناسُ فيه من الأهواء والبدع والضلالات والانحرافات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
إذا أراد المؤمن الذي مَنّ الله عليه بهذا أن يسلكَ هذا الصراط؛ فليوطِّن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناسِ عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فأما إنْ دعاهم إلى ذلك، وقدح فيما هم عليه؛ فهنالك تقوم قيامتهم، ويبغون له الغَوائِلَ، وينصبون له الحَوائِلَ، ويجلبون عليه بخيل كبيرهم وَرَجْلِه.
فهو غريبٌ في دينه لفساد أديانهم، وغريب في تمسكه بالسُّنة لتمسكهم بالبدعة، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريبٌ في نسبته لمخالفة نسبهم، غريبٌ في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم.
وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدًا ولا معينًا؛ فهو عالمٌ بين قومٍ جهال.. صاحبُ سنّة بين أهل بدع.. داعٍ إلى الله بين دعاةٍ إلى الأهواء والمحدثات والبدع.. آمرٌ بالمعروف، ناهٍ عن المنكر بين قوم المعروفُ لديهم منكر، والمنكرُ معروف.
ألا فاعلم أنّ الدنيا ليست للناس بدار مُقام، ولا هي الدار التي لها خُلقوا. وقد أخرج البخاري في صحيحه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (كنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل).
وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبًا وهو على جَناح سفر، لا يَحِلُّ عن راحلته إلا بين أهل القبور؛ فهو مسافر في صورة قاعد.
وما هذه الأيام إلا مراحلٌ
يحث بها داعٍ إلي الموت قاصدُ
وأعجبُ من ذا لو تأملتَ أنها
منازل تُطوى والمسافر قاعدُ
وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، والحديثُ صحيحٌ موقوف على معاذٍ -رضي الله تعالى عنه- عن أبي إدريس الخولاني -رحمه الله- قال: قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: (إنّ من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتَّبِعوني وقد قرأتُ القرآن كله!! وما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره!!
فإياكم وما ابتدع؛ فإنّ ما ابتدع ضلالة.
وأحذِّركم زيغة الحكيم؛ فإنّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق.
قال: قلتُ لمعاذٍ: وما يدريني -رحمكَ الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟! وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحق؟!
قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يُقال لها: ما هذه؟! ولا يُثْنِيَنَّكَ ذلك عنه؛ فلعله أن يُراجع، وتلقَّ الحق إذا سمعته؛ فإنّ على الحق نورًا).
وتلقَّ الحقَّ إذا سمعته؛ فإنّ على الحق نورًا.
وأخرج الطبراني في الكبير عند عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (مَن جاءك بالحق؛ فاقبل منه وإنْ كان بعيدًا بغيضًا، ومَن جاءكَ بالباطل؛ فاردد عليه وإنْ كان حبيبًا قريبًا).
وفي كتاب عمر -رضي الله عنه- الذي تلقته الأمّة بالقبول إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: (لا يمنعنكَ قضاءٌ قضيته بالأمس راجعتَ فيه نفسكَ، وهُديتَ فيه لرشدكَ أنْ تُراجعَ الحق؛ فإنّ الحق قديم، وإنّ الباطل لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خيرٌ من التمادي في الباطل).
وفي السير عن خالد بن مَعْدَان: (مَن التمس المحامد في مخالفة الحق ردّ الله تلك المحامدَ عليه ذمًا، ومَن اجترأ على الملاوم في موافقة الحق ردّ الله تلك الملاوِمَ عليه حمدًا).
لقد كان السلف إذا نزلت نازلةٌ، أو أَشْكَلَ أمرٌ، أو حَلَّّ خَطْبٌ يفزعون إلى علمائهم، ويأوون إلى حكمائهم.
قال يحيى بن يعمر:كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ في الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْتُ لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِي الْقَدَرِ.
فَوُفِّق لَنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَاخِلاً فِي الْمَسْجِدِ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أحدنا عن يمينه والآخرُ عن شِماله، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلاَمَ إِلَىَّ.
فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وذكر من شأنهم وأنهم يَزْعُمُونَ أَنه لاَ قَدَرَ وأنّ الأَمْرَ أُنُفٌ.
