رأي آخر في التراث والآثار
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل عام كتبت ملاحظة (لم تنشر) على رأي لكاتب عربي بارز في كتاب (دليل الليالي العربية) لروبرت أُوِن، أحدثُ تقريض لكتاب (ألف ليلة وليلة) في سلسلة الاعجاب الغَرْبيّ به، وأخذ منه الكاتب العربي أن: (ألف ليلة وليلة) لم يعط حقّه من التّقدير في موطنه.
وكان رأيي أن هذا الكتاب لا يستحقّ التقدير في العالم العربي وبخاصّة بين المسلمين، ولم يهتمّ به العَرَب القدوة في الدّين والأدب لأنّه كان من سقط المؤلّفات بكلّ مقاييس الحكم الصّحيح: لغويّة، وفنّيّة، وخلقيّة، وشرعيّة، وتربويّة، وإنما مثله (وإن كان يقصر كثيراً) مثل (رباعيّات الخيام) في الأدب الفارسيّ لم تنل خطوة تذكر في موطنها حتى ترجمها (فيتزجرالد) إلى الإنجليزيّة بنظمه الجميل الرّاقي (بالمقاييس الأدبيّة الحديثة)، فالقيمة الحقيقيّة للرّباعيّات إنّما هي لصياغة (فيتزجرالد) وليست لصيغة (عمر الخيّام).
وفي العربيّة: القيمة الحقيقيّة للرّباعيّات إنما هي لصياغة أحمد رامي بشعره الرّقيق السّلس والمغايرة للأصل، ويظهر صحة هذا الحكم عند المقارنة بين ترجمة أحمد رامي للرّباعيّات وترجمة أحمد الصّافي النّجفي الموافقة للأصل.
والواقع أن أكثر حكايات (ألف ليلة وليلة)ساذجة وساقطة ولا يصحّ ديناً ولا خلقاً ولا تربيةً ولا أدباً أن تقدّم نموذجاً فنّيّاً صالحاً للأبناء والأحفاد.
ولكن المسلمين في العصور المتخلّفة مستعدّون لاتّباع أيّ ناعق غربيّ (أو شرقيّ) في أيّ قضيّة فكريّة، ولو كانوا ألصق بها وأقدر على الحكم عليها.
نعم! يمكن الاستفادة من التّقنية والثقافة الغربيّة، وانتاجها من البحوث الجادّة المفيدة في الأمور الدّنيويّة، بل والدّينيّة فقد أيّد الله الباحثين المسلمين في تقنيّة علوم القرآن بنصرانيّ ألمانيّ؛ فظهر لأوّل مرّة: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن، ثمّ (في تقنية علوم السّنّة) بنصرانيّ هولندي: فظهر لأول مرّة: المعجم المفهرس الشّامل لألفاظ الحديث أعانه على إخراجه وموّله عدد من الأفراد والمؤسّسات النّصرانيّة.
ولكن أين من الشرع بل وأين من العقل: الاهتمام بورقة من المصحف من (جلد الغزال) يشتريها بمئات الألوف السّذّج من الأثرياء مما استخلفهم الله فيه لينظر كيف يعملون أو السّذّج من الموظّفين على حساب الخزانة العامّة، لو كان الحَكَمُ قول الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}؛ لا يحبّ المسرفين في الطيّب الحلال المفيد من أمور الدّين والدّنيا، فكيف بالإسراف في القِيَم الخياليّة فنّيّة أو جماليّة أو رياضيّة أو فكريّة.
ليس من شرع الله في شيء، بل وليس من العقل في شيء هذا التّهالك على (التراث والآثار) دينيّة أو دنيويّة لمجرّد مرور الزّمن عليه أو قبوله في مجتمع صناعيّ.
ولئن كان الكافر معذوراً (وجنّته في الدّنيا) باللهو الخياليّ فتتحوّل مقطوعة (فالس بوليرو) من: (دقيقة من الأوركسترا بلا موسيقى) كما حكم عليها مؤلّفها (رافلّ) بِحُكْمِ مجتمع (فيينّا) الفنّي قبل 70سنة، إلى مقطوعة من الدّرجة الأولى اليوم، وتلقى لوحة (ماتِس) في متحف نيويورك للفنّ الحديث ما تستحقّه من الحفاوة والتّقريض والاعجاب مدّة شهر ونصف وزوّارها يبلغون مئات الألوف من محترفي الفنّ وهواته ونقّاده، ثمّ يتبيّن (بملاحظة غير فنّيّة) أنّها علّقت مقلوبة طوال هذه الفترة.
فما هو عذر المسلم الذي يتقرّب إلى الله بغير شرعه، أو ينشر الفسق والتّفاهة باسم الأدب والفنّ، أو يبذّر المال الخاصّ أو العام على التّقليد الخيالي لثقافة ضالّة؟ قال عمر رضي الله عنه: [إنّما أهلك من كان قبلكم تتبعهم آثار أنبيائهم] وروي عنه أنّه قطع شجرة بيعة الرّضوان لِمَا رأى من اهتمام بعض المسلمين بزيارتها أو الصّلاة عندها، وفوق ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وآله عن دخول آثار الضّالّين إلاّ بالبكاء خشية الاصابة بمثل ما أصابهم، ولا شكّ أن تتبع آثار وتراث وثقافة الضّالّين في حاضرنا (بلا فائدة تسدّ حاجة أو ضرورة) وسيلة للإصابة بمثل ما أصابهم من الانحراف والضّلال عن سواء الصّراط.