قال -رضي الله تعالى عنه- : فإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِيءٌ مِنْهُمْ وأنهم بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وساق حديث عُمَرُ الذي أخرجه مسلمٌ في مطالع صحيحه.
وكذلك صنع الزبيد بن الحارث الياميُّ لما ظهرت المرجئة ذهب فسألَ أبا وائلٍ شقيق ابن سلمةَ الأسديّ الكوفيّ، وهو من كبار أصحاب عبد الله بن مسعود الذين حملوا العلم عنه.
ففي الصحيحين عن زبيد قال: لما ظهرت المرجئة أتيتُ أبا وائل، فذكرتُ ذلك له، فقال: حدثني عبد الله -يعني ابن مسعود رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كُفر).
كان السلفُ إذا نزلت نازلة، أو وقع أمرٌ مُشْكِل، أو حلَّ خَطبٌ مفظِع يفزعون إلى علمائهم، ويسألون حكماءهم، كان ذلك كذلك!!
ثم صار الناسُ في زمن الغربة هذا إذا نزلت بهم نازلة، أو أشكل عليهم أمرٌ، أو حلَّ بهم خَطبٌ، فزعوا إلى جُهالهم، وأووا إلى سفهائهم، والحالُ أنّ:
مستشارٌ خائنٌ في نصحه
وأمينٌ ناصحٌ لم يُستشر!!
احْذَرِ الأَحْمَقَ أَنْ تَصْحَبَهُ
إِنَّمَا الأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلِقْ
كُلَّمَا رَقَّعْتَه مِنْ جَانِبٍ
زعزعته الرِّيحُ يومًا فَانْخَرَقْ
أَوْ كَصَدْعٍ فِي زُجَاجٍ فَاحِشٍ
هَلْ تَرَى صَدْعَ زجاجٍ يلتصق؟
فإذا عاتبته كَيْ يَرْعَوِي
زاد شرًا وتمادى في الحُمُق
ألا إنّ النفس إذا خبُثت أمسكت معروفها، وخالفت مألوفها، وضنَّت ببرها، وتساخت بشرها.
قومٌ إذا استنبح الأضيافُ كلبهمُ
قالوا لأمهم بولي على النارِ
فتمسكُ البولَ بخلاً أن تجودَ به
وما تبولُ لهم إلا بمقدارِ
وقد أبى الله -تعالى- إلا أن يجعلَ العيون على القلوب شاهدة، والألحاظَ إلى مكنون الضمائر قائدة.
إِنَّ العُيُونَ عَلَى القُلُوبِ شَوَاهِدٌ
فَبَغِيضُهَا لَكَ بَيِّنٌ وَحَبِيبُهَا
وَإِذَا تَلاَحَظَتِ العُيُونُ تَفَاوَضَتْ
وَتَحَدَّثَتْ عَمَّا تُجِنُّ قُلُوبُهَا
يَنْطِقْنَ وَالأَفْوَاهُ صَامِتَةٌ فَمَا
يَخْفَى عَلَيْكَ بَرِيئُهَا وَمُرِيبُهَا
وإني -إن شاء الله جل وعلا- وبحوله وقوته لمحدثك بعجيبتين من عجائب زمن الغربة الذي نعيش.
فأما الأولى: فيجمعها قول أبي عثمان، قال: قال الأصمعيُّ: قال رجلٌ لأعرابيٍّ: كيف فلانٌ فيكم؟
فقال له: مرزوقٌ أحمق!
قال: هذا -والله- الرجلُ الكامل!!
ومِثْلُ هذا إذا ابتُليتَ به؛ فهو كإصابة المُخَاطِ ثوبكَ، فأنتَ منه في أحد بلاءين: إنْ ذهبتَ تميطه تقذَّرتَ منه!! وإنْ أبقيته تقذذتَ منه ونفرتَ عنه!!
لئن كُنتُ محتاجاً إلى الحِلم إنني
إلى الجهلِ في بعضِ الأحايينِ أحوَجُ
ولي فَرَسٌ للحلمِ بالحلمِ ملجمٌ
ولي فرسٌ للجهلِ بالجهلِ مُسْرَجُ
فمَن شاء تقويمي فإني مُقَوَّمٌ
ومَن شاء تعويجي فإني مُعَوَّجُ
وما كنتُ أرضى الجهلَ خِدْنًا وصاحبًا
ولكنني أرضى به حين أُحرجُ
يقول أحمقُ لمداخِله: منذ (خمسة عشر) عامًا ونحن نُؤذى ونُعذَّبُ بسبب ما تذهب إليه وتفتي به.
وهذه الباقِعَةُ لولا ما تقدم من معاني الغربة ما تُصوِّر أن تكونَ كائنة؛ لما يدمغها من الكذب الصراح والإفك البيّن.
ولكن ما تفسير ذلك؟!
تفسيره: أنّ المتحدِّث المُدَّعِي لم يكن قد برأ من توهماته؛ فهذا كان يعبث به حالُ سَمادِيره بما هو من خيالاته.
لو خصمنا (خمسة عشر) عامًا التي ذكر من عمره المديد لبقي منه (اثنتا عشرة) سنة!! فأين كان حينئذ؟!!
كان (بسلامته!!) في (كي جي وَن!!)، فأين، ومتى وقع العذاب الواصبُ عليه؟!! وسعى القهرُ بالإذلال إليه؟!!
لا يكذبُ المرءُ إلا من مهانته
أو عادةِ السوء أو من قلة الأدبِ
لعضُّ جيفةِ كلبٍ خيرَ رائحةٍ
من كِذبةِ المرءِ في جِدٍ و في لعبِ
أيها الناس!! عجبتُ من الكذاب المشيد بكذبه، وإنما يدل على عيبه، ويتعرض للعقاب من ربه.
فالآثامُ له عادة، والأخبارُ عنه متضادة، إنْ قال حقًا لم يُصدَّقْ، وإنْ أرادَ خيرًا لم يُوَفَّقْ، فهو الجاني على نفسه بفعاله، وهو الدال على فضيحته بمقاله، فما صحَّ من صدقه نُسبَ إلى غيره، وما صحَّ من كذب غيره نُسبَ إليه.
فهو كما قال الشاعرُ:
حَسْبُ الكذوبِ من المهانة بعضُ ما
يُحكى عليه
مهما سمعتَ بكذبةٍ من غيره
نُسبتْ إليه
فهذا يكفيه!!
بيد أن العجب ينقشع عنا سحبه وغمائمه والدهش تُهتك أستاره وتزال غَلائِله إذا تذكرتَ المهاتَفةَ التي كانت فيها المهاتِفةُ مهاتِفةً شيخَ الضلالةِ تذكرُ الذين (أُوذوا) و(عُوذِّبوا)؛ فهي مدرسة واحدة يا صاح! مدرسة (أُوذوا) للأكاذيب والبهتان!!
وتلاميذ مدارس الإفك، ومحاضن التعصب يرموننا -مَيْنًا وكذبًا- بما رفعنا الله عنه، وطهرنا الله منه.
وهذه كلماتي التي أنعمَ اللهُ عليّ بقولها وأنطقني ذو الجلال -تعالى- بها من مقروءٍ ومسموع مُشَاعةٌ مبذولة، وهي من الكذبة على طرف البنان.
فليأتوا من كلامي مسموعًا ومقروءًا بكلمةٍ واحدةٍ ناصرتُ بها ظالمًا!!، أو أيدتُ بها من أهل الجور حاكمًا!!
وأعطيهم (سنةً كاملة!!)؛ لينظروا ويسمعوا وإنا لمنتظرون.
ما قررتُ إلا عقيدة أسلافي الكرام، وما نهجتُ إلا نهجَ أولئك الأعلام، وبلا حولٍ مني ولا حيلة، وإنما هو تفضل المليك العلام.
ومن العيب أن تكون أقوال شيوخ الكذاب مبذولةً منشورةً بين جنبات الدنيا الأربع تُرى وتُسمع وكلها في تقرير أنه لا يجوز الخروج على الحاكم وإنْ كان وكان، وأنّ هذا ليس من السُّنة في قبيلٍ ولا دبيرٍ، وأنّ الواقع شاهدٌ بما مضى وكان في سالف العصر والأوان.