وصلى الله وسلّم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدّين.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن
المصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل عام كتبت ملاحظة (لم تنشر) على رأي لكاتب عربي بارز في كتاب (دليل الليالي العربية) لروبرت أُوِن، أحدثُ تقريض لكتاب (ألف ليلة وليلة) في سلسلة الاعجاب الغَرْبيّ به، وأخذ منه الكاتب العربي أن: (ألف ليلة وليلة) لم يعط حقّه من التّقدير في موطنه.
وكان رأيي أن هذا الكتاب لا يستحقّ التقدير في العالم العربي وبخاصّة بين المسلمين، ولم يهتمّ به العَرَب القدوة في الدّين والأدب لأنّه كان من سقط المؤلّفات بكلّ مقاييس الحكم الصّحيح: لغويّة، وفنّيّة، وخلقيّة، وشرعيّة، وتربويّة، وإنما مثله (وإن كان يقصر كثيراً) مثل (رباعيّات الخيام) في الأدب الفارسيّ لم تنل خطوة تذكر في موطنها حتى ترجمها (فيتزجرالد) إلى الإنجليزيّة بنظمه الجميل الرّاقي (بالمقاييس الأدبيّة الحديثة)، فالقيمة الحقيقيّة للرّباعيّات إنّما هي لصياغة (فيتزجرالد) وليست لصيغة (عمر الخيّام).
وفي العربيّة: القيمة الحقيقيّة للرّباعيّات إنما هي لصياغة أحمد رامي بشعره الرّقيق السّلس والمغايرة للأصل، ويظهر صحة هذا الحكم عند المقارنة بين ترجمة أحمد رامي للرّباعيّات وترجمة أحمد الصّافي النّجفي الموافقة للأصل.
والواقع أن أكثر حكايات (ألف ليلة وليلة)ساذجة وساقطة ولا يصحّ ديناً ولا خلقاً ولا تربيةً ولا أدباً أن تقدّم نموذجاً فنّيّاً صالحاً للأبناء والأحفاد.
ولكن المسلمين في العصور المتخلّفة مستعدّون لاتّباع أيّ ناعق غربيّ (أو شرقيّ) في أيّ قضيّة فكريّة، ولو كانوا ألصق بها وأقدر على الحكم عليها.
نعم! يمكن الاستفادة من التّقنية والثقافة الغربيّة، وانتاجها من البحوث الجادّة المفيدة في الأمور الدّنيويّة، بل والدّينيّة فقد أيّد الله الباحثين المسلمين في تقنيّة علوم القرآن بنصرانيّ ألمانيّ؛ فظهر لأوّل مرّة: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن، ثمّ (في تقنية علوم السّنّة) بنصرانيّ هولندي: فظهر لأول مرّة: المعجم المفهرس الشّامل لألفاظ الحديث أعانه على إخراجه وموّله عدد من الأفراد والمؤسّسات النّصرانيّة.
ولكن أين من الشرع بل وأين من العقل: الاهتمام بورقة من المصحف من (جلد الغزال) يشتريها بمئات الألوف السّذّج من الأثرياء مما استخلفهم الله فيه لينظر كيف يعملون أو السّذّج من الموظّفين على حساب الخزانة العامّة، لو كان الحَكَمُ قول الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين}؛ لا يحبّ المسرفين في الطيّب الحلال المفيد من أمور الدّين والدّنيا، فكيف بالإسراف في القِيَم الخياليّة فنّيّة أو جماليّة أو رياضيّة أو فكريّة.
ليس من شرع الله في شيء، بل وليس من العقل في شيء هذا التّهالك على (التراث والآثار) دينيّة أو دنيويّة لمجرّد مرور الزّمن عليه أو قبوله في مجتمع صناعيّ.
ولئن كان الكافر معذوراً (وجنّته في الدّنيا) باللهو الخياليّ فتتحوّل مقطوعة (فالس بوليرو) من: (دقيقة من الأوركسترا بلا موسيقى) كما حكم عليها مؤلّفها (رافلّ) بِحُكْمِ مجتمع (فيينّا) الفنّي قبل 70سنة، إلى مقطوعة من الدّرجة الأولى اليوم، وتلقى لوحة (ماتِس) في متحف نيويورك للفنّ الحديث ما تستحقّه من الحفاوة والتّقريض والاعجاب مدّة شهر ونصف وزوّارها يبلغون مئات الألوف من محترفي الفنّ وهواته ونقّاده، ثمّ يتبيّن (بملاحظة غير فنّيّة) أنّها علّقت مقلوبة طوال هذه الفترة.
فما هو عذر المسلم الذي يتقرّب إلى الله بغير شرعه، أو ينشر الفسق والتّفاهة باسم الأدب والفنّ، أو يبذّر المال الخاصّ أو العام على التّقليد الخيالي لثقافة ضالّة؟ قال عمر رضي الله عنه: [إنّما أهلك من كان قبلكم تتبعهم آثار أنبيائهم] وروي عنه أنّه قطع شجرة بيعة الرّضوان لِمَا رأى من اهتمام بعض المسلمين بزيارتها أو الصّلاة عندها، وفوق ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وآله عن دخول آثار الضّالّين إلاّ بالبكاء خشية الاصابة بمثل ما أصابهم، ولا شكّ أن تتبع آثار وتراث وثقافة الضّالّين في حاضرنا (بلا فائدة تسدّ حاجة أو ضرورة) وسيلة للإصابة بمثل ما أصابهم من الانحراف والضّلال عن سواء الصّراط.
وصلى الله وسلّم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدّين.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن
المصدر