من العيب أن يكون ذلك كذلك، ثم يأتي مفترٍ؛ فينفيه عنه وينسبه إلى غيرهم ممن قالوا؛ ليلصق بهم ما يظنه عيبًا وهو من سواء السُّنة وصريحها.
فيبرِّأ شيوخه من العلم بنسبتهم إلى الجهل!!، وينفي عنهم ما أصابوا فيه؛ ليلصق بهم ما أخطئوا عنه؛ فأيُّ سخافةٍ هذا؟!! وإني سائلٌ القوم سؤالاً:
هل كان الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- (عميلاً) لأمن دولة الواثق؟!!!
أو كان (بصَّاصًا) لعَسَسِه لما صرف الفقهاء عن الخروج عليه؟!!!
والواثق يدعو بالسيف والسوط والرغب والرهب إلى من عقائد الكفر والضلال، ويقتل العلماء الثقات بيده!!!
وهل تربى الإمام -لأنه قرر عقيدة السلف- في أحضان (أمن دولة) الواثق؟!!!
وهل كان مأجورًا أو مأمورًا بفتواه بعدم الخروج عليه؟!!!
أم كان مقيمًا على الجادة، ملازمًا للآثار، فاقهًا للأحاديث والأخبار؟!!! ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام:143].
وهل على طالب العلم من عابٍ إذا لزم السُّنة وجانب الفتنة وتوقَّى المحنة؟!! فأين تذهبون؟!!
إنّ المساكين غرتهم البَهارِجُ وخدعتهم الزُّيُوفُ؛ فهم قد عموا وصموا عن استبطان حقيقة ثورات الماسون، تثيرها شياطين الإنس، وثعالب البشر، وتقع في آتونها -غفلةً وغِرّةً- قطعان البشر!!
ولها غايةٌ واحدة، هي: تفكيك المجتمع بإحداث الفوضى.
وللفوضى عندهم سبيلان:
الأولى: أن تقع أول الأحداث أو قريبًا منها، وإلا فبتمكين أصحاب عقيدةٍ ما من سدة الحُكم والسلطة ومصادمتهم بالأقليات ذوات العقائد المأثومة وهي في الظاهر والخفاء بالمكر والكيد والتأييد مدعومة!! وإن غدًا لناظره قريب.
أسألُ الله -رب العالمين- إذا أراد بالناس فتنةً أن يقبضنا إليه غير فاتنين ولا مفتونين، ولا خزايا ولا محزونين، ولا مغيرين ولا مبدلين، إنه على كل شيءٍ قديرٍ، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين.
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فأما العجيبة الثانية من عجائب زمن الغربة التي نعيش؛ فهي أنّ وقعت إليّ (جريدة إسلامية) تحكي قصة أول مغامرة صحفية تكشف سماسرة (الرقيق الأبيض!!).
والمغامرة -باختصارٍ- أنّ محررتين في الجريدة إحداهما منتقبة، والأخرى كاشفةٌ عن وجهها، ذكرت الجريدة اسميهما، وجادت للتوثيق بصورتهما، قامتا بتمثيل أنهما مطلقتان تتسولان بعرض المناديل الورقية على الناس فِعلَ المتسولين في هذا الزمان.
وكانت النتيجة ما أبرزته الجريدة بعنوانٍ كبيرٍ: بين يدي المغامرة.. محررتان من جريدة كذا باعتا المناديل الورقية هناك -يريد أرصفة السيدة والحسين- فتلقتا عروضًا بشعةً للدعارة!!
ثم ذكرت بخطٍ بارزٍ كبير بعض تلك العروض؛ فقالت: عادل بالسيدة قال لهما: المرتب الشهريّ ثلاثةُ آلافٍ جنيهٍ، والبداية ممارسة الشذوذ مع رجل أعمال كويتيّ.
وراحت السيدتان العفيفتان المحصنتان تقصَّان ما وقع لهما وما عُرض عليهما، وتشيران إلى بعض ما سمعتا وتصوِّران ما رأيتا.
والسؤال -الآن- لشيخ هؤلاء القوم: هل وقع ذلك الأمر وتم ذلك الكشف بعلمكَ أم لا؟!
فإنْ كان وقع بغير علمكَ أو بعلمكَ؛ فالسؤال المطروح هو: هل يجوز للمرأة المسلمة العفيفة المحصنة أن تعرِّض نفسها لمثل ما عرَّضت الأختان نفسيهما له؟!
وهل للمسلمة العفيفة المحصنة المحجبة أن ترتاد مباءات الإثم، ومَرَاتع الخَنا، ومَواخِير الفسق، وتسمع عروض الفسق مكشوفة نظير أجورٍ معلومة، وأثمانٍ مدفوعة؟!
هل يجوز لها أن تفعل ذلك بحجة أنها تكشف سماسرة (الرقيق الأبيض) كما قالت الجريدة؟!
وهل يجوز أن تُنشر صور وأسماء مَن قالت الجريدة: إنهم من (القوَّادين) وباعة الهوى؟!
وهل يجوز أن يُعيَّن أحدٌ باسمه ورسمه أنه (قوَّاد) ومن (دُعَّار) منطقة كذا يفعل كذا ويقول كذا؟!
وهل يُعدُّ هذا قذفًا يستوجب حدًا أم ماذا؟!
وما العمل لو أن بعض مَن ذُكروا من (الدُّعَّار) والفسَّاق -كما تقول الجريدة- اعتدى على إحدى الفُضْلَيين؟! أو عليهما معًا؟! خاصةً أن الجريدة نشرت صورةً لهما بجوار سيارة للشرطة، وقالت: إنّ المراودة وقعت أمامها!!
وعليه فما هو تأمين الأختين -لو كان فعلهما جائزًا-؟! وهيهات!!
وهل تُسيء تلك المغامرة إلى الحجاب الشرعيّ أو تُحسن إليه؟!
وهل الجريدة بنشرها ما نشرت تكون قد ساعدت على نشر الفضيلة وقمع الرذيلة؟!
أم قد يقول خبيثٌ: ما زادت على أن عرَّفت الفسَّاق من الناس المكانَ والطريقةَ؟! وبذلت لهم الأسعار بغير نَصَبٍ معروضة؟!
وما هو قول شيخ القوم في قول إحدى الأختين ساردةً حوارها مع أحد (الدُّعَّار)، وقد قالت عنه: فعلمنا أنه (سمسار) لتجارة (الرقيق الأبيض)، وفتحت قوسًا، وكتبت (دعارة)، وأغلقت القوس لرجل أعمالٍ عرب كذا؛ فهو يقوم بدور (القَوَّاد)؟!
ما قوله في قولها: وبدأ يتحاور معنا ونستجيب إليه؛ حتى نعلم ما بداخله، وهو يردد علينا الكلمات البشعة التي تحمل في طياتها الوقاحة والبذاءة؟!
وما دعاكِ إلى الذهاب إليه؟!!!
قالت: وعرض أن كل كذا، أنّ كل منا كذا، سوف تأخذ ما يستطيع لو ذهبنا معه إلى الحارة المقابلة للجامع، ولكننا رفضنا منعًا للشكوك أمامه.
وقال لنا -تقول-: هل تتعاملون بطرق غير الشرعية؟ -أي شرعية؟!!- لأن رجل الأعمال الخليجي الذي سوف تحصلون على المال منه يحب هذه الطريقة من الجنس.
قالت: فقلنا له: تحت أمرك سوف نفعل ما تريدون!!
ما الغاية؟! ما الذي نتحصَّل عليه؟!!
ما رأي الرجل في هذا الكلام من حيث الشرف؟!
وهل مستقبل الصحافة الإسلامية في العهد السعيد!! سيكون مُتْرَعًا بمثل هذه المغامرات؟! أم هي مغامرة يتيمة وسيعتذر عنها؟!
ومن عجائب التقدير؛ لتعلم أنّ الله على كل شيءٍ قدير أن الصفحة التي نشرت الجريدة المغامرة فيها بيمينها عمود لكاتبٍ ما، وعلى رأسه في أقصى يمين الصفحة هذا السؤال:
هل هي سعيدة مَن عرضت جمالها على كلاب البشر ونثرت حسنها لذئاب الناس؟!
هذا تجديدٌ في الملة؟!! أم طريقةٌ جديدة في الدعوة؟!!
أهي دعوةٌ أم سياسة؟!! وما هي الحدود الفاصلة الآن بين العفة وضدها؟! والعفاف ونقيضه؟! وتَصَوِّن المرأة وتبذلها؟! وحشمتها وتعرِّضها؟!
ما هي الحدود الفاصلة الآن؟!!
إلى أين صرنا؟!! وإلى أين نسير؟!!
دَخَلَ الدُّنْيَا أُنَاسٌ قَبْلَنَا
رَحَلُوا عَنْهَا وَخَلّوْهَا لَنَا
فَنَزَلْنَاهَا كَمَا قَدْ نَزَلُوا
وَنُخَلِّيْهَا لِقَوْمٍ بَعْدَنَا
يُسيءُ امرؤٌ منّا، فيُبغَضُ دائماً
ودُنياكَ ما زالتْ تُسيءُ وتُومَقُ
أسرّ هَواها الشّيخُ والكَهلُ والفتى
بجَهلٍ، فمِنْ كلّ النّواظرِ تُرْمَقُ
وما هيَ أهلٌ أن يؤهَّلَ مثلُها
لوُدٍّ، ولكنّ ابنَ آدَمَ أحمَقُ
عباد الله من أهل السُّنة، أيها الغرباء على منهاج نبوة محمدٍ سيد الأنبياء، قد جعل الله الأمانةَ بين أيديكم، وجعل الله -رب العالمين- الحق صائرًا إليكم منطوقًا به على ألسنتكم، مَدْعُوًا إليه بحالكم وقالِكم.
فاتقوا الله في طريقكم، واعلموا أنكم على الحق، وأنّ أحدًا لن يُغني عن أحدٍ شيئًا، وأنّ الضلال قد عمَّ، وأنّ البلاء قد طَمَّ، وأنّ الانحراف عن الجادة ما زال يسير سيرًا حثيثًا..
يقوده أقوامٌ بأَزِمَّة الهوى!! ومَقادات الفتن؛ فتمسكوا بدينكم على نهج نبيكم وما كان عليه أصحابه -رضوان الله عليهم- ومَن تبعهم بإحسان.
وستنكشف الغمة، وستنجلي الظلمة -إن شاء الله جل وعلا- ويعرف الرجل منا ومنهم إذا زال الغبار أفرسٌ تحته أم حمارٌ؟!
أكثروا من ذكر ربكم، وأقبلوا عليه بخاصة قلوبكم، ولا يخدعنكم بهرج زائل، فالدنيا كلها إلى زوال.
ولا يوحشنكم طريق الحق وإن قل عدد السالكين فيه، ولا يغرنكم طريق الباطل ولو كثر عدد السالكين فيه.
الحق يتيم، وهو واحدٌ لا يتعدد، وقد مَنّ الله عليكم وساق الهدى إليكم من غير حَوْلٍ ولا طَوْلٍ منكم، وإنما هي منته بمنته عليكم؛ فحذارِ أن تُخدعوا!!
ودعوكم من هذا الرَّهج، فما تحته إلا تهارشُ الحُمُرِ!!
ومَن أنفذ عين بصيرته رأى ما وراء المكنون ظاهرًا، ورأى المَلك عاريًا!
والحكمة تُستقى من الكتاب والسُّنة، والضلالة والجهالة والغِواية تُستقى مما سواهما.
قد أصفى الله لكم المشارب، ونفى عنكم المعايب، وأكرمكم باتباع سنة نبيكم -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فاحذروا الزيغ، وتوقوا المزالق، والله يرعاكم ويسدد على طريق الحق خُطاكم.
نسأله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى أن يحفظنا وإخواننا من أهل السنة على منهاج النبوة في مشارق الأرض ومغاربها من الفتن وأهلها والبدع ومنتحليها، ودعايات الأهواء والداعين إليها، وأن يسدد خطانا، ويثبّت على طريق الحق قلوبنا، ويشرح به صدورنا، ويصلح به بالنا، ويصرف عنا كيد الكائدين، وزيغ الزائغين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، وسفاهة السفهاء المتسفهين.
إنه -جل وعلا- على كل شيءٍ قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
28 صفر 1433 هـ، الموافق 22/1/2012 م
فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللَ *** جلّ مَن لا عيب فيه وعلا